مدرب بايرن ميونيخ: جاهزون لبيلينغهام ليلة الثلاثاء    لأول مرة.. مصر تتخذ قرارا غير مسبوق اقتصاديا    رسالة سعودية قوية للحوثيين ومليشيات إيران في المنطقة    كأن الحرب في يومها الأول.. مليشيات الحوثي تهاجم السعودية بعد قمة الرياض    ماذا تعني زيارة الرئيس العليمي محافظة مارب ؟    الكشف عن الفئة الأكثر سخطًا وغضبًا وشوقًا للخروج على جماعة الحوثي    طفلة تزهق روحها بوحشية الحوثي: الموت على بوابة النجاة!    ليفاندوفسكي يقود برشلونة للفوز برباعية امام فالنسيا    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    ثلاثة صواريخ هاجمتها.. الكشف عن تفاصيل هجوم حوثي على سفينة كانت في طريقها إلى السعودية    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    رئيس مجلس القيادة: مأرب صمام أمان الجمهورية وبوابة النصر    الجرادي: التكتل الوطني الواسع سيعمل على مساندة الحكومة لاستعادة مؤسسات الدولة    حاصل على شريعة وقانون .. شاهد .. لحظة ضبط شاب متلبسا أثناء قيامه بهذا الأمر الصادم    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    رئيس كاك بنك يشارك في اجتماعات الحكومة والبنك المركزي والبنوك اليمنية بصندوق النقد والبنك الدوليين    أصول القطاع المصرفي الاماراتي تتجاوز 4.2 تريليون درهم للمرة الأولى في تاريخها    فيتنام تدخل قائمة اكبر ثلاثة مصدرين للبن في العالم    استشهاد 6 من جنود قواتنا المسلحة في عمل غادر بأبين    استشهاد 23 فلسطينياً جراء قصف إسرائيلي على جنوب قطاع غزة    ليفربول يوقع عقود مدربه الجديد    رباعي بايرن ميونخ جاهز لمواجهة ريال مدريد    عاجل محامون القاضية سوسن الحوثي اشجع قاضي    لأول مرة في تاريخ مصر.. قرار غير مسبوق بسبب الديون المصرية    قائمة برشلونة لمواجهة فالنسيا    المواصفات والمقاييس ترفض مستلزمات ووسائل تعليمية مخصصة للاطفال تروج للمثلية ومنتجات والعاب آخرى    مدير شركة برودجي: أقبع خلف القضبان بسبب ملفات فساد نافذين يخشون كشفها    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    وفاة امرأة وإنقاذ أخرى بعد أن جرفتهن سيول الأمطار في إب    اليمن تحقق لقب بطل العرب وتحصد 11 جائزة في البطولة العربية 15 للروبوت في الأردن    ''خيوط'' قصة النجاح المغدورة    استهداف سفينة حاويات في البحر الأحمر ترفع علم مالطا بثلاث صواريخ    واشنطن والسعودية قامتا بعمل مكثف بشأن التطبيع بين إسرائيل والمملكة    رغم القمع والاعتقالات.. تواصل الاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين في الولايات المتحدة    افتتاح قاعة الشيخ محمد بن زايد.. الامارات تطور قطاع التعليم الأكاديمي بحضرموت    الذهب يستقر مع تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية    الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    كانوا في طريقهم إلى عدن.. وفاة وإصابة ثلاثة مواطنين إثر انقلاب ''باص'' من منحدر بمحافظة لحج (الأسماء والصور)    ريمة سَّكاب اليمن !    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع لرؤيا مستقبلية لشباب الثورة!
نشر في الجمهورية يوم 17 - 03 - 2012

ثالثا: متطلبات اطلاق عملية التنمية المستدامة في اليمن
من خلال تحليل تجارب اليمن فيما يخص عملية التنمية المستدامة فانه يمكن القول ان لا وجود حتى لمجرد تصور لها ناهيك عن اي محاولة جادة لإطلاقها. وعلى هذا الاساس فان على شباب الثورة ان يبدؤوا من الصفر في عملية الاعداد لعملية كهذه. بلغة اخرى ان طائرة التنمية غير موجدة و من ثم فان المشكلة لا تكمن في عملية اطلاقها من خلال اعادة تأهيل محركاتها و صيانة محركاتها و توفير وقودها فحسب.
فقط ما هو متوفر من متطلبات اطلاق عملية التنمية المستدامة هو التغيير الذي احدثه شباب الثورة. و ما من شك ان حدوث ذلك يعد امرا مهما لكنه ما يتبع بخطوات اخرى فقد لا يترتب عليه اي تقدم في عملية اطلاق التنمية المستدامة.
من المهم هنا اعادة التأكيد هنا ان التغير هو الشرط الضروري لإطلاق عملية التنمية المستدامة. فبدونه لا يمكن الحديث عن اي تنمية مستدامة. اما الشرط الكافي فيكمن في حسن ادارة التغيير. فبدون توفر ذلك قد يترتب على التغيير حدوث فوضى وليس تنمية من اي نوع من الانواع.
و في هذا الاطار فانه يجب ان يسمح للتغيير ان يسير الى اقصى مدى له. فالتغير الحقيقي يعني قطيعة مع الماضي و لكن يجب ان تكون هذه القطيعة منظمة حتى يتم تقليل تكاليف الانتقال من الماضي الى المستقبل. فلان الماضي لم يعد صالحا لا للحاضر و لا المستقبل.
اذا ما تم ذلك فان ثورة الشباب ستتحول الى مطلب جمعي لا يمكن الوقوف امامها. و لذلك فان على شباب الثورة ان يصروا على التغيير الشامل و لا يرضون عن ذلك بديلا. و خصوصا ان هذا المطلب لم يعد فقط مطلبا لشباب الثورة و انما اضح مطلبا لكل فئات المجتمع اليمني.
و من المؤسف جدا ان هناك ضغوطا تمارس على شباب الثورة للقبول بالحد الادنى من عملية التغيير و من المؤسف اكثر ان قطاعات كبيرة من الشباب و خصوصا المتحزبة قد اذعنت لذلك. و لا شك ان محاولة كل من السلطة و المعارضة و الجهات خارجية عرقلة ثورة الشباب تعد نوعا من الخداع و النفاق الوقح. انها كلها تدرك وتعترف و قد افصحت عن ذلك في العديد من المناسبات ان النظام الحالي بكل مكوناته ( الدستورية و المؤسسية) قد فشل في اصلاح نفسه ناهيك عن قدرته على التأقلم مع المتغيرات الجديدة الحالية و المستقبلية.
فما توافقت عليه مكونات النظام الحالي من خلال المبادرة الخليجية و آليتها التنفيذية لا يحقق التغيير المطلوب و انما هو محاولة لكسب الوقت ثم الانقضاض على بعضهم البعض من جديد. فهذه المبادرة تعاني من ثلاثة اختلالات اساسية سيعمل على افشالها و هي التزمين و المهمات و المنفذون.
يتمثل الخلل الاول في طول الفترة الزمنية. و يتضح ذلك من ناحيتين. الناحية الاولى هو طول الفترة الانتقالية الاولى و الثانية فما كان ينبغي ان تأخذ هذا الوقت من الزمن لأنه في حال فشلها كما هو متوقع فان الناس سوف لن ينتظروا حتى نهايتها.
اما ما يخص المهمات فقد تم الربط والتزامن بين ثلاث مهمات هي تحسين الاوضاع المعيشية و هيكلة المؤسسات الامنية و العسكرية و تحديد شكل نظام الحكم القادم في البلاد. و من المؤكد ان كل الاطراف ستربط بين التقدم في اي مهمة من هذه المهمات و المهمات الاخرى مما سيجعل من شبه المستحيل تحقيق اي تقدم على الاطلاق. سيتم الهروب من المهمتين الاولوين الى المهمة الثالثة اي الى الحوار. و سيتجمد الحوار كما تجمد من قبل و ستتجمد معه المهام الاخرى.
اما فيما يخص المنفذين فان الاتفاق تم بين المؤتمر و حلفائه و اللقاء المشترك و شركائه هم نفسهم الذين كانوا يتحاورون قبل انطلاق ثورة الشباب و امضوا فترات طويلة في حوار الطرشان. و نفس الامر سيتكرر في هذه الحالة. و سيفشلون كما فشلوا في الماضي.
و الدليل على ذلك هو فشل النظام (سلطة و معارضة) في السابق على اجراء الانتخابات البرلمانية مرتين. فلو كان فعل ذلك لما كانت الاوضاع قد وصلت الى هذا الحد من السوء. و اذا فشل النظام في الماضي في تنظيم انتخابات حرة و نزيهة مقبولة فان عجزه في الوقت الحاضر و في المستقبل امر لا يجادل فيه احد. فما حدث في الانتخابات الرئاسية المبكرة لا يدل على نجاح النظام في تجاوز مطالب التغيير وانما على العكس من ذلك فانها دليل على عمق مطلب التغيير. صحيح ان مكونات النظام (سلطة و معارضة) قد نجحت في ايصال البلاد الى حالة من اليأس جعلته يصدق وعودها الكاذبة بتحسن الاوضاع بعد الانتخابات لكن من المؤكد ان الوهم ما يلبث ان يتلاش عند اول ضوء من النهار.
لقد مثلت ثورة شباب اليمن بحق فرصة قد لا تتكرر من اجل البدا في بناء اليمن الجديد. انها تمثل فرصة تاريخية لتغيير النظام الحالي باقل تكلفة. و بما ان الفرص التاريخية نادرة فانه يجب اقتناصها بكل عزم و اصرار. و لذلك فانه ستفشل كل محاولات وأدها او اجهاضها.
و على هذا الاساس فان محاولة الابقاء عليه او اجزاء منه ولو لبعض الوقت ما هي في حقيقة الامر الا خداع للنفس و تضييع للوقت و اهدار للموارد النادرة وزيادة لمعاناة اليمنيين جميعا. اذ انه لا يمكن البدء بالأعداد لإطلاق التنمية المستدامة الا بعد ان يتم حدوث التغيير الحقيقي اي ايجاد قطيعة كاملة مع الماضي. و في نفس الوقت فان على شباب الثورة الاستفادة مما حققوه من تغيير. و من اجل ذلك فانه لا بد و ان يعمل شباب الثورة على حسن ادارة التغيير الذي بدأوه و بالتالي يحققون حلمهم بإطلاق عملية التنمية المستدامة.
و ينبغي التنبيه هنا ان الافكار و المقترحات الواردة في هذه الرؤيا ما هي في حقيقة الامر الا اجتهاد مني مقدم لشباب الثورة و الراغبين في تقدم اليمن و ازدهار. والتالي فانها قابلة للنقاش والتغير والتحسين.
تنطلق هذه الرؤيا من مرتكزين اساسين هما ضرورة وجود مرحلتين اساسيتين لإطلاق عملية التنمية المستدامة. و لا شك ان مهام المرحلتين و زمنهما و المنفذين لهما مختلفون تمام الاختلاف.
فمهام المرحلة الانتقالية تنصب حول القيام بالعمليات الفنية التي لا تحتاج الى نقاش سياسي و بالتالي فهي في الاساس محل اتفاق بين الجميع. و لعل من اهم هذه المهام الاصلاح الاداري و الاصلاح الاقتصادي و تحقيق الامن و اعادة هيكلة الاحزاب السياسية و اقامة انتخابات حرة و نزيهة. ان تحقيق ذلك يتطلب فترة زمنية اقل بكثير من فترة المرحلة الانتقالية وفقا للمبادرة الخليجية و آلياتها التنفيذية. اما المنفذون لها فيجب ان يكونوا تكنقراط و محايدين و خاضعين لرقابة شباب الثورة.
بعد ان يتم تحقيق تقدم في هذه المهام ينعكس ايجابا على ثقة الناس فانه يمكن الانتقال الى المرحلة الثانية و التي سيكون من مهامها الاساسية اطلاق عملية التنمية المستدامة. و في هذه المرحلة فان الانتخابات الحرة و النزيهة ستعمل على تحديد الاوزان الحقيقية لمختلف القوى السياسية و التي يمكن ان تدخل في الحوار وفقا لذلك و بموجب تفويض شعبي. في هذه المرحلة سيتم الاتفاق على الوظيفة الاقتصادية للدولة و تحديد وظائف الدولة الاساسية و معالجة الاختلالات الاجتماعية و الثقافية العويصة.
المرحلة الانتقالية: تهيئة المناخ المناسب لإطلاق عملية التنمية المستدامة
يجب على شباب الثورة المطالبة بمرحلة انتقالية اخرى غير تلك التي يجري تطبيقها في الوقت الحاضر طبقا للمبادرة الخليجية و آلياتها التنفيذية. فبدلا من اهدار الوقت و الموارد فان على شباب الثورة المطالبة بتعديل المبادرة الخليجية و آلياتها التنفيذية من اجل تغيير مهام و زمن و المنفذين لها.
و في هذه الحالة فانه يتطلب ان يتوفر فيمن سيشارك فيها شرطان اساسيان هما القطيعة مع الماضي وتنح جانبا بعد انجاز مهام المرحلة الانتقالية. و بالتالي فلن يكون لديهم اي حافز لتحيز في أنفسهم فيما يقومون به من خطوات او إجراءات خلالها. فاذا ما توفر هذان الشرطان فانه من المتوقع ان تكون قيادة المرحلة الانتقالية قادرة على اتخاذ القرارات الكبيرة الضرورية لإيقاف التدهور في المجال الاقتصادي والاداري و الامني و ستكون وسيطا محايدا بين القوى السياسية المختلفة و التي ستتولى صياغة قواعد العمل السياسي في المستقبل بشكل عادل و مناسب للجميع لأنها ستكون خارج اللعبة السياسية في المرحلة الانتقالية.
و بذلك تلك تكون هذه المرحلة الانتقالية مختلفة عما اطلق عليه المرحلة الانتقالية وفقا للمبادرة الخليجية و آليتها التنفيذية. فهذه المرحلة الانتقالية تهدف الى الحفاظ على الماضي او على الاقل الحفاظ على جزء منه. و ما من شك ان ذلك يعني استمرار الازمات التي كانت سائدة. و من ثم فان من يعول على ذلك لإخراج البلاد مما هي عليه الآن فهو واهم جدا.
انه يجب عليهم البدء بذلك من الآن. انها تشبه من عدة وجوه البرزخ الذي يفصل بين الحياة الدنيا و الحياة الاخرة. فالانتقال من الحياة الدنيا الى الحياة الاخرة لا يتم بدون فاصل ( البرزخ) بهدف تحقيق العدالة. و كذلك فان الانتقال من مرحلة ما قبل الثورة الى مرحلة ما بعدها لا يمكن ان يتحقق بدون مرحلة انتقالية حتى لا تتعرض العدالة للخطر.
فبدون مرحلة انتقالية سيتم الاضطرار الى التعامل مع من شارك في مرحلة ما قبل الثورة اما على انه فاسد يجب اقصاءه و لا شك ان ذلك سيعرض نسبة كبيرة من اليمنين للظلم. و اما على انه يجب الحفاظ على حقوقهم المكتسبة و لا شك ان ذلك يمثل ظلما للشعب. فاذا ما احتفظ كل من شارك في مرحلة ما قبل الثورة على سلطاتهم و مناصبهم و ثرواتهم فان شيئا من اهداف ثورة الشعب لن يتحقق و بالتالي فان الأمور ستبقى على ما كانت عليه.
و لذلك فانه من الضروري ان تعمل المرحلة النتقالية على القطيعة الضرورية مع الماضي و التهيئة الضرورية للمستقبل. و في هذا المقال سيتم التركيز على القطيعة الضرورية مع الماضي.
لا شك ان المرحلة الانتقالية الحقيقية التي يمكن ان تهيئ للبلاد الانطلاق الى مرحلة التنمية المستدامة لا بد و ان تتضمن القطيعة مع ظلم الماضي بكل انواعه. و هنا يجب التركيز على ظلم الماضي و ليس على اشخاصه. و من اجل تحقيق ذلك فانه يجب في بداية المرحلة الغاء او تجميد كل قوانين و مؤسسات و احزاب و شخصيات الماضي. و على سبيل التحديد فانه يجب ايقاف او الغاء العمل بالدستور الحالي لأنه اما ان فيه قصورا مكن من حدوث الممارسات الظالمة التي يعاني منها الشعب في الوقت الحاضر و اما انه لم يعد يحظى باي احترام او الاثنين معا. و في كل حالة فان الابقاء عليه لن يكون له اي فائدة بل انه سيسبب اضرارا كثيرة. فعلى سبيل المثال قد يستخدم لتبرير ممارسة العديد من المظالم البشعة. و ينطبق الامر على القوانين التي سنت وفقا له.
و من اجل ان تبدأ المرحلة الانتقالية فانه يجب حل كل من مجلسي النواب والشورى و الحكومة و مجلس القضاء الاعلى. فمجلس النواب و الحكومة قد فقدا مشروعيتهما و وظائفهما. اما المجلس الاستشاري و مجلس القضاء الاعلى فقد اسسا على شفا جرف هار من العدالة فانهار بهما في مستنقع الظلم و الفساد. و اذا كانت كذلك فان الابقاء عليها ليس مفيدا بل مضر و سيعطل كل الخطوات الضرورية للتهيئة للمستقبل.
فهذه المؤسسات التي عملت المبادرة الخليجية و الياتها التنفيذية المحافظة عليها و لو من حيث الشكل لا تصلح لان يكون اساسا لأي مرحلة انتقالية حقيقية لأنها تحافظ على تقسيم السلطة و الثورة بين اللاعبين الحاليين. و بما انهم ثعابين باعترافهم فانه يستحيل تنقيتهم من السم او قلع انيابهم. ان تنفيذ بنود هذه المبادرة بكل حذافيرها لن يعمل الا على اعطاء شرعية جديدة للفاسدين و الفاشلين. و بما انهم لم يهتموا بقضايا الشعب في الماضي فلن يهتموا به في المستقبل و بما انهم قد انهمكوا في تأجيج الصراع فيما بينهم فانهم سيستمرون كذلك في المستقبل.
صحيح انه قد تم نقل السلطة من الرئيس الى نائبه لكن الصحيح ان تقاسم الرئيس الجديد السلطة مع ما اطلق عليه بحكومة الوفاق غير متوازن و غير فعلي. ويترتب على ذلك استمرار المناكفات السياسية مما سيعرقل اي محاولة لمعالجة الاختلالات امنية او سياسية ناهيك عن قدرتها على ادارة حوار فعال يفضي الى توافق على شكل الدولة القادمة.
وفي ظل تحقق ذلك فانه من المؤكد ان تفشل هذه الحكومة في اجراء اي انتخابات نزيهة. بل انه من المرجح ان لا يتم اجراؤها. و اذا ما تم اجراؤها فان نتائجها في احسن الاحوال ستكون محكومة بالتقاسم بين المؤتمر و احزاب اللقاء المشترك. وكذلك فان هذه الحكومة لم تتمكن من صياغة دستور جديد يؤسس لبناء اليمن الجديد. ذلك ان اي لجان مشكلة سيسيطر عليها المنتمون لكل من المؤتمر و اللقاء المشترك وسيتم تهميش القوى السياسية الاخرى.
ينبغي ان تنحصر مهام المرحلة الانتقالية في تلك المهام الاساسية و الضرورية فقط. ان هذا الشرط اساسي بهدف تجنب الوقوع في اشكالية شرعية المرحلة الانتقالية من وجهة نظر القيم الديمقراطية. فمصداقية التحول الديمقراطي الحقيقي تعتمد على التأكيد على ذلك و الاصرار عليه منذ البداية. فمهما كان الادعاء بالالتزام بالديمقراطية لا يمكن تصديقه ما لم يتم ممارسة الديمقراطية فعليا حتى في المرحلة الانتقالية.
ان حصر مهام المرحلة الانتقالية بالمهام الاساسية و الضرورية و عدم توسيعها لتشمل كل شيء ينسجم مع الممارسات الديمقراطية. و يتضح ذلك من حقيقة ان هناك اجماعاً شعبياً على المهام الاساسية و الضرورية فقط. و على هذا الاساس فإن التركيز عليها في المرحلة الانتقالية يلبي متطلب الديمقراطية الاساسي و هو مشاركة كل فئات المجتمع في تحديد كيف يحكمون.
هذا من ناحية و من ناحية ثانية فان التصدي للمهام الضرورية خلال هذه المرحلة ينسجم مع اهداف ثورة الشباب. اذ انهم لم يقوموا بثورتهم من اجل ترجيح كفة طرف سياسي على طرف أخر و انما لأن النظام السياسي برمته ( سلطة ومعارضة) قد تجهل الاحتياجات الاساسية للشعب و خصوصا الناس العاديين.
ومن ناحية ثالثة فان حصر مهام المرحلة الانتقالية بالمهام الاساسية سيتيح لمن يتولى المسئولية فيها التركيز على مهام محددة مما سيساعد على الانجاز. وكذلك فان تحديد ذلك سيمكن شباب الثورة من مراقبة من سيتولى مسئولية ذلك بشكل فعال وعادل لكل من الطرفين.
ومن ناحية رابعة ان المهام غير الاساسية و التي تحتاج الى توافق ستترك للقوى السياسية للتحاور حولها و الوصول على توافقات معقولة حتى لا تتهم الثورة بممارسة الاقصاء. و لا شك ان ذلك سيمكن هذه القوى من تحديد طبيعة النظام السياسي القادم و الذي ستكون شريكا فيه بعيدا من ضغوط المصالح و المناكفات السياسية. و في هذه الحالة فان توافقها على ذلك سيكون ممكنا في وقت قصير.
تنحصر هذه المهام الاساسية من وجهة نظري في عدد من المهام لعل من اهمها الاصلاح الاقتصادي و تحقيق الامن و الاصلاح الاداري و اعادة هيكلية الاحزاب السياسية و اقامة انتخابات حرة. ما عدا ذلك من مهام مثل كتابة دستور جديد يعتمد اما على النظام الرئاسي او البرلماني و العلاقة بين المركز و المحليات و النظام الانتخابي ( العادي او القائمة النسبية) و الضمانات الكافية للانتخابات الحرة و النزيهة و غيرها من المهام يمكن ان تترك للقوى و الاحزاب السياسية للتحاور و التفاوض حولها. و عندما يتم الاتفاق عليها يتم الانتقال من المرحلة الانتقالية الى المرحلة العادية.
ومن المهم ان يلعب الشباب دور الداعم و المساند و الرقيب و المحاسب لهذه القيادة خلال هذه الفترة لمنع تلكؤها او تباطؤها او انحرافها عن المسار الصحيح لضمان عملية الانتقال بالسرعة المطلوبة و الانجازات المرغوبة. لذلك فانه يجب على شباب الثورة المطالبة بمرحلة انتقالية جديدة. و كذلك فانه عليهم ان يصروا ان تكون مهام المرحلة الانتقالية منحصرة فيما يلي.
الاصلاح الاقتصادي
من المؤكد بان الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها اليمن في الوقت الحاضر ليست ناتجة من شحة الموارد و انما ناتجة من سوء الادارة الاقتصادية النابعة من التشوهات السياسية. و بالتالي فان ربط الاصلاح الاقتصادي بمعالجة الاوضاع السياسية لن يعمل الا على تفاقم الاوضاع الاقتصادية و السياسية معا.
ان ذلك يتطلب ان يكون الاصلاح الاقتصادي لو بحده الادنى اولوية من اولويات المرحلة الانتقالية. المقصود بالحد الادنى من الاصلاحات الاقتصادية هو ذلك القدر الذي يمكنها من استغلال موارده غير المستغلة. فاليمن بصفة عامة لديه ثلاثة موارد هامة غير مستغلة و هي قوة العمل الشابة و الموقع الاستراتيجي و المناخ المتميز على مستوى المنطقة. و بالتالي فانه يحتاج الى تدريب هذه القوى البشرية لتكون قادرة على استغلال الموقع من خلال تجارة اعادة التصدير و استغلال المناخ من خلال السياحة.
و لن يتحقق ذلك الا اذا تم توفير الحوافز الضرورية و البنية التحتية الاساسية لاستغلال هذه الموارد. و في هذه الحالة ستختفي البطالة و سيزيد الدخل الحقيقي و ستستقر الاسعار وسيتطور اليمن اقتصاديا و سياسيا و اجتماعيا. ان ذلك يعني انه بإمكان اليمن تحسين اوضاعه الاقتصادية من خلال استغلال الموارد المتاحة له و التي هي في الوقت الحاضر.
تتمثل الحوافز الضرورية في نقل الاقتصاد اليمني من حالة الجمود الى حالة التنافسية. تتطلب التنافسية وضع قواعد واضحة تمنع الاحتكار و تسمح بحرية الدخول و الخروج و توفير المعلومات الاساسية. و يتحقق ذلك من خلال تعريف حقوق الملكية الخاصة و العامة و حمايتها بشكل كامل. ان ذلك ضروري لإتاحة الفرصة المناسبة للفاعلين الاقتصاديين ( عاملين, اصحاب اعمال و مؤسسات حكومية) للتفاوض و التعاقد الحر. و من خلال ذلك تتمكن المؤسسات الاقتصادية ( شركات) من اختيار حجمها الاقتصادي المناسب و تتمكن الحكومة من الاشراف عليها بطريقة سهلة و مفيدة للجميع وفقا للقوانين و المعاير المتعارف عليها عالميا. و لا شك ان من اهم ما يجب ان تقوم به الحكومة في هذا المجال هو المساعدة على تحديد اطار التعاقدات بشكل واضح و عادل للطرفين. و بعد ذلك فان عليها ان تطبق هذه التعاقدات بسرعة و حيادية و صرامة.
و من اجل ضمان استمرارية النمو الاقتصادي فانه لا بد و ان تقوم عملية التنمية الاقتصادية على مبدا العدالة. ينبع مفهوم العدالة من مقابلة الواجبات بالحقوق لكل مكونات المجتمع. و على وجه التحديد فانه لا بد من ضمان تساوي الفرص لكل الافراد و المؤسسات في المجتمع. فأي حوافز تعطى لرجال الاعمال فإنها يجب ان تكون متاحة لكل من تنطبق عليه شروطها. فعلى سيبل المثال فان مناقصات الدولة و مشترياتها يجب ان تكون متاحة لكل من يرغب في التنافس عليها وفقا للشروط المعلنة.
و في نفس السياق فان ما تقدمه الحكومة من خدمات و على وجه الخصوص التعليم الفني و المهني و الرعاية الصحية لمواطنيها يجب ان تكون متاحة للجميع و بنفس الشروط و في نفس النوع و الجودة. فعلى سبيل المثال فان اي دعم يقدم للمواطنين يجب ان يستفيد منها كل من يستهدفه. و مقابل تشجيع رجال الاعمال فانه لا بد من حماية المستهلكين. و في حال ارتكاب اي مخالفات فانه يجب ان يعاقب كل مرتكبيها بنفس العقوبات التي يحددها القانون.
اما ما يخص البنية التحتية فالى جانب البنية التحتية الصلبة فانه يجب التركيز ايضا على البنية التحتية المرنة. تتمثل البنية التحتية الصلبة في الطرق و المطارات و الموانئ و الاتصالات و المباني و غيرها من المجالات التي لها وجود مادي. و في هذه الحالة فان ما تقوم به الدولة من استثمارات في هذا المجال يجب ان يكون مرتبطا اما بمساعدة رجال الاعمال على الاستثمار و اما في مساعدة الفقراء على التخلص من اسر الفقر. و فيما يخص هذا الاخير فانه يجب العمل على اجتثاث مسببات الفقر اي الجهل و المرض و التمييز و الاستغلال وتوفير متطلبات الحياة الكريمة لمن وقعوا في براثن الفقر. اما فيما يخص البنية التحتية المرنة فإنها تعني في الاساس الادارة الكفأة للاقتصاد.
و في هذا الاطار فانه ينبغي الحديث عن اربع مكونات اساسية للإصلاح الاقتصاد هي تنظيم الاقتصاد و اصلاح المالية العامة و اصلاح القطاع النقدي وإزالة الاختناقات في البنية التحتية.
التنظيم الاقتصادي
و ينبغي ان ننبه هنا ان تنظيم الاقتصاد يجب ان يحظى بأهمية قصوى نظرا لتأثيره على كل من اصلاح المالية العامة و اصلاح القطاع النقدي و المصرفي. فتنظيم الاقتصادي يعني اصلاح العلاقة بين اجهزة الدولة المختلفة ذات العلاقة بالأنشطة الاقتصادية لتكون قادرة على التنسيق فيما بينها و حتى لا تكرر نفسها او تعرقل عمل بعضها البعض.
و لقد ترتب على ذلك وجود تناقضات و تعارضات بين القوانين و اللوائح المنظمة لعمل مؤسسات الدولة المختلفة. و كذلك لقد ترتب على ذلك تصادم بين السياسات التي تتبناها مؤسسات الدولة المختلفة. و لا شك ان ذلك قد ترتب في سوء الادارة الاقتصادية و التي عبر عنها عدم التناسق بين مكونات برامج الاصلاح الاقتصادي و كثرة العقبات التي منعت من تنفيذها.
و لذلك فانه لا بد من اعطاء هذا الموضوع الاهمية التي يستحقها بهدف تحقيق الانسجام الممكن بين مؤسسات الدولة المختلفة مما قد يمكنها من تحسن عملية تصميم السياسات و تنفيذها و تقييمها و تخفيض تكاليف العمليات لكل من القطاع العام و الخاص.
لا بد كذلك من اعادة الاعتبار للقطاع الخاص. فقد كان هذا القطاع في الماضي مسخراً لاحتواء كل من الموالين و المعارضين للسلطة في اجهزة الدولة المختلفة فقد تم احتواؤهم في انشطة القطاع الخاص. و قد تم ذلك من خلال اعطاء التراخيص للأشخاص المرغوب بهم. و الاغرب من ذلك ان توسعت سياسية الارضاء لتشمل ارساء المناقصات و العطاءات لأناس لا علاقة لهم بالاستثمار و التجارة و المقولات و انما فقط لانهم من ابناء النافذين في السلطة او ممن يرغب في استمرار ولائهم السياسي.
لقد ترتب على ذلك تشابك كل من مؤسسات القطاع الخاص و مؤسسات الدولة بطريقة غير منسجمة و مضرة. فالمال العام اصبح فيدا لبعض المحسوبين للقطاع الخاص. و المال الخاص هو الاخر اصبح فيدا لبعض المحسوبين على مؤسسات الدولة. و لذلك فقد تماهت معايير العمل في كل من المؤسستين. فبعض قيادة الدولة لا تتردد في ان تمارس التجارة و الاستثمار كقطاع خاص و بعض مؤسسات القطاع الخاص تتصرف بشئون الدولة هي لا تحتل اي مركز قيادي او غير قيادي فيها.
من المؤكد ان هذه الاوضاع قد ادت الى تركز الاستثمارات بيد القلة و الى توسع الانشطة الطفلية مثل المقاولة من الباطن و الى تشوه التجارة من حيث انها مثلت اتجاها واحدا و هو الاستيراد من تصدير و الاستيراد بدون معاير و الى تعثر المشاريع لعدم توفر المتطلبات الضرورية لمن اوكلت اليهم مهام تنفيذها و الى غياب المواصفات و غياب التخطيط و الى زيادة الفجوة بين المواطنين.
ان اصلاح اليمن يتطلب سرعة ازالة هذه التشوهات من خلال العمل بكل جد على ايجاد توازن جديد بين مؤسسات القطاع الخاص و مؤسسات الدولة. فبدون ذلك لا يمكن تحصيل الضرائب من التجار و لا الاستفادة من المنح و القروض الخارجية و لا من تشجيع الاستثمار المحلي و لا جذب الاستثمارات المحلي. و بدون ذلك لا يمكن السيطرة على كرة الفقر التي تلتهم احلام غالبية المواطنين.
ان الشروط الضرورية لإيجاد هذا التوازن هو الاقرار بمتطلبات العمل في مؤسسات الدولة و الحرص على تطبيقها و كذلك الاقرار بمتطلبات العمل في مؤسسات القطاع الخاص و الحرص على تطبيقها.
فالعمل في مؤسسات الدولة ينبع من كونه خدمة عامة لا تهدف الى تحقيق الثراء. فقط يعطى من يزاولها ما يكفيه ان يعيش هو و اسرته حياة كريمة. و لذلك فان العمل في مؤسسات الدولة ان يفتح لكل من يقبل بذلك. و لا بد من تشديد الرقابة على العاملين في مؤسسات الدولة حتى لا يغيرون رأيهم فيحولون الوظيفة العامة الى مصدر للثراء غير المشروع. و من ذلك عدم السماح بالجمع بين العمل في مؤسسات الدولة والعمل في القطاع الخاص تحت اي ظرف من الظروف. و من ذلك تطبيق قانون الذمة المالية من حيث الافصاح عما يمتلكه الموظف العام قبل التحاقه في الوظيفة العامة و اثناء تواجده فيها و بعد خروجه منها. و منه تطبيق مبداأمن اين لك هذا؟ ومن ذلك تطبيق الحياد الوظيف بحيث لا يتم الربط بين الولاء السياسي و الوظيفة العامة ولا بين اداء الموظف لوظيفته و انتماءاته السياسية.
اما العمل في مؤسسات القطاع الخاص فانه يجب ان يكون مكفولا لكل مواطن يرغب في ذلك و ليس موظفا عاما و يلتزم بالقانون و يتحمل نتائج عمله. و اجل تحقيق ذلك فانه لا بد و ان تكون قواعد مزاولة انشطة القطاع الخاص محايدة و ممكنة و غير مكلفة. و بالتالي فان كل من تتوفر فيه ذلك يسمح له بمزاولة النشاط التي يرغب فيه من غير تدخل غير مقنن من مؤسسات الدولة. و من ذلك السماح لكل من يرغب في الحصول على مناقصات او مزايدات عامة بحرية و المفاضلة بينهم من خلال المعايير الواضح و الصريحة. و من ذلك ان تعمل الدولة و مؤسساتها على تشجيع المبدعين لانهم كذلك بغض النظر على انتمائهم السياسي او المناطقي او غير ذلك من الاعتبارات المتحيزة.
و من اجل تحقيق ذلك فلا بد من اصلاح القوانين والتي تلعب دورا أساسيا في تفصيل القواعد العامة التي تضمنها الدستور. فالقوانين أكثر تفصيلا وتوضيحا للقواعد العامة التي تتضمنها الدساتير. ومن الواضح أن القوانين على الرغم من ذلك تظل عامة نسبيا نظرا لأن عملية سنها وتعديلها عملية صعبة ومكلفة. لذلك يتم في الغالب تدعيم هذه القوانين بلوائح تفصيلية وخصوصا تلك التي تتعلق بتطبيق العدالة في ظروف معينة تستوجب متطلبات خاصة.
وفي الحياة العملية لا يكفي ذلك بل لا بد من ترجمة اللوائح الى تعليمات تفصيلية كافية تحدد قواعد التعامل والصلاحيات في تطبيق هذه القواعد والعلاقة بين المستويات الإدارية المختلفة بحيث يتم ضمان سرعة الإنجاز وكفاءة التنفيذ. فتصادمها معناه يجب أن تنسجم هذه المستويات المتعددة من القواعد وطرق تنفيذها مع قواعد العدل. لأن تصادمها مع بعضها البعض قد يترتب عليه سوء النتائج المترتبة عليها. وذلك يحتم أن تكون قواعد العدل العامة في غاية الوضوح. كما أنه كفيل بحدوث تفسير عادل للقوانين واللوائح والتعليمات.
ولتدعيم هذه الدساتير واللوائح فإنه يجب أن يترافق مع ذلك تعميق لمفهوم العدل في صلب العلمية التعليمية. باعتبار إن ذلك ضروري لإيجاد شرح كاف لقواعد العدل وتوضيح لأهميتها وتبين لمصادرها وكيفية تحقيقها. وهو ما يتطلب تقييماً تاريخياً وفقا لقواعد العدل.
في هذه الحالة فقط سيكون من الممكن حماية الملكية العامة و الملكية الخاصة و سيكون من الممكن التكامل بين كل من مؤسسات القطاع الخاص و مؤسسات الحكومة و سيكون من الممكن مطالبات مؤسسات الدولة بالقيام بواجباتها ( الامن و العدالة و التعليم و الصحة و الضمان الاجتماعي و البنية التحتية) و كذلك مطالبة مؤسسات القطاع الخاص القيام بواجباتها ( دفع الضرائب و توفير فرص للعاطلين واستغلال موارد البلاد ذات الطبيعة الخاصة).
اصلاح المالية العامة
ان النجاح في ذلك سيسهل عملية اصلاح المالية العامة و الذي تعثر كثيرا. و نتيجة لذلك فقد زاد عجز الموازنة ووصل الى نسب تهدد الاستقرار الاقتصادي. و قد ترافق ذلك مع تضخم الدين العام الداخلي و الخارجي و خدمته الى درجة لا يمكن للاقتصاد ان يتحمل عبء ذلك مما يضعف من مصداقية الاقتصاد اليمني و يوفر مناخا خصبا للتوقعات غير المنضبطة.
و من اجل التغلب على ذلك فانه لا بد من اعادة النظر بتركيبات كل من الموارد العامة و النفقات العامة بما يعمل على زيادة الثقة في الاقتصاد اليمني و بالتالي زيادة النشاط الاقتصادي بهدف زيادة معدل النمو الاقتصادي و زيادة معدل التشغيل.
ففيما يخص الموارد العامة فان هناك ما لا يقل عن عشرة انواع من الدعومات غير الظاهرة و التي تعمل على تآكل الموارد العامة. و تتمثل هذه الدعومات في اعتبار الوظيفة العامة كنوع من الرعاية الاجتماعية و لكنها رعاية اجتماعية للمتنفذين مما ادى الى تضخم عدد العاملين في الخدمة العامة المدنية و العسكرية. و نتيجة لذلك فقد زادت فاتورة الاجور ووصلت الى معدلات تفوق المعدلات المقبولة عالميا. ومن ذلك ان اراضي الدولة و الاصول العامة تباع او تتاجر بأسعار متدنية جدا مقارنة بمثيلتها الخاصة مما جعلها مرتعا خاصا للفساد. و من ذلك دعم الريال و الذي يصل سنويا الى اكثر من مائة و خمسين مليار ريال. و من ذلك التهرب الجمركي والتهرب الضريبي و الاعفاءات الجمركية و الضريبية.
اما فيما يخص جانب النفقات فان هناك تشوهات تتمثل في دعم المشتقات النفطية و في اختلال العلاقة بين نفقات المرتبات و الاجور و نفقات التشغيل و بين النفقات الجارية و النفقات التشغيلية و بين النفقات التي يتم الالتزام بها و النفقات التي يتم تخصيص موارد لها و بين النفقات التي تحتاجها المشاريع العامة و النفقات المتاحة لها.
يجب ان يحظى التعليم بشكل عام و التعليم الفني و المهني بأعلى نسبة من الموازنة العامة و في المرتبة الثانية يجب ان تأتي نفقات توفير الامن و خصوصا الامن الداخلي.
يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.