بموازاة الحوار الوطني الداخلي، هل كان يتعين على الحكومة اليمنية إدارة حوار يمني سعودي جاد لإدارة ملف المغتربين، والبحث عن صيغ جديدة يحظى فيها العمال اليمنيون بمزايا خاصة لا تتعارض مع قوانين العمل السعودية؟ بل لماذا يتم استبعاد ملف المغتربين من الحوار الوطني والمجتمعي الذي يفترض أن يكون عملية مستمرة لا ترتبط بمعالجة أزمة أو في سياق تداعيات ثورة؟
في الأشهر الماضية اعتمد المسؤولون اليمنيون (رئاسة، ورئاسة وزراء، ووزارات مغتربين وخارجية وشؤون اجتماعية وعمل، وسفارة وقنصلية) منطقاً متشابهاً، خلاصته: المملكة لها الحق في تطبيق أنظمة العمل، والمخالفون يتحملون المسؤولية!
هل كان بإمكان الجانب اليمني إنجاز أي نجاح في هذا الملف، ولو عبر عملية تفاوضية حوارية تؤكد على بعد الشراكة الذي يستفيد منه الجانبان اليمني والسعودي؟. كان يمكن على الأقل المطالبة بمساواة المغترب اليمني بالمغترب السوري، على أساس أن البلدين منكوبان، وكما أن ترحيل السوري لبلاده متعذر بسبب الحرب، فإن ترحيل مئات آلاف اليمنيين سيخلق أوضاعاً مأساوية و كارثية لا تستفيد منها إلا الأطراف المعادية لليمن وللسعودية أيضاً.
يتضرر ملف المغتربين من التناولات الإعلامية التي تتلقف روايات غير دقيقة ومبالغ فيها عن انتهاكات ومآسٍ غير واقعية، فتنفخ فيها باستمالات عاطفية شعبوية، يطرب لها السامعون، لكنها لا تقدم شيئاً عملياً على أرض الواقع سوى التأزيم وزيادة الاحتقان الشعبي، وصرف الانتباه عن المسؤوليات الحقيقية التي يقع جانب كبير منها على عاتق الحكومة اليمنية.
ليس ذلك فحسب بل إن النفخ الإعلامي المستند إلى روايات غير دقيقة وغير واقعية يؤدي إلى اغتيال الحقيقة، وإسدال الستار على الانتهاكات الحقيقية وقصص الألم الواقعية التي يعاني منها العمال اليمنيون المرحلون، والمحصلة أن أولئك البسطاء قد تكالبت عليهم كل الأطراف ابتداءً من التقصير الحكومي ومروراً بالأداء الإعلامي غير المنصف وانتهاءً بقسوة الإجراءات النظامية في البلد المضيف.
لا يساعد الأداء الإعلامي اليمني (الرسمي وغير الرسمي) على تسليط الضوء بشكل متوازن على ملف المغتربين، أو تحفيز النقاش بشكل منطقي، ناهيك عن قدرته على لفت أنظار صانعي القرار لمكامن الخلل والتقصير في الأداء الحكومي والشعبي.
بل ويصبح الحديث عن التجاوزات في الأداء الصحفي والإعلامي السعودي – وهي ظاهرة ملموسة - هو من باب الهروب للأمام، وأشبه بمن يطالب الطرف الآخر بتجنب تجاوزات وهو يمارسها ليل نهار.
وبذلك فإن عمليات ترحيل عشرات الآلاف وربما مئات الآلاف من العمال اليمنيين من السعودية، قد صاحبها وواكبها عمليات ترحيل سياسية وإعلامية من نوع مشابه، فالسياسيون اليمنيون يرحّلون الملف لأنهم اقتنعوا بأنه لا يعنيهم!، والصحفيون والإعلاميون رحلوا باهتماماتهم وتغطياتهم إلى مبالغات وتغطيات غير واقعية طمست الانتهاكات الحقيقية التي يعاني منها البسطاء من العمال اليمنيين في الداخل والخارج.