بعد أن غادرت مليشيات الحوثي مديرية همدان قبل نحو شهرين بضغط مقاومة القبائل وعصا اللجنة الرئاسية، أخذت استراحة ثم اتجهت غرباً نحو مدينة شبام كوكبان التاريخية. كانت مدينة شبام هي المحطة الأقرب بعد الاتفاق الذي قضى بانسحاب مسلحي الطرفين (الحوثيين –ورجال القبائل ) من المواقع في مديرية همدان ورفع كل النقاط التي استحدثها الحوثيون على الطرق الرئيسية صنعاء- شبام.
الانسحاب التكتيكي لمسلحي الحوثي والذي يعد أحد الأساليب التي يديرون بها الحرب في المنطقة أتاح لهم فرصة السيطرة على مناطق جديدة محاذية لهمدان.
وتعد مدينة شبام كوكبان والتى تبعد حوالي 35 كيلو متر عن العاصمة صنعاء أول منطقة يسيطر عليها مسلحو الحوثي في محافظة المحويت و يتخذونها مقراً عسكرياً ونقطة هامة لإدارة الصراع والحرب التوسعية في الشمال الغربي للعاصمة صنعاء والمدخل الرئيس لمحافظة المحويت من جهة الشمال.
على مدخل مدينة شبام كوكبان وفي الحد الفاصل بين محافظة صنعاء غرباً وبداية محافظة المحويت شمالاً يستوقفك برميل وضع على وسط الطريق الاسفتلي ومطب يصعب القفز عليه وعند اجتيازه بهدوء يمرر جندي من قوات الأمن الخاصة يده في هدوء ليسمح لك باجتياز النقطة الأمنية التى تحاول فرض الأمن على استحياء وبتواجد محدود لأفرادها.
على مقربة منها وعلى بعد لا يتجاوز كيلومتر واحد يرابط مجموعة من المسلحين حول برميل نصبوا عليه لافتة قماشية تعلن الموت لأمريكا في طريق صنعاءالمحويت التي لم ولن يمر منها أمريكي أو إسرائيلي واحد.. وحيث تتواجد شعارات الموت والهلاك تعلن المليشيات المسلحة: السيطرة هنا للسيد وحده.
كانت تلك النقطة هي بداية التواجد المسلح للحوثي والتي كما يقول الشبان المرابطون فيها أنها لفرض الأمن بالرغم أن عشرات الأمتار فقط تفصلها عن أفراد الأمن المعنيين بحفظ الأمن.
كانت الساعة تشير إلى التاسعة صباحا وحركة السيارات في هدوء نسبي, والفتيان اللذان لم يتحاوزا مرحلة الطفولة بعد يشيران للسيارت بعد تفتيشها بالعبور من جانب برميل وضع على وسط الخط الاسفلتي أيضاً ويحمل كل منهم سلاحاً من نوع كلاشنكوف, ويؤديان المهمة التي أوكلت اليهما من قبل "القيادة" بتفتيش جميع السيارات من وإلى المحويت.
حاولنا الاستفهام منهما, لكنهما أحالانا إلى قائد النقطة الذي يبدو أصغر منهما سناً، وكان ما يزال نائماً في سيارة بجانب النقطة.. لكن لم يستطع هو الآخر إفادتنا بأية معلومات.
أبلغ القيادة في المدينة هاتفياً بوجودنا وانتظرنا قليلا حتى وصل "أبو علي" كما يكني نفسه والذي شرح لنا تفاصيل الأحداث الأخيرة في المدينة.
حاولنا التقاط بعض الصور للنقطة بعد أن أكملنا حديثنا معه, لكنه طلب منا التوقف والانتظار حتى يشاور القيادة, تأخر الرد علينا بمنعنا من التقاط الصور في مدينة شبام التاريخية والسياحية التي طالما عشقتها عدسات المصورين محليين وأجانب.
تخلو المدينة من أي مظاهر مسلحة باستثناء تحركات مسلحي الحوثي الذين يجوبون المدينة على متن أطقم حديثة الموديلات وبدون لوحات معدنية، تتجول "الشاصات" في شوارع وأزقة المدينة مليئة بفتيان مسلحين تتراوح أعمارهم مابين الخامسة عشرة والثامنة عشر مخلفة وراءها غباراً وخوفاً في عيون أطفال ونساء المدينة الذين ينعمون بالأمان ويميل السكان الى حياة الدعة والسلم بطبيعتهم.
وأبدى بعض المواطنين الذين التقتهم المصدر أونلاين من سكان المدينة استياءهم الشديد من تواجد مسلحي الحوثي داخل مدينتهم, والذي - كما يقولون - أثّر على حياتهم الاجتماعية والاقتصادية، كون شبام تُعدّ متنفساً سياحياً لسكان العاصمة صنعاء, والتي كانت في ما مضي قبل دخول مسلحي الحوثي إليها تعج بالزائرين.
وتحدت "أبو على" للمصدر أونلاين وهو قيادي حوثي بمديرية شبام عن استقرار الأوضاع في شبام عقب الاحداث التي عاشتها المدينة مؤخراً بعد أن زالت كل أسباب التوتر وعاد كل شي إلى أصله كما قال.
مشيراً الى أنهم تمكنوا من استعادة المدرسة التي كانت محل نزاع وكل المساجد وعددها ثلاثة والتي كانت في أصلها زيدية.
لافتاً إلى أن هذا يعد تطبيقاً لمخرجات الحوار التي أوصت بإعادة كل شيء إلى أصله.
وفسر القيادي الحوثي تواجدهم المكثف من خلال النقطة خارج المدينة أو دورياتهم التي تجوب شوارع المدينة أو تمركزهم في بيوت بعض أنصارهم أو داخل المدرسة التي سيطروا عليها مؤخرا, بأنها نتيجة لعدم مقدرة المشائخ في مدينة شبام على اعطائهم وعد بتوفير الأمن لهم ولأنصارهم.
لا يتحدث "أبو علي" - وهي كنية متكررة يستعملها القادة الميدانيين لجماعة الحوثي- عن الدولة وأجهزتها الأمنية باعتبارها معنية بتحقيق الأمن لجميع الناس، لكنه يجزم بعجز مشائخ شبام عن تحقيق الأمن وأنه "ليس في أيديهم ولن يستطيعوا منع دخول المليشيات المسلحة للتكفيريين الى المدينة" حسب وصفه.
وأوضح بأن مسلحي جماعته المتواجدين في المدينة هم من أهل المدينة والمديرية ومن أبناء همدان وأنهم متواجدون في كل مكان منذ ما يقارب شهرين من بداية الحرب ولا يوجد أي فتنة.
وبحسب "أبوعلى" فإن من وصفهم بالتكفيريين، وهي تسمية يحبذ الحوثيون إطلاقها على كل من يختلف معهم أو يقف في طريق توسعهم المسلح، رفضوا تسليم مدرسة الحسين بن علي لتحفيظ القرآن الكريم وإعادتها إلى أصلها الزيدي، رغم وساطة المشائخ والوجهاء في مديرية شبام والتي قضت بتسليم المدرسة وإعطائهم مهلة ثلاثة أيام.
وأشار إلى أنهم رفضوا تسليم المدرسة بعد انتهاء مهلة الثلاثة أيام التي أعطيت لهم, وبحسب قوله فإنهم قاموا بتحشيد الطلاب والمسلحين إلى داخل المدرسة وكذلك الأطفال الذين استخدموهم كدرع بشري وقرروا الاعتصام داخل المدرسة كل ذلك من أجل أن لا ترجع إلى أصلها زيدية!!
ولفت إلى تمسكهم الشديد بتسلم المدرسة والمساجد التي كانت في ما مضى زيدية.. موضحاً أنهم لم يقوموا بمحاصرة المدرسة حسب ما تناقلته وسائل الإعلام.
وقال إن اقتحام المدرسة جاء نتاجاً لتدهور الأوضاع خاصة مع انعدام الحلول من قبل المشائخ والأعيان والوساطات.
يعترف "أبو علي" باقتحام مليشياته للمدرسة إلا أنه يوضح أنهم "استخدموا السلاح عندما اقتحموا الباب فقط وأنهم لم يلقوا أي مقاومة من قبل من في الداخل".
ويعتقد أن اقتحام المدرسة كان ضرورة، وحسب كلامه "بالأمس اعتدوا على إمام الجامع وبعدها كسروا الزجاج، لن ننتظر حتى يأتي اليوم الذي يرجموا فيه قنبلة الى داخل الجامع".
وأشار إلى من يصفهم بالتكفيريين قد سيطروا على هذه المدرسة وبعض المساجد في ما مضى من الزمن، "والتي كانت في الأصل زيدية مستغلين نفوذهم وتواجدهم والدعم الدخلي والخارجي لهم ونحن إلى حد الآن لم نستعد كل المساجد".
ويصف الوضع حالياً بأنه على أرقى مستوى "رغم أن التكفيريين مازالوا يحشدون ويتجمعون".
من جانبه أكد الدكتور مهدي القرواني أحد وجهاء مدينة شبام للمصدر أونلاين أن مسلحي الحوثي "قاموا باقتحام المدرسة بالأسلحة، ورغم تواجد أكثر من ثلاثين طالباً بداخلها, وأصيب ثلاثة طلاب وأحد المدرسين وتم الاعتداء على البعض الآخر من الطلاب".
وأشار إلى أن مسلحي الحوثي قاموا بفرض سيطرتهم على العديد من المساجد وطرد أئمتها وخطبائها واستبدالهم بائمة وخطباء آخرين بحجة أن هذه المساجد زيدية في الأصل.
وأضاف "لا وجود للتكفيريين في المدينة كما يدعيه مسلحو الحوثي وأن اقتحام المدرسة كان تحت قوة السلاح بالرغم من أنه تم التوصل إلى اتفاق يقضي بإغلاق المدرسة الى حين حل الإشكالية".
وأوضح القراوني أن غالبية مسلحي الحوثي المتواجدين حاليا في شبام ليسوا من أبناء مديرية شبام وإنما جاؤوا من صعدة ليحولوا المدرسة الى ثكنة عسكرية لهم بعد أن كانت منارا للعلم" حسب قوله.
وأشار إلى أن أهالى شبام لن ينجروا للعنف الذي تنتهجه جماعة الحوثي وأنهم دائماً ما يدعون الى السلام والأمن والدليل على ذلك أنه تم الاعتداء عليهم وعلى طلابهم ولم يقوموا بأى أعمال عنف.
وقال القرواني إن تحركاتهم الآن في إطار القانون لمعالجة الوضع حيث قاموا بتقديم بلاغ لإدارة الأمن وكذلك النيابة العامة ومنظمات حقوق الإنسان حول الاعتداءات والانتهاكات التي مارسها مسلحو الحوثي على طلاب المدرسة وبعض المساجد.
وأوضح أنه تم التواصل مع رئيس لجنة الوساطة في همدان على الغشمي لتنفيذ بنود الاتفاق الخاص بمديرية همدان خاصة وأن شبام تابعة قبلياً لهمدان.
وطالب الجهات الرسمية بتطبيق القانون وكذلك الوجهاء والمشائخ بالمحافظة على السلم الاجتماعي وردع الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون.
ويطالب أيضاً بإعادة المدرسة والمسجد إلى ما كانت عليه وإنهاء المظاهر المسلحة وإخراج كافة المسلحين القادمين من خارج المدينة ورفع النقاط المستحدثة.
وفي السياق أكد الشيخ محمد الشبامي أن المدرسة التي اقتحمها الحوثيون كانت مدرسة تابعة لجمعية أهلية يديرها أبناء شبام، ولم تكن في يوم من الأيام تابعة لأي طرف وإنما تم بناؤها من قبل أبناء المدينة الخيرين وهي تدرس القرآن الكريم فقط.
ويضيف "الوساطة التى كانت هي من أجل درء الفتنة وإخراج المسلحين القادمين من صعدة وحرف سفيان.
وأوضح في تصريح للمصدر أونلاين أن مجاميع الحوثي المسلحة اخلت بالأمن والاستقرار داخل المدينة بالإضافة إلى تضرر قطاع السياحة كون مدينة شبام تعد متنفساً سياحياً لسكان العاصمة صنعاء، ما أدى إلى تضرر مصالح الناس.
وأشار إلى أنهم مستمرون في التواصل مع مشائخ همدان ومن ضمنهم الشيخ على الغشمي لغرض تنفيذ الاتفاق الذي يقضي بإخراج كافة المسلحين من همدان باعتبار مدينة شبام تابعة لهمدان قبلياً.
ونفى الشيخ أي تواجد للمسلحين الذين يدعي الحوثي تواجدهم في المدينة وأنهم في تواصل دائم مع جميع المشائخ لمنع دخول مجاميع مسلحة وذلك للمحافظة على أمن المدينة واستقرارها.
ولفت الشيخ الى أن مطالبة الحوثي باسترجاع كل ما كان زيدياً في المدينة ما هي إلا حجج واهية، كون الجميع في المدينه زيود, (والا ما به زيدي الا صاحب صعدة) حسب قوله.
وأوضح أن "الحوثيين من أبناء مديرية شبام كانت لهم حريتهم الكاملة داخل المدينة ولا أحد يعتدي عليهم ويمارسون أنشطتهم وفعالياتهم الدينية والسياسية بكل حرية (إحياء مناسبات دينية – مسيرات – ملصقات ) منذ العام 2011م".
حاولنا مجدداً التقاط بعض الصور إلا أننا منعنا هذه المرة أيضاً, حاولنا إقناعهم لكن الأوامر من القيادة كانت صارمة ولا يستطيع أحد مخالفتها.
كانت الساعة تشير الى الحادية عشر والنصف عندما مر شخص بدراجته النارية من امام النقطة والموسيقى تصدح من مسجلته في أغنية للفنانة نوال الزغبي ما أثار ذلك غضب أحد مسلحي الحوثي المرابطين في النقطة ما دفعه الى زجره واتهمه بقلة الأدب.
يذكر أن ناشطون على الانترنت بثوا فيديو قالوا إنه داخل مدرسة الحسين بن علي بمدينة شبام لحظة اقتحامها من قبل مسلحي الحوثي.
ويظهر الفيديو مجموعة من الأشخاص تظهر عليهم بعض الإصابات وبعض بقع الدم المنتشرة في الداخل وأصوات بعض الاشخاص التي توحى بحالة من الخوف عند سماعهم إطلاق الرصاص وبكثافة من الخارج، فيما يبدو أنه كان باتجاههم.
لم تكن المشكلة أن مدرسة الحسين بن علي لتحفيظ القرآن الكريم لم تعد زيدية فالقرآن هو ذاته في كل المذاهب لكن المشكلة الآن أن المدرسة التي كانت تكتظ بطلاب يقصدونها كل يوم لحفظ القرآن الكريم صارت اليوم سكناً لمسلحين قدموا إليها فاتحين تحت لافتة الذود عن حمى "الزيدية".