تعد المرحلة الانتقالية الفترة الأهم في حياة الشعوب والثورات لأنها تحدد المستقبل المأمول او تعود بالأوضاع الى أسوأ مما كانت عليه.. ولعل لذلك اسباباً ومحددات أهمها: وجود قوى لا تريد نهاية مثالية للمرحلة الانتقالية لأن ذلك كفيل بالقضاء عليها ويأتي على رأسها: النظام السابق ممثلاً في الرئيس السابق وعائلته والمستفيدين منه، ولا شك ان هؤلاء هم اكثر المتضررين من الثورة باعتبارها قضت على أحلامهم في البقاء على عرش السلطة والاستئثار بالمزايا والثروة والجاه وفقدانهم كل ذلك يعني عملياً الموت البطيء لكل خططهم، لذا سيسعون بكل ما أوتوا من قوة لوقف عجلة التغيير او على الأقل الحد من تقدمها عل ذلك يصيب الثورة بانتكاسة ثم يعودون بطريقة مباشرة او غير مباشرة للسلطة. ولهذا تراهم يفتعلون المشاكل ويوجهون سهامهم لكل نجاح للثورة او للحكومة أو للرئيس هادي، والأغرب من ذلك انهم وفي وسائل إعلامهم يتباكون ليل نهار على الوطن ومنجزاتهم.. بل والأغرب ان يظهروا بمظهر المعارض، ولا شك ان النظام السابق يعد الأخطر على الثورة كونه لديه الخبرة والدراية والمعرفة بنقاط ضعف الدولة والحكومة، كيف لا والمؤسسات الأكبر في البلد لاتزال تحت إبطه كمجلسي النواب والشورى ونصف مؤتمر الحوار ونصف الحكومة، ولديه الكثير من الموالين في الأمن والجيش ومؤسسة القبيلة وهؤلاء لا شك قوة ضاربة ان لم يتم التصدي لها وكشف خططها فإن الفترة الانتقالية بل الثورة والبلد في خطر عظيم.
المليشيات المسلحة: وهذه عززت مواقعها أكثر مع انطلاق الثورة الشبابية الشعبية مستغلة الانفلات الأمني وضعف قبضة الدولة، مع انها في الأساس كانت مع النظام السابق بل ان البعض يتهمه برعايتها على عينه سعياً لاستغلالها للبقاء على كرسي السلطة، وقد دللوا بسقوط أبين في أيدي القاعدة بعد انسحاب مؤسسات الدولة منها كالأمن والحماية في العام 2011، قبل ان تستعيدها القوات المسلحة.
غير ان الأمر الأكثر خطورة هو وجود قوى تتوسع على الأرض بشكل مخيف يهدد كيان الدولة ويعيدها الى التاريخ الغابر خاصة وان هذه المليشيات تتمنطق بالعقيدة في حربها على الآخرين كالحوثيين وغيرهم، وهؤلاء باتوا يرون انهم قوة على الأرض ويجب ان يكون لهم نصيب كبير من كعكة السلطة والثروة، ولعل ما يفسر ذلك توسعهم الميداني في عدة جبهات حوالي صنعاء وفي أرحب وعمران والجوف ..الخ، وهو امر يجب ان يضع له العقلاء اعتبارا قبل ان يصل لمرحلة الاستعصاء ويشابه ما يحصل في لبنان بوجود دولة داخل الدولة، ثم ان القاعدة والمليشيات المتحالفة معها تشكل خطراً آخر يعيق المرحلة الانتقالية، ذلك ان وصولهم العميق لمؤسسات الدولة وفي قلب العاصمة ان صح انهم فعلوا ذلك بمفردهم دون التنسيق مع قوى أخرى كالنظام السابق، فان تلك الوقائع تشكل كوارث تجعلنا نتساءل عن مدى قوة الاستخبارات العسكرية والأمنية وعدم توقعها هذه الهجوم في قلعتها.
ولعل ذلك يقودنا الى خطر انقسام الجيش والأمن وتبعيتهم لجهات مختلفة.. ليس بالضرورة ان تكون الحكومة الشرعية كما يحدث في الدول التي تحترم نفسها، وضع يهدد الشرعية التي اعترف بها العالم والخارج قبل الداحل.
الأمر الآخر ويتمثل في صعوبة الوفاء بمقررات المرحلة الحالية، ولعل ذلك راجع الى هشاشة وضعف الدولة ما ادى الى تفككها وبالتالي انهيار الكثير من سطوتها، وانتشار جرائم القتل في صفوف المدنين والعسكرين، وفي مقابل هذه الجرائم نرى ضعفاً كبيراً في التحقيق والوصول الى فاعلي هذه الجرائم فتقيد ضد مجهول وهو ما يفتح المجال واسعاً امام من قام بها ليكرر المزيد منها لشعوره بالأمان من الملاحقة، كيف لا ولما يزل ملف جرائم قتل الثوار مفتوحاً ولم يغلق حتى اللحظة.
الدستور: وهو المعركة الأخطر في هذا المضمار، ولهذا نجد انه كلما اقتربنا من هذا الاستحقاق يزيد معدل الجرائم السياسية والاغتيالات لحكماء هذا البلد، وكلما اقترب الناس من بحث نصوص الدستور نرى الأشلاء والدماء تتناثر، وسيقدم هؤلاء التضحيات الجسيمة من اجل افشال الدستور ولديهم استعداد لذهاب البلاد والعباد دون صياغة واقرار الدستور، لهذا انصح القائمين على هذا الامر وعلى رأسهم الرئيس هادي الا يتردد مطلقا في السير وبخطى حثيثة نحو صياغة واقرار الدستور ففي الوصول اليه ومن ثم الاستفتاء عليه سنكون قطعنا شوطا كبيرا لبداية الحديث عن دولة مدنية، اما بغير دستور فمعنى ذلك استمرار الشرعية الثورية او لنقل شرعية المبادرة الخليجية والتي باتت بالية ولا يمكن ان تستمر، ولهذا معركة الدستور هي الاساس والدستور هو المستهدف الرئيس في كل ما يحصل.
كما أن للقضية الجنوبية دور جوهري في كل ما يحدث، ووجود النزعات الانفصالية يحدث ارباكا في المشهد خاصة وان هناك قوى اقليمية تلعب بهذا الملف، وهو امر يستدعي من الرئيس والحكومة التركيز على استعادة ثقة الناس في الدولة ومحاولة استرداد زمام المبادرة، فبيغير ذلك سنظل ندور حول انفسنا وسيستفيد المخربون والذين في قلوبهم مرض.
وأخيرا اقول للشباب ولجميع قوى الثورة: اياكم ان تفرطوا في ثورتكم العظيمة، لن يكتب لها التاريخ نجاحا مالم تكملوا تثبيت دعائهما, ان اعداء الثورة يستغلون كثيرا من المثالب التي ظهرت في الحكومة وضعف الجانب الأمني وتوسع بعض القوى على الأرض والجانب الاقتصادي، هم لايريدون الوصول للدستور، فاحرصوا عليه لتقطعوا دابر كل القوى التي تريد جرنا للماضي البئيس.
وخلاصة الخلاصة: يجب ان تحتكر الدولة القوة والسلاح والقضاء، وبغير ذلك سيبقى الأمر مخيفاً.