كان يمكن للحوثي حل مشكلاته مع السلفيين بأكثر من طريقة لا تشبه استباحة دمهم وترويعهم ومحاولة إذلالهم وقصفهم بالدبابات والأسلحة الثقيلة. سياسياً يجلس الحوثي على رأس أهم مؤتمر وطني، ليس كمكوّن عادي بل ممثلاً في رئاسته بصالح هبرة إلى جانب قوى سياسية مؤثرة وذات تاريخ وطني طويل في قفزة لم ينل شرفها أي طرف من الأطراف الأخرى. وهي قفزة ليست حقيقية لأنها لم تؤسس على كفاءة أو خبرة بقدر ما استفادت من الوضع القائم بعد ثورة فبراير التي منحت الفرص ووزعتها حتى على من لا يستحقونها.
ورغم كل شيء إلا أن هذه القفزة تجعل منه طرفاً مؤثراً قريباً من مركز القرار، وقادراً على استخدام السياسة في حل مشكلاته، فإذا ما استشعر الخطر من السلفيين فيمكن الضغط عليهم عن طريق الدولة أو تحميل الدولة مسؤولية رفع الظلم الذي يحتقن في صدره، أو إخراج الإرهابيين الذين يدعي أنه يود إخراجهم من دماج، فهذه مهمة الدولة وما عليه إلا أن يقدم الدليل المادي على ذلك، إلا إنه لم يفعل.
كما يمكنه طرح ذلك للنقاش بين مكونات الثورة تحت عنوان حرية العقيدة والفكر، وتجريم التكفير والتحريض، ليضمن عدم تعرضه في المستقبل لذلك، أو أن يطرح على مؤتمر الحوار أحقاده على السلفيين ويطالب بإنصافه منهم، أو حتى إخراجهم من صعدة. ويبدو أن اعتذار الحكومة له يجب أن يصاحب بضمانات تجبره على احترام الاعتذار بتحمل الحكومة المسؤولية الكاملة، فهي التي حرضت السلفيين وحرضت القبائل. ويكفي الاعتذار لرفع المسؤولية عن الجميع.
كما يستند الحوثي إلى تعاطف عصبوي ربما شكك البعض فيه وفي توجهه، لكن لا يمكن تجاهله وهو لا يفتأ يستغله في كل مناسبة، ليحشده بكل الوسائل الوطنية واللاوطنية.
وهي طريقة تفيد في الضغط أكثر على الحكومة في حالة لم تستجب، ولكسب التعاطف والتأييد لقضيته التي يدعيها.
ولا يمكن أن نعدم أو يعدم الحوثي طرقاً لتجنب إراقة الدماء في أكثر من مكان في اليمن.
لماذا لم يحدث ذلك؟ يثير توقيت إثارة أحداث دماج الأخيرة المتزامن مع المرحلة النهائية للحوار الوطني الريبة، وقد جاء بعد إعلان الحوثي تعليق مشاركته في الحوار الوطني ومطالبته بضمانات.
ويثبت ذلك تجاوز الحوثي وجود لجنة رئاسية واتفاقات سابقة بهدف تهدئة الوضع في دماج، وهو ما يفسر الصمت الحكومي والرئاسي طوال هذه الأيام، في محاولة لعدم الانجرار إلى ما يريده الحوثي من إفشال للحوار الوطني وتشتيت الانتباه العام وشغل الدولة عنه وهو في مراحله الأخيرة.
ويفصح سلوك الحوثي عن فكر متناقض وطنياً، يثبت سقوط ادعاءات مدنيته وخطأ ركون بعض المثقفين ومن عرف عنهم الأفكار المتحررة ليمثل بديلاً لقوى سياسية لها تاريخ طويل وخبرة في الساحة الوطنية نحن على معرفة بها واحتكاك يمكننا من الاطمئنان إليها في تقرير مصيرنا، مع وعيها بأهمية الرأي العام واستعدادها لمراجعة حساباتها في حال تم توجيه النقد لها.
في طرف الحوثي يبدو أن فكرة الرأي العام والمراجعات المستمرة معدومة، فخطابه يمثل خطراً على الوحدة الوطنية والتماسك الداخلي.. وكلنا سمع ما قاله عن أحقيته بالحكم خلافاً لما اتفق عليه اليمنيون منذ قامت الجمهورية وبعد ثورة 11 فبراير ومنذ مؤتمر الحوار الوطني، ولم نعهده مرة قدم خطاباً مختلفاً في أفكاره ويدلل على حرصه على ذلك عدا ما تصرح به بعض الشخصيات المحسوبة عليه والحريصة على تحسين صورته والتي يبدو أنه لا يأبه لها ولا يقدرها، وقد كانت استقالة علي البخيتي من منصب الناطق الرسمي باسم الحوثيين دليلاً.
كما لا يغيب الاستدعاء التاريخي المؤثر على سلوك الحوثي وجماعته، وهو استدعاء للعنف كأساس للوصول إلى الحكم ومرتبط بشكل أكبر بحكم اليمن فيبدو ما يفعله تكرار لأحداث تاريخية يحفظها عن ظهر قلب دون غربلة ووعي.
سنكون في مأزق حقيقي طالما والحوثي يعيش مأزقه مع الفكرة التاريخية المسيطرة، التي تعتقد بالحقيقة المطلقة غير المنسجمة بالضرورة مع العقل والزمن.. وطالما التزمناً صمتاً خجولاً تجاه صراعاتنا دون الحديث الواضح عنها، وإعلان المخطئ وإنصاف المظلوم وهذا مطلوب في المقام الأول من قبل الدولة التي يعني سكوتها كفكرة جامعة توسع دائرة التدهور المهدد للسلم الأهلي.