على غير عادته، بدا تنظيم القاعدة مبادراً من الناحية الإعلامية، يُصدر الردود أولاً بأول وبأسرع من البرق، هذا شيء جديد نلحظه لدى تنظيم يُفترض أنه يتواجد في أماكن معزولة، ويخشى من الرقابة والرصد.. لقد جادل هذا التنظيم بأنه يُقاتل الولاياتالمتحدة والصليبيين، في محافظاتأبين وشبوة ومارب والبيضاء، واستنكر على الرئيس عبد ربه منصور هادي قوله إن 70 بالمائة من الجهاديين أو أعضاء تنظيم القاعدة في اليمن هم من الأجانب، واتهم الرئيس والجيش بأنهم يقاتلون نيابةً عن أمريكا وبأنهم تلقوا أوامر من واشنطن.. هذا الجدل الذي شغل المواقع والصحف ووسائل الإعلام يثير تساؤلات بشأن الدعم اللوجستي الذي يحصل عليه هذا التنظيم الإرهابي، في معركته الخاسرة ضد اليمن وشعبه وجيشه وأمنه واستقراره، وضد منشآته الاقتصادية الحيوية ومرافقه السيادية.. نعم من حقنا أن نتساءل، خصوصاً وأن أطرافاً مضت بعيداً في ادعاءاتها الباطلة والمزيّفة، وساطات يبذلها طرف سياسي لدى الرئيس لإنهاء القتال مع تنظيم القاعدة.
هذا الطرح غير المعقول هو الذي يجعلنا نتساءل: كيف تسنّى لتنظيم القاعدة أن يمتلك هذه المبادرة الإعلامية، وهذا الإيقاع السريع في الخطاب الإعلامي؟ وكيف أنجز تسجيلاته الاستعراضية التي أُعدّت بحرفية عالية، محاولاً إظهار سطوته ونفوذه في اليمن، وإظهار ضعف الدولة وعجز جيشها وأمنها عن النيل من التنظيم؟ قديماً قيل "يكاد المريب أن يقول خذوني"، هذا بالتحديد ما تكشف عنه التناولات الإعلامية للموتورين الذين أرادوا استغلال المواجهات المشرّفة التي يخوضها الجيش مع التنظيم الإرهابي لتصفية حسابات سياسية، وذلك بإلقاء الاتهامات جُزافاً، ضد أطراف لعبت دوراً مؤثراً في إنجاح ثورة 11 فبراير الشبابية الشعبية المباركة، بعد أن فشلت كل المحاولات السابقة للزج بهذه القوى في أتون المواجهات العبثية التي خاضتها وما تزال تخوضها المليشيا الحوثية المسلحة في شمال العاصمة وتخومها.. من المؤسف حقاً أن نشهد كل هذه المزايدات والمناكفات والتي تتأسس على كذب صريح وتزييف مفضوح للحقائق، عوضاً عن إعلاء الروح الوطنية العالية، وبناء اصطفاف وطني حقيقي خلف القوات المسلحة.. هل حقاً الجيش اليمني يحارب تنظيماً إرهابياً من الأجانب؟ نعم، هو كذلك، لقد قرر البعض أن يبقي اليمن ساحةً لصراع لا نهاية له، وعمل على تغذية هذا التنظيم، وسهّل تمركزه في المساحة الجغرافية التي تتواجد فيها معظم المصالح الاقتصادية الحيوية للبلاد، ممثلة في آبار وأنابيب النفط والغاز ومنشآت تسييل الغاز في منطقة بلحاف.
عندما فشلت كل الجهود لوأد الثورة والتغيير في اليمن، أوعز أعداء هذا الوطن لإرهابيي القاعدة لكي يبدأوا باستهداف المنشآت النفطية والغازية الحيوية، فبدأوا بقتل أفراد اللواء الثاني مُشاة بحري، وأطلقوا صواريخ الكاتيوشا على منشآت بلحاف.
أي إرهاب هذا الذي تخلّى عن أجندته المزعومة في محاربة المصالح الغربية، وتفرغ لقتل اليمنيين وإلحاق الضرر بمصادر عيشهم الضرورية.. تباً لهذا التنظيم ولكل من يؤيده أو يسانده ولمن يستغل مواجهات بهذا القدر من الخطورة لتصفية حسابات سياسية..