كتب/أ.د.سيف العسلي يا شباب الثورة عليكم ان تسمعوا النظام و من لا زال يتعاطف معه او يقبل تبريراته ان ثورتكم لم تكن نزوة و لا رغبة في التغيير من اجل التغيير ولا من اجل إيصال أي شخصية أخرى أو حزب آخر للسلطة. بل كانت لان هناك عوامل وأسبابا موضوعية لها. و لعل من اهم ذلك ان اصبحت الدولة اليمنية الحالية عبئا على الشعب و ليست خادمة له. و في نفس الوقت فان عليكم يا شباب الثورة أن تؤكدوا لمن يتطلع الى الحكم بان الدولة القادمة لا بد و ان تكون مؤسسة و محكومة بالوظائف التي تحددونها الآن. و انه لن يكون هناك تساهل مع اي شخص او حزب او جهة لا تتحمل مسئوليتها الكاملة في القيام بهذه الوظائف. عليكم يا شباب الثورة ان تبلغوا الجميع انكم لم تثوروا على شخص بعينه و لا على حزب واحد و انما ثرتم لتسقطوا كل رموز النظام السابق، سواء أولئك الذي ينتمون إلى الحزب الحاكم او إلى احزاب المعارضة. فهم جميعا مسئولون عما جرى للوطن وأن كان بنسبب متفاوتة. و لذلك فان عليكم ان تصيحوا و بصوت واضح أنكم لم ولن تقبلوا أيا من المبادرات السابقة سواء كانت من الحزب الحاكم او من احزاب المعارضة، لأنها فشلت في تحقيق اي شيء يذكر. فثورتكم تسعى الى بناء دولة تعمل على خدمة الشعب بدلا من ان تكون عبئا عليه. فثورتكم هذه التي ستكون الارادة العامة الحرة التي ستقوم و تستند عليها الدولة اليمنية الحديثة. فالمجتمع اليمني لا يستطيع ان يتطور و ان يستقر الا اذا توفرت له دولة حديثة قادرة على القيام بالوظائف السياسية المطلوبة منها على اتم وجه. فاليمن في حاجة شديدة الى العدل و الامن و التعليم و البنية التحتية. ان هذه الحاجات هي التي تمثل الارادة العامة الحرة التي تعبرون عنها. انكم انتم وحدكم الذي يمثل ذلك و بالتالي فإنكم تعبرون عن الشرعية الشعبية و التي هي سابقة و مقدمة حتى على الشرعية الدستورية. و لذلك فان مهمتكم الاساسية تكمن في تحديد وظائف الدولة القادمة و القواعد التي تحكم عملية القيام بها و الجهات التي ستتولى هذه المهمة. صحيح ان من سيتولى ذلك فيما بعد حكومة مكونة من عدد قليل من الناس لكن هذه الحكومة أيا كان شكلها يجب ان تخضع للإرادة العامة و الحرة هذه من الآن. فان لم تكن كذلك فقد تتحايل على ارادتكم العامة والحرة، فتسعى إلى تقديم مصالحها على مصالح الشعب. ان ذلك يتطلب وضع الضمانات الكافية لمنع من سيكلفون في ادارة الدولة من استغلال مناصبهم لتحقيق اي مصالح غير مشروعة لهم او لأقاربهم او لمناطقهم او لأحزابهم. ان من اهم هذه الضمانات ان تكون وظائف الدولة القادمة في اليمن واضحة و مفصلة ومتفقاً عليها من الآن. و كذلك ان يتم الاتفاق على الكافي من الموارد لتحقيق ذلك. و لا بد ان يتحقق ذلك قبل مناقشة معايير من سيختارون لا دارة الدولة. ان ذلك سيحدد مقار الشفافية الضرورية المطلوبة و مستوى المساءلة اللازمة. فإذا لم تعملوا على تحقيق ذلك الآن فان احتمال انحراف الدولة القادمة عن مهمتها الاساسية و المتمثلة في خدمة الشعب لا في خدمة الحكام. فالتجربة التاريخية لليمن تدل بشكل واضح على أن الحكام في العهود الماضية قد نجحوا في تحويل الدولة اليمنية من دولة خادمة للشعب و جعلها خادمة لهم فقط. فالإمام قبل الثورة في الشطر الشمالي كان هو الذي يحدد وظائف الدولة و هو الذي يديرها. اما مهمة الشعب فلم تكن سوى دفع تكاليف ذلك. و من الواضح ان الوظيفة الاساسية للدولة في عهد الامامة قد انحصرت في وظيفة العدالة. و مع ذلك فان الذي كان يحددها هو الامام و ان الذي يختار من يقوم بها هو الامام و ان الذي يقدر تكاليفها هو الامام. و نتيجة لذلك فان ما تحقق في ذلك العهد من العدالة كان قدرا ضئيلا و بتكلفة كبيرة. اذ ان ذلك كان يتم من خلال العقاب الجماعي و احتجاز الرهائن. و كانت نفس الممارسات متبعة من قبل المشيخات في الشطر الجنوبي قبل الثورة. وعلى الرغم من الوظائف العديد للدولة التي وعدوا في اقامتها الا ان ما تحقق على ارض الواقع لم يكن شيئا يذكر. ذلك ان من قام بالثورة سواء في الشطر الشمالي او الجنوبي كانوا نخبة قليلة احتكرت لنفسها مهمة تحديد وظائف الدولة و مهمة ادارتها من دون الشعب الذي كان عليه فقط تحمل تكاليف ذلك. و كانت النتيجة ان تحول الشعب خادمة للدولة بدل ان تكون هي خادمة له. ونتيجة لذلك كانت الدولة و المؤسسات التابعة لها فقط وسيلة لا ثراء النخبة الحاكمة. فالوظائف العامة تقدم لمن يوالي الحاكم بدون ربطها باي خدمات للمواطنين بل ان غالبية من يتولى الوظائف العامة يعمد إلى خلق مشاكل غير موجودة بهدف ابتزاز المواطنين. و ما يتم تقديمه من خدمات عامة للناس مثل التعليم و الصحية لم يكن من اجل تحسين حياة افراد الشعب و انما كان بهدف ايجاد فرصة للمتنفذين لتحسين اوضاعهم. و لم تكن مشاريع البينة التحتية تهدف الى زيادة الانتاج و الدخل و خلق وظائف للعاطيين و انما كانت تهدف الى توفير مصدر دخل غير شرعي للمرتبطين بالنظام. وقد تمكن المتنفذون من السيطرة على كل مناح الانشطة الاقتصادية مثل الاستثمار و التجارة و غيرها. و نتيجة لذلك فقد تم التهام معظم إيرادات النفط و تحويلات المغتربين و متحصلات الضرائب و القروض و المساعدات. بل ان الفساد المتمثل في انتشار الرشوة و العمولات و المشاركة القصرية قد التهم كل الفائض لدى طبقات وفئات الشعب المختلفة، بل تعداه ليلتهم جزءاً كبيراً من حاجاتهم الأساسية. فقد تركزت الثورة فقد في أيدي القلة المتنفذة التي تفننت في الإسراف و التبذير و ممارسة تهريب رؤوس الأموال إلى الخارج. أما غالبة أفراد الشعب فقد عانت من البطالة و سوء التغذية والأمراض الفتاكة.فلا يجادل اي احد في وقوع غالبية ابناء الشعب في براثن الفقر المدقع. يا شباب الثورة إن مسئوليتكم تكمن في تكوين الإرادة العامة التي يجب ان يستند اليها في بناء الدولة الخادمة للشعب و ليست التي يمكن ان تكون عبئا عليه. ان عليكم و منذ الآن ان تعملوا على مناقشة وكتابة ميثاق يحتوي على وظائف الدولة الضرورية لبناء اليمن الجديد وأولوياتها والمعايير التي يجب أن تتوفر في من سيعمل على بناء مؤسسات الدولة و ادارتها. و في هذا الإطار فإنه يمكن أن تكون وظائف الدولة وفقا للأولويات التالية. اذ يجب ان تكون حماية النفس و المال و العرض اولوية قصوى للدولة القادمة. ان ذلك يحتم ان ييتم التوسع في التعليم و خصوصا التعليم المهني الى اقصى نطاق ممكن. و لا بد ان تحظى حماية النفس والمال والعرض بأهمية كبرى. و لا شك أن ذلك يتطلب تصحيح الوعي المجتمعي لذلك وبناء مؤسسات أمنية تحمي اليمنيين كلهم مع الأخذ بعين الاعتبار بحقوق الانسان. و كذلك فانه لا بد من توفير العدالة مجانا لكل أبناء اليمن. ان ذلك يعني ان تتم المساوة بين كل اليمنيين في الحصول على خدمات القضاء قبل المساوة امام القضاء. و على وجه التحديد فان جهاز النيابة العامة يجب ان يقدم خدماته للشعب و للوطن بدلا ان يكون وسيلة في يد الحكام لمتابعة المعارضين. و من الوظائف المهمة للدولة القادم اقامة البنية التحتية التي تساعد على تطوير القطاعات الاقتصادية الواعدة القادرة على خلق وظائف للعاطلين و على زيادة معدل النمو الاقتصادي و بالتالي تحسين مستويات المعيشة لجميع اليمنيين. وكذلك العمل على ترسيخ الادارة الاقتصادية الضرورية لاستقرار الاقتصاد اليمن من خلال تحقيق الاستقرار في قيمة العملة و في الاسعار. ومن المفيد أن يحتوي هذا الميثاق على الضمانات الضرورية الرادعة لكل من قد تسول له نفسه تحويل الدولة القادمة من دولة تخدم الشعب إلى عبء عليه. ولعل من أهم هذه الضمانات. أولا اعتبار الانتخابات الحرة والنزيهة والتداول السلمي للسلطة وحماية الحقوق الأساسية للإنسان ثابت الثوابت. ومن اجل ذلك فإنه يجب الحرص على أن يتولى في المرحلة الانتقالية أيا من رموز العهد الماضي أي مسئولية سواء كانوا من الحزب الحاكم ام من احزاب المعارضة حتى لا يكرروا تجاربهم الفاشلة. و يجب كذلك ان يستمر الشباب الذين ثاروا على الحرص و السهر على هذه المهمة. اذ يجب اعتبار التزوير في الانتخابات العامة خيانة عظمى يعاقب عليها الحزب الذي يمارسها بالحل و قياداته بالحرمان في الترشيح في المناصب القيادية في الدولة. و كذلك يجب تحريم رفع السلاح امام السلطة المنتخبة انتخابات حرة لأي سبب كان. و ايضا يجب تجريم و منع العاملين في الوظائف العامة من المشاركة في الدعاية الانتخابية بأي شكل من الأشكال. و يجب تحييد المال العام والإعلام الرسمي في كل الانتخابات. و يجب التدقيق في الذمة المالية لكل مرشح في اي انتخابات عامة و لكل من يتولى أي وظيفة عامة قبل إصدار قرار التعيين وإرفاقها به. ثانيا يجب ان يتضمن الميثاق تعهدا بالفصل بين مؤسسات الدولة التي تتولى مهمة تصميم و تحديد السياسات والتوجهات العامة ومؤسسات الدولة التي تتولى تنفيذها. أي انه يجب الفصل بين المؤسسات السياسية للقيادات العليا للدولة والأحزاب السياسية وبين مؤسسة الخدمة المدنية. فالمؤسسات السياسية تغير من خلال التداول السلمي للسلطة أي من خلال الانتخابات اما مؤسسة الخدمة المدنية فتخضع للمعاير و الكفاءة و تتغير وفقا للأداء.و كذلك فان عليكم ان تسعوا لإقناع الجميع بالتعهد بعدم دفع اي رشاوي مهما كانت الأسباب. ثالثا ينبغي أولويات الإنفاق العام على النحو التالي. فميزانية التعليم يجب ان تحتل اكبر نسبة في الموازنة العامة خلال الخمس السنوات التالية. و كذلك يجب اعتبار اي انفاق خارج الموازنة خيانة عظمى. من المهم ان يتعهد القطاع التجاري بدفع الضرائب القانونية و عدم الاستجابة لدفع أي إتاوات أو أموال للمسئولين السياسيين. رابعا: عليكم يا شباب الثورة العمل على إقناع القبائل اليمنية بالتوقيع على تعهد بإيقاف الثأر لمدة خمس سنوات و حل قضايا الأراضي بينهم من خلال التحكيم. و كذلك فان عليكم ان تقنعوا كل أفراد الشعب و خصوصا الشباب منهم على الاقلال من التمنطق بالسلاح وإحلاله بالكتاب.