أحدهم فسر ما يعده إخفاقاً لعهد الرئيس عبد ربه هادي بأنه معزول عن.. المثقفين! ونحن لا نريد هنا أن نخوض في نقاش حول إخفاق الرئيس أو نجاحه فالوقت لم يحن بعد، وربما لو تم تقييم أداء الرئيس مقارنة بالأوضاع التي كانت عليها اليمن وقت توليه فستكون النتيجة لصالحه إجمالاً! التقييم ليس غرضنا.. لكن زعم المنظّر المشار إليه بأن الابتعاد او الانعزال عن المثقفين هو سبب الفشل هو الذي يحتاج لتعليق من جوانب عدة: فأولاً؛ لا يمكن القول إن رئيساً ما لم يكن حوله مثقفون؛ فحتى زياد بري كان حوله مثقفون.. وماركسيون! والشيخ سلطان البركاني (شفاه الله من كل أمراضه وليس القلب فقط!) يعد من المثقفين، ولديه قدرة على التنظير والتفلسف أكثر من الشاكي من عزلة هادي عن المثقفين! وحملة شهادات الدكتوراة الذين كانوا حول مبارك وصالح وابن علي والأسد وغيرهم لا يمكن إحصاء عددهم! وكل المؤتمريين الذين شتموا شتماً قبيحاً مثقفاً مثل د. محمد المتوكل طوال السنوات الماضية هم من المثقفين والشعراء والأدباء والصحفيين والأكاديميين الأعضاء في الحزب الأكثر استحقاقاً لصفة حزب مدني على ذمة المتوكل نفسه! وأثناء قراءة لأبرز كتاب يؤرخ للدولة النازية الهتلرية سجلت ملاحظة -سوف أعود إليها مستقبلاً إن شاء الله- أن هتلر وأبرز قادته الحزبيين المجرمين هم من أبرز المهتمين بدراسة التاريخ والفلسفة ويعشقون الموسيقى الراقية مثل الأوبرات العالمية.. ومع ذلك فلم ينفعهم ذلك لا في معرفة الحق ولا في تقديم المشورة الصحيحة لزعيمهم الذي كان مصيره وربما بسبب المثقفين أن انتحر بعد أن دمر بلاده وعرضها للاحتلال، ودمر معها أوروبا، وتسبب في قتل أربعين مليون إنسان منهم ستة ملايين ألماني وعشرون مليون روسي! وأبرز ما قيل إنه أخذ على الرئيس السابق عبد الفتاح إسماعيل في جنوب الوطن إنه كان يقضي ساعات طويلة مع الأدباء، وقيل إنه قضى ليلة الانقلاب الأبيض عليه سبع ساعات مع أدونيس بينما كان رفاقه يتآمرون عليه بحجة عدم قدرته على إدارة الدولة! ومن الثابت أن كل الأنظمة الشيوعية التي كانت قائمة قبل انهيار الاتحاد السوفيتي؛ وما تبقى منها حتى الآن؛ كان يحكمها قادة مثقفون قرأوا على الأقل ملخصاً لرأس المال، وكتابات ماركس ولينين وإنجلز وماو، وروايات مكسيم جورجي وغيره من الكتاب والشعراء اليساريين.. ولذا فهم لم ينعزلوا عن المثقفين بل كانوا مثقفين ومنظرين (باستثناء واحد.. لا داع لذكر اسمه!).. فهل كان حظهم بكل هذه التفاصيل أفضل من هادي؟ ••• وأما ثانياً؛ فمصطلح "المثقفون" لا يمكن ضبطه وتحديد على من ينطبق من البشر.. فالحصول على لقب مثقف طالما أشقى الباحثين عنه، وأشهر العداوات هي عداوات المثقفين لبعضهم بعضاً.. والأدب الإنساني فيه أعمال عديدة تدين انتهازية المثقفين فهم في الأخير بشر فيهم الصالح والطالح، والمخلص والانتهازي.. وفي أدب الأديب المصري الشهير نجيب محفوظ عدد مهم من الأعمال الأدبية التي تدين الأنماط المنحرفة للمثقفين (انظر مثلاً: اللص والكلاب، وثرثرة فوق النيل، والمرايا). سنحمل الرجل على حسن الظن؛ فنقول إنه أراد أن يقول إن الرئيس هادي معزول عن الأكاديميين والكفاءات والكوادر المجربة؛ ولكن لكيلا يقال إنه كان يقصد نفسه فقد استخدم كلمة "المثقفين" وهي غير مناسبة في رأينا.. فالمثقفون يشملون الصحفيين والمذيعين وحتى الشعراء الشعبيين، وربما الممثلين والمطربين.. ومن باب أولى كل من يؤلف قصيدة أو يكتب قصة أو يرسم لوحة.. والصفة تشمل أيضا علماء الدين والفقهاء دون ريب! وأخيراً.. فإن الثابت أن الانقلاب العسكري في مصر تم بمساندة ودعم المثقفين من أشد التيارات حديثاً عن الثقافة والمثقفين.. واستخدموا كل ثقافتهم للترويج بأن الانقلاب كان ثورة شعبية حتى ولو كان قائده وزير الدفاع ومساعده وزير الداخلية.. وتسابقوا للانقضاض على الحريات وتحريض العسكر على المعارضين واستباحة دمائهم.. دون إحم ولا ثقافة! ولا شك أن بعض المسؤولين العرب كانوا أذكياء بالفطرة في فهمهم لألاعيب المثقفين؛ فعندما جاء أحدهم يشكو إليه إجباره على عمل ما لا يليق به وهو عنده بكالوريس؛ فرد عليه قائلاً: وشرف الثورة.. لو عندك حتى بلهارسيا.. بتشتغل يعني بتشتغل!