صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع لرؤيا مستقبلية لشباب الثورة!
نشر في الجمهورية يوم 20 - 03 - 2012

لقد آن أوان إطلاق عملية التنمية المستدامة في اليمن:
اصلاح المالية العامة
من المؤكد ان اطلاق محركات التنمية المستدامة لا يمكن ان يتحقق الا اذا كان هناك شراكة مقبولة في الثروة. ان هذه الشراكة يجب ان تكون في اطار المصلحة العامة و ليس على اساس التقاسم الفئوي او الحزبي. فقد كان هناك في الماضي تقاسم للثروة و لكنه كان يقوم على اساس فئوي و حزبي.
المالية العامة هي الجوانب المالية للشان العام. و بتعبير اكثر دقة فهي كل ما يتعلق بالنفقات العامة و الايرادات العامة. و بتعبير فني فهي الموضوعات المتعلقة بالموازنة العامة. لذلك فانه يمكن القول بان للمالية العامة جوانب سياسية و اقتصادية و اجتماعية و فنية.
فعلى المستوى السياسية فانه هناك تغييرات كبيرة في مفهوم الوظيفة السياسة للدولة. فقد ترتب على تراجع الحكم الشمولي و توسع الممارسات الديمقراطية ان اصبحت الوظائف السياسية للدولة محددة بما لا يتعارض مع الدور الكبير للمؤسسات الاجتماعية و منظمات المجتمع المدني. و لقد انعكس ذلك على طبيعة المالية العامة على مستوى العالم.
و كذلك فان الوظيفة الاقتصادية للدولة قد تغيرت. فلم يعد من الوظائف الاقتصادية للدولة ممارسة الانشطة الاقتصادية مباشرة ولكن بالمقابل فان الوظيفة الاقتصادية و خصوصا في الدول النامية قد شملت مجالات جديدة مثل تطوير البنية التحتية و مكافحة الفقر. و لا شك ان ذلك قد اثر على موضوعات المالية العامة في معظم دول العالم.
لقد توسع دور منظمات المجتمع المدني ليشمل بعض المهام التي كانت من مهام الدولة سواء في الجوانب السياسية او الاقتصادية بالإضافة الى وظائفها في المجال الاجتماعي. الامر الذي اثر على العديد من الجوانب المتعلقة بالمالية العامة.
لذلك فان اصلاح المالية العامة في اليمن مرتبط بشكل كبير الاصلاحات المطلوبة في كل من الجوانب السياسية و الاقتصادية و الثقافية في اليمن. اذ انه لا يمكن عمل شيء في اصلاح المالية العامة في اليمن بدون اصلاح الوظائف السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية للدولة في اليمن.
ان فشل برامج اصلاح المالية العامة في اليمن و الذي بدأ في منتصف تسعينيات القرن الماضي يعود و بشكل اساسي لعدم السعي لإحداث اصلاح سياسي و اقتصادي و اجتماعي حقيقي. فهذا الاصلاح المالي قد ركز على الجوانب الفنية فقط. و لذلك فان ضمان نجاح اي اصلاح مالي في المستقبل فانه لا بد من ربطه بالإصلاحات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية المناسبة.
من خلال التحليل السابق فان المالية العامة في اليمن تعاني من العديد من الاختلالات. و من المعروف ان العديد من محاولات التغلب عليها قد فشلت. فقد تضمنت برامج الاصلاح المتعددة منذ عام 1995 العديد من الاصلاحات والاجراءات و السياسات التي كانت تهدف لمعالجة هذه الاختلالات. لكن لسوء الحظ فان شيئا لم يتغير فيما يتعلق في كل من مراحل الموازنة المختلفة وكذلك في مؤشرات ادائها.
ان ذلك من وجهة نظري يرجع الى عدد من الاسباب. و لعل من اهمها تأثر المالية العامة في اليمن بعدم الوضوح بالوظائف السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية للدولة و كذلك في عدم توفر الارادة السياسية لعملية الاصلاحات في هذه الجوانب. و لذلك فان هذه الورقة تشدد على اهمية التوصيات التالية.
اعادة النظر بوظائف الدولة
لقد اوضحت تجارب اليمنيين مع الدولة الحديثة وجود تصورات متناقضة حول الوظائف السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية للدولة. فقد تراوحت هذه التصورات بين اقصى اليمين و اقصى اليسار. و كان من الواضح ان عملية تحديد وظائف الدولة في اليمن قد اقتصرت على النخب السياسية. اما غالبية فئات المجتمع فقد غيبت او تغيبت.
و بدلا من التركيز على تفعيل وظائف الدولة على ارض الواقع فان النخب السياسية قد غرقت في الصراعات حول اختلافها حول تصور وظائف الدولة الحديثة. و قد كانت هذه الصراعات في بعض الاحيان الى عمليات تدمير للدولة و المجتمع. و لسوء الحظ فان الاختلاف على وظائف الدولة لا زال مستمرا حتى الان.
و لقد ترتب على ذلك غياب للدولة و مؤسساتها و انسحابها من واقع اليمنيين حتى و ان بقيت بعض اشكالها. فاليمن اليوم يعيش ازدواجية خطيرة بين وهم وجود دولة من اي نوع كان و حقيقة الفراغ الذي تستطع المؤسسات التقليدية و على وجه الخصوص مؤسسة القبيلة ملئه.
فمن المؤكد انه في ظل تناقض التصورات حول وظائف الدولة الحديثة و انشغال النخب السياسية في عملية فرض تصوراتها لن يكون هناك اي جدوى لأي عملية اصلاح من اي نوع و في اي مجال.
اشراك جميع فئات المجتمع في تحديد وظائف الدولة
ان الدروس المستفادة من التجارب السابقة تشير الى ضرورة اتباع اليات جديدة في عملية اعادة النظر في وظائف الدولة في اليمن. فعلى سبيل المثال فانه لا بد من التخلي عن احتكار النخب السياسية حق الحديث عن وظائف الدولة. و لذلك فانه لا بد من اشراك كل فئات المجتمع في ذلك.
فالأحزاب السياسية في اليمن لم تصل الى النضج المطلوب حتى تتولى هذه المهمة على اعتبارها انها تمثل اليات لتجسيد وجهات النظر المختلفة لدى فئات الشعب. فهذه الاحزاب لا تحظى بالتأييد الشعبي الكافي و لذلك فإنها لا تعبر عن موافقة. انها تمثل مواقفها او على وجه التحديد مواقف قياداتها او مواقف بعضها. و لذلك فإنها ليست مؤهلة للتحاور و التوافق على تصور للدولة الحديث يمكن ان يحظى بالقبول من قبل غالبية اليمنيين.
و نتيجة لذلك فان المؤسسات المنبثقة عن العملية السياسية في اليمن مثل مجلس النواب لا تعبر عن تمثيل شعبي حقيقي بقدر ما تعبر عن تناقض الاحزاب و القوى السياسية. و الدليل على ذلك فإنها لم تستطع ان تحسم اي خلاف سياسي بطريقة تغلب المصالح العامة.
ان ذلك لا يعني بالضرورة الغاء العملية السياسية اي حل الاحزاب السياسية و المؤسسات الدستورية لان ذلك قد ينتج الفوضى المدمرة. انه يعني فقط انه لا بد من اشراك فئات المجتمع مع هذه المؤسسات بحيث يتم تكامل كل منهما و ليس تنافسهما.
فمن وجهة نظري فانه يمكن البدء بتجريب هذه الشراكة فيما يخص الحكم المحلي. فبدلا من حصر الحوار حوال هذا الموضوع بين الاحزاب السياسية او في اطار المؤسسات الدستورية فانه لا بد من اشراك فئات المجتمع باي شكل من الاشكال.
و في هذا الاطار فانه يمكن الدعوة الى لقاء محلي بين مندوبين ينتخبون في كل محافظة من المحافظات اليمنية الواحدة و العشرين لمناقشة حدود و صلاحيات السلطات المحلية و علاقاتها مع السطلة المركزية. ان لقاء كهذا قد يعمل على توحيد كل محافظة من المحافظات تجاه المحافظات الاخرى. ولا شك ان ذلك سيعمل على ايجاد وحدة وطنية حقيقية في كل محافظة و في هذه الحالة فانه سيمنع محاولات تحريض عدد من المحافظات ضد عدد من المحافظات الاخرى. ففي الحالة الاولى فان اي اختلاف بين المحافظات و بعضها البعض لا بد و ان يكون في اطار الوحدة الوطنية لان كل محافظة لحالها لا يمكن ان تشكل اي كيان قابل للحياة يسعى للانفصال عن الوطن. اما في الحالة الثانية فان ذلك قد يكون ممكنا او ان التخوف من وقوعه له ما يبرره.
هذا من ناحية و من ناحية اخرى فان لقاء كهذا سيمكن مكونات المجتمع من ان تعبر عن مصالحها و ان يكون لها قول في مستقبلها. و لا شك ان ذلك يمثل الضمانة الحقيقية لان تكون وظائف الدولة المتفق عليها تعبر عن واقع اليمن و عن مستقبله. و اذا ما تحقق ذلك فان ذلك يمثل ضمانا بان تكون هذه الوظائف مفعلة و حاضرة.
من الواضح ان تحديد وظائف الدولة بشكل يلبي تطلعات و احتياجات ابناء اليمن و ايجاد الضمانات الكافية لتفعيل هذه الوظائف و حمايتها سيجعل من الضروري تطوير المالية العامة في اليمن. فمن غير الممكن القيام بوظائف الدولة المتفق عليها في ظل وجود اي اختلالات مالية.
ان ذلك سيعني ضرورة القيام بكل العمليات المالية في كل مراحل الموازنة العامة. و في هذه الحالة فان شركاء هذه العملية سيتوسع ليشمل كل مؤسسات الدولة و المجتمع المدني و فئات المجتمع.
و في هذه الحالة فانه لا بد من الاستفادة بكل ما يتم التوصل اليه من معايير واليات على المستوى الدولي. فبدون ذلك فانه لا يمكن ضمان فعالية و كفاءة وعدالة الانفاق العام. و كذلك فانه لا بد من ان يكون اي نظام ضريبي كفؤ وفعال و عادل. و في هذه الحالة فان الخيارات المالية ستكون نابعة من خيارات كل او معظم فئات المجتمع.
في هذه الحالة فقط ستكون هناك حوافز لإصلاح المالية العامة في اليمن ولتطويرها. و بدون ذلك فان اي حديث عن الاصلاح المالي هو حديث فارغ وغير صادق. لأنه ببساطة لا توجد ضغوطات و حاجات حقيقية له.
و على وجه التحديد فقد اتجهت أنظار الجميع الى السطو على المشاريع العامة و المال العام بعدد من الطرق. و من ابرز ذلك التكالب على الوظيفة العامة بهدف الحصول على العوائد المالية بدون مماسة العمل العام و كذلك التكالب على الحصول على المشاريع العامة لأنه يتم الحصول عليها بأسعار مبالغ فيها و بمواصفات متدنية.
و لإصلاح هذا التشوه من الحرص على حماية الحق العام من خلال الحرص على تطبيق العدل و الحزم. صحيح أن طريق العدل و الحزم طويل وشاق لكن لا بديل عن ذلك إذا ما أردنا تحقيق النهوض.
ان ذلك نقطة انطلاق اليمن في طريق الازدهار و الحرية و الاستقرار. و ما عدا ذلك فما هو الا ذر للرماد في العيون. و من المؤكد ان هذا الرماد سيصيب كل العيون ليس فقط عيون البعض.
اصلاح النظام النقدي
ضمان الاستقرار النقدي ضروري لإطلاق محركات التنمية المستدامة. فبدون ذلك لا يمكن تصور وجود ادخار و تمويل كاف و بالتالي عدم وجود استثمار. فالادخار و الاستثمار عملية مستقبلية. و النقود هي اداتها الاولية. و بدون وجود استقرار نقدي فانه من غير الممكن التخطيط السليم للمستقبل. و بما ان التنمية المستدامة هي فعل مستقبلي فانها لا يمكن ان تنطلق و تستمر من دون الاستقرار النقدي.
فبدونه تتوسع ظاهرة التبذير و يتحول الادخار الى اكتناز و يقتصر الاستثمار على تلك المجالات قصيرة الاجل. بل ان عدم استقرار النقود يؤثر و بشكل سلبي على اداء الحكومة. ففي ظل وجوده تشوه الخدمات العامة التي تقدمها الدولة و تضعف كفاءتها و ترفع تكاليفها.
اما فيما يخص اصلاح القطاع النقدي المصرفي فانه ضروري لوضع الاقتصاد اليمني على طريق النمو المستدام. فمن الواضح ان العملة اليمنية هي من اكثر عملات العالم تذبذبا. و في نفس الوقت فان القطاع المصرفي اليمني يعتبر من اكثر القطاعات المصرفية جمودا و انغلاقا على مستوى العالم. و لا شك انه قد ترتب على ذلك ان الاقتصاد اليمني لا يستفيد من موارده المالية المتاحة سواء من خلال المدخرات الداخلية او القروض و المساعدات و الاستثمارات الخارجية. و من يشك في ذلك فما عليه الا ان يقارن بين مؤشرات القطاع المصرفي في اليمن و مؤشراته في اي دولة اخرى حتى في دولة مثل الصومال.
و من اجل تطوير القطاع المصرفي اليمني فانه لا بد من البدء فورا في اصلاح عملية ادارة العملة اليمنية. و في هذا الاطار فانه يجب على البنك المركزي ان يركز على ادارة النقود اي التساوي بين العرض النقدي و الطلب عليه سواء في الوقت القصير او المتوسط على الاقل اكثر من تركيزه على سعر الفائدة او سعر الصرف او حجم الاحتياطي. و لذلك فانه لا بد من تطوير اصول مالية قابلة للتسييل بوقت و تكلفة اقل.
ان تطوير اصول مالية جديدة تتمتع بهذه الصفات يجب ان يكون هو المدخل لإصلاح النظام المصرفي في اليمن. فمن الواضح ان البنك المركزي قد ارتكب خطأ فادحا عندما طبق قواعد بازل على البنوك اليمنية. ذلك ان هذه البنوك تعاني من مشاكل مختلفة عن مشاكل البنوك في العالم. فمشكلتها ليست في كثرة توظيفاتها للودائع و رأس المال و انما في تجميد قدر كبير من السيولة بدون استغلال و من ثم فلا معنى لإجبارها على رفع رأس مالها او تكوين مخصصات للديون كبيرة و خصوصا في ظل انخفاض اسعار الفائدة التي تتقاضها نتيجة لتحكم البنك المركزي في ذلك.
اصلاح نظام الحماية الاجتماعية
لا يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية و التنمية المستدامة الا من خلال إقامة نظام عادل و كفؤ للحماية الاجتماعية. ذلك انه اذا اتيح لكل راغب في الحصول على الحماية الاجتماعية سواء كان مستحقا لها ام لم يكن فان غالبية افراد المجتمع سيتواكلون على ذلك مما سيضعف الحوافز الاقتصادية لكل من العمل و الادخار و الاستثمار مما سيؤثر سلبا على عملية التنمية المستدامة.
و في نفس الوقت اذا لم يكن هناك اي نوع من الحماية فان ذلك سيؤثر على العدالة الاجتماعية. فهناك فئات من المجتمع قد لا تكون قادرة على العمل و الادخار و الاستثمار لعدد من الاسباب الموضوعية اما لفترة مؤقتة من الزمن او لفترة غير محددة. و في هذه الحالة فان تركهم ليواجهوا مصائرهم يعني انتقاصا لإنسانيتهم.. و اذا كان نظام الحماية الاجتماعية ضروريا لكن قدره و طريقة ادارته امور لا زالت محل نقاش سواء على المستوى الاقتصادي او السياسي او الاجتماعي. و على هذا الاساس فانه لا بد من التوافق على مكونات نظام فعال و عادل للحماية الاجتماعية بهدف اطلاق عملية التنمية المستدامة.
و في هذا الاطار فانه لا بد من العمل على صلاح نظام الضمان الاجتماعي في اليمن بهدف زيادة تأثيره و توسيعه. فما يقدم اليوم للمنضوين لها قليل جدا و اذا تم اخذ تكاليف ذلك سواء من قبل الحكومة او المستفيدين فان صافي ذلك قد يقرب من الصفر. و لذلك فان المساعدات المالية او العينية التي تقدم للفقراء لا بد و ان تكون كافية حتى تمكنهم من الحصول على حياة كريمة.
و يجب كذلك توسيعها لتشمل عملية التدريب و التأهيل و تقديم الحد الادنى من رأس المال لمن هو قادر على العمل و بالتالي الخروج من دائرة الفقر. فما يقوم به كل من صندوق التنمية الاجتماعية و مشاريع الاشغال العامة من انشطة في هذا المجال يعمل على تعميق الفقر بدلا من محاربته. ان هاتين المؤسستين تقومان في الغالب بما كان يجب على اجهزة الحكومة القيام به مثل بناء المدارس و المشاريع الاخرى و التي يستفيد منها بشكل كبير غير الفقراء. و لذلك فان عليهما ان يعيدا النظر بأنشطتها بحيث تكون موجهة في الغالب الى الفئات الاكثر فقرا.
و من الممكن ان لا ينجح كل من الأسرة و المؤسسة الاقتصادية في التنسيق و الاتفاق بينهما و في هذه الحالة فان الدولة هي الجهة المخولة التوسط بينهما و العمل على معالجات أي اختلافات بينهما. و على هذا الأساس فان الأسرة و المؤسسة الاقتصادية هما الجهتان الأساسيتان فيما يخص كل الإنتاج و التوزيع و الاستهلاك. أما الدولة فإنها عامل مساعد و لا يمكن ان تكون شريكا أساسيا في ذلك تحت أي ظرف من الظروف. ففي هذه الحالة فان ذلك سيؤثر على كل من الجدية و الانضباط و الطموح.
ان تدخل الدولة في عملية خلق الثروة و عملية توزيعها يعرقل عملية النمو الاقتصادي بشكل واضح. فمن ناحية فان ذلك يؤثر سلبا على الكفاءة الاقتصادية و من ناحية اخرى فان ذلك يؤثر على العدالة بمعناها الواسع. فينبغي عليها اذن ان تقتصر وظيفتها على القيام فقط بما تعجز كل من الاسرة و المؤسسة الاقتصادية القيام به. ان ذلك يعني ان تمارس الدولة أي نشاط اقتصادي انتاجاً الا عندما يكون ذلك ضروريا جدا و لا يمكن تشجيع المؤسسات الاقتصادية على القيام به من خلال الحوافز. و كذلك فان على الدولة القيام بتوزيع الثروة في الحالة التي يشترك فيها المجتمع او جزء منها في ملكيتها و بالتالي لا يمكن تحويلها الى ملكية فردية بتكاليف معقولة او في الحالات التي تفوض به من قبل المجتمع بشكل واضح و جلي.
و من اجل نجاح الاقتصاد اليمني في استغلال الموارد الطبيعية و البشرية المتاحة له فان أولوية في اليمن ينبغي ان تكون لخلق الثروة و ليس لإعادة توزيعها و بالتالي فان التوزيع ينبغي ان لا يكون هدفا لذاته او لتحقيق أهداف اجتماعية و إنما ينبغي ان ينظر اليه كعامل مساعد لعملية خلق الثروة.
هذا من ناحية و من ناحية أخرى فان حدود الحق الخاص بين الأفراد ليست واضحة. فعلى سبيل المثال فان هناك تداخلاً كبيراً بين الحقوق الخاصة للأولاد و الآباء و بين الأقارب. فعلى سبيل المثال فان هناك مصادرة لحقوق النساء و هناك تعد من الأبناء على حقوق الآباء و العكس.
يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.