رغم حجم الاستعصاء البادي إزاء بلوغ مؤتمر الحوار الوطني اعتاب مرحلة النهاية كنتاج بديهي للتعقيدات الطارئة على صعيد الخروج بحل توافقي للقضية الجنوبية ولشكل الدولة الاتحادية المرتقبة، إلا ان ذلك الاستعصاء لا يُجسد في واقع الامر تعليلاً للحيلولة دون إجراء بحث موضوعي وواقعي للتصورات المتعلقة بالشروع في مرحلة ما بعد انتهاء اعمال مؤتمر الحوار الوطني. حتى وإن كان البعض يرى في خروج لجنة (8+8) بحلول نهائية مدخلاً للوصول الى تصور بشأن المرحلة التالية لمؤتمر الحوار، إلا ان ثمة رؤى وتصورات يجري تداولها في أروقه ودهاليز القوى السياسية ومستويات اتخاذ القرار السياسي.
ربما لن نأت بجديد إذا ما زعمنا هنا ان مرحلة ما بعد الحوار تتطلب توافقاً سياسياً يفضي الى تأجيل الاستحقاقات الانتخابية لحين الانتهاء من التأسيس لمعالم الدولة الاتحادية الجديدة، وربما لن نأت بسبق إذا ما أشرنا الى ضرورة الشروع في مرحلة انتقالية ثانية باعتبارها المرحلة التمهيدية لنقل البلاد الى نظام الأقاليم، غير ان ما قد يبدو جديداً يكمن في التخريجة التي سيتم بموجبها الانتقال من المرحلة الانتقالية الاولى الى المرحلة الانتقالية الثانية.
ثمة من يرى في نظرية إبرام اتفاق سياسي جديد مخرجاً تقليدياً دون الاسترسال في إبانة التفاصيل، في حين يرى اخرون ضرورة اعتماد ملحق بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، غير ان نظرية الاعلان الدستوري تبدو بالنسبة للقوى الرئيسية في الحوار المخرج الأكثر تناسباً مع الواقع الناشئ بفعل طي مرحلة مؤتمر الحوار الوطني والشروع في تنفيذ مخرجاته على ارض الواقع.
الحديث عن فكرة الاعلان الدستوري تستوجب -في واقع الامر- حديثاً عن مضامين الاعلان واتجاهاته وما يمكن ان يحتويه من نصوص ومواد دستورية تؤسس للانتقال نحو الدولة الاتحادية المنتظرة.
وبما ان الإعلان الدستوري سيكون مستنداً على اتفاق سياسي بين القوى الرئيسية في الحوار الوطني ومنطلقاً من اسس المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، فإن هذا الاعلان يمكن ان يصدر بقرار من رئيس الجمهورية متضمناً في الاستهلال تحديد مسببات صدوره ألا وهي الشروع في المرحلة الانتقالية الثانية وانتهاء المرحلة الانتقالية الاولى على ان تتضمن الاسس الرئيسية لإدارة دفة هذه المرحلة.
يمكن لهذه الاسس هنا ان تتضمن الآتي: اولاً: تحويل مؤتمر الحوار الوطني الشامل الى هيئة تأسيسية على غرار المجلس التأسيسي في تونس (برلمان المرحلة الانتقالية) ويمكن هنا ان يتم الانتقاء من بين اعضاء مؤتمر الحوار بموازاة اضافة عدد من الاعضاء البارزين من قوام البرلمان المنتهية ولايته منذ سنوات، وبحيث تتولى الهيئة التأسيسية المصادقة على الدستور الجديد للبلاد قبل الاستفتاء عليه ومنح الثقة لحكومة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني وإقرار قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية.
ثانياً: إنشاء لجنة صياغة الدستور لوضع نصوص دستور الدولة الاتحادية الجديدة في ضوء مخرجات مؤتمر الحوار الوطني.
ثالثاً: عرض نتائج أعمال لجنة صياغة الدستور على الهيئة التأسيسية الناشئة بموجب الاعلان الدستوري (والتي هي في واقع الامر مكونة من قوام اعضاء مؤتمر الحوار الوطني) بالإضافة الى إقرار الدستور الجديد من جانب هذه الهيئة او الجمعية التأسيسية.
رابعاً: دعوة عموم الشعب اليمني الى الاستفتاء على الدستور الجديد للدولة.
خامساً: تشكيل حكومة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني بالتقاسم السياسي بين الاحزاب في ضوء ما نصت عليه المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية بهذا الشأن.
سادساً: تأجيل الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية والبرلمانية سواءً على مستوى الدولة الاتحادية او على مستوى الاقاليم لحين الانتهاء من المرحلة الانتقالية الثانية والتأسيس للشكل الجديد للدولة.
سابعاً: تتولى حكومة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني القيام بمهمتين أساسيتين أولهما: تنفيذ مخرجات الحوار الوطني والشروع في عملية التهيئة والانتقال نحو نظام الدولة الاتحادية (الأقاليم) في ضوء ما نص عليه الدستور الجديد للدولة.
ثامناً: يعد هذا الاعلان الدستوري سارياً لمدة عامين وينتهي العمل به بمجرد انتهاء مدة المرحلة الانتقالية الثانية واجراء الانتخابات الرئاسية.
تاسعاً: عقب انتهاء المرحلة الانتقالية الثانية يتم اجراء انتخابات عامة لرئاسة الدولة الاتحادية وللبرلمان الاتحادي ولبرلمانات الأقاليم.
بصرف النظر عن فكرة المضامين، وبغض النظر ايضاً عن نظرية الاستعصاء الحائلة دون التفكير في التخريجة الأنسب لطي صفحة مؤتمر الحوار الوطني، تظل فكرة الاعلان الدستوري هي الأكثر تناسباً كحد فاصل ما بين انتهاء المرحلة الانتقالية الاولى والشروع في أولى خطوات المرحلة الانتقالية الثانية التي ببلوغها يفترض ان يكون الوطن قد طوى صفحة الصراعات متحللاً من اعباء المركزية الشديدة التي حولت اطراف الوطن الجغرافية الى محض توابع على شاكلة الفرع والأصل..!