[1] السيسي المقصود في العنوان ليس هو الجنرال الذي صار رئيسا للجمهورية في مصر العربية؛ ولكنه الأنموذج الانقلابي الذي صار أمنية المتآمرين، والفاشلين في الوصول للحكم عبر الانتخابات، والطامعين في السلطة في أي بلد عربي! لا فرق في هذا بين أماني العلمانيين الكارهين لكلمة إسلام ومشتقاتها.. أو المؤمنين بالحق الإلهي للسلطة لسلالة ما.. أو الحكام المخلوعين السابقين وأبنائهم وأقاربهم الذين تملكوا الشعوب كالمتاع، وظنوا أن الحكم صار لهم قاب قوسين أو أدنى قبل أن تطيح بهم ثورات الشعوب! ولا فرق في ذلك بين من يرى في أمريكا شيطانا أكبر ويلعنها ويلعن إسرائيل ويتمنى لهما الموت.. أو من يراها الأمل في مواجهة المشروع الإسلامي؛ الذي يسميه: التطرف الديني؛ ويتعلق بأذيالهما وأحذيتهما! أو فلول الأنظمة المخلوعة وبقاياها الذين صاروا اعداء أمريكا وإسرائيل (إعلاميا) لازمة ضرورية في خطابهم السياسي حتى ليظن من لا يعرف قباحة عمالتهم أنهم كانوا على بعد ساعة من صفر حددوها للهجوم لتحرير كل فلسطين وتدمير الوجود العسكري والاقتصادي الأمريكي؛ لولا ثورات الربيع العربي التي أفسدت خطتهم.. وزادت أنها ألقت بهم إلى مزابل التاريخ! كل المشار إليهم في التشبث بفكرة السيسي المنقذ: المرتبطون ببلدان طوال العمر وأهل الشهامة والزلط، أو الكارهون لكل ما هو آتٍ أو أتى من هذه البلدان بوصفها بلدان البداوة والصحاري والتخلف، والبترول دولار ومدن الملح، والأكثر أهمية: البلاد التي ظهر فيها الإسلام قبل 1400 سنة! كلهم رغم تناقضاتهم الرئيسية والثانوية، وعداواتهم الفكرية والثقافية والسياسية لبعضهم؛ وجدوا في أنموذج السيسي الانقلابي الحل السهل للخروج من مأزقهم التاريخي الذي وجدوا أنفسهم فيه، والتخلص من الكابوس المتمثل في الإسلاميين ؛وحصريا في الفصائل الأكثر اعتدالا وشعبية؛ التي فرضتهم شعبيتهم الكبيرة في كل انتخابات نزيهة خلال السنوات الماضية.. وتأكد بما لا شك فيه أن معظم هذه الأحزاب والمجاميع الفكرية والسياسية مجرد خيالات مآتة، ومآذن محزقة، وأسود مفارش لا تدب فيه الحياة إلا وراء الميكروفونات وفي قاعات الاجتماعات والمقايل.. ومنها من أيقن أن حلمه في الحق الإلهي لن ينجح طالما هناك من يقدم الإسلام للأمة بدون.. حق إلهي، ولا تقديس لعضاعيض دورة مياه إنسان.. أو أن يكون خادما لخدامين بشر! كل هؤلاء اجتمعوا على شعار واحد: السيسي هو الحل!
[2] ثمة مفارقات مريبة ومضحكة في آن واحد يمكن ملاحظتها في جبهة: السيسي هو الحل.. ويا الله بسيسي ينقذنا مما نحن فيه! وهي مفارقات تحمل خصوصيات لكل جهة رغم المشترك الأكبر الذي يجمعها؛ فعلى رغم عداوة زمن السيسي وجماعته والدول التي تدعمهم لإيران وحزب الله اللبناني؛ إلا أن هناك من خدامي الخدامين والمقدسين لعضايض قادة إيران وحزب الله من يتحمس للسيسي وانقلابه، ويعادي المعارضين لانقلابه بجنون، متجاهلين أن أحد دوافع الانقلاب السياسية كان زيارة الرئيس محمد مرسي لإيران، وزيارة الرئيس الإيراني للقاهرة، والخوف من إعادة العلاقات الدبلوماسية بين القاهر وطهران، والتي عدّوها تجاوزا للخطوط الحمراء. ومتجاهلين أيضا أن من التهم الموجهة لمرسي والإخوان تهمة التآمر مع حزب الله وحماس! ومتجاهلين أن الشيطان الأصغر إسرائيل الملعونة والمدعو عليها بالموت كانت من أكبر الداعمين للانقلاب العسكري المصري، والمرحبين به، والعاملين لتسويقه في العالم الغربي! وكانت المفارقة أن ايران أدنت الانقلاب العسكري وتدخل الجيش ضد سلطة ديمقراطية وأذنابها في اليمن يهللون للسيسي وأفعاله.. ليس من باب الاستقلالية وحاشاهم، ولكنه الفرق بين صاحب المشروع وبين أصحاب التتن والصوطي!
[3] دعاة الدولة المدنية والحداثة الكارهون لكل ما هو إسلامي قادم من بلاد البدو والصحراء منذ 1400 سنة حتى الآن؛ كانوا هم أيضا من المهللين للسيسي المدعوم من أنظمة جوف الصحراء، الذي ظهر ملتحفا الدشداشة والعقال، المسبّح بحمد الخليجيين مالكي آبار البترول، وبناة مدن الملح! وهو تهليل كشف حقيقة القناعة أو الكراهية العمياء التاريخية التي يحملونها تجاه هذه الدول، فقد ظهر أن ذلك العداء القديم تلاشى بعد أن رأوا الآيات الشيطانية بأن دول الخليج المعنية صارت عدوا لكل ما هو إسلامي وهي التي طالما اتهموها بأنها حامية المشروع الإسلامي، المروجة لانتشار الحجاب! واتساقا مع البينات التي ظهرت لهم؛ فلم يزعجهم – مثلا- أن أسوا الفصائل الإسلامية المتطرفة في سلفيتها البدوية كما كان يقال، وفي كراهيتها وتكفيرها للشيعة والليبراليين والقوميين والاشتراكيين والديمقراطيين ؛والتي كانت محط النقد والتحريض من قبل كل هؤلاء؛ منخرطة بقوة بفتاويها وزعمائها أصحاب اللحى الطويلة في صفوف الانقلابيين، وتوحدت هتافاتهم مع هتاف: السيسي هو الحل.. ويا الله بسيسي ينقذنا ويزيل عنا الغمة!
[4] بقايا المخلوعين العرب هم أكثر الفئات المشار إليها تهليلا بالمنقذ السيسي من أي جهة، فالسيسي الرمز هو الذي أحياها من الموت السياسي الذي كانت عليه منذ سقوط الفرعون، واللص، والسارق، والمجنون الفاجر! لكن لأن هؤلاء مجرد شقاة باليومية، وليسوا بدهاء الفئتين الأوليين فقد جاء أداؤهم هابطا على نمط الرقص الذي يصاحب كل الفعاليات في مصر تحت حكم الانقلاب. فخلال السنة الماضية حرضوا، وبرروا، وهللوا للانقلاب العسكري، ولكل أعمال التنكيل بالمعارضة السلمية، وقتل الأبرياء بمن فيهم النساء والفتيات وطلاب المدارس والجامعات، وخنق الحريات وإغلاق القنوات الفضائية والصحف المعارضة، واضطهاد الحقوق الطبيعية للإنسان المصري إلا حقه في الرقص أمام لجان الانتخابات وفي كل مناسبة سياسية يفتعلها الانقلابيون! ومع فشل حركتهم الأخيرة في صنعاء؛ تذكر خدامو خدامي عضاضيض المخلوع وأولاده وأحفاده أن القنوات الفضائية لها حرمة، وأنه لا يجوز اقتحام أي قناة وإغلاقها فضلا عن إحراقها بما فيها إلا إذا كان اسمها (سهيل).. تماما كما يجوز حرق المعتصمين وقتلهم إن كان ذلك قد تم بأمر الزعيييم وأولاده وبلاطجته! ولأن إصدار البيانات لصالح المخلوع هذه الأيام (كما هو حال الاتصال به هاتفيا خمس مرات في اليوم والليلة!) فيها رزق وحق المصاريف؛ فقد أبدت جهة مؤتمرية استنكارها لإغلاق قناة المخلوع (الأدق تسميتها: قناة الشعب طالما أن مكوناتها والمال الذي يصرف عليها من المال العام المنهوب!) ووصفت ما حدث بأنه ( جريمة غير مسبوقة!).. وربما كان المقصود بذلك أن المقتحمين أخذوا أو نهبوا الأجهزة فقط وذلك أمر مسبوق ومعهود خلال حكم الزعيييم (مكتب قناة الجزيرة وصحيفة الأيام أنموذجا)، لكن لأنهم لم يحرقوا المبنى بما فيه كما فعل المخلوع وأولاده وبلاطجته مع قناة سهيل؛ فهي إذا جريمة غير مسبوقة!
[5] الكذب واختلاق الأكاذيب، والسقوط المهني المروع، والحديث الكاذب عما يجري في الاجتماعات السرية العالمية والمحلية صار عند أتباع المخلوع جريمة وعيبا بعد أن أدمنوه زمنا، وتقلبوا ظهرا لبطن فيه. وتذكر سرطان البركاني أبو ألف مليون لعنة كل هذه القيم فجأة، وشن حملة شتائم على صحيفة حزبه زميله وخدينه ورفيق نضاله لمجرد أنها كذبت على الزعيييم! كل هذا الورع الكاذب يا سرطاناه من خبر واحد؟ معلهش: ذوقوا ما كنتم تفترون!
[6] الذين كانوا ينتظرون (سيسي يمني) فشلوا مجددا، ووجدوا أمامهم (سيسي) من نوع آخر لم يكونوا يتوقعونه. ولعلهم بعد ما حدث قالوا لبعضهم بعضا: جالك السيسي يا تارك الصلاة!