مصرع وإصابة عدد من عناصر المليشيات الحوثية الإرهابية غربي تعز    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    غارات عنيفة على مناطق قطاع غزة والاحتلال أكبر مصنع للأدوية    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    شاب يقتل شقيقه جنوبي اليمن ووالده يتنازل عن دمه فورًا    الحوثيون يغلقون مسجد في عمران بعد إتهام خطيب المسجد بالترضي على الصحابة    صاعقة رعدية تنهي حياة شاب يمني    محمد المساح..وداعا يا صاحبنا الجميل!    صورة ..الحوثيون يهدّون الناشط السعودي حصان الرئيس الراحل "صالح" في الحديدة    آية في القرآن تجلب الرزق وفضل سورة فيه تبعد الفقر    رفع جاهزية اللواء الخامس دفاع شبوة لإغاثة المواطنين من السيول    العليمي يتحدث صادقآ عن آلآف المشاريع في المناطق المحررة    ما هي قصة شحنة الأدوية التي أحدثت ضجةً في ميناء عدن؟(وثيقة)    مقتل مغترب يمني من تعز طعناً على أيدي رفاقه في السكن    انهيار منزل بمدينة شبام التأريخية بوادي حضرموت    نصيب تهامة من المناصب العليا للشرعية مستشار لا يستشار    على الجنوب طرق كل أبواب التعاون بما فيها روسيا وايران    وفاة الكاتب والصحفي اليمني محمد المساح عن عمر ناهز 75 عامًا    العليمي يكرّر كذبات سيّده عفاش بالحديث عن مشاريع غير موجودة على الأرض    عاجل: انفجارات عنيفة تهز مدينة عربية وحرائق كبيرة تتصاعد من قاعدة عسكرية قصفتها اسرائيل "فيديو"    صورة تُثير الجدل: هل ترك اللواء هيثم قاسم طاهر العسكرية واتجه للزراعة؟...اليك الحقيقة(صورة)    صور الاقمار الصناعية تكشف حجم الاضرار بعد ضربة إسرائيل على إيران "شاهد"    الدوري الايطالي: يوفنتوس يتعثر خارج أرضه ضد كالياري    نادي المعلمين اليمنيين يطالب بإطلاق سراح أربعة معلمين معتقلين لدى الحوثيين    وزير سابق يكشف عن الشخص الذي يمتلك رؤية متكاملة لحل مشاكل اليمن...من هو؟    مبنى تاريخي يودع شبام حضرموت بصمت تحت تأثير الامطار!    رئيس الاتحاد العربي للهجن يصل باريس للمشاركة في عرض الإبل    شروط استفزازية تعرقل عودة بث إذاعة وتلفزيون عدن من العاصمة    لماذا يموتون والغيث يهمي؟    اليمن تأسف لفشل مجلس الأمن في منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة مميز    - بنك اليمن الدولي يقيم دورتين حول الجودة والتهديد الأمني السيبراني وعمر راشد يؤكد علي تطوير الموظفين بما يساهم في حماية حسابات العملاء    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    تعز.. قوات الجيش تحبط محاولة تسلل حوثية في جبهة عصيفرة شمالي المدينة    بن بريك يدعو الحكومة لتحمل مسؤوليتها في تجاوز آثار الكوارث والسيول    المانيا تقرب من حجز مقعد خامس في دوري الابطال    الحوثيون يفتحون مركز العزل للكوليرا في ذمار ويلزمون المرضى بدفع تكاليف باهظة للعلاج    لحظة بلحظة.. إسرائيل «تضرب» بقلب إيران وطهران: النووي آمن    بعد إفراج الحوثيين عن شحنة مبيدات.. شاهد ما حدث لمئات الطيور عقب شربها من المياه المخصصة لري شجرة القات    تشافي وأنشيلوتي.. مؤتمر صحفي يفسد علاقة الاحترام    الأهلي يصارع مازيمبي.. والترجي يحاصر صن دوانز    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مهام المؤسسة العسكرية في الدولة المدنية
نشر في إخبارية يوم 27 - 01 - 2012

من المعروف أن الجيش في الدولة المدنية الديمقراطية مؤسسة سيادية كغيرها من المؤسسات السيادية المتعددة، التي نص عليها الدستور، كالبرلمان والقضاء ورئاسة الدولة...، وهي المؤسسة التي تتمتع بالاستقلال والحياد التام تجاه النظام السياسي القائم (السلطة الحاكمة).
والدولة المدنية لا تعرف ظاهرة الانقلابات العسكرية، أو ظاهرة تدخل الجيش في الشأن السياسي، من خلال الانتصار لفريق سياسي ضد فريق آخر خلال عملية التنافس السلمي على السلطة، كون السياسة في النظام السياسي الديمقراطي مجرد لعبة مدنية صرفة، ومجال مفتوح لجميع المواطنين، وحق من حقوقهم المدنية التي كفلها القانون والدستور سواء من حيث تشكيل الأحزاب السياسية والترشح في الانتخابات العامة وغيرها.
والجيش عنصر من عناصر القوة السيادية التي يتكون منها ركن (السيادة) أحد أركان الدولة السيادية الثلاثة، وهو ما يعني أن الجيش ليس أداة بيد السلطة الحاكمة بل هو من أدوات الدولة السيادية، ولا يمارس إلا المهام المقررة له دستورياً والمحددة بحفظ كيان الوطن وسيادة الدولة من الأخطار.
والتاريخ السياسي للدول الديمقراطية الأوربية والغربية لم يعرف ظاهرة الانقلابات العسكرية، أو تدخل الجيوش في الشؤون السياسية من حيث فرض حكومات أو إسقاطها، ولم يعرف ظاهرة الحزبية فيه، ولا يعتمد إلا الكفاءة في العمل العسكري، وبعبارة موجزة هو: جيش محترف دون ولاءات سياسية.
على هذا المنوال نستطيع القول بأن المدخل الأساسي لفهم الوضع الاعتباري للجيش في الدولة السيادية الديمقراطية الليبرالية هو ضرورة التمييز القاطع بين الدولة والسلطة كما جاء في الفكر السياسي الحديث.. فهناك من يعرف الدولة من فلاسفة هذا الفكر: بأنها الكيان السيادي الجامع لكل عناصر القوة السيادية للشعب وتمارس الحكم عبر نظام سياسي تعددي مؤسسي يعبر عن ماهية الشعب، ويحقق مبدأ سيادته على نفسه وأرضه ومنافعه وبالتالي فالدولة وفق هذا المفهوم (هي الثابت الوطني) أما السلطة فعادة ما تعرف بأنها سلطة حكم منتخبة لإدارة الشأن العام التنفيذي في فترة زمنية محددة، والمنتمية إلى حقل الممارسات السياسية وبالتالي (هي المتغير الوطني).. ووفقاً لهذين التعريفين لكل من السلطة والدولة من المهم الإشارة إلى ضرورة التمييز القاطع أيضاً بين (السيادة).. و(السياسة).. فالسيادة هي مجال التعبير عن كيان الأمة والدولة ككل، والتي يشارك المواطنون جميعاً في صنعها من خلال الإتفاق على العقد الإجتماعي وإقرار الدستور وشكل النظام السياسي الحاكم والانتخابات العامة كوسيلة لتداول السلطة، وهي الأمور التي لا تخضع للمنافسة السياسية بعد إقرارها، وإنما تخضع للإجماع الشعبي العام.. أما السياسة فهي التي يتحقق فيها مبدأ المشاركة السياسية من خلال المساهمة في إدارة الشأن العام، وصنع القرار وإدارة السلطة ومراقبتها.
وعلى هذا الأساس وبناءً على استقلال الموضوع (السيادي الكياني) عن الموضوع (السياسي التنافسي) فإنه يحظر على السيادي التدخل في السياسي أو العكس، وهذا ما يفرض على الجيش التزام موقف الحياد تجاه الصراع السياسي، باعتباره مؤسسة سيادية طبقاً للعقد الاجتماعي الدستوري.
توصيف الدولة السيادية في اليمن
المعلوم أن الدولة السيادية في اليمن بشكلها الحالي هي دولة مدنية من حيث المبدأ وفي أساسها النظري كونها ترتكز في حكمها على النظام السياسي التعددي القائم على تعدد الأحزاب الذي اعتمده اليمنيون مع قيام دولة الوحدة اليمنية عام 1990م كتجسيد حقيقي للتلازم بين الوحدة والتعددية الديمقراطية..ويتكون هذا النظام التعددي وفقاً للمصفوفة الدولية للنظام التعددي من ركنين أساسيين هما (سلطة حاكمة + معارضة سياسية) وذلك وفقاً للتفصيل الآتي:
- ركن السلطة
يتمثل هذا الركن بوجود سلطة حاكمة يهيمن عليها حزب سياسي حاكم (حالياً المؤتمر الشعبي العام) يتمتع بشرعية ديمقراطية، ويحوز على أغلبية برلمانية منتخبة تمنحه الحق في تشكيل الحكومة، وكذا شرعية دستورية رئاسية تضمن له الحق في تسلم رئاسة السلطة رسمياً (رئيس الجمهورية) فضلاً عن التمتع بحماية قانونية من قبل سلطة قضائية مستقلة.
- ركن المعارضة
يتمثل هذا الركن بوجود معارضة حقيقية (كما هو وضع اللقاء المشترك في اليمن)، والذي يتمتع من الناحية النظرية بصرف النظر عن الواقع العملي بشرعية ديمقراطية مساوية لشرعية الحزب الحاكم على النحو الذي يمكنها من حق الاعتراض على الحاكم بحماية الدستور والحصول على نظام إجرائي متوازن يضمن لها إدارة نزيهة متوازنة مع الأغلبية داخل البرلمان وكذا التمتع بحماية قانونية من فبل سلطة قضائية مستقلة.
- شكل النظام السياسي التعددي
ظهور الركنين معاً (سلطة حاكمة + معارضة سياسية) في إطار واحد يضم برلمان منتخب يتمثل فيه الحاكم والمعارض على قاعدة (الأغلبية والأقلية)، وسلطة تنفيذية ينفرد بها الحزب الحاكم، وسلطة قضائية سيادية محايدة تضمن حق السلطة وحق المعارضة معاً بحيادية واستقلال.. هذا الإطار الجامع للركنين (السلطة والمعارضة) بكل مؤسساتهما يسمى وفقاً للتوصيف الدولي ب(النظام السياسي التعددي)، وتسمى السلطة الحاكمة في هذا الإطار ب(سلطة النظام السياسي الحاكم)، كما تسمى المعارضة السياسية ب (معارضة النظام السياسي الحاكم)، كما يطلق عليهما معاً تسمية (النظام السياسي التعددي) الذي يعتبرأحد مكونات الدولة السيادية اليمنية، وبتعبير أدق هو أحد مكونات (ركن السيادة).. الركن الثالث من أركان الدولة السيادية.
شكل الدولة السيادية
الدولة السيادية في اليمن كغيرها من دول العالم تتكون بحسب التوصيف القانوني الدولي من ثلاثة أركان هي: (1) الشعب (2) الأرض (3) السيادة، بما فيها سلطة النظام السياسي الحاكم أو النظام السياسي التعددي بشقيه (السلطة + المعارضة) كون المعارضة تمثل أحد مكونات الدولة السيادية مثلها مثل السلطة ويمكن التفصيل لمضمون هذه الأركان وفقاً لما يلي:
الركن الأول (الشعب): هو الشعب الذي يمتلك السيادة ويمارسها على أرضه بكامل حريته إذ لا سيادة لشعب لا يمتلك حريته ولا إرادته.
الركن الثاني (الأرض): هي الأرض التي يملكها الشعب ملكية تاريخية برها، وبحرها، وجوها، وكامل خيراتها وثرواتها الباطنة والظاهرة بدون منازع والتي يمارس عليها سيادته بحدودها السيادية المعلومة إذ لا سيادة لشعب خارج حدود أراضيه.
الركن الثالث (السيادة): وهي السلطة السيادية العليا أو ما تسمى ب (شرعية الولاية العامة) أو (سلطة الأمر والنهي الذي تمارسه الدولة باسم الشعب) ويتكون هذا الركن من عدد من عناصر القوة السيادية يختلف عددها من بلد إلى أخر بحسب القوام الاستراتيجي السيادي الموجود في كل بلد، وفي اليمن يمكن تحديد عناصر هذه القوة السيادية بصورة جدلية بستة عناصر رئيسية تشكل في مجموعها الركن السيادي للدولة ثالث أركان الدولة السيادية وهي كما يلي:
- العنصر الأول (القوة السياسية) أو (رأس الدولة): ويتمثل هذا العنصر بالنظام السياسي التعددي كون مفهوم الحكم في الدولة السيادية يرتكز على هذا النظام أصلاً، وبالتالي يعتبر هذا النظام بركنيه السلطة والمعارضة وبكامل قوامهما السياسي والحزبي أحد مكونات الدولة السيادية وبموجب هذا القوام يصبح الرئيس المنتخب لسلطة النظام الحاكم (الذي هو رئيس الجمهورية) رئيساً للدولة السيادية وقائداً أعلى للقوات المسلحة، كون هذا الرئيس وسلطته الحاكمة يعتبران في إطار النظام السياسي التعددي أحد مكونات الدولة السيادية، وبالتالي يمارس هذا الرئيس كامل مهامه السيادية كرئيس للدولة بشروط ومبادئ وشرعية الدولة السيادية، وليس بشروط سلطته الحاكمة وفي حال سقطت سلطته الحاكمة تكون بذلك قد سقطت شرعيته السيادية كرئيس للدولة السيادية وقائداً أعلى للقوات المسلحة لأنه جاء أصلاً محمولاً إلى هذا المنصب السيادي لرأس الدولة بشرعية سلطة الحكم التي انتخب رئيساً لها، وبالتالي يزول منصبه السيادي في رأس الدولة السيادية بزوال سلطته الحاكمة.
- العنصر الثاني (القوة المدنية والشعبية): وتشتمل القوة المدنية على منظمات المجتمع المدني من منظمات حقوقية ونقابات وجمعيات واتحادات، إضافةً إلى عناصر القوة الشعبية الأخرى التي تضم مجمل التشكيلات الفئوية والشرائح الإجتماعية بما في ذلك مكونات المجتمع القبلي باعتبار أن جميع عناصر هذه القوة المدنية والشعبية في كافة منظمات المجتمع المدني والشرائح الإجتماعية والتشكيلات الفئوية هم قادة رأي في المجتمع ولا يمكن حصرهم بسلطة حزبية حاكمة أو معارضة سياسية وبالتالي تعتبر عناصر هذه القوة بشقيها المدني والشعبي ومقوماتها المادية والبشرية أحد مكونات الركن السيادي للدولة.
- العنصر الثالث (قوة الثروة): وهي ثروة الشعب التي آلت إلى الدولة السيادية سواءً من باطن الأرض السيادية مثل الثروات والمعادن أو من ظاهرها مثل الإنتاج الزراعي والحيواني كون هذه الأرض التي هي مصدر الثروة تمثل في حد ذاتها الركن الثاني من أركان الدولة السيادية أصلاً.. وعلى هذا الأساس فإن المركز المالي الوطني للدولة أو ما يسمى بميزان الإقتصاد القومي الكلي للبلد يعد من مكونات الركن السيادي للدولة وليس من مكونات السلطة الحاكمة.
- العنصر الرابع (قوة المبادئ العليا): وهي المبادئ العامة العريضة للعقد الإجتماعي التي تحدد هوية الدولة، سواءً كانت الهوية الدينية أو العرقية، أو الثقافية، فضلاً عن مجمل الثوابت الوطنية والدينية والعرفية والأخلاقية الجامعة.. فعلى الصعيد الشعبي العام يمثل هذا العنصر بشكل طبيعي وتلقائي المرجعية العامة المتعارف عليها شعبياً.. والتي عادةً ما سلم المواطنون لها واحتكموا لمبادئها طوعاً حتى قبل أن تكون لهم دولة ودستور وقانون، ومن أجل ذلك كان هذا العنصر من مكونات الدولة السيادية وليس السلطة الحاكمة أي أنه عنصر سيادة لا عنصر حكم، وعادةً ما ينبثق عن هذا العنصر مبدأ العقد الإجتماعي، ومرجعية الدستور، والسلطة القضائية كونها المعبر الحقيقي عن هذه المبادئ والإنتصار لها، وفي مقدمة ذلك مبدأ العدالة.
- العنصر الخامس (قوة العلاقات الدولية): الدولة السيادية هي التي ترسم إستراتيجيات السياسة الخارجية الثابتة للبلد، وليس السلطة الحاكمة، وذلك نظراً لتقلب أوضاع السلطة الحاكمة في النظام السياسي التعددي بفعل تبادل السلطة بين الأحزاب في كل دورة انتخابية، وهو ما يعرض السياسة الخارجية للبلد للاضطراب في حين أن العرف الدولي يقضي بضرورة ثبات السياسة الخارجية للدول وإبعادها عن تأثير الإختلافات البرامجية للأحزاب المتنافسة على الحكم وذلك ضماناً لمصالح الدول الإقليمية والدولية، ومن أجل ذلك من حق الأطراف الإقليمية والدولية عبر مؤسسات الشرعية الدولية انتقاد بعض السياسات التي تمارسها الدولة السيادية في حال كانت هذه السياسات تضر بسيادة هذه الدولة وتؤدي إلى انهيارها طالما وهذا الإنهيار يؤدي إلى الإضرار بأمن وسلامة ومصالح هذه الدول.
- العنصر السادس (القوة العسكرية): المؤسسة العسكرية هي أهم مكونات الركن السيادي للدولة السيادية، وعلى هذا الأساس فإن قرار المؤسسة العسكرية تمليه الإرادة القيادية الجماعية للجيش وإرادة قيادة الجيش محكومة بمجمل الإرادات الأخرى لعناصر القوة السيادية للدولة مجتمعة التي تعبر بشكل جمعي عن الإرادة السيادية للشعب، والتي يمثلها رئيس الدولة السيادية الذي هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ولهذا فإن كل دساتير الدول تنص بأن الجيش ملك للشعب وبالتالي فهو جزء من قوام الدولة السيادية وليس السلطة الحاكمة.
هذه مجمل تفاصيل العناصر الستة للقوة السيادية التي تشكل في مجموعها ركن السيادة في الدولة على نحو من التوازن الإستراتيجي بين مختلف عناصر هذه القوى.
توازن القوى
المعلوم أن هذه العناصر الستة التي تكون المركز السيادي للدولة لها أشخاصها الذين يمثلونها على صعيد الأداء العام فمثلاً القوة العسكرية يمثلها أشخاص من الجند والضباط، وقوة الثروة يمثلها أشخاص إعتباريون، ومؤسسات مالية رسمية وأشخاص عاديون وأثرياء يمتلكون هذه الثروة، وكذا الحال لبقية العناصر الأخرى.. لكن هذا لا يعني بأن المركز السيادي للدولة الذي يتكون من هذه العناصر هو عبارة عن مجلس رئاسي مكون من أشخاص يمثلون الجيش ورجال المال والأعمال وغيرهم من الأشخاص المنتمين إلى العناصرالسيادية الأخرى، إذ لا يتم النظر إلى هذه العناصر على صعيد الأداء السيادي كأشخاص وإنما بإعتبارها عناصر قوة أفرزتها أنشطة هؤلاء الأشخاص على مستوى الشعب كله وليس على مستوى المركز السيادي للدولة لأن هذه العناصر السيادية في المركز السيادي للدولة ليست سوى عناصر منتدبة إلى هذا المركز من قبل عناصر القوة الأصلية التي تفرزها أنشطة الشعب في ميادين النشاط العام، فعنصر القوة العسكرية في المركز السيادي للدولة الممثل بالمؤسسة العسكرية وأفرادها وقادتها هو مندوب عن عنصر قوة الشعب العضلية والجسمية والدفاعية التي يستخدمها أفراد الشعب للدفاع عن أنفسهم وأموالهم بصفة شخصية في ميادين النشاط الشعبي، وعنصر قوة الثروة السيادية في المركز السيادي للدولة الممثل بمؤسسات الدخل القومي ورجالاتها هو مندوب عن عنصر قوة ثروة الشعب التي تتفاعل في كل ميادين النشاط الاقتصادي الشعبي، وهكذا بقية العناصر… أي أن هذه العناصر الستة للقوة السيادية التي تكون المركز السيادي للدولة هي في حقيقتها جزء كبير من قوة الشعب الخاصة المتراكمة والتي أصبحت خارج الاستخدام الشخصي لأفراد الشعب، وبالتالي تحولت إلى قوة لا يمكن استخدامها إلا بطريقة سيادية وبالتالي آلت تلقائياً بحكم التفاعل العام في ميادين النشاط المجتمعي إلى المركز السيادي للدولة ليتم استخدامها عبر المندوبين في هذا المركز السيادي بطريقة سيادية وللصالح العام، لأنه إذا لم تؤول هذه العناصر من القوة إلى الدولة السيادية كانت ستتحول بالطبع إلى السلطة الحاكمة وستصبح محتكرة سياسياً من قبل سلطة الحكم السياسية وبالتالي تصبح مادة لتغذية الصراع بين أطراف العمل السياسي، وبالتالي توظيفها في التنافس السياسي في حين أن الوضع الطبيعي هو توظيف السياسة لصالح التنافس الإقتصادي لا توظيف الإقتصاد لصالح التنافس السياسي.. الأخطر من ذلك هو أن تؤول هذه العناصر من القوة الشعبية في حال عدم أيلولتها إلى المركز السيادي للدولة إلى مندوبين من مراكز الضغط التي تعمل خارج الدولة السيادية، وبالتالي ستتوزع عناصر قوة الشعب الدفاعية والعضلية والجسمية التي يحمي بها المواطن نفسه ويدافع بها عن مصالحه إلى مجموعات من العصابات المسلحة وأمراء الحروب، والميليشيات الخاصة بدلاً من مؤسسات القوة العسكرية في المركز السيادي للدولة، كما ستتوزع عناصر قوة الثروة الإقتصادية للشعب هي الأخرى إلى عصابات من المافيا وشركات الإحتكار.. ولهذا كان لابد أن تؤول هذه العناصر من القوة إلى مركز سيادي جامع لا رأس الدولة، يجيد فهم كل عنصر قوة على حده وفهم طريقة استخدامه مع غيره من العناصر الأخرى للقوة السيادية بشكل جمعي وبطريقة متوازنة، وهذا ما يسمى ب (ميزان القوى الاستراتيجي)، وعلى هذا الأساس فرئيس الدولة المنتخب الذي يستطيع الإمساك بالميزان الاستراتيجي لهذه القوى بصورة شمولية واستخدامها سيادياً بطريقة متوازنة هو الذي يستطيع أن يحكم الشعب ويسوده، وهو الذي سيحصل على الولاء والدعم والإسناد الشعبي أو ما يسمى ب (الشرعية الشعبية السيادية العليا) التي هي شرعية (سيادة) لا شرعية (حكم)، وهي غير الشرعية الشعبية الانتخابية في اختيار الحاكم لأن هذه شرعية شعبية معنوية يسهل الحصول عليها انتخابياً.
الشرعية الشعبية الانتخابية كوسيلة للحكم وطريقة لتداول السلطة
ما هو متعارف عليه أن الانتخابات الرئاسية في ظل النظام التعددي هي انتخابات لرئاسة سلطة الحكم وليس لسيادة الدولة لأن هذه الانتخابات لا تمنح الرئيس الفائز الشرعية السيادية ولكنها تضفي عليه الشرعية الشعبية الانتخابية فقط وهي شرعية معنوية كونها نتاج لأغلبية أصوات المواطنين التي هي في حقيقتها أصوات (معنوية)، ولهذا عندما يحصل الرئيس الفائز على أغلبها يكون قد حصل على الشرعية الشعبية الانتخابية التي تمنحه الحق في تسلم رئاسة سلطة النظام الحاكم فقط وليس الدولة السيادية التي تتطلب الحصول على شرعية شعبية سيادية (مادية) ولكن كون هذه السلطة هي أحد العناصر الستة التي يتكون منها المركز السيادي للدولة وفقاً لمصفوفة النظام التعددي فإن رئيسها المنتخب يصبح من حيث المبدأ رئيساً للدولة السيادية بشرعيته الشعبية الانتخابية التي مكنته من تسلم رئاسة السلطة الحاكمة وعلى هذا الأساس فبمجرد انضمام هذا الرئيس المنتخب على رأس سلطته الحاكمة إلى مجمل هذه العناصر يكون المركز السيادي للدولة قد استكمل قوامه السيادي من مختلف عناصر القوة السيادية المشكلة لهذا القوام على نحو من التوازن الاستراتيجي بين مختلف هذه العناصر وهو ما يسمى ب(الميزان الاستراتيجي) ومن تلك اللحظة يبدأ الرئيس المنتخب ممارسة مهامه السيادية بصورة أولية وذلك على ضوء قدرة هذا الرئيس المنتخب على إدارة التوازنات التي تفرضها قواعد الميزان الإستراتيجي السيادي والتي على ضوئها تتحدد امكانية حصول هذا الرئيس لاحقاً على الشرعية الشعبية السيادية من عدمه وذلك على ضوء ما ستسفر عنه ممارساته السيادية في الميزان الاستراتيجي السيادي من نتائج.
الشرعية الشعبية السيادية (سيادة القانون)
الشرعية السيادية تعني الهيمنة الفعلية للعناصر الستة للقوة السيادية للدولة على سائر الأوضاع في داخل البلد وخارجها على نحو من التوازن الاستراتيجي بين مختلف هذه العناصر.. وعلى ضوء هذا القول فإن الممارسة السيادية للرئيس المنتخب للدولة السيادية التي يرتكز حكمها على النظام التعددي تعني بشكل محدد قدرة هذا الرئيس على الامساك بعناصر هذه القوة السيادية من خلال قوانينها السيادية المنظمة لها، لا قوانين سلطته الحاكمة وحزبه الحاكم، فضلاً عن قدرة هذا الرئيس المنتخب في استخدام هذه العناصر سيادياً على نحو من الشمولية والتوازن الاستراتيجي وذلك بهدف تحقيق الهيمنة السيادية المطلوبة للدولة السيادية بكامل عناصرها السيادية، لا هيمنة السلطة الحاكمة التي لا تمثل سوى عنصر واحد من عناصر الركن السيادي للدولة.. ففي حال تمكن هذا الرئيس من ممارسة دوره السيادي على هذا النحو المحدد يكون بذلك قد استحق عملياً للشرعية الشعبية السيادية التي تمكنه من تثبيت وضعه السيادي ومن ثم قيادة المركز السيادي للدولة بكامل قوامه السيادي بشرعية سيادية مهيمنة داخلياً وخارجياً فضلاً عن قيامه بشؤون الحكم في إطار سلطته الحاكمة وفقاً لهذه التوازنات، ومن ثم تثبيت الوضع القيادي لسلطته الحاكمة على خارطة القوام الإستراتيجي السيادي للدولة السيادية على نحو من التوازن والتناغم.. الخلاصة في هذا الوضع أن الرئيس المنتخب يمارس الحكم بالشرعية الانتخابية التي استحقها بأصوات الشعب معنوياً وأيضاً يمارس السيادة بالشرعية السيادية التي استحقها من عناصر القوة السيادية مادياً ومن هنا يتأكد القول بأن الشرعية الشعبية السيادية هي فعلاً شرعية مادية لا تتحصل بأصوات الجماهير الانتخابية المعنوية وإنما تتحصل بأصوات عناصر القوة السيادية مادياً التي هي في أصلها كما أشرنا سابقاً عناصر قوة شعبية خالصة أفرزتها ميادين النشاط المجتمعي وأصبحت خارج الإستخدام الشخصي للأفراد والجماعات، وبالتالي آلت تلقائياً إلى المركز السيادي للدولة لتصبح بحكم وظيفتها مندوبة عن عناصر هذه القوة الشعبية العاملة في الميادين في المركز السيادي للدولة، أما في حال عجز الرئيس المنتخب عن الإمساك بعناصر هذه القوة السيادية وعن فهم قوانينها وفي استخدامها على نحو من التوازن الاستراتيجي فإن هذا الرئيس يكون قد فشل عملياً بممارسة المهمة السيادية وبالتالي فلم يعد مستحق للشرعية الشعبية السيادية وذلك بمنطق الحال والواقع المادي، ونتيجة لهذا الفشل فإن الوضع السيادي لهذا الرئيس يظل في حالة اختلال استراتيجي دائم يعرضه للمزيد من الانتكاسات كما يعرض المركز السيادي للدولة للمزيد من الأضرار والمخاطر لكن هذا الرئيس يبقى في كل الأحوال على قمة المركز السيادي للدولة أثناء فترته الإنتخابية كونه رئيساً منتخباً لسلطة النظام الحاكم وذلك لما لهذه السلطة من أهمية ومزايا كونها أحد مكونات الدولة السيادية وأحد ركني النظام السياسي التعددي الديمقراطي الذي يحظى هو الآخر بشرعية ديمقراطية داخلية ومكانة خارجية وتأييد ودعم دولي من قبل الداعمين الدوليين لأنظمة الحكم التعددية وخاصةً في المناطق الإقليمية ذات أنظمة الحكم التقليدية.. في حين أن هذا الوضع السيادي المختل للرئيس المنتخب كان بمقدورة اسقاط ملوك من عروشهم في حال كان هذا الإختلال السيادي قد حصل في الأنظمة الملكية القوية الراسخة التي عادةً ما تتعامل مع الإختلالات السيادية كخطر ماحق يهدد عروش ملكها ويضر بمنظومة ملكها السيادي ويضعف هيبتها ويسيئ إلى سمعتها.
صحيح إن هذه المزايا للنظام التعددي في إطار الدولة السيادية وإن أمدت الرئيس المنتخب للسلطة الحاكمة بأسباب البقاء على قمة المركز السيادي للدولة أثناء دورته الإنتخابية لكنها في حقيقة الأمر لا تقدم له أي إسناد حقيقي يمكن أن يسهم في تصحيح الإختلال في وضعه السيادي عملياً وهو ما يولد عنده الإحساس بمزيد من المهانة والإحباط.. ولتجاوز هذا الوضع عادةً ما يلجأ هذا الرئيس في سبيل الحصول على الشرعية السيادية إلى استخدام مجمل هذه المزايا التي تتمتع بها سلطته الحاكمة ضمن مزايا النظام التعددي للسطو على المركز السيادي للدولة برمته والإستحواذ عليها ومن ثم استخدام إمكانيات هذا المركز لاحقاً لضرب جميع مرتكزات النظام التعددي.. كل ذلك في سبيل البحث عن الشرعية السيادية المفقودة وهو الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى تفتيت كيان الدولة السيادية وضرب مرتكزاتها الديمقراطية التعددية.
انهيار الدولة السيادية
المعلوم بأن الدولة السيادية في اليمن كغيرها من الدول السيادية معرضة للانهيار متى توافرت فيها عوامل هذا الانهيار وأسبابه، وبالنظر إلى أن هذه الدولة ترتكز في حكمها على النظام السياسي التعددي الذي بموجبه تصبح سلطة النظام الحاكم أحد مكونات الدولة السيادية فإن انهيار هذه الدولة يبدأ بالحدوث عند فقدان رئيس السلطة الحاكمة المنتخب لشرعيته السيادية ولجوئه إلى إغتصاب المركز السيادي للدولة.. وبالتحديد عندما يقوم الرئيس الفاقد للشرعية السيادية باستخدام مزايا النظام السياسي التعددي للسطو والإستحواذ على المركز السيادي للدولة بحجة تعزيز شرعية النظام السياسي التعددي، ثم يقوم هذا الرئيس في مرحلة لاحقة باستخدام المركز السيادي للدولة والمستحوذ عليه للسطو على النظام السياسي التعددي بحجة ترسيخ سيادة الدولة.. أي أن عملية السطو التي يقوم بها هذا الرئيس تتم على مرحلتين:
ففي المرحلة الأولى: يقوم الرئيس الفاقد للشرعية السيادية تحت مبرر تعزيز شرعية ومكانة النظام السياسي التعددي باستخدام شرعية ومكانة هذا النظام للسطو والإستحواذ على مجمل العناصر الستة للقوة السيادية للدولة واحد بعد آخر ابتداءً بعنصر القوة العسكرية، ومن حينها يبدأ هذا الزعيم على الفور بنقل وظائف هذه القوة العسكرية السيادية وتحويلها من عناصر قوة للدولة السيادية إلى عناصر قوة لسلطة النظام الحاكم المتجسدة بشخص الرئيس، فتارةً يصدر هذا الفعل تحت مبرر إتاحة الفرصة لنمو النظام السياسي التعددي بعيداً عن تأثيرات المؤسسة العسكرية، وتارة أخرى يصدر هذا الفعل بدواعي إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية وتغيير قوانين الترقيات والتقاعد والهدف النهائي من هذا الفعل هو الوصول إلى إيجاد جيوش مزدوجة خاصة بالزعيم المنتخب بحيث تشكل وحدات موازية لوحدات المؤسسة العسكرية القائمة، كما تشمل عملية الإستهداف مجمل عناصر القوة السيادية الأخرى التي تستهدفها عملية السطو والإستحواذ عنصراً بعد آخر حتى يتم إفراغ المركز السيادي للدولة من كافة عناصر القوة السيادية وبالتالي إخلاء هذا المركز لشخص هذا الرئيس الفاقد للشرعية السيادية.
أما في المرحلة الثانية: وبعد أن يكون الرئيس الفاقد للشرعية السيادية قد تمكن من اختطاف المركز السيادي للدولة والإستحواذ عليه بعد إفراغه من كل مكوناته السيادية، وتحويله من مركز سيادي للدولة السيادية إلى مركز سلطوي لسلطته الفردية على رأس الدولة، فإنه يقوم لاحقاً باستخدام هذا المركز السيادي المستحوذ عليه لضرب المرتكزات الديمقراطية والتعددية للنظام السياسي التعددي بشقيه (الحاكم والمعارض) ليحل شخصه كولي أمر للأمه محل هذه المرتكزات الديمقراطية والتعددية وتحت مبرر تثبيت المركز السيادي للدولة، وبحجة تثبيت مبدأ الولاية العامة وسلطة ولي الأمر وصولاً إلى تعزيز الشرعية السيادية العليا للدولة التي أصبحت ممثلة بشخصه منفرداً لتسفر عملية السطو والإستحواذ بمرحلتيها على تثبيت شرعية ومكانة شخص الرئيس الفاقد للشرعية السيادية باعتباره المجسد الحقيقي للنظام السياسي التعددي والمعبّر الوحيد عن مفهوم الدولة السيادية، وبهذا تنتهي مقومات الدولة السيادية كما تنتهي مرتكزات النظام السياسي التعددي لصالح هيمنة حكم الفرد بصرف النظر عن مسميات هذا الحكم بعد ذلك سواء كان باسم سيادة الدولة أو باسم تعزيز النظام السياسي التعددي.
لا شك أن مثل هذا الوضع من اللادولة سيادية، ومن اللانظام تعددي، والذي تتجسد فيه الدولة السيادية والنظام التعددي في شخص الرئيس الأوحد يعني بشكل واضح أن الدولة السيادية قد دخلت فعلاً مرحلة عدم الإستقرار وحينها تسمى دولة غير مستقرة أو دولة متعثرة في طريقها للإنهيار الشامل ومثل هذا الوضع يصعب فيه التغيير وتداول السلطة عبر الانتخابات الحرة لأن هذه الانتخابات هي الأخرى قد تعرضت للسطو والإستحواذ ضمن عملية السطو والإستحواذ على مرتكزات النظام الديمقراطي التعددي التي تعتبر الإنتخابات العامة أهم مرتكزاته، وبالتالي أصبحت مختطفة يستخدمها ولي أمر الأمة لإعادة إنتاج نفسه من جديد في كل دورة انتخابية وبصورة متكررة وهو الوضع الذي عادة ما يلجأ فيه الشعب إلى البحث عن وسائل أخرى للتغير، ومن هذه الوسائل الثورة.
الثورة
في الدول السيادية التي يرتكز حكمها على النظام السياسي التعددي ومنها اليمن، تصبح الانتخابات هي الوسيلة الوحيدة للتغيير وتداول السلطة بحيث يتم تداول السلطة بين الأحزاب في إطار النظام السياسي التعددي على أن تبقى مؤسسات الدولة السيادية هي الراعية والضامنة لهذا التداول من خلال إمساكها بمجمل عناصر القوة السيادية للدولة.. ولكن في حال تعرض المركز السيادي للدولة للاختلال، وأصبح عاجزاً عن القيام بهذه المهمة، فإن قواعد النظام السياسي التعددي تكفل للشعب حق استخدام وسيلة النضال السلمي ومن ذلك الثورات السلمية بهدف استرداد الوضع الطبيعي للمركز السيادي للدولة وتقويته على النحو الذي يمكنه من إعادة بنية النظام السياسي التعددي كنظام حكم.
على هذا المنوال يمكن القول بأن الثورة السلمية هي في حقيقتها ثورة لمواجهة انحراف حاصل في مسار نظام الحكم السياسي لا ثورة انقضاض على سيادة الدولة، وبالتالي فإن المطلب الثوري بإسقاط النظام الحاكم هو بهدف مواجهة هذا الانحراف الذي يتعذر مواجهته في ظل بقاء النظام المتسبب فيه، وعلى هذا الأساس فإن العمل الثوري وفق هذا الاعتبار يندرج في إطار الجهود الإستراتيجية الوطنية الهادفة إلى تعزيز أو إعادة بناء الدولة الوطنية وتشكيل قوامها الاستراتيجي من جديد، وفق مبادئ وأهداف الوثيقة التاريخية المنشئة للدولة السيادية بدون تجاوز.
الوثيقة السيادية للدولة
هي وثيقة إنشاء الدولة التي تنص على المبادئ العامة التي تأسست عليها الدولة والأهداف التي قامت من أجل تحقيقها، وتعتبر مبادئ هذه الوثيقة وأهدافها مرجعية وطنية لها شرعية عليا تفوق شرعية القانون والدستور، وعادةً ما تسمى هذه الوثيقة إما بالوثيقة التاريخية المنشئة للدولة، أو وثيقة أهداف الثورة، أو وثيقة التحرر من الاستعمار، أو وثيقة الاستقلال الوطني الناجز.. أو غير ذلك، وفي اليمن تسمى هذه الوثيقة ب (وثيقة إعلان الوحدة وإنشاء دولة الوحدة اليمنية) التي حددت شكل دولة الوحدة كدولة سيادية يرتكز حكمها على النظام السياسي التعددي كتجسيد حقيقي على التلازم بين الوحدة والتعددية الديمقراطية، وعلى ضوء هذا فإن أي استهداف لهذا النظام التعددي من قبل سلطة النظام الحاكم سواءً بتغيير مضامين هذا النظام أو بضرب مرتكزاته الديمقراطية والتعددية، أو استهداف المركز السيادي للدولة السيادية الذي تشكل من القوام الإستراتيجي السيادي لدولتين سياديتين قبل التوحيد يعد خروجاً عن أهداف الوثيقة السيادية المنشئة للدولة، وهو ما يؤدي إلى انهيار الدولة السيادية وبالتالي عودة الوضع السيادي لهذه الدولة إلى مرحلة ما قبل وثيقة التأسيس وهو الوضع الذي يفرض على عناصر القوة السيادية للدولة التداعي والاحتشاد من جديد في إطار مهمة وطنية جديدة تهدف إلى إعادة بناء الدولة السيادية على ضوء قوامها السيادي ونظامها التعددي الذي نصت عليه وثيقة تأسيس الدولة.
إعادة بناء الدولة السيادية
تتضح جلياً عملية إنهيار الدولة السيادية بانهيار وتبعثر كافة عناصرها السيادية المكونة لها أو إنقسام هذه العناصر وتشظيها ضمن إنقسام مجتمعي خطير وتزداد خطورة الإنهيار بانقسام المؤسسة العسكرية السيادية كما تقل خطورة هذا الإنهيار في حال حافظت المؤسسة العسكرية السيادية على وحدتها.. ومع ذلك تظل المؤسسة العسكرية حتى في ظل وحدتها وتماسكها غير قادرة على استعادة المركز السيادي المنهار للدولة بمفردها، لأن المركز السيادي للدولة المنهارة لا يمكن استعادته إلا بكل عناصر القوة السيادية مجتمعة، والتي شكلته مسبقاً على نحوٍ من التوازن الإستراتيجي بين مختلف هذه العناصر السيادية، وهو ما يعني بأن المؤسسة العسكرية باعتبارها أهم عناصر القوة السيادية للدولة ستظل في كل الأحوال قطب الرحى الذي تدور عليه عملية إعادة بناء الدولة بين مختلف العناصر الستة للقوة السيادية، وبدون دور هذه المؤسسة الضامنة يتعذر استعادة أي شكل من أشكال سيادة الدولة شريطة أن يكون هذا الدور للمؤسسة العسكرية في إطار مفهوم الدولة وليس خارج هذا المفهوم، أي باعتبار هذه القوة العسكرية هي أحد العناصر السيادية المكونة للدولة السيادية ,وانها تنتمي إلى هذه الدولة حتى وهي تتعرض للإنهيار لأن الدول في حقيقة الأمر لاتنتهي ولا تتلاشى من الوجود وإن انهارت أو تفككت فإن كل أو بعض عناصرها السيادية تبقى بتفاعلات عناصر قوتها قائمة على الأرض، وفي مقدمة هذه العناصر عنصر القوة العسكرية التي بإمكانها أن تضمن استعادة شكل الدولة من جديد إذا هي حافظت على وحدتها الوطنية وظلت منتمية لفكر الدولة فضلاً عن فهم المؤسسة العسكرية لمهامها السيادية في إطار الوظيفة العامة للدولة السيادية المدنية التي ترتكز في حكمها على النظام السياسي التعددي، فضلاً عما يتولد عن هذا الفهم من مرونه وحيادية في أداء عمل هذه المؤسسة على النحو الذي يؤدي إلى إتاحة الفرصة للقوى المدنية والسياسية للقيام بمهمة إعادة بناء الدولة من جديد.. ومثل هذا الدور سيظل بدون شك مرهون بمرونة وحيادية المؤسسة العسكرية، وقبل ذلك مرهون بالحضور الفاعل والمؤثر، ومستوى الجاهزيات الذي تتمتع به مفردات العنصر السيادي للقوى المدنية، وفهمها لمتطلبات مهام إعادة بناء الدولة سواءً من حيث الفهم المنهجي أو الإجرائي.
مهام المؤسسة العسكرية في إطار وظيفة الدولة المدنية السيادية
المعلوم بأن الوظيفة الأساسية للدولة المدنية السيادية التي ترتكز في حكمها على النظام التعددي هي ممارسة السيادة استناداً إلى الشرعية الشعبية السيادية العليا.
وممارسة الدولة لسيادتها تتم من خلال هيمنة عناصر القوة السيادية للدولة على سائر الأوضاع في داخل البلد وخارجها على نحو من التوازن الاستراتيجي بين مختلف هذه العناصر.
والشرعية الشعبية السيادية العليا للدولة تعني بشكل محدد قدرة المركز السيادي للدولة برئاسة رئيس الدولة على الامساك بعناصر القوة السيادية من خلال قوانينها الطبيعية المنشئة والمنظمة لها، لا القوانين السياسية التنافسية، ومن ثم استخدام هذه العناصر سيادياً على نحو من الشمولية والتوازن الاستراتيجي لتحقيق الهيمنة السيادية المطلوبة في ظل سيادة القانون، أي أن الدولة السيادية هي دولة سيادة لا سلطة حكم سياسية، وعلى هذا الأساس تتحدد وظائفها السيادية وفق الاعتبارات التالية:-
1) تنحصر وظيفة المركز السيادي للدولة برئاسة رئيس الدولة السيادية في إدارة التوازنات بين العناصر الستة للقوة السيادية وذلك من خلال الإشراف على استراتيجية كل عنصر من هذه العناصر السيادية الستة كل على حده بحيث لا تطغى استراتيجية على أخرى ابتداءً من استراتيجية القوة العسكرية أو ما يسمى ب(الاستراتيجية الدفاعية والأمن القومي) التي هي أساس التوازنات لبقية العناصر الأخرى..
وعلى هذا الأساس، لابد أن تكون الاستراتيجية السيادية لعنصر القوة العسكرية ملبية لكل احتياجات الحماية والأمن التي تحتاجها العناصر الأخرى على نحو من التوازن بين مخرجات هذه العناصر، بحيث لا تكون هذه الحماية سبباً في طغيان عنصر على آخر، ومن هنا تأتي مهمة المؤسسة العسكرية السيادية في إعداد وصوغ استراتيجيتها السيادية على نحو من التوازن الاستراتيجي مع مختلف عناصر القوة السيادية الأخرى في إطار سيادة القانون، وبحيث تشكل هذه الاستراتيجية الأساس الاستراتيجي الذي تقوم عليه الإستراتيجية الوطنية للأمن القومي الشامل وتعزيز سيادة القانون.
2) الدولة السيادية في النظام التعددي تسود ولا تحكم وبالتالي فإن مهمة الحكم في الدولة السيادية التي يرتكز حكمها على النظام السياسي التعددي من مهمة السلطة الحاكمة بقيادة الحزب الحاكم التي تشكل إلى جانب المعارضة شكل النظام السياسي التعددي الذي هو أحد مكونات الدولة السيادية، أي أن وظيفة السيادة أعلى من وظيفة الحكم، وعلى هذا الأساس فإن دور الدولة السيادية في الحكم يقتصرعلى حشد جميع عناصر القوة السيادية في الدولة بما فيها عنصر القوة العسكرية (الجيش والأمن)، ودفعها في اتجاه تعزيز واسناد سلطة الحكم المنتخبة شعبياً مع إضفاء الشرعية السيادية العليا للدولة عليها وعلى تصرفاتها وأفعالها، شريطة أن تكون أفعال هذه السلطة الحاكمة المنتخبة متوافقة مع مبادئ الدولة وعدالتها وشرعيتها السيادية الشعبية العليا فضلاً عن انسجامها مع بقية عناصر القوة السيادية الأخرى في إطار الميزان الإستراتيجي على نحو من التوازن بين مختلف هذه العناصر، أما في حال كانت تصرفات السلطة الحاكمة غير متوافقة مع هذه المبادئ فإن المركز السيادي للدولة يقوم بعد التشاور مع مختلف عناصره السيادية على الفور برفع كل عناصر قوتها السيادية التي سبق وأن حشدتها لإسناد هذه السلطة الحاكمة، بما في ذلك عنصر إسناد المؤسسة العسكرية ولكن دون أن تقوم مؤسسات الدولة السيادية بحجب هذه المشروعية عن السلطة، لأن هذا الحجب ليس من حق الدولة السيادية بل هو من حق الجماهير الانتخابية التي تقول رأيها وحكمها في هذه السلطة عبر الصناديق الانتخابية في دورة انتخابية قادمة أو مبكرة..
وفي هذا الإطار تتحدد المهام السيادية للمؤسسة العسكرية بالنظر إليها أنها أحد مكونات الدولة السيادية وليس السلطة الحاكمة، ومثل هذه المهمة السيادية للمؤسسة العسكرية يفترض أن تكون واضحة ومحددة في استراتيجية المؤسسة العسكرية السيادية، والتي على ضوئها تتحدد علاقة المؤسسة العسكرية بسلطة الحكم اتفاقاً وافتراقاً.
3) تتعامل الدولة السيادية بكامل مؤسساتها السيادية مع المعارضة كتعاملها مع السلطة الحاكمة على قدم المساواه باعتبار أن كل من السلطة الحاكمة والمعارضة السياسية يشكلان قوام النظام السياسي التعددي الذي هو أحد مكونات الدولة السيادية.. ومثل هذا التعامل يفرض على مؤسسات الدولة السيادية إضفاء الشرعية السيادية العليا للدولة على مطالب المعارضة في حال كانت هذه المطالب سيادية وغير سياسية تنافسية حتى ولو كانت هذه المطالب لا تتوافق مع توجهات السلطة الحاكمة طالما وهذه المطالب متفقة مع شرعية وتوازن عناصر القوة السيادية للدولة، ولا ضير أن تكون هذه المطالب باسم المعارضة طالما وهي صادرة من معارضة قانونية تشكل الركن الثاني للنظام السياسي التعددي الذي يعد أحد مكونات الدولة السيادية، ولكن دون أن تقوم مؤسسات الدولة السيادية بحشد عناصر قوتها السيادية بما فيها المؤسسة العسكرية لدعم أحزاب المعارضة للوصول إلى الحكم لأن هذه المهمة من مهام الجماهير الانتخابية، أما في حال كانت مطالب المعارضة لا تتفق مع مبادئ الدولة السيادية فحينها تقوم الدولة بحجب الشرعية السيادية عن هذه المطالب وترك أمر المعارضة للشعب والانتخابات..
وفي هذا الإطار تتحدد مهمة المؤسسة العسكرية في التعامل بحيادية واحترام مع أحزاب المعارضة السياسية بصرف النظر عن اتفاق أو اختلاف المؤسسة العسكرية معها ومع مطالبها ولكن باعتبار هذه المعارضة الركن الثاني للنظام السياسي التعددي الذي هو أحد مكونات الركن السيادي للدولة مثله مثل عنصر القوة العسكرية.
4) استجابةً لمطالب الجماهير الشعبية الثائرة سلمياً عادةً ما تضطر الدولة السيادية من خلال مؤسساتها السيادية الفاعلة إلى الإستجابة إلى هذه المطالب الثورية المشروعة للجماهير وهو ما يؤدي تلقائياً إلى إضفاء الشرعية السيادية العليا للدولة على الثورة الشعبية السلمية ضد سلطة النظام الحاكم المثور عليها طالما ومطالب الثورة الشعبية مطالب عادلة وتقرها مبادئ سيادة الدولة وتحظى بمشروعية شعبية شاملة منتشرة في كل الشرائح المجتمعية للشعب، وممتدة في كل المساحة الجغرافية للوطن شريطة أن تستهدف هذه الثورة سلطة النظام الحاكم سلمياً ودون أن تتجاوز في فعلها الثوري إلى ممارسة العنف أوالانقضاض على مؤسسات الدولة السيادية لان الثورة الشعبية ضد الدولة السيادية هي ثورة ضد السيادة ولا يوجد شعب يثور ضد سيادته..
وهنا يأتي الدور السيادي للمؤسسة العسكرية باعتباره أهم مؤسسات الدولة السيادية للحيلولة دون استهداف هذه الثورة الشعبية وتأمين مسارها السلمي على النحو الذي يمكنها من تحقيق مطالبها المشروعة سلمياُ أو تفشل سلمياً، وفي الوقت نفسه تقوم المؤسسة العسكرية بحماية المركز السيادي للدولة السيادية من أي انهيار قد يحدث بفعل الضغط الشعبي الثوري.
5) في حال سقوط السلطة الحاكمة أوسقوط شرعية رئيسها الذي هو رئيس الدولة، سواءً كان هذا السقوط بفعل ضغط المعارضة أو بفعل الثورة الشعبية، أو بفعل فشل هذه السلطة ورئيسها في الحكم، تقوم الدولة السيادية حينها بكامل عناصر قوتها السيادية باتخاذ الإجراءات اللازمة لمساعدة الشعب في انتخاب سلطة حكم مدنية بديلة..
وفي هذه الحالة تقوم المؤسسة العسكرية كأحد مكونات الدولة السيادية بتأمين عملية نقل السلطة بكامل إجراءاتها ابتداءً من سقوط السلطة الحاكمة ورئيسها المنتخب، وحتى الإعلان عن انتخاب سلطة حكم بديلة وفق القواعد التي يمليها النظام السياسي التعددي للدولة السيادية.
6) تلتزم الدولة السيادية بكامل مؤسساتها السيادية بتعزيز مكانة وشرعية الوثيقة التاريخية المنشئة للدولة السيادية والإعلاء من شأنها وشأن المبادئ والأهداف التي نصت عليها..
وهنا تتحدد مهمة المؤسسة العسكرية في إطار وظيفة الدولة السيادية بجعل مبادئ وأهداف هذه الوثيقة كأهم مكونات العقيدة العسكرية للجيش والأمن والتي على أساسها تتشكل الإستراتيجية الدفاعية وإستراتيجية الأمن القومي للجيش والأمن بما يؤدي إلى صون أهداف هذه الوثيقة السيادية المجمع عليها شعبياً في إطار العقد الإجتماعي الوطني العام.
7) من وظائف الدولة السيادية، قيام المركز السيادي للدولة بكامل عناصر قوته السيادية أو ببعض هذه العناصر بإعادة بناء قوام الدولة السيادية أو إنتاجها من جديد، وذلك في كل اللحظات التي تتعرض فيها الدولة السيادية إلى التفكك أو الانهيار..
وعلى هذا الأساس تتحول المؤسسة العسكرية السيادية باعتبارها أهم عناصر القوة السيادية للدولة في كل لحظات الإنهيار التي تصيب الدولة إلى قطب رحى تتجمع حولة بقية عناصر القوة السيادية لإعادة تشكيل القوام السيادي للدولة من جديد.. شريطة أن يكون هذا الدور للمؤسسة العسكرية مرتبط بسيادة الدولة وباسم المؤسسة العسكرية المهنية الرسمية المتعارف عليها.. وفي كل الأحوال فإن أي دور يمكن أن تلعبه القوة العسكرية في إعادة بناء الدولة السيادية سيظل مرهونٌ بقدرة المؤسسة العسكرية على التكيف والتفاعل والانسجام مع مختلف عناصر القوة السيادية الأخرى وفي مقدمة ذلك عنصر القوة السياسية،و عنصر القوة المدنية، وذلك ضمن تحالف وطني سيادي عام يضم جميع عناصر القوة السيادية للدولة لبلورة تصور وطني لإعادة بناء الدولة السيادية.
تظل أهمية المؤسسة العسكرية وفاعليتها في إطار وظيفة الدولة السيادية مرهون بوحدة أفراد وقيادات ونظم هذه المؤسسة وطنياً..
وبالتالي تصبح مهمة الحفاظ على وحدة المؤسسة العسكرية من أكبر المهام السيادية الكبرى التي تضطلع بها المؤسسة العسكرية، وهذه المهمة ستظل هي الأخرى مرهونة بالمهمة الأصلية التي هي (بناء المؤسسة العسكرية بناءً وطنياً سيادياً ينسجم مع مبادئ وأهداف الوثيقة السيادية الوطنية المنشئة للدولة السيادية المدنية المرتكزة في حكمها على نظام التعددية السياسية).
9) مثل هذا الدور المحوري للمؤسسة العسكرية في إطار وظيفة الدولة السيادية وما تقوم به من مهام سيادية تتمثل في تأمين وإنفاذ كل إجراءات الدولة السيادية في كل الحالات المشار إليها سابقاً..يفرض على هذه المؤسسة كمكون من مكونات الدولة السيادية الالتزام بثوابت معينة لا يحق لها تجاوزها، أهمها:
المؤسسة العسكرية السيادية لا تمارس الحكم، ولكنها تقوم بإسناد سلطة النظام الحاكم إسناداً سيادياً في حال كانت أفعال وتصرفات هذه السلطة متوافقة مع مبادئ الدولة السيادية المدنية وعدالتها ومنسجمة مع مختلف العناصر السيادية للدولة.
المؤسسة العسكرية السيادية لا تمارس المعارضة السياسية، وأشكال العمل الحزبي، ولكنها تحترم عمل الأحزاب، وتحول دون استهداف كياناتها القانونية ضمن مهامها السيادية للحفاظ على شكل النظام السياسي التعددي الذي هو أحد أركان الدولة السيادية، وكون هذه الأحزاب جزء من مكونات النظام السياسي للدولة السيادية.
المؤسسة العسكرية السيادية لا تثور، ولا تحرّض على الثورات، ولكنها تؤيد ثورات الشعب المشروعة وتحول دون استهداف مسارها الثوري الشعبي.
المؤسسة العسكرية السيادية لا تنفرد في تنفيذ مهامها السيادية بمعزل عن عناصر القوة السيادية الأخرى.
بين هيمنة القوة العسكرية وتراجع القوى السياسية والمدنية
الأصل إن النظام السياسي الديمقراطي للدولة السيادية يقوم على قاعدة تحييد العنف من الحياة السياسية واتباعه الأسلوب السلمي في عملية التغيير السياسي والاجتماعي، كونه النظام المنتج لآليات التغيير الديمقراطي والمتمثلة بالعملية الانتخابية الدورية الموصلة للتداول السلمي للسلطة، وفي ظل هذا النظام لا تحتاج القوى السياسية أصلاً إلى التوسل بالانقلابات العسكرية طريقاً للوصول إلى السلطة، حيث لا يوجد إلا طريق واحد هو: طريق صندوق الاقتراع.. في إطار هذا المفهوم نستطيع القول إن عدم قيام علاقة سوية بين الجيش وأطراف المعادلة السياسية والمدنية في أي بلد بما فيها اليمن لا يعود لمجرد غريزة شهوانية سلطوية عند العسكر للسطو على الدولة المدنية فحسبُ بل إن هناك أسباب موضوعية تكمن وراءهذا الإضطراب في هذه العلاقة من أهمها:
الأول: غياب القوام الإستراتيجي للدولة المدنية السيادية:
إن اليمن كغيرها من دول العالم الثالث لم تشهد قيام دولة سيادية مدنية حديثة بالمعنى القانوني المتعارف عليه في الفكر السياسي الحديث (دولة مؤسسات)، بل بقيت دولة هجينة مركبة، بجوهر داخلي سلطاني إمامي موروث، وذات قشور حداثية بحكم انتمائها لنظام سياسي تعددي فرضته الوحدة اليمنية فضلاً عن تساوق هذه الدولة الهجينة مع المشاريع الديمقراطية الناشئة المدعومة دولياً بهدف استجلاب الدعم المادي والمعنوي من دول العالم.. لهذا كان المطلب الأول لأهل الديمقراطية والساعين إليها من هذه الدول الداعمة هو إقناع نظام الرئيس صالح بضرورة بناء دولة وطنية ديمقراطية مدنية على ضوء وثيقة التأسيس التي قامت عليها الدولة اليمنية بطابعها الوحدوي التعددي عام 1990م باعتبارهذا المطلب هو المدخل لتأسيس علاقة صحيحة ومتوازنة بين المؤسسة العسكرية ومراكز الضغط الإجتماعي القبلي من جهة وأطراف المعادلة السياسية والمدنية من جهة أخرى.
الثاني: ضعف الطبقة المدنية الوسطى:
من المعروف أن الطبقة الوسطى هي حامل المشروع الوطني الديمقراطي المدني كما تبلور في الغرب تاريخياً، حيث كانت هذه الطبقة هي التي ُتفكر وتَكتب وتُنتج وتَتَمرد على الأوضاع القائمة، وتقود النضال الديمقراطي ضد القهر والاستبداد.
في حين أن الطبقة الوسطى في اليمن بأحزابها وقواها السياسية وقياداتها الشعبوية لا زالت تتسم بعدم الفاعلية في الوسط المدني فضلاً عن ضعف مؤسسات المجتمع المدني ذاتها، لهذا بدت المؤسسة العسكرية هي الأكثر تنظيماً وانضباطاً وجاهزية على التأثير في شؤون الحكم وضبط إيقاعاته في مختلف الظروف والأحوال التي مر بها اليمن.
الثالث: الإرث التاريخي:
من المعلوم أن الفكر الانقلابي الثوري كان فكراً متجذراً ومتأصلاً في أغلب أدبيات الأحزاب السياسية، خلال فترة الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وفي مقدمتها فكرة الاستيلاء على السلطة، بالأسلوب الثوري المعهود (العنف المسلح)، وذلك بالتوازي مع الموجة الثورية التي عمت الكثير من بلدان العالم خصوصاً عقب الحرب العالمية الثانية، وهو ما دفع بالثوريين العرب إلى القفز ثورياً على مركب السلطة اختصاراً للزمن في إطار شعار (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة).. الواضح في هذا الأمر أن القوى القومية كانت من أوائل القوى التي استطاعت الاستيلاء على السلطة في معظم الدول العربية من خلال البيان رقم (1)، والمتبدية للعيان من خلال كثرة انقلاباتها العسكرية والتي بلغت ذروتها خلال فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، إذ أن الأمر لم يكن مقتصراً على القوى القومية وحدها، بل تعداه إلى القوى اليسارية لاحقاً كما حدث في جنوب اليمن، وكذا القوى الإسلامية في وقت متأخر كما هو الحال في السودان.
الجيوش العربية وثورات الربيع العربي
من المعلوم أن ثورات الربيع العربي قد دفعت ببعض الجيوش إلى واجهة المعترك السياسي والثوري في المنطقة العربية باعتبارها أطراف فاعلة ومؤثرة في مسارات هذه الثورات، حيث برز الجيشان التونسي والمصري كراعيين ومشاركين فاعلين في الثورتين المصرية والتونسية أما في الثورات العربية الأخرى مثل ليبيا واليمن والبحرين وسوريا فقد اختلفت مواقف الجيش في هذه البلدان مع ثورات الربيع العربي تبعاً لاختلاف البيئات السلطوية في هذه البلدان، وذلك على ضوء مرونة هذه الأنظمة أو انهيارها أو تصلبها امام الثورات الشعبية وذلك على إثر الضربات التي وجهتها الثورات الجماهيرية.. في المحصلة النهائية يمكن رصد مواقف هذه الجيوش من ثورات الربيع العربي في المنطقة العربية عموماً وفقاً للمشهد التالي:
أسهمت قوات الجيش في كل من تونس ومصر في التعجيل بنهاية النظامين الحاكمين كما لعبت دوراً مهماً في عملية انتقال السلطة في هذين البلدين.
على النقيض من موقف الجيش المصري والتونسي عمل الجيش في البحرين وسوريا على قمع المتظاهرين ولا زالت الجماهير العربية تراهن على حدوث تغير إيجابي لموقف الجيش في هذين البلدين لصالح التغيير.
حدوث إنشقاق جهوي في بنية الجيش الليبي القديم عجل بانتصار الثورة السلمية في الإقليم الشرقي من البلاد في حين تصلبت الكتائب الخاصة للنظام، وقامت بقمع الثورة السلمية في غرب البلاد وهو ما أدى إلى نشوء الثورة المسلحة، إلا أن هذه الكتائب انهارت لاحقاً بفعل ضربات الثوار المسلحين على الأرض وضربات النيتو من الجو.
امتنعت معظم عناصر الجيش في اليمن من قمع المتظاهرين وبدأ البعض منها ينشق عن قياداته، وتزايدت عملية هذا الانشقاق عند إعلان قادة كبار تأييدهم للثائرين ضد الرئيس صالح احتجاجاً على اتخاذ النظام قرار إطلاق النار على المتظاهرين والمشاركة في عملية قمع الثورة السلمية، بما في ذلك الإنشقاقات التي طالت الوحدات العسكرية والأمنية التي يقودها أقارب الرئيس صالح، وهو ما أخل بميزان القوة العسكرية للنظام اليمني في مصلحة الثورة الشعبية، وقد أدى هذا الإنشقاق بالتزامن مع الضغط الثوري الشعبي المتعاظم إلى تدخل دول الجوار الخليجية والشركاء الدوليين أسفر عن إطلاق المبادرة الخليجية.. ومع تبني المبادرة الخليجية لنقل السلطة في اليمن بدى الجيش اليمني بجناحيه المؤيد للثورة والمؤيد للنظام وكأنه أحد الأدوات الناقلة للسلطة وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، فضلاً عن الدخول في عملية ترميمه لإعادة بناء الجيش الوطني وهيكلته من جديد تحت إشراف اللجنة الأمنية والإستقرار التي نصت عليها الآلية التنفيذية ضمن عملية التغيير الشامل التي اقترحها الشركاء الدوليون عبر المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.
وضع المؤسسة العسكرية اليمنية في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية
كما هو واضح بأن الراعين الدوليين والإقليميين للمبادرة الخليجية يطلقون على هذ المبادرة وآليتها التنفيذية مسمى (التسوية) أي أنها تسوية بين جميع أطراف الصراع (السلطة المعارضة الثورة الجيش والأمن المؤيد للثورة الجيش والأمن المؤيد للنظام).. حيث ضمنت هذه التسوية حقوق وحضور كل طرف من الأطراف على نحوٍ من التساوي ولكن في إطار نقل سلطة الرئيس صالح لنائبه، الأمر الذي يعني أن هذه التسوية هي في الأساس لترتيب وتسوية أوضاع ما بعد نقل سلطة الرئيس صالح أوتسوية الأوضاع التي قد تخلفها عملية هذا النقل، وبالتالي تكون هذه التسوية بين أطرافها قد اشتملت على ما يلي:
أولاً: أطراف السلطة
1) الرئيس صالح
بموجب هذه التسوية ضمنت الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية بقاء الرئيس صالح رئيساً شرفياً لمدة ثلاثة أشهر (موعد انتخاب الرئيس الجديد) أي أن المركز القانوني لرئيس الجمهورية يظل طيلة هذه الفترة محتفظاً باسم الرئيس صالح باعتباره الرئيس الدستوري الموجود اسماً بعد أن نزعت المبادرة صلاحياته عملياً، فضلاً عن أن هذه التسوية تضمن لصالح البقاء داخل الوطن بدون مسائلة، وعدم اعتراضها على احتفاظه بمنصب رئاسة المؤتمر طالما وأن حزبه قد استبقاه في هذا المنصب الحزبي.
2) النائب
بموجب هذه التسوية أصبح النائب عبد ربه منصور هادي مفوضاً بأعمال الرئيس بشرعية المبادرة وآليتها التنفيذية وقرار مجلس الأمن على أن يمارس النائب كامل الصلاحيات التنفيذية للرئيس لمدة ثلاثة أشهر انطلاقا ً من مركزه القانوني كنائب للرئيس وليس من المركز القانوني للرئيس الذي سيظل محتفظاً باسم صالح طيلة هذه الفترة.
الواضح من خلال هذه الفترة الإنتقالية بمرحلتيها أنه لا سلطان للدستور اليمني على سلطة النائب المفوض حالياً والمنتخب لاحقاً، إلا في حدود مانصت عليه الآلية التنفيذية.
3) المؤتمر الشعبي
بموجب هذه التسوية يصبح المؤتمر الشعبي بعد نقل سلطة الرئيس صالح وخلال الفترة الإنتقالية بمرحلتيها شريكاً في الحكومة الإئتلافية بنصف مقاعد هذه الحكومة بعد أن كان يحكم البلاد بمفرده، كما يصبح شريكاً توافقياً في البرلمان بعد أن كانت كتلته البرلمانية تمثل كتلة الأغلبية.
4) أبناء الرئيس وأقاربه في الجيش والأمن الموالي لصالح
لم تستهدف المبادرة أبناء الرئيس صالح وأقاربه في الجيش والأمن عند استهدافها لسلطتة الرئاسية على اعتبار أن هؤلاء الأقارب ليس لهم صفة دستورية حتى تستهدفهم المبادرة ضمن استهدافها لسلطة الرئيس الدستورية، ولذلك تم التعامل معهم وفقاَ لهذه التسوية باعتبارهم ضمن الوضع الوظيفي الذي ينطبق عليهم قانون الخدمة في الجيش والأمن كغيرهم من القادة والضباط، ولكونهم بحكم مواقعهم العسكرية والأمنية أحد مظاهر الأزمة فقد أحالت الآلية التنفيذية أمرهم إلى اللجنة العسكرية والاستقرار الأمني، وبالتالي التعامل معهم دولياً على ضوء تعاملهم هم مع هذه اللجنة وتعاونهم معها في انجاح مهامها،ومدى تفاعلهم أيضاً مع تنفيذ المبادرة الخليجية على ضوء آليتها التنفيذية، وبالتالي سيتحدد مستقبلهم على ضوء هذا التعاون من عدمه، ولهذا أبقت الآلية التنفيذية الباب مفتوح لهؤلاء الأقارب لإثبات جديتهم في التعامل مع مهام اللجنة العسكرية والإستقرار الأمني، كما أبقته أيضاً لغيرهم من الطرف المقابل ونقصد بذلك الجيش المؤيد للثورة لإثبات جديتهم جميعاً في تنفيذ المبادرة وفقاً للآلية التنفيذية ومن ثم كسب ثقة المجتمع الإقليمي والدولي والشرعية الدولية الأممية المعنيين بمتابعة تنفيذ هذه المبادرة إجرائياً..وكما أبقت الآلية التنفيذية لهؤلاء الأقارب الباب مفتوح لإثبات جديتهم عبر اللجنة العسكرية والإستقرار الأمني فإنها في الوقت نفسه قد أبقت الخيارات مفتوحه لاستهدافهم عبر قرارات تصدر من مجلس الأمن وخاصةً في حال تحول هؤلاء الأقارب إلى عقبات كأداء أمام تنفيذ المبادرة، فحينها سيكون استهدافهم ليس بصفتهم أقارب للرئيس المعزول ولكن بصفتهم مشكلة مستقلة بحد ذاتها.
ثانياً: أطراف المعارضة
1) أحزاب المعارضة
بموجب هذه التسوية تصبح رئاسة الحكومة من حصة المعارضة وشركائها، فضلأً عن استحقاق أحزاب المعارضة لنصف مقاعد الحكومة ضمن شراكة إئتلافية تناصفية مع المؤتمر الشعبي وبموجب هذا الوضع تصبح الحكومة الإئتلافية هي إطار للإئتلاف السياسي الذي يضم السلطة والمعارضة معاً بشرعية توافقية معززة بمرجعية المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقرارات مجلس الأمن.
2) شباب الثورة
بموجب هذه التسوية ضمنت هذه المبادرة وآليتها التنفيذية لشباب الثورة حق الاستمرار بتصعيد ثورتهم سلمياً حتى تتحقق أهدافهم،، المشروعة وطنياً،، والمعتبرة دولياً،، كما ألزمت الآلية التنفيذية الحكومة الإئتلافية بفتح حوار شامل مع شباب الثورة وإشراكهم في المعادلة السياسية القادمة على النحو الذي يؤدي إلى تحقيق مطالبهم وحقهم في التغيير وإقامة الدولة المدنية الحديثة.
3) المعارضة القبلية
لم تتعرض التسوية للمعارضة القبيلة رغم أنها طرف مهم من أطراف الصراع ورغم وزنها الثقيل والمؤثر سواءً على صعيد المعارضة السياسية أو المعارضة المسلحة لنظام صالح، كما هو الحال في الحصبة وأرحب، ويبدو أن الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية قد حرصت عدم التعامل مع هذا الطرف المعارض ضمن التوصيف القبلي تأثراً بالتقاليد الدولية التي لا تعترف بالأوضاع الغير رسمية والغير مؤسسية ومن ذلك أشكال المعارضة القبلية والمليشيات.. الواضح في هذا الأمر أن الآلية التنفيذية ورغم إدراكها بأهمية هذا الطرف كأحد أطراف التسوية إلا أنها فضلت عدم التعامل معه بوصفه القبلي، وبالتالي حسمت أمرها على تعزيز التوجهات الدولية الساعية إلى التعامل مع هذا الكيان سياسياً ضمن أطراف المعادلة السياسية والحزبية خاصةً وأن معظم رموز المعارضة القبلية هم قيادات سياسية في أحزابهم، إضافةً إلى التعامل مع هذا الكيان من الناحية الإجتماعية باعتباره ضمن مفردات المجتمع المدني بطابعه الشعبوي.
4) الجيش والأمن المؤيد للثورة
بموجب هذه التسوية تعاملت الآلية التنفيذية مع الجيش والأمن المؤيدان للثورة باعتباره أحد الأطراف المعارضين لسلطة الرئيس صالح ليس داخل الحياه السياسية ولا في المعارضة الشعبية والثورية بل هو معارض حقيقي داخل البنية العسكرية للجيش السيادي والأمن، وبالتالي اعتبرته الآلية التنفيذية طرفاً مستقلاً بذاته ضمن القوام الإستراتيجي للجيش السيادي اليمني، حكمه حكم القسم الآخر من الجيش المؤيد لنظام صالح الذي يسيطر عليه أقاربه وأبنائه، أي أن الجيش المؤيد للثورة بمعيار هذه التسوية ينطبق عليه ما ينطبق على الجيش المؤيد للنظام باعتباره الند المقابل له كون الأزمة الوطنية التي توجت بالثورة قد قسمت الجيش السيادي والأمن إلى محورين متناقضين أحدهما في صف النظام الذي استهدفته المبادرة وآليتها التنفيذية، والآخر مؤيد لمطالب المعارضين للنظام سواءً المعارضين السياسيين أو الثوار،ولكن دون أن يكون هذا الجيش أحد أجندتهما أي (الثوار والمعارضة السياسية) لأنه لا ينتمي لأي منهما بل هو ينتمي في حقيقة أمره للجيش السيادي للدولة الذي هو ملك الشعب، ولذلك فإن كان هذا الجيش قد قطع صلته وانتمائه لسلطة النظام الحاكم إلا أنه لم يقطع انتمائه للجيش الوطني السيادي الذي هو جيش الدولة السيادية لا جيش السلطة الحاكمة.. وعلى هذا الأساس فإن الآلية التنفيذية حسمت أمرها على التعامل مع هذا الجيش على ضوء جديته وتعاونه في إنجاح مهام اللجنة العسكرية والإستقرار الأمني ومدى قدرته على التكيف والمشاركة في إعادة بناء الجيش على أسس وطنية ضمن الوظائف السيادية لهذا الجيش وليس له أي علاقة بتسويات ذات صلة بالشأن السياسي أو الثوري بل أنه طرف مستقل بذاته ضمن الوضع السيادي ولهذا حرصت الآلية التنفيذية على عدم إلحاق هذا الجيش في هذه التسوية على قوام المعارضة السياسية في إطار الحكومة الإئتلافية بل تعاملت معه كطرف مستقل ضمن إطار اللجنة العسكرية والإستقرار الأمني.
الأمر الآخر أن الآلية التنفيذية حرصت في الوقت نفسه على عدم إلحاق الجيش المؤيد للثورة ضمن قوام الثورة على اعتبار أن الجيش السيادي لا يثور ولا يحرض على الثورات ولكنه يدعم مطالب الثوار سلمياُ في حال غدت مطالب هؤلاء الثوار مطالب شعبية خالصة.
لهذه الاعتبارات كلها يلاحظ أن الآلية التنفيذية قد حددت وضع الجيش المؤيد للثورة في هذه التسوية ضمن إطار اللجنه العسكرية والإستقرار الأمني الذي يضم طرفي الجيش السيادي سواءً المؤيد للثورة أو المؤيد لنظام صالح، وهو إطار مستقل بحد ذاته يخضع مباشرة لسلطة الرئيس المفوض عبدربه منصور هادي ضمن مهامه السيادية، وعلى هذا الأساس سيتحدد مستقبل الجيش والأمن المؤيدان للثورة وكذا الجيش المؤيد لنظام صالح ومكانتهما لدى الشركاء الدوليين والإقليميين على ضوء ما سيقدمانه كل على حدة من تعاون لإنجاز مهام اللجنة العسكرية والإستقرار الأمني، فضلاً عما سيقدمانه من عطاءات في سبيل إنجاح عملية هيكلة الجيش وإعادة بناءه من جديد وفق مواصفات وطنية ومعايير دولية،والأهم من ذلك قدرة هذا الجيش بجناحيه وحرصه على إعادة توحيد البنية الداخلية للجيش بعد ان قسمتها الأحداث إلى قسمين متضادين.
ضمانات عدم سيطرة المؤسسة العسكرية على مقاليد الدولة المدنية في اليمن
إذا ركزنا على هذا الوضع للمؤسسة العسكرية في اليمن كغيرها من أوضاع الجيوش الأخرى وحالات البلدان التي تشهد وقائع ثورات وعملية انتقال السلطة فإننا نرى بشكل واضح أن هذه الجيوش والمؤسسات الأمنية التي دفعت بها ثورات الربيع العربي إلى الميدان السياسي وميادين الفعل الثوري أصبحت الآن كما يبدو جاهزةً لتلعب دوراً محورياً في هذه البلدان إما من خلال إعادة بناء أنظمة الحكم من جديد أو من خلال ملئ الفراغ السياسي الذي حدث بفعل سقوط الأنظمة ثورياً أو المشاركة في تأسيس القوام الإستراتيجي للدولة السيادية الغائبة أصلاً، أو الإسهام في إعادة بناء الجيش وهيكلته على أسس مهنية حديثة لضمان الإستقرار الوطني، وغير ذلك من المهام، وهو ما يضع هذه البلدان على مفترق طريق حرج وهو الخط الفاصل في الحياة السياسية الذي يفتح الأبواب على مصراعيها أمام توجهات التغيير أو يوصدها مرةً أخرى وهو مفترق الطرق الذي لم يسبق له مثيل في منطقة ظلت فيها الصورة الدماغية السياسية معتمة لعقود من الزمن ولضمان هذا الدور المؤثر للجيوش في عملية نقل السلطة وإسهامه في إعادة بناء الدولة من المهم جداً خلق شراكة سياسية مدنية تضمن عدم تغول هذه الجيوش في الحياة السياسية وعدم هيمنتها على قوام الدولة المدنية في هذه البلدان ومنها اليمن، وذلك من خلال الآتي:
1) المعلوم إن الدولة الديمقراطية الحديثة عادةً ما تحتكر العنف ولكنه العنف غير الثوري، وغير المتجه صوب الداخل الوطني وأهله، وعليه تكون وظيفة الجيش باعتباره مخزون القوة الوطنية السيادية هي:
الدفاع عن السيادة العليا للدولة تجاه الخارج أولاً، والدفاع عن سيادة القانون تجاه الداخل ثانياً، وذلك بتفويض من السلطتين التشريعية والقضائية، وباشتراطات محددة طبقاً لتوصيف مهام الجيش في الدولة السيادية المدنية ذات النظام التعددي.
ولعل أهم الشروط التي تحول دون تغول الجيش في الدولة المدنية هو تمتع السلطة الحاكمة بالشرعية الديمقراطية الممنوحة لها دستورياً في ظل نظام ديمقراطي برلماني تعددي، وليس في ظل نظام رئاسي أو ديمقراطي شعبوي تسلطي.
2) في وضع كاليمن الذي يغيب فيه أي مفهوم للدولة السيادية من المهم جداً أن تبادر القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني إلى تنشيط دورها من أجل إثراء المشروع الوطني الذي على أساسه يمكن إعادة بناء الدولة المدنية الحديثة استناداً إلى وثيقة التأسيس التي قامت عليها الدولة اليمنية الواحدة عام 1990م.
3) إن تبني نظام حكم لا مركزي (فيدرالي محلي) يشكل مدخلاً رئيسياً لتخفيف سلطة المركز ومركزية الرأس حيث تقع سلطة الجيش هناك، وهو ما يشكل ضماناً لعدم تغول الجيش في الحياة السياسية ومن ثم تفرغه للشأن السيادي المركزي.
4) إن النضال في سبيل إرساء دعائم الدولة المدنية الحديثة في اليمن يفرض على الناشطين الحقوقيين والمناضلين المدنيين التفكير بضرورة إعتماد إستراتيجية نضالية من شأنها إعادة صوغ وتشكيل منظمات المجتمع المدني وتأهيلها وتحديثها على النحو الذي يؤدي إلى خلق بنية مدنية مجتمعية لها حضورها الفاعل في الوسط المدني بالقدر الذي يمكنها من فرض حضورها بشكل فاعل ومتحفز على القوام الإستراتيجي للدولة السيادية، وبما يؤدي إلى إحداث قدر من التوازن الإستراتيجي مع مختلف العناصر السيادية الأخرى التي تشكل في مجملها القوام الإستراتيجي للدولة السيادية، وبالتالي تعزيز الحضور المدني في الميزان الإستراتيجي الوطني للبلد.
5) إن واجب المرحلة يفرض على المناضلين السياسيين ضرورة الإسهام الفاعل لتغيير صيغة وشكل منظومة عمل المنظومة السياسية القائمة على النحو الذي يؤدي إلى تغيير جذري في منظومة عمل الأحزاب برامجياً وهيكلياً على النحو الذي يؤدي إلى تجديد المعادلة السياسية وترسيخ حضورها كإسهام مباشر في ترسيخ ودعائم النظام التعددي الذي هو أحد وأهم دعائم الدولة المدنية الحديثة.
6) إنه لا سبيل لتجذير الحياة المدنية وترسيخ تقاليدها في المجتمع اليمني من دون تحديث وتطوير دور المؤسسات في المجتمع المدني ونقصد هنا بالمؤسسات ليست فقط منظمات المجتمع المدني ولكن أيضا المؤسسات الشعبية ممثلة في القوى الشعبية والمكونات القبلية وغيرهامن الكيانات الفئوية والشرائحية والمهنية والنقابية التي تجمع كل اليمنيين حول البرامج والقضايا والمبادئ التي تقوم عليها الدولة المدنية.. وعلى هذا الأساس يمكن القول إن بناء المجتمع المدني اليمني في بعده الثقافي والقانوني والدستوري هو الذي يحدد الحقوق والواجبات المتعارف عليها مدنياً ومن ثم يحمي هذه الحقوق والواجبات تلقائياً وهو فوق ذلك يصون قيم العدل والمساواة.
وفي هذا الإطار يحتاج المجتمع اليمني أن يتفق بكل قطاعاته وفئاته وقواه طوعاً واختياراً على تبني قيم ومعاني جديدة من شأنها إدماج تكوينات المجتمع القبلي في الحياة المدنية العامة على النحو الذي يؤدي إلى ترسيخ نظام وتقاليد المجتمع المدني الحديث على قاعدة حقوق المواطنة المتساوية وبما لا يخل بالقبلية في جوانبها الإيجابية ونظمها التقليدية ولكنه يضع الضوابط والمحددات والقواعد والقوانين والتشريعات التي تمنع المحسوبية أو المحاباة العصبوية وبالتالي تجعل من الكفاءة والجدارة والأهلية وبقية المعايير الموضوعية والعلمية أسس المعاملة والتعامل والاختيار بديلاً عن تكرار الشعارات الخاوية باسم المدنية والحداثة أو الإتكاء على موروث الثقافات العصبوية البالية.
7) إن الفعاليات السياسية والثورية والمدنية والعسكرية والتكوينات القبلية ومراكز المال والأعمال مطالبة اليوم في دعم وإسناد الجهود الدولية الهادفة إلى إنقاذ الدولة اليمنية من الإنهيار وإعادة تأهيلها من جديد وفقاً لمصفوفة الإصلاحات الدولية المعتمدة الهادفة إلى تحقيق العدالة والحكم الرشيد وبما يلبي الأهداف والتطلعات التي نادى بها شباب الثورة في اليمن.
المعلوم بأن الدولة السيادية في اليمن أصبحت مصنفة دولياً من الدول الغير مستقرة، وهي منزلة بين منزلتين (منزلة الدول المستقرة، ومنزلة الدول المنهاره).
إن التصنيف الدولي لليمن كدولة غير مستقرة تعني بأن مفهوم الدولة لم يتأسس في اليمن بعد، وبالتالي فإن هذا التصنيف يتلازم مع جهود دولية تسعى للحيلولة دون انتقال اليمن إلى الدول المنهارة أولاً.. وثانياً تعمل هذه الجهود على نقل اليمن من وضعها غير المستقر إلى أوضاع الدول المستقرة، وكل المؤتمرات الدولية ابتداءً من مؤتمر لندن وحتى الرياض تسير في إطار هذه الجهود وسيتعزز هذا الجهد الدولي أكثر مع قيام ثورة التغيير في اليمن.. وفي كل الأحوال سيظل نجاح هذا الجهد مرهون بالجهد الداخلي الوطني والدور الذي يمكن أن تقوم به عناصر القوة السيادية في اليمن في إعادة بناء وتشكيل القوام الإستراتيجي للدولة اليمنية قبل وصولها إلى مرحلة الانهيار الشامل..
وتأتي المؤسسة العسكرية اليمنية بجناحيها ممن أيد الثورة وممن والى النظام باعتبارهما مؤسسة سيادية وطنية واحدة في طليعة هذه العناصر السيادية التي يعول على دورها ومدى قدرتها في خلق شراكة مع الجهد الإقليمي والجهد الدولي لإعادة بناء القوام السيادي للدولة اليمنية من جديد قبل أن يتفتت كيانها السيادي وتنزلق نحو الانهيار الشامل وخاصةً على ضوء التداعيات الخطيرة التي حصلت بفعل ثورة الشباب وما ترتب عن ذلك من انقسام خطير في المؤسسة العسكرية اليمنية..
انتهت الورقة التوصيفية،،
- ورقة توصيفية من وجهة نظر تحليلية قدمها عبده سالم، المحلل والباحث الإستراتيجي المهتم بدراسات البحر الأحمر ومنطقة القرن الأفريقي، خلال المؤتمر الوطني حول (اليمن إلى أين؟) الذي انعقد في العاصمة المصرية القاهرة في الفترة من 23-25 يناير الجاري.
المصدر أونلاين
المصدر أونلاين – عبده سالم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.