الرافضون لفكرة الأقاليم هم من تسبب في إيصال الشعب إلى الرضى بجعلها حلاً لمشكة الإقصاء الذي مورس في حقه من قبل مركزية جثمت عليه لأكثر من ألف عام تحت عدة مسميات . كاد اليمانيون في ثورة 26 سبتمبر أن يطيحوا بأدعياء الوصاية الإلهية والأحقية المقدسة للسلطة والثروة، إلا أن التآمر الإقليمي والدولي حاصر طموحات الشعب بتغذية الصراع بين الجمهوريين والملكيين، بالتدخل العسكري المصري المدفوع من قبل الاتحاد السوفيتي الذي كان يعيش حالة تصارع مع التمدد الأوروبي في الشرق الأوسط، مما دفع الأخير إلى التدخل المضاد له عبر المملكة السعودية التي خرجت من رحم الزحف البريطاني الذي حشد لإسقاط الإمبراطورية الإسلامية . استمر الصراع ثمان سنوات، تمت خلالها تصفية أبرز رموز الثورة المؤمنين بأهدافها والمقتنعين بأن لا خلاص للشعب اليمني من التخلف إلا بجعل تلك الأهداف حقيقة في الواقع المعاش لليمنيين، ولم يبقَ إلا الثوار الذي بإمكاننا توصيفهم بالنفعيين، وجرى تقاسم السلطة والثروة بين مكونات ثلاثة وفق اتفاقية جدة المشئومة : 1 مكون الملكيين السلاليين 1 الضباط 2 المشائخ كعنصر أساس في إشعال الثورة .
استمر الحال على ما هو عليه إلى أن جاء الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، حيث كانت لديه إرادة لبناء دولة ذات مؤسسات لا تخضع للتقاسم بقدر ما تكون التعيينات فيها خاضعة للقدرة والكفاءة والمؤهل، هذا الوضع لم يعجب القوى المستفيدة من التقاسم، فاتفقت جميع المكونات المشتركة في عملية التقاسم للسلطة والثروة على تصفيته وتمت العملية بالفعل وعاد التقاسم إلى الواجهة السياسية، رافقه إقصاء للشعب عن كل شيء، واستمر الحال على ما هو عليه إلى عام 1990، بعد التوقيع على اتفاقية الوحدة بالذات، حيث دخل العملية السياسية شريك جديد، لديه دولة مكتملة المؤسسات، وإن كانت تخضع لحالة تقاسم نسبي إلا أنه كان خاضعاً للترتيب الإداري المؤسسي.
الشاهد أن الأطراف السياسية في شمال اليمن سعت إلى فرض عملية التقاسم في الدولة الجديدة مناصفة بين قوى التقاسم في الشمال ودولة الجنوب، لم يستمر السيناريو طويلاً حتى اندلعت حرب صيف 94 والتي أنتجت حالة التقاسم بين المكونات الثلاثة السابقة وتم إضافة المكون المنهزم من فريقي الصراع الجنوبي في ال 86 يناير الذي أصبح مسانداً ميدانياً لمطلب الوحدة والتصدي للانفصال بقوة السلاح، والذي أصبح بعد حرب صيف 94 منتصراً على خصمه السياسي المنتصر عليه في 86 . استمر التقاسم بعد ذلك ورافقه تغييب سلس للمكون الرابع الذي دخل مؤخراً كممثل للجنوب حتى أنه كاد أن يختفي من العقل المدبر لحالة التقاسم للسلطة والثروة، والاستئثار بذلك من قبل المكونات الثلاثة شمالياً حتى اندلعت ثورة فبراير عام 2011 التي تستهدف بالأساس إعادة السلطة والثروة للشعب المغيب شمالياً وجنوبياً على حد سواء طوال الثلاثة العقود الماضية عن التقسيم العادل للثروة بين كل أبناء الشعب والشراكة السياسية الشاملة بين كل مكوناته . واجهت ثورة فبراير مكونات التقاسم التي انخرط بعض عناصرها في الفعل الثوري كقابل بالتحول عن حالة التقاسم إلى الدولة التي يسودها العدل والمساواة، إلا أن المكون السلالي في التقاسم والذي كان قد قبل بالثورة أو أعلن نفاقاً انضمامه إليها تخلى عن أهداف الثورة وعاد للتحالف مع المخلوع الذي يرأس المكون العسكري للتقاسم، لإعادة حالة التقاسم السابقة كأقل حلم يطمح به، في ظل ثبات لمكون المشائخ وبعض الضباط المنضمين للثورة والذي يظهر استماتتهم في تحقيق أهدافها . هذا الواقع جعل اليمنيين بين خيارين إما إعادة اليمن لحالة التقاسم السابق أو إبعاد قوى التقاسم عن العملية السياسية وأول شروطه نزع سيطرتهم أو إمكانية سيطرتهم على الثروة، كان الخيار الثاني هو الواجب الوطني كحقنة إنقاذ وحيدة للشعب من شبح التقاسم الذي ظل أكثر من ثلاثين سنة . ونتيجة لكون السلطة التي ثار عليها الشعب كانت مركزية، فقد تمركزت قوى التقاسم في جغرافيا المركز الإداري والسياسي والمالي تحتم التحول من مركزية السلطة إلى فيدراليتها كونها الشكل الأمثل الذي يمكن الشعب من استبعاد تلك القوى بأقل تكلفة، وذلك بحصرها في إقليم واحد . وبعد النظر للجغرافيا السياسية والاقتصادية والعسكرية تم حصر قوى التقاسم في الشمال بإقليم آزال البعيدة حدوده عن جغرافيا الثروة في الشمال، وحصر قوى التقاسم في الجنوب بإقليم عدن البعيدة حدودها عن جغرافيا الثروة في الجنوب كون الثروة العنصر الأساس في تحديد بسط النفوذ والسيطرة . لهذا كانت فكرة الأقاليم تستهدف إعادة توزيع السلطة والثروة للشعب المغيب وإبعاد قوى التقاسم التي حالت بين ذلك والشعب طوال الفترة الماضية، ليس أكثر من ذلك . لذلك ستجد تلك القوى هي الأكثر صراخاً من إقرار نظام الأقاليم، وذلك من خلال بث الإشاعات في قنواتهم الفضائية وإظهار حالة من التخويف الرهيب والهائل من كون الأقاليم تمثل خطوة أولى لتقسيم البلد، لا لشيء إلا لأنها تحد من نفوذهم وتنتزع سيطرتهم على ذلك . وبعد هذا العرض ما على الحليم من أبناء الشعب اليمني إلا التمسك بخيار الأقاليم وترك قوى النفوذ تتصارع فيما بينها في جغرافيا محدودة، مالم فإن الصراع سيكون شاملاً والتدمير سيصبح أشمل للبلد المنهك.