في كل بلاد العالم تسعى الدول والحكومات للإكثار من الموارد لرفد اقتصادها لتحافظ على مستوى النمو والتقليل من التضخم الناتج عن النمو السكاني وارتفاع الأسعار مقابل دخل الفرد. ما لاحظناه من تصرفات المملكة العربية السعودية في النواحي الاقتصادية طوال سنين مضت شيء يبعث على الاستغراب، إذ كيف بدولة تصنف على أنها أكبر مصدر للنفط عالميا وليس لديها أبسط طموح في سن قوانين تجتذب المستثمرين الأجانب وتتيح للعمالة الوافدة العمل دون منغصات، ذلك من شأنه مضاعفة عدد دافعي الضرائب التي بدورها ستؤسس لاقتصاد ثابت لا يتأثر بارتفاع أو انخفاض أسعار الطاقة.
وبلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي في المملكة للعام 2012م 91 ألف ريال سعودي 24.3 ألف دولار.
وتعد المملكة السعودية من أكبر الأسواق الاستهلاكية في الشرق الأوسط لاسيما الجوانب المتعلقة بالتكنولوجيا الحديثة لما لها من ارتباط وثيق بمقدار الدخل السنوي للفرد، حتى بات لدى المواطن السعودي نوع من الهوس في متابعة كل جديد فيما يتعلق بالتقنيات والأجهزة الحديثة، حيث تمثل المملكة 35% من حجم سوق الكمبيوتر في الشرق الأوسط بحسب ما جاء على لسان مدير الأنظمة الشخصية في شركة «إتش بي» في السعودية.
بلغت الصادرات التركية للعالم 2012م ما مقداره 153 مليار دولار أمريكي فيما قيمة الصادرات النفطية السعودية 198 مليار دولار سنويا إذا اعتبرنا أن إنتاجها اليومي 10 ملايين برميل، بينما بلغت صادراتها غير النفطية 160 مليار ريال سعودي فقط للعام 2012 وهذا يبين مدى الفوضى الاقتصادية التي تُسَي�'َر بها الإمكانات الهائلة للمملكة.
ويمكن للثروة السعودية الهائلة كما هي ثروات الخليج أن يتم بها إنشاء مشاريع تكنولوجية ضخمة قادرة على إحداث تغيير شامل على الخارطة الجيواقتصادية للعالم العربي بأسره بعد الاستعانة بالخبراء العرب المشتتين في أصقاع الأرض يبحثون عمن يتبنى أفكارهم واختراعاتهم.
ويبلغ إجمالي سكان المملكة العربية السعودية ما نسبته 29.2 مليون نسمة منهم 8.6 مليون مقيم من جنسيات مختلفة عربية وغيرها ويشكل اليمنيون ما يربو على 1.5 مليون مقيم وكل هؤلاء محصورون في أعمال محدودة ولا يسمح لهم بمزاولة التجارة الحرة او التملك إلا عبر «الكفيل»، فلجأ الكثير منهم للعمل بشكل غير قانوني وسعوا للتملك والتجارة عن طريق آخرين سعوديين، وترحيلهم هذه الأيام يعني أن يذهب كل ما جمعوه في سني عمرهم سدى، وسيشكل ذلك عبئا ثقيلا على الاقتصاد الوطني للمملكة الذي يعتمد جزء منه على الناتج المحلي عبر القطاع الخاص بأيدي العمالة الخارجية التي بلغت أكثر من ثمانية ملايين عامل.
سمعنا في إطار الحملة ضد اليمنيين في السعودية بأن نساء يمنيات مؤهلات تأهيلاً علمياً ذهبن مع أزواجهن للاغتراب في بلاد الحرمين الشريفين، وبدلا من المكوث بين أربعة حيطان ذهبن للعمل في حقل التعليم في مدارس خاصة في المملكة «الشقيقة»، وكن يتقاضين رواتب مجزية ما يعني أنهن يدفعن ضرائب تذهب لخزينة الدولة السعودية وساهمن في رفد اقتصاد البلاد التي يعملن فيها بشكل ايجابي وبعد مدة طويلة اكتشفن أن «الجوازات» قد أصدرت تعميما أمرت من خلاله كل من قدمت إلى المملكة السعودية ب«فيزا ربت بيت» عليها العودة إلى بيتها وإلا ستواجه الترحيل.
وهنا تكمن المشكلة الاقتصادية التي يجهلها السعوديون قاطبة، فهؤلاء النسوة أردن العمل لتخفيف الأعباء المالية على أزواجهن وفي نفس الوقت يساهمن في دعم اقتصاد البلاد، فكان الأجدر بالحكومة إرسال باقات من الورود لهن لتشجيعهن على العمل بدلا من أن يصبحن عالة على الدولة فيخرج من يقول في نهاية المطاف بأن اليمنيات أصبحن عبئا اقتصاديا على المملكة.
في الولاياتالمتحدةالامريكية، المرأة التي ليس لديها أطفال ترعاهم ولا تذهب للعمل لا يمكنها الحصول على المزايا التي تقدمها الحكومة نهاية كل عام ضريبي بحجة عدم مساهمتها في رفد الاقتصاد الوطني عبر الاستقطاعات الضريبية حسب ساعات العمل التي لديها كل عام.
لو أن الحكومة السعودية -على الأقل- حذت حذو دولة الإمارات العربية المتحدة، ودبي على وجه الخصوص، وما فيها من قوانين التملك ل«الأجنبي» - مع أن العربي ليس بأجنبي- حتى حذر محللون استراتيجيون كالعجوز هيكل وعبدالله النفيسي وآخرون من أن الانفتاح بتلك الطريقة غير المنضبطة لاسيما على غير العرب فيما يخص حق التملك لأي شخص سواء كان عربي أو غير عربي سيؤدي في نهاية المطاف إلى مشكلة أثنية وبروز أعراق وطوائف وجماعات ضغط سيكون من الصعب على دولة الإمارات التعامل معهم كمواطنين أجانب أو طردهم بل سيطالبون بحق الانتخاب وحق التعليم المجاني وحق التامين الصحي وغيرها من المزايا التي تخص مواطني الدولة.
ليس المطلوب من السعوديين تبني نفس الفعل الإماراتي بقدر ما هم مطالبون بسرعة النظر في مستقبل البلاد، مستقبل الشعب والأجيال القادمة، لماذا أكثر من 90% من ميزانية المملكة تعتمد على النفط، أين هي المشاريع القومية والمصانع العملاقة التي ستوطد مداميك الاقتصاد الهش، فالعالم اليوم يسعى لاستصناع الوقود الحيوي والذي قد يجعله في غنى عن بترول «الشقيقة» الضخم.
مؤخرا، أعلنت الولاياتالمتحدةالأمريكية عن أن كمية إنتاجها من النفط تجاوزت 12 مليون برميل يوميا وبهذا الرقم تصبح الولاياتالمتحدة هي الدولة الأكثر إنتاجا للذهب الأسود في العالم متخطية السعودية بمليوني برميل والتي احتفظت بهذا اللقب طيلة العقود الماضية.
مع التغيرات الاقتصادية المتسارعة عالميا اليوم فإن الاستغناء عن النفط العربي بات أمرا وشيكا بالتزامن مع تغيرات سياسية تمشي بخطى ثابتة تشهدها المنطقة وتحولات كبيرة في المواقف الغربية تجاه إيران -أحد أعضاء أوبك- والتي كللت بصفقة بين الغرب وعلى رأسهم الولاياتالمتحدة وبين إيران بشأن ملفها النووي ويمكن بموجبها رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران وعلى رأسها قطاع النفط.
البدائل الاقتصادية غير مأخوذة في حسبان ساسة السعودية نظرا للتعقيدات السياسية المرتبطة بنظام الحكم الذي يطلق العنان لمراكز قوى متعددة للتحكم في سير العملية الاقتصادية عبر شركات عائلية عملاقة تستحوذ على كثير من القطاعات الحيوية في الدولة كان من المفترض فتحها أمام عامة المستثمرين لخلق حالة من التنافس الاقتصادي الذي سيؤدي في النهاية إلى جعل المملكة مركزا اقتصاديا عالميا لا يمكن تجاهله أو الاستغناء عنه من قبل اللاعبين الكبار في العالم.
«السعودة» من الصعب تطبيقها في ظل وجود عمالة محلية غير مؤهلة وتعيش في رفاهية غير مقننة، فبعد الطفرة النفطية التي حدثت مطلع ستينيات القرن الماضي قفز المواطن السعودي مباشرة من ظهر الإبل إلى مقعد السيارة وامتلك سيارات وعقارات وأموال في ظرف عشر سنوات وجاء الجيل الثاني والثالث اليوم على جو من الفراغ والرفاهية الاقتصادية التي لا توجد في أغنى دولة أوروبية على الإطلاق من حيث التسهيلات التي تقدمها الحكومة للشعب كتسهيل الاقتراض البنكي لإنشاء شركات خاصة أو تملك المنازل بالتقسيط المدعوم من الدولة وامتلاك السيارات الفارهة إلى جانب جواز استقدام العمالة الأجنبية من قبل الإفراد والتي يجنون من ورائها مبالغ طائلة، وهذه أمور أثرت سلبا على بنية المجتمع الاقتصادية وبات الشاب السعودي لا يهمه كيف يكسب المال لأن جيبه يحوي ثلاث إلى أربع بطاقات ائتمانية وحسابه البنكي يزخر بالمال مما أودعه والده أو اقترضه هو من الحكومة والذي قد يتحمل والده سداده بعد سنين وبهذا يتبين كيف تم استغلال الثروة النفطية في إضعاف قدرات الشعب وتركه يغرق في الرفاهية بعيدا عن الابتكار.
دور اليمنيين في بناء المملكة السعودية الحديثة لا ينكره عاقل فهناك الآلاف من عمالقة التجارة اليمنيين هاجروا للمملكة السعودية في حقبات متفرقة نتيجة الصراعات السياسية الدامية التي شهدتها اليمن في الخمسين سنة الماضية وكرسوا كل جهودهم وتجاربهم التجارية في تطوير وبناء مدن كانت عبارة عن صحاري جدباء وحولوها الى حواضر عالمية، وهناك من التجار الكبار من تزامن وجوده مع بداية وضع الملك عبدالعزيز آل سعود اللبنات الأولى للمملكة العربية السعودية وقدم للملك دعما ماليا وقروضا طويلة الأجل على أن يعيدها حال الفراغ من تثبيت أركان الدولة وهو ما تم بالفعل.
تحدث الخبير الاستراتيجي الدكتور عبدالله النفيسي في مقابلة تلفزيونية عن اليمنيين وقدراتهم العملية والعلمية وخبراتهم في مجال الصناعة، وذكر أن آلافاً منهم يعملون كمهندسين وفنيين وعمال عاديون في كبرى مصانع السيارات بمدينة ديترويت في الولاياتالمتحدة وكان بإمكان المملكة ومعها بعض دول الخليج شراء المصانع التي عرضتها شركة «جنرال موتورز» بعد الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 2008م والتي دفعتها لعرض العشرات من فروعها حول العالم للبيع وبأسعار «بخسة» واستقدام العمالة العربية واليمنية تحديدا لتشغيل تلك المصانع لتثبيت اقتصادها لمواجهة التحديات الراهنة.
الاستقرار الاقتصادي لأي دولة لا بد أن يسبقه استقرار سياسي وعلاقات متينة مع دول الجوار واحترام متبادل لخيارات الشعوب وفتح ميدان العمل أمام الجيران لضمان استمرار حالة الاستقرار الأمني والسياسي، لأن اتساع رقعة الفقر لدى أي من دول الجوار دون الالتفات إليها ومساعدتها على النهوض سيؤدي بلا شك إلى بروز ظواهر سلبية كتهريب الأسلحة والمخدرات وغيرها، وتلك من شأنها تهديد الأمن القومي للدولة.