في ظل ضغوط مجتمعية وتحركات شعبية.. متهم باغتيال المشهري يعلن تسليم نفسه والشرطة توضح    وفاة طالب متأثراً بإصابته أثناء اغتيال مدير صندوق النظافة بتعز    شباب المعافر يُسقط اتحاد إب ويبلغ نهائي بطولة بيسان    لقاء أمريكي قطري وسط أنباء عن مقترح أميركي حول غزة    تعز.. الاعلان عن ضبط متهمين باغتيال المشهري دون الكشف عن اسماؤهم بالتزامن مع دعوات لتظاهرة حاشدة    منتخب اليمن للناشئين يفتتح مشواره الخليجي أمام قطر في الدوحة    المنتصر يبارك تتويج شعب حضرموت بكأس الجمهورية لكرة السلة    عطوان يصف تهديدات كاتس بالهذيان! ويتحدا ارسال دبابة واحدة الى صنعاء؟    صنعاء.. البنك المركزي يعيد التعامل مع شبكة تحويل أموال وكيانين مصرفيين    السعودية تعلن عن دعم اقتصادي تنموي لليمن    شرطة تعز تعلن القبض على ثلاثة متورطين في جريمة اغتيال أفتهان المشهري    مساء الغد.. المنتخب الوطني للناشئين يواجه قطر في كأس الخليج    صلاح يتقدم على سلم ترتيب أفضل صانعي الأهداف في تاريخ البريميرليغ    شباب المعافر سطروا تاريخهم بقلم من ذهب..    مستشفى الثورة في الحديدة يدشن مخيماً طبياً مجانياً للأطفال    توزيع 25 ألف وجبة غذائية للفقراء في مديرية الوحدة    تعز بين الدم والقمامة.. غضب شعبي يتصاعد ضد "العليمي"    انتقالي العاصمة عدن ينظم ورشة عمل عن مهارات الخدمة الاجتماعية والصحية بالمدارس    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    عبدالله العليمي: الدعم السعودي الجديد للاقتصاد اليمني امتداد لمواقف المملكة الأصيلة    ضرورة مناصفة الانتقالي في اللجنة القانونية: لتأمين حقوق الجنوب    رئيس الإصلاح: لمسنا في تهاني ذكرى التأسيس دفء العلاقة مع القوى الوطنية    عرض كشفي مهيب في صنعاء بثورة 21 سبتمبر    "العفو الدولية": "الفيتو" الأمريكي السادس ضد غزة ضوء أخضر لاستمرار الإبادة    فعالية لأمن محافظة ذمار بالعيد أل11 لثورة 21 من سبتمبر    تعز.. خسائر فادحة يتسبب بها حريق الحوبان    الشيخ عبدالملك داوود.. سيرة حب ومسيرة عطاء    بمشاركة 46 دار للنشر ومكتبة.. انطلاق فعاليات معرض شبوة للكتاب 2025    الأرصاد يتوقع هطول أمطار رعدية على أجزاء من 6 محافظات    وزير الخدمة يرأس اجتماعا للجان دمج وتحديث الهياكل التنظيمية لوحدات الخدمة العامة    هولوكست القرن 21    وفاة 4 من أسرة واحدة في حادث مروع بالجوف    0محمد اليدومي والإصلاح.. الوجه اليمني لانتهازية الإخوان    بورصة مسقط تستأنف صعودها    البنك المركزي يوجه بتجميد حسابات منظمات المجتمع المدني وإيقاف فتح حسابات جديدة    إب.. وفاة طفلين وإصابة 8 آخرين اختناقا جراء استنشاقهم أول أكسيد الكربون    بسبب الفوضى: تهريب نفط حضرموت إلى المهرة    البرازيل تنضم لدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام العدل الدولية    الرشيد يصل نهائي بيسان ، بعد الفوز على الاهلي بهدف نظيف، وسط زخم جماهيري وحضور شعبي الاول من نوعة منذ انطلاق البطولة    بن حبريش: نصف أمّي يحصل على بكلاريوس شريعة وقانون    المركز الثقافي بالقاهرة يشهد توقيع " التعايش الإنساني ..الواقع والمأمون"    أين ذهبت السيولة إذا لم تصل الى الشعب    الربيزي يُعزي في وفاة المناضل أديب العيسي    محافظة الجوف: نهضة زراعية غير مسبوقة بفضل ثورة ال 21 من سبتمبر    الكوليرا تفتك ب2500 شخصًا في السودان    الصمت شراكة في إثم الدم    الفرار من الحرية الى الحرية    ثورة 26 سبتمبر: ملاذٌ للهوية وهُويةٌ للملاذ..!!    الهيئة العامة للآثار تنشر القائمة (28) بالآثار اليمنية المنهوبة    نائب وزير الإعلام يطّلع على أنشطة مكتبي السياحة والثقافة بالعاصمة عدن    موت يا حمار    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع لرؤيا مستقبلية لشباب الثورة!
نشر في الجمهورية يوم 18 - 03 - 2012


اصلاح النظام النقدي
يتمثل اصلاح النظام النقدي في الحرص على استقرار العملة على المدى القصير و المتوسط و الطويل. فبدون استقرار النقود فإنه يكون من الصعب حشد كامل طاقة العمل و الادخار و الاستثمار.
فمن اجل استقرار الاسعار فإن النقود لا بد و ان تكون مستقرة. ان ذلك يتطلب اعادة النظر بوظائف و ادارة و قدرات البنك المركزي كي يكون قادراً على ادارة الطلب و العرض على النقود بما يساعد على تحقيق التنمية المستدامة و استقرار الدخول الاسمية والحقيقية.
كذلك ان اصلاح النظام النقدي يعني العمل على تفعيل كل ادوات السياسة النقدية من سعر الفائد و سعر الخصم و السوق المفتوحة. فبدون ذلك لن يكون البنك المركزي قادرا على التعمل مع المتغيرات التي يمكن ان تحدث في الانشطة الاقتصادية.
الاصلاح النقدي يعني ايضا تفعيل النشاطات البنكية المختلفة سواء تلك المتعلقة بمهام الوساطة المالية او وسائل الدفع او خلق و تسيل الاصول المالية المختلفة. فبدون ذلك فإن الادخار سيظل متدنيا و قد يتحول الى اكتناز الامر الذي سيؤثر سلبا على عملية الاستثمار و بالتالي التنمية المستدامة.
معالجة الاختناقات في البنية التحتية
و انطلاقا من حقيقة ان اليمن دولة متوسطة الموارد الطبيعية و فوق المتوسط فيما يخص الموارد البشرية فإنه لا بد من المواءمة بين متطلبات استغلال الموارد الطبيعية و البشرية. ان ذلك يتحتم ان تكون اولوية الدولة خلال المرحلة القادمة هي تطوير التعليم و على وجه الخصوص التعليم الاساسي و الفني و المهني.
و في هذا الاطار فإنه يجب الاخذ بعين الاعتبار طبيعة اليمن السكانية و الجغرافية و بنية التعليم الحالية و مستوياته و تطور تقنيات التعليم الحديثة. ففيما يخص طبيعة اليمن السكانية فإنه يمكن القول بأن حوالي 70 % من سكان اليمن يعيشون في الريف وفي مناطق متفرقة حيث ان هناك ما يزيد عن 130 الف تجمع سكاني. و لا شك ان ذلك يجعل تطوير بنية تحتية تعليمية مكلفاً جدا. و حتى في حال النجاح في ذلك فإن عملية التعليم نفسها ستظل ضعيفة وذلك نتيجة للطبيعة الجغرافية لليمن.
صحيح ان اليمن يمتلك طبيعة جغرافية متنوعة تتكون من الجبال و السهول و الوديان و الصحارى و لكن الصحيح ايضا هو ان 80 % من سكان اليمن يتركزون في الشريط الجبلي الغربي والذي يتميز بوعورة تضاريسه. و لا شك ان ذلك قد انعكس سلبا على محاولات تطوير التعليم في هذه المناطق.
فمن ناحية فإن بناء المدارس في هذه المناطق مكلف جدا. وكذلك فإن توفير المدرسين الاكفاء صعب للغاية لأن المدرسين لا يفضلون الانتقال والعيش في مناطق غير مناطقهم الاصلية وصعب كذلك ايصال مدخلات التعليم الناجح الى هذه المناطق مثل المناهج التعليمية والادوات التعليمية الاخرى.
هذا من ناحية و من ناحية اخرى فإن ذهاب الطلاب الى المدارس في هذه المناطق امر في غاية الصعوبة و خصوصا للإناث و ذلك نظراً لبعد المدارس من التجمعات السكانية و لعدم توفر المواصلات الحديثة. فقد تستغرق رحلة الطالب او الطالبة الى اقرب مدرسة له اكثر من ساعتين ذهابا و مثله ايابا. فلا يصل الطالب او الطالبة الى المدرسة الا و قد انهك و خصوصا في حال انتشار سوء التغذية بشكل واسع. و لذلك فإنه لن يكون قادرا على بذل الطاقة الكافية في عملية التحصيل. و عندما يعود الى بيته لن يكون كذلك قادرا على بذل اي جهد في تحضير الدروس و الواجبات. و نتيجة لذلك تصبح عملية التعليم مرهقة و مكلفة و بدون فائدة تذكر.
و لحسن الحظ انه يمكن الاستفادة من التقنية الحديثة للتغلب على هذه المشاكل. و على وجه التحديد فإنه يمكن الاستفادة من خدمات الانترنت و خصوصا التكنولوجية الوايرلس. فعن طريق الانترنت يمكن التواصل عن بعد بين الطلاب و المدرسين و بالتالي تعويض ما ينجم عن قلة التواصل المباشر. و لتحقيق ذلك فإنه يمكن الاستفادة من اللوح الاليكتروني في ايصال المناهج و الواجبات و التواصل بين الطلاب و المدرسين. و من الممكن لليمن ان تستفيد من تجربة الهند في هذا المجال.
لكن من الواضح ان الاستفادة من هذه الوسيلة يحتم وجود شبكة اتصالات حديثة. و لحسن الحظ كذلك انه يمكن الاستفادة من انظمة الاتصالات الحديثة مثل اجهزة التلفونات المتحركة و على وجه الخصوص الاجيال المتطورة منها.
و من المؤكد ان الاستفادة من هذه التقنيات الحديثة يحتم توفر الطاقة الكهربائية. فبدون توفرها بالقدر الكافي فإن لا يمكن الاستفادة من هذه الوسائل في مجال التعليم. و لحسن حظ اليمن ان هناك تقدما فنيا كبيرا في مجال الطاقة الكهربائية سواء من خلال استخدام الطاقة الشمسية او طاقة الرياح او الغاز.
ان توفير الطاقة الكهربائية في عموم مناطق اليمن سيكون مفيدا في مجالات اخرى غير مجال التعليم. فبواسطتها يمكن تعقيم و تحلية المياه و بواسطتها يمكن شق الطرق الجبيلة بتكلفة اقل و بواسطتها يمكن تطوير الانتاج الزراعي و بواسطتها يمكن اقامة منشآت صناعية صغيرة و متوسطة الحجم الى ذلك من الاستخدامات.
تحقيق الامن
لا شك ان تحقيق الامن يعتبر مطلبا شرعيا لشباب الثورة و لكل اليمنين و بدون استثناء. و في اطار المرحلة الانتقالية يجب السعي لتحقيق الحد الادنى من الامن على الاقل. لا شك بان ذلك سيعمل على تحسين الاوضاع الحالية و التأسيس لعهد ما بعد المرحلة الانتقالية. و لذلك فإن تحقيق الامن لا بد و ان يحظى بأهمية قصوى.
فكما هو مسلم به فإنه لا يمكن تصور وجود اي حياة كريمة لأي مجتمع من المجتمعات بدون توفير الحد الادنى من الامن لجميع افراده و المتمثلة في توفير حماية كافية لكل من النفس و المال والعرض. فبدون ذلك لا يمكن ان يتصور قيام اي نظام سياسي مستقر و مفيد و اقتصاد متطور و علاقات اجتماعية حميمة.
ذلك ان الوظائف الرئيسية لأي نظام سياسي ديمقراطي تعتمد على تحقيق الامن للمواطنين. فإذا لم يتوفر ذلك فلا يمكن توفير خدمات اساسية للمواطنين مثل التعليم و الصحة و البنية التحتية والانتخابات الحرة والتداول السلمي للسلطة و الصحافة الحرة والعدالة. و بدون ذلك تتحول الدولة و مؤسساتها الى وسيلة لظلم غالبية افراد الشعب لصالح القلة المتنفذة.
و بدون توفر الحد الادنى من الامن لا يمكن تحقيق اي نوع من انواع التنمية الاقتصادية. ففي ظل الاختلالات الامنية لا يكمن وجود استثمار و ادخار ووظائف و زيادة في الدخل و علاقات تجارية و استقرار للأسعار و انظمة مصرفية متطورة و استغلال للموارد المتاحة.
في ظل غياب الحد الادنى من الامن لا يمكن اقامة اي علاقات اجتماعية مثل العلاقات الاسرة المنضبطة و مؤسسات المجتمع المدني الفعالة. و بالتالي لا يمكن الحديث عن اي نوع من انواع التكافل الاجتماعي. فقط يسود في المجتمع الخوف و الارهاب و العنف و التفكك الاسري و الاجتماعي.
لا يختلف اثنان في حقيقة غياب الامن في البلاد في الوقت الحاضر. و يتفق الجميع ان غياب الامن في الوقت الحاضر قد تسبب في الازمات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية الحالية في البلاد. فعلى الرغم من أن اليمن يتفق بشكل ظاهر و باطن اكبر نسبة من موازنتها على الامن الا ان الجميع يشكو من غيابه. صحيح ان النظام يزعم بأنه قد نجح في بناء مؤسسات عسكرية و امنية كثيرة و متعددة. لكن الصحيح ايضا انه لا يستطيع ان ينكر حقيقة ان ما تقدمه هذه المؤسسات من خدمات امنية للمواطنين شبه منعدم.
ولا شك ان ذلك يرجع الى اختلال في كل من مفهوم الامن و الهيكلية لدى هذه المؤسسات. فمن الواضح ان مفهوم الامن قد اختزل لدى هذه المؤسسات الى امن النظام و على وجه التحديد امن رئيسه و ليس امن المجتمع ككل. و لذلك فقد تمت هيكلية هذه المؤسسات لتتمحور حول امن النظام و رموزه. فحماية هؤلاء مقدمة على حماية المجتمع. بل ان هذه المؤسسات تعاملت مع المجتمع على اساس انه مهدد للنظام و بالتالي يجب قمعه حتى و لو ادعت غير ذلك. فالوطن في نظرها هو النظام فقط.
و لقد ترك على هذا الفهم تشوه هيكلية هذه المؤسسات. ويتضح ذلك من تشوه اهدافها و طريقة عملها. فلم تعد مهمة مؤسسة الجيش مواجهة العدو الخارجي بل اصبحت مهمة التعامل مع الاوضاع الداخلية الوظيفة الاساسية لها. و قد ترتب على ذلك ان انقسم الجيش الى جيوش. فالمؤسسة العسكرية اليمنية تتكون من عدد من المكونات التي لا يوجد بينها اي رابط سواء من حيث الهدف و القيادة والمهام أو التدريب و التسليح. فالحرس الجمهوري و القوات الخاصة و الحرس الخاص لا تعتبر ضمن القوات المسلحة. انها تخضع مباشرة الى رئيس الجمهورية و بالتالي فإن مرتباتها مختلفة و تسليحها مختلف و مهامها مختلفة. اما الجيش فإنه عبارة عن محاور او فرق او الوية مستقلة عن بعضها البعض على الاقل من حيث الولاء و القيادة. و قد ترتب على ذلك حدوث تداخل في مهام الجيش بين حماية حدود البلاد و تدخلها في الشئون السياسية والامنية الداخلية. . و لا يختلف الامر كثيرا فيما يخص مؤسسة الامن. انها تتعدد وفقا لأهدافها و قيادتها. اذ انها تتكون من الامن المركزي و الامن و العام و النجدة و امن الحدود و الامن السياحي والامن الراجل و مكافحة الارهاب و الامن السياسي و الامن القومي. وعلى الرغم من هذا التعدد فإنها كلها مسخرة لحماية النظام ورموزه، وللأسف الشديد فإن هذه المؤسسات لم تفلح لا في حماية النظام ولا رموزه.
وعلى الرغم من هذا التعدد و الامكانيات التي اعطيت لها فالوطن بدون حماية. الناس يقتلون ولا يتم القبض عليهم و تقديمهم للعدالة. و المؤسسات العامة بدون حماية و الدليل على ذلك تخريبها و انتهاكها. و لا توجد حماية للمال العام مما عرضه للاستيلاء و السلب و التدمير. و لا توجد حماية للاستثمارات الخاصة بل ان مؤسسات الامن تستخدم للاستيلاء عليها. لا توجد حماية للبيوت و الممتلكات الخاصة و الدليل على ذلك انتشار السرقات و الاستيلاء الاراضي بدون ان تحرك اجهزة الامن اي ساكن.
و قد ترتب على ذلك ان لجأ الناس الى حماية انفسهم اما من خلال القبيلة او المليشيات الخاصة او دفع اتاوات للمتنفذين في الاجهزة الامنية. فمن لا يقدر على ذلك فما عليه الا ان يعيش في ظل خوف الدائم على نفسه و ماله و عرضه.
لذلك يجب ان يحتل تحقيق الامن خلال الفترة الانتقالية الاولوية القصوى. ان ذلك يعني تغير مفهوم الامن من امن النظام و رموزه الى امن المجتمع كله و العمل على اعادة هيكلية مؤسسة الامن بما يتوافق مع ذلك. يجب النظر الى الامن نظرة كلية. ان ذلك يعني عدم التفرقة بين امن فرد و فرد و مكون و مكون اخر من مكونات المجتمع. اي انه يجب السعي لتحقيق امن كل من يعيش في اليمن بغض النظر عن مكانته و منطقته و انتمائه السياسي.
فقد اثبتت التجارب انه لا يمكن تجزئة الامن لأي سبب من الاسباب. فمن اجل توفير الامن لدار الرئاسة فإنه لا بد من توفيره للعاصمة و بل و لليمن كله. و اذا ما حدث اختراق لها فإن ذلك سيمثل اختراقا لأمن الرئاسة. و من اجل حفظ الامن في البلاد فإنه لا ينبغي ان يسمح لأي فرد او قبيلة ان يوفر الامن لنفسه او قبيلته او منطقته و انما يجب ان تتولى ذلك الدولة. و على هذا الاساس فإن عليها ان لا تسمح بأي حروب قبلية او غيرها.
ومن اجل تحقيق ذلك فإنه يجب اعادة النظر بهيكلية المؤسسات العسكرية و الامنية كيف تكون قادرة على تحقيق الامن للجميع وفقا للعقيدة الجديدة. و في هذا الاطار فإنه لا بد من اعادة النظر في توزيع الجيش على المناطق و المحاور في البلاد بما يتلاءم مع التهديدات الخارجية. و كذلك يجب اعادة النظر في العلاقة بين وحدات الجيش و قاداتها و رئاسة الاركان و وزارة الدفاع و الحكومة و رئيس الدولة و مجلس النواب.
و كذلك فإنه يجب تحويل الحرس الجمهوري من وحدات مقاتلة الى وحدات شبه مقاتله مثل الحرس الوطني الذي يوجد في عدد من البلاد و الذي يجب ان يكون وسيطا بين مهام الجيش ومهام الامن.
يجب ان يتحول الامن المركزي و الوحدات الخاصة و كل مكونات الامن المختلفة الى امن عام ينتشر في كل مناطق الجمهورية من اجل التعامل مع الاختلالات الامنية البسيطة و تنفيذ الاحكام و القيام بالتحقيقات القضائية.
وفي هذا الاطار فإنه يجب تحويل جهاز الامن السياسي الى جهاز يتولى محاربة الجريمة المنظمة مثل الفساد الاداري و السياسي و الاقتصادي و الغش و التدليس والاختطاف وغسيل الاموال. في حين يتخصص جهاز الامن القومي في محاربة التهديدات الخارجية و الارهاب.
إن تحقيق الامن على هذا النحو امر ممكن خلال الفترة الانتقالية لان الامر لا يتطلب أكثر من وجود رؤيا وارادة و بذل الجهود. ويمكن تحقيق ذلك من خلال الموارد الحالية سواء المالية او البشرية او المادية.
الاصلاح الاداري
الاصلاح الاداري من ضمن اهم الاولويات التي ينبغي التصدي لها خلال المرحلة الانتقالية امر بديهي. اذ ان هناك حقيقة مجمعاً عليها من قبل الداخل و الخارج و هي ان اليمن يعد من اكثر الدول انتشارا للفساد. و على الرغم من تعدد التنظيرات حول اسبابه وطرق اجتثاثه فإن هناك شبه اجماع على ان السبب الاساسي لانتشاره هو تركيبة النظام السياسي الذي تكون بعد توحيد اليمن. و من ثم فإن الطريقة الوحيدة لاجتثاثه هي تغيير تركيبته.
لذلك فإن الاصلاح الاداري يعد من اهم الاولويات التي يجب ان تحظى بالاهتمام خلال المرحلة الانتقالية. و لا شك ان ذلك يعد من القضايا التي لا تحتاج لا الى نقاش و لا يمكن ان يثار حولها اي جدل. انها بحق من المهام الاساسية التي يجب ان تكون من اهم مهام المرحلة الانتقالية.
فكما هو معروف فإن النظام السياسي في اليمن بعد الوحدة قام اولا على اتفاقية الوحدة و التي وقع عليها كل من حكومة الشمال و حزبه الحاكم و حكومة الجنوب و حزبه الحاكم. و بموجب هذه الاتفاقية فقد تم تقاسم السلطة و الثروة بينهما و تم دمج قوانين الشطرين.
و لقد ترتب على ذلك تقاسم السلطة و الثروة بين الطرفين و ان تم تشويه قوانين و قواعد و اعراف و ممارسات الخدمة المدنية. فتم ارهاقها بعدد كبير من المنتمين للحزبين و تم تسكينهم فيها بطرق عشوائية و غير منضبطة و غير عادلة.
و قد ترافق ذلك مع تشويه للقوانين ذات العلاقة و التي احتوت على نصوص متناقضة و مبهمة و غير قابلة للتطبيق. و بعد الانتقال من الفترة الانتقالية و فشل التوافق بين حزبي السلطة على ذلك عمل كل طرف على ضمان ولاء القوى السياسية الاخرى من خلال اشراكها في الفساد. و لسوء الحظ فإن هذه القوى قبلت بذلك و بدون اي تردد.
و من اجل ذلك نشأت التعددية نشأة غير طبيعية. فبدلا من ان يترتب على التعددية و الانتخابات التنافس على تقديم ما هو افضل من خلال توسيع الشفافية و المساءلة فإنها قد عملت على تبرير الفساد و الافساد من خلال استخدام الوظيفة العامة لكسب الولاء السياسي. و نتيجة لذلك فإن الفساد اصبح نابعا من النظام ذاته (سلطة و معارضة). وقد عكس ذلك ممارسات كل من السلطة و المعارضة. و تحول الفساد الى طريقة مقبولة للتعامل مع قضايا الوطن. و على هذا الاساس يمكن تفسير فشل كل وعود السلطة والمعارضة في اجتثاث الفساد.
فقد استخدمت الوظيفة العامة للحصول على الولاء السياسية. ونتيجة لذلك فقد تضخم اعداد الملتحقين بالخدمة المدنية الى ان وصلوا الى مستويات كبيرة لا تتناسب مع حجم الموارد المتاحة.
اذ ان اجمالي الملتحقين في الوظيفة العامة في البلاد قد تجاوز المليون فرد. و قد كان من نتيجة ذلك تفاقم مشكلة العجز المزمن في الموازنة العامة و تزايد نسبة الدين العام الداخلي و الخارجي.
و على الرغم من ذلك فإن معدل البطالة و خصوصا بين الشباب في تصاعد مستمر و ان مستوى الخدمات العامة في تدهور. فمن يحصل على الوظائف العامة هم المنتمون للمؤتمر الشعبي العام، اي الحزب الحاكم. اما الوظائف القيادية فهي محتكرة للنافذين و ابنائهم.
و تمكنت السلطة و حزبها الحاكم من استغلال ذلك لكسب الانتخابات العامة و كسب ولاء النخب النافذة. و على الرغم من التعددية الحزبية و حرية التعبير فإن الرؤى و البرامج لم يكن لها اي تأثير على نتائج الانتخابات. فقبل كل انتخابات تعمد السلطة الى تهديد العاملين في الخدمة العامة من خلال ربط بقائهم في وظائفهم بمقدار ما يبذلونه من حشد في الانتخابات العامة. بالاضافة الى ذلك فإنها تعمل على اشاعة انه قد تم حسم الانتخابات مسبقا لصالحها و من ثم فإن من يصوت لأحزاب المعارضة فإنه سيعاقب من خلال عزله من منصبه او من خلال حرمانه من التوظيف و الترقية.
فمن المشاهد ان السلطة تتعمد وضع حجر الاساس لمشاريع وهمية قبل كل انتخابات بهدف استخدامها كوسيلة ضغط على الناخبين في المناطق اليمنية حتى يصوتوا لمرشحي الحزب الحاكم و يمتنعون عن التصويت لأحزاب المعارضة و للمستقلين.
و لأن احزاب المعارضة قد شاركت السلطة في بعض الفساد فإنها لم تجرؤ على فضح ممارسات السلطة هذه حتى لا تعاقب بحرمانها من حصتها فيه. ونتيجة لذلك فقد فشل النظام في الحد من هذه الممارسات بل عمل على توسيعها في كل موسم انتخابات جديد.. ولذلك كانت ثورة الشباب ضرورية لتغيير النظام السياسي الفاسد والذي فشل في اصلاح نفسه. فلن تكون ثورة الشباب ثورة حقيقية ما لم تعمل و تنجح في اصلاح الادارة العامة التي تم تشويهها بشكل كامل. فما من شك في ان الفساد الاداري يعد سببا رئيسيا لفشل العملية الديمقراطية و لضعف التنمية الاقتصادية.
و من اجل جعل التداول السلمي ممكنا فإنه لا بد من العمل على تطبيق حيادية الوظيفة العامة. المقصود بحيادية الوظيفة العامة هو منع و تجفيف منابع الاستغلال السياسي لها من أي حزب كان. صحيح انه يجب حماية حقوق الموظفين العامين السياسية و المتمثلة في حرية اختيارهم لانتمائهم الحزبي و حقهم في المشاركة في الترشيح و الانتخاب. و لكن ذلك يجب ان يتم من خلال قواعد و ضمانات تمنعهم من استغلالهم لسلطاتهم النابعة من مراكزهم و وظائفهم العامة لصالح الاحزاب التي ينتمون اليها او لصالح انفسهم في حال ما يكونون مرشحين حزبيين او مستقلين.
ان الوفاء بالاستحقاقات المشروعة لنجاح الثورة مثل تحسين مستوى الخدمات العامة و تسريع وتيرة التنمية الاقتصادية بهدف تحسين مستويات المعيشة للمواطنين يتطلب وجود جهاز اداري حكومي مستقل و فعال. و بدون ذلك فمهما كانت وعود و برامج الاحزاب السياسية المتنافسة فإنها ستظل حبرا على ورق لأنها ستصطدم بصخرة عجز الادارة الحكومية بتحويلها الى انجازات ملموسة على ارض الواقع.
ان اصلاح الخدمة المدنية، اي الاصلاح الاداري لا يحتاج امكانيات غير متوفرة لليمن و انما يحتاج فقط الى ثورة في المفاهيم و السلوكيات و الثقافة. و لاشك ان ذلك سيتوفر اذا ما تحمل المسئولية خلال المرحلة الانتقالية شخصيات وطنية مستقلة و مشهود لها بالنزاهة و الاخلاص و التفإني.
و في هذا الاطار فإنه لا بد من البحث عن البدائل الممكنة و الاقل تكلفة لمعالجة الاوضاع الحالية. و على الرغم من صعوبة الاوضاع الحالية الا انه يمكن القول انه يمكن التعامل معها بقدر معقول. وذلك يتطلب ان يتم ربط التوظيف في اجهزة الدولة المختلفة بالاحتياج. و المقصود بالاحتياج هنا ما تمليه ضرورة القيام بوظائف الدولة. و لا شك ان ذلك يتحدد من خلال النسب الفنية المحايدة و ليس الرغبة السياسية او الشخصية.
و لا بد من ان يتم الاخذ بعين الاعتبار المتطلبات المالية لذلك. ان ذلك يعني انه قبل ان يتم البدء بعملية التوظيف يجب توفير الاعتمادات المالية الكافية لذلك. بالاضافة الى ذلك فإنه لا بد من تحديد المهارات المطلوبة بشكل محايد. اي يجب ان لا يتم تفصيل الوظائف العامة على مقاس افراد معينة.
فمن هذه الضمانات وضع قواعد للالتحاق في الوظيفة العامة تقوم على الكفاءة و الاخلاص. و من اجل ذلك فإن الالتحاق في هذه الوظائف يجب ان يتم من خلال منافسة عامة تعتمد على معايير فنية و سلوكية مستقلة عن الانتماء الحزبي او المناطقي او القلبي او الطائفي او المذهبي.
و من هذه الضمانات ان تتم الترقية بناء على معايير الاداء والانجاز في الوظيفة و التدريب خلالها. و على هذا الاساس فإنه لا يحق للحزب الحاكم و لا للقيادات السياسية العليا و القيادات الإدارية العليا التدخل في هذه العملية لأسباب سياسية او ذاتية.
ان تحديد الصلاحيات و المسؤوليات لمختلف الجهات سيعمل على ضبط ممارستها فيما هو مخول لها. و في هذه الحالة فإن هذه المؤسسات ستكون مؤسسات حقيقية و ليست فقط غطاء لجهات مخفية هي التي تمارس الحكم. ان ذلك سيمكن من الفصل بين المهام و القضايا السياسية و المهام و القضايا البيروقراطية.
و لا شك ان اي حكومة ائتلافية بين كل من المؤتمر الشعبي و اللقاء المشترك لن تكون قادرة على تحقيق ذلك لأنها ستكون اسيرة قياداتها الحزبية و اجندتها الخاصة.
ان تشكيل حكومة محايدة ضروري لتحقيق التوازن المطلوب بين المسؤوليات و الصلاحيات. فبدون ذلك فلن تكون هناك لا شفافية و لا مساءلة. و في هذه الحالة فإن الفساد سيظل مسيطرا مما يجعل اي تغيرات ستترتب على نجاح ثورة الشباب لا معنى لها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.