رشح الإخوان خيرت الشاطر ولأنه رُفض من لجنة الانتخابات في مفارقة عجيبة - لأنه كان مسجونا في سجون مبارك ولم يرد إليه اعتباره - وكان بوسع الإخوان أن يحشدوا مليونية إلى الشارع تطالب بالشاطر, الزعيم الروحي وفارس أحلام الجماهير ذلك الذي أحيا الآمال. اختفى الشاطر وظهر نجم مرسي, هكذا بهارمونية عالية الكفاءة والأداء, لم نسمع بأحداث يناير ولا بانتحار المشير عامر ولا حتى بشكوك القهوة التي أطاحت بعبد الناصر. وبدل أن تُقرأ بإيجابية المؤسسية وعبقرية نكران الذات, راحوا يقرؤونها بسلبية وأطلقوا لفظة الاستبن. تذكرت تعليقا لحسن نصر الله في 2006 في حرب لبنان الأخيرة قال"أوقفنا إطلاق الصواريخ 24 ساعة, وبدل أن يقرأها الأغبياء كمؤشر لقدرة الحزب على التواصل مع كل وحداته على الجبهة بكفاءة عالية راحوا يقرؤونها هزيمة وأعلنوا أن منظومة الصواريخ قد ضربت بالكامل"!! كتب الكاتب و السيناريست بلال فضل مستغربا " لقد عمل صباحي 20 عاما في الصحافة ولم يقرأ الشعب المصري تحقيقا صحفيا واحدا ناجحا لصباحي, ثم خلص إلى القول"الذي لم يقدر على إدارة صحيفة الكرامة لا يمكن أن يكون مؤتمنا على قيادة بلد", وحتى عبد الحليم قنديل الذي كتب" نعم يا مبارك أشعر بالعار لانك الرئيس أشعر بالقرف أشعر كأني أريد ان أتقيأك"في مقال بعنوان "أشعر بالعار لأنك رئيس" توقف عن الكتابة في الصحيفة لأسباب قيل حينها إنها بطلب من الرئاسة. أستطيع القول وبثقة إن الإخوان لم يفشلوا أبدا في الوصول لقطاعات الشعب المصري, هم فشلوا فقط للوصول إلى معظم رموز الفن وبعض المثقفين, وحين نتحدث عن المثقفين فنحن نتحدث عن أولئك النفر الذين هُيئت لهم الظروف للكتابة والتربع على عرش الثقافة حين كان الإخوان في أقباء السجون. لقد وصلوا إلى الشعب باقتدار صغارا وكبارا , فقراء وأغنياء حتى أصبحت نقابة الأطباء والمهندسين والمحامين واتحادات الطلاب مقاعد تبدو حصرية للإخوان وبقيت نقابة السينمائيين ونقابة المهن الموسيقية بعيدا عنهم. يحكي يوسف ندا في مقابلة مع المصري اليوم أن ما يربو على 100 مليون شخص في 72 دولة ينتمون للحركة حول العالم بحسب إحصائية 2007 وهذا يجعل الحركة ضمن التنظيمات الأكثر انتشارا على سطح الأرض. وهنا تبدو حكاية استغلال الفقراء شديدة التهافت, وإن كان الأصل أن يكون الفقراء هم الميدان الحقيقي للسباق وعلى الجميع أن يسترضيهم. في 2007 كتب ابراهيم عيسى في الدستور ملفا كاملا عن المعتقلين قال فيه" لقد انخفض سقف المطالب لديهم, لم يعد أحد يفكر في الخروج, فقط يريدون من أمن الدولة أن يخبروهم بأماكن المعتقلات نتيجة التنقل العشوائي والمتكرر بين المعتقلات حتى تتمكن عوائلهم من زيارتهم وإيصال الغذاء لهم, وكان يتحدث أيضا عن 450 قضية حقوقية مرفوعة على حبيب العادلي, لكننا الآن أصبحنا نخشى الاستبداد الديني!! هؤلاء طبعا المعتقلون العاديون, أما الإخوان فلهم طريقة خاصة في الاعتقال والمحاكمات العسكرية! وللمحكمة العسكرية قصة نضال لا تسعها الصفحات لأنها صنعت خصيصا لمحاكمة الإخوان الذين لا تقدر المحاكم المدنية على إدانتهم بالقانون المدني! أعني طريقة أمن حافظ الأسد التي حكى جزءا منها المسيحي مصطفى خليفة في روايته" القوقعة"التي كتبها بعد اعتقال دام 13 عاما بتهمة الانتماء للإخوان المسلمين, حتى قال إنهم أجبروهم على الشرب من البلاعة وعلى ابتلاع الضفادع والفئران لأن أحدهم وشي بقوله في حالة سكر"إن حافظ الأسد مثل الكبش". ربما يقول البعض, أنت تزايد على موضوع المعتقل والزنزانة, والحقيقة أني لا أزايد لأن المعتقل حين يستقبل 17 الف معتقل من فصيل واحد في يوم واحد فإن هذا يستحق أن يكون موضوعا للمزايدة ! فنحن لا نتحدث عن موسيليني ولا لينين ولا ماو تسي تنج ولا أدولف هتلر أو سوهارتو ولا حتى مناحيم بيجن الذي عرفته بريطانيا بالإرهابي رقم واحد, ثم عاد العالم ومنحه نوبل للسلام !! ربما يعاني الإخوان في مصر ذات المعاناة التي يلاقيها المسلمون في الغرب حين يقولون لهم" أنتم إرهابيون", يتعب هؤلاء الأبرياء في التوضيح أن المسلمين متفاوتون ليسو كلهم أسامة بن لادن وأن هناك مسلمين منحرفين جدا، لكن لا يصدقهم غير القليل, أولئك الذين خرجوا عن سلطة الإعلام الموجه ضد الإسلام بطريقة منظمة فائقة الاحتراف. في أدبيات الإخوان مفهوم راسخ" إيثار الناحية العملية على العملية الدعائية والإعلانية" وهو مبدأ استراتيجي يبدو في تصوري خاطئا ينتج عنه هذا القصور الاعلامي الكبير في الحديث عن دور الإخوان و نضالاتهم, وعليهم أن يطوروا منظومتهم الإعلامية فلقد اتضح أن الأمة تأكل الشعارات كما تأكل الدقيق والفول. لاحظوا, الدعوة للمقاطعة ليست سوى تغطية لموقف تخاذل, لأن الموقف إما أن تكون في صف الثورة أو تنزل الميدان بصدق ومن اللحظة وبجدية للقيام بالثورة الحقيقية, أما المقاطعة فهي شهادة مزورة لشفيق وليست أكثر من ذلك. الإخوان اقصائيون, حتى ولو كان أول مسيحي يدخل البرلمان المصري في قائمتهم في 87م ضمن تحالف (الإخوان, العمل, الأحرار ), ثم حركة كفاية, ثم أخيرا التحالف الديموقراطي من أجل مصر الذي أثمر 4 مقاعد لحزب الكرامة بما فيها مقعد صباحي نفسه. هذه الأعمال تصنف في قائمة الانتهازية, إنهم يتكالبون على السلطة, ولفظة يتكالبون على قبحها إلا أنها وردت كثيرا على لسان الكثير من الساسة والمثقفين!!! الإخوان إما إقصائيون أو انتهازيون وصوليون!! أما وطنيون وثوريون ومناضلون فليست لهم!!! فكروا !! لو آمن الإخوان بطريق العنف والاغتيالات لربما فاقوا في أدائهم الألولية الحمراء التي اعتقلت الرئيس الدامورو في 78 في إيطاليا أو عصابات الهاجاناه اليهودية أو حتى جماعة نبيه بري في اختطاف الطائرات , لكن لدى الإخوان قواعدهم الثابتة في التأسيس لمراحل أكثر استقرارا وتفاهما , لدى الإخوان فكرة لدولة وليس لعصابة تطبق فهمها وقوانينها بالقتل وقطع الطرقات. أتفهم هنا طبعا أن الخوف عند كثيرين مصدره الأساس هو الجهل, والإنسان بطبيعته عدو ما يجهل, والجهل له أسبابه المختلفة أهمها هذا التحشيد المخيف للتحذير من قدوم الوحش والغولة التي ستأكل أبناءها. في الحقيقة يدهشك البعض وهو ينظر إلى الإخوان بتخوف مرعب كما لو انهم جثة استبان العملاقة في رواية أجمل غريق في العالم لماركيز تلك الذي قذف بها البحر عليهم ذات مساء" إنه استبان يمتد أمامهم مثل سمكةِ السردين حافي القدمين مرتديًا سروال طفلٍ رضيع، ثم هذه الأظافر التي لا تُقطع إلا بسكين" ثم يواصلون التحديق مشدوهين بذات الطريقة التي كانت نسوة القرية تحدق فيها على هذه الجثة العملاقة. وأن الناس الآن مجبرون وعلى مضض على الاحتماء بظل الإخوان القائظ " تعال إلى ظل هذه الصخرة الحمراء ولسوف أريك الخوف في حفنة من تراب" كما قال توماس.س إليوت في الأرض اليباب. هذه التخاريف ليست فقط دفاعا عن الإخوان , لكنها دفاعا عن الحقيقة, لأن تاريخنا الطويل يشتكي بحرقة من هذا التجريف للحقائق وهذا التزوير للأحداث والتشويه المتعمد للأفكار, وكل من امتلك السلطة راح يجرف الآخر ويجتث أطرافه. كان العباسيون في عهد الأمين والمأمون والمعتصم وحتى زمن الواثق يرفعون علم المعتزلة, ظلوا يحبسون احمد ابن حنبل وأنصاره زمنا, وكان المعتصم يشرف على عملية الجلد بنفسه وهو يقول للجلاد" شد قطع الله يدك", خرج احمد بن حنبل في عهد الواثق ثم لما جاء المتوكل حاكَمَ بن ابي ذؤاد وبقية الصف المعتزلي وشردهم قتلا وتنكيلا ونفيا وقضى تماما على كل فكر المعتزلة, بالرغم من كل الثراء المعرفي والفلسفي الغزير فيها وهكذا قل عن العباسيين والأمويين وحتى الفاطميين وهكذا, قديما وحتى حديثا. الكثير من القضايا الفكرية الناضجة اختفت لأن أصحابها تحولوا إلى أقلية, حتى في الأحاديث النبوية ستلاحظ توزيعا سياسيا لأحاديث وإخفاء لأخرى بحسب الزمن والمصلحة السياسية, ستجد مثلا من ينقل إجماع النووي في طاعة ولي الأمر ويتغاضى عن نقل النووي نفسه الإجماع على شرط القرشية, ببساطة لأن الحاكم ليس قرشيا وهذا النقل سيؤذيه, هكذا تحدث سلمان العودة في كتاب" أسئلة الثورة", مع تحفظي على مفهوم القرشية من الأساس. نحن لا نقبل بفلسفة هيجل وانجلز وكانط وروسو وماركس ونيتشة ودوركايم ولا أدب ماركيز وكازانتزاكيس وإليوت وكامو وجوته لأنهم ملاحدة أو ربوبيون, لكنهم قدموا فكرا في الشأن الاجتماعي والإنساني والوقوف مع البروليتاريا والمستضعفين وأساسيات في الفكر والفلسفة والثقافة والأدب والتعاقد الاجتماعي, يمكن أن تكون أساسا معرفيا لأي نشاط سياسي أو اجتماعي ولا تعارض بينها وبين الكليات الإسلامية في شيء, لأن التنظير لماركس في تفتيت الرأسمالية الصناعية ليس معناه القبول بفكرة الإلحاد المتهافتة وقراءة نيتشة لا تعني التسليم بفكرة موت الإله, ولا أن نقد العقل الخالص ونظرية المعرفة عند كانط ستدفعنا إلى نكران العقل أو إلى نكران النقل والنص. هذا تدافع فكري وثقافي ينمي جوانب الفكر الإنساني وينضج التجارب. ذات الأمر هنا في قراءة التاريخ، لا يمكن أن ننسف تاريخ حافل بالمعرفة والعطاء لمفكرين قوميين مثل ساطع الحصري وقسطنطين زريق وميشيل عفلق لأن تاريخهم السياسي كان قوميا أو لأن بعضهم كان مسيحيا, وبالمقابل لايمكن أن نهمل ما أنتجته مدرسة الإخوان المسلمين أو غيرها أو ننكر نضالاتهم أو نتأولها ونقلل منها على اعتبار خصومة السياسة!! (هل سمعتم عمرو موسى يقول لأبي الفتوح أنتم كنتم تدافعون عن الجماعة في المعتقل!! بينما كان هو يحاول أن يثبت أنه كان معارضا قويا وشجاعا لمبارك )!! ينبغي على المعرفة والإنصاف أن لا تخضع لهذه التخصيصات, وأنا في هذه التخاريف استخدمت طريقة في المحاججة لبيان حجم التناقض الذي يمكن أن نقع فيه جميعا سواء بسواء لأننا نرتبط ثقافيا بخلفيات معرفية محددة ولا نسلم بغيرها. ختاما أقول كما قالت الأديبة العالمية فيسوافا شيمبورسكا وهي من طراز نوبل" أعتذر للأسئلة الكبيرة على الإجابة القصيرة"لأن حركة الإخوان سؤال كبير وغزير وجدلي ولكني هنا أقول شيئا من تخاريف. كاتب يمني..