ليس المخيف فيما نراه اليوم من زحف الحوثيين أو القاعدة لابتلاع اليمن، أو هذه الحرب الشرسة بينهم.. أو عودة ظهور نظام علي صالح من جديد.. هذه مشاريع معلنة بشكل أو بآخر، ولم تكن تخفي أهدافها، والذين لم يصدقوا التحذيرات آمنوا بها اليوم، واستحقوا لقب: الطلقاء بجدارة يحسدون عليها. المخيف الحقيقي والمرعب الأصلي هو موقف رئيس الجمهورية؛ أي المشير/ عبد ربه منصور هادي؛ الذي بدا خلال العام الماضي تحديدا أبعد ما يكون عن معنى المنصب الذي تبوأه (ربما باستثناء مبادرته بالذهاب إلى مقر العرضي بعيد الهجوم عليه، والذهاب إلى موفنبيك بعيد اغتيال د. أحمد شرف الدين)!
الحق أقول لكم؛ إن اليمن: أرضا وشعبا لا يستحق من هادي كل هذه الطعنات التي يوجهها للناس وأمنهم وحاضرهم ومستقبلهم.. فهم لم يقصروا أبدا معه منذ اختاروه رئيسا للجمهورية رغم أنهم يعلمون أن ما حدث لم يكن انتخابات حقيقية، وأنها مجرد وسيلة لحفظ ماء الوجه للرئيس السابق، وأنه سيفوز ولو لم يحضر أحد.. لكنهم خرجوا بالملايين وشاركوا في التصويت؛ لأنهم صدقوا أنه بالفعل سيكون قائدا لمسيرة البلاد حتى إخراجها إلى بر الأمان والاستقرار!
[2]
على وجه الخصوص؛ لا يستحق هذا الجزء من الوطن المسمى (الشمال) كل هذا القدر من اللا مسؤولية، والعبث، والتآمر الذي يجري في وجود هادي رئيسا للجمهورية أو صمته أو رضاه.. وفي قلب صنعاء.. ووزير دفاعه الأثير عنده يتجول في المحافظات مبشرا باستمرار المسير نحو (الإمام) بينما الوطن يتمزق ويتناثر أمام عينيه! قد نتفهم دواعي علي صالح، والحوثيين، والقاعدة، والحراكيين ليفعلوا باليمن كل هذا الذي يفعلونه.. لكن ما الذي فعلناه مع هادي حتى يصنع بنا كل هذا، ويرضى للبلاد أن تنهار أمامه بهذا الشكل المخجل لأي مسؤول؟
أراد التمديد لرئاسته فمددوا له كما يريد! حكم البلاد كما يريد.. وعيّن من يريد.. والناس صابرون وساكتون على أخطائه من باب: إنها فترة انتقالية ستمر.. وفي أسوأ الأحوال انتقدوه من باب النصح والرغبة في إصلاح الأخطاء مقدرين حساسية الظروف وتعقيداتها!
لا أحد من ملايين البسطاء (في الشمال) يستحق من هادي كل هذا الإهمال والنكران والجحود؛ والأسوأ كل هذا التحالف المعلن والمسكوت عنه مع الذين رفضوا انتخابه (أقصد: الحراك والحوثيين) الذين يعيشون اليوم أزهى عهودهم.. ويحضرني الآن ذلك الشاب العامل في محل بنشري في حارتنا ؛وهو من منطقة كوكبان؛ الذي كان سألني قبيل أيام من الانتخابات الرئاسية المبكرة بحماس عن كيف يمكن له أن يشارك وبطاقته الانتخابية في البلاد.. وكان ذلك بداية لحوار سريع معه أردت فيه معرفة كيف يفكر، وكانت المفاجأة أنه رد على توضيح لي حول أن هادي سيكون رئيسا لمدة سنتين فقط ثم يتم انتخاب رئيس جديد.. فاجأني بالقول: ولماذا لا نعيد انتخابه إن أثبت أنه جيد وممتاز! لم يفكر بأنه شمالي أو جنوبي بقدر ما فكر أو ظن بأنه سيكون بداية الانفراج لكل اليمن!
هذا الشاب وملايين غيره لا يستحقون من هادي كل هذا الغياب والصمت الفالصو (لكيلا يقال بأن السكوت من ذهب) تجاه ما يحدث في البلاد؛ باستثناء إرسال برقيات التعازي والتهاني فيما يبدو أنه تدريب مكثف لإرسال التعزية الأخيرة بدمار الشعب والوطن، والتهنئة الكريمة بانتصار الثورة المضادة!.. على الأقل فليتذكر التوجيه النبوي: إن قتلتم فأحسنوا القتلة.. وإن ذبحتم فاحسنوا الذبحة!
من هنا كانت البداية! إن شئنا العودة لبداية ظهور ملامح الخطر والانحراف في ذهنية هادي كرئيس للجمهورية؛ فيمكن أن نؤرخ لذلك في البرقية الغريبة التي أرسلها لتهنئة عدلي منصور رئيس مصر الذي جاء به الانقلابيون العسكر الذين أجهضوا ثورة المصريين والمسار الديمقراطي الأكثر أمنا من الحرب الأهلية، ويومها علقت على البرقية في أول مقال قائلا:
[النبيه الآن من أعداء الإسلاميين بالوراثة من سيفهم أن الانقلاب المصري يسلب كل ثورات الربيع شرعيتها، وأولها الثورة الشعبية في اليمن ضد المخلوع علي صالح.. والمؤسف أن برقية التهنئة اليمنية باسم رئيس الجمهورية (إن صحت) جاوزت في التأييد حتى أكثر المسؤولين العرب والغربيين الذين مولوا ودعموا مخطط الانقلاب على إرادة المصريين التي تجسدت في الانتخابات الرئاسية! كدت أقول إن من حق هادي أن يهنىء لكنني تذكرت أنه جاء إلى الرئاسة ثمرة لثورة وخلفا لعدو هذه الثورة وحليف مبارك وأصحاب الانقلاب على مرسي.. وأعلم الحثيثات الإقليمية والمخاوف على مصالح المغتربين التي تدفعه للتهنئة.. لكنه لم يكن مضطرا لكل تلك التهويلات والزعم بأنه يهنيء نيابة عن الشعب اليمني بنجاح انقلاب على شرعية دستورية صحيحة.. فهو بتلك التهنئة فتح على نفسه أبواب الانقلاب من صالح، ولو نجح مخطط المخلوع صالح كما نجح مخطط مبارك فلن يجد طفلا يمنيا يدافع عن شرعيته أو يندد بعودة المخلوع بدلا منه! ونظن أنه هادي لو كلف عبد الجندي بكتابة البرقية لكان أذكى من أن يقول كل تلك المعاني.].
المؤشر الثاني؛ كان في دعممته عما حدث لمناصريه الذين احتفلوا في بعض محافظاتجنوب الوطن بالذكرى الأولى لانتخابه؛ فقد بدا كأنه بان كي مون عندما يتصانج تجاه مذابح الفلسطينيين بانتظار توجيه من واشنطن! ولم يتطوع حتى بتصريح واحد يعبر فيه عن امتنانه لهم واستنكاره لما يحدث لهم من عمليات القمع والحرق والقتل التي واجهوها على أيدي الحراكيين!
كانت هناك مؤشرات أخرى غير مسلحة؛ مثل طريقة تشكيل هيئة مكافحة الفساد التي أثارت لغطا كبيرا، ومثلها عدد آخر من التعيينات التي تضمنت أشخاصا دون مستوى الشبهات.. وأكثرها دلالة تفرد في إدارة البلاد بعيدا عن روح المبادرة الخليجية التي جعلت ذلك بصورة جماعية ولو في حدها الأدنى بالتشاور بين رئيس الجمهورية والحكومة! ثم كانت قاصمة الظهر في تفرده بقرار إلغاء المشتقات النفطية، والسكوت عن تحمل مسؤولية ذلك والتفرج على تداعياتها من تحميل الحكومة مسؤولية قراره وصولا إلى سكوته على اعتصامات الحوثيين والمؤتمريين دون اتخاذ قرار إما بإلغاء الجرعة نهائيا.. أو بالدفاع عنها!
بقية المؤشرات كانت عسكرية؛ وهي صارت أكثر وضوحا بدءا من ترك المؤسسات العسكرية والأمنية فعليا دون تغيير حقيقي، ثم أحداث دماج وحاشد وعمران، أما ما بعدها فقد صار مجرد تحصيل حاصل! فقد تخلى هادي رسميا عن دوره رئيسا للبلاد، ورضي بدور بان كي مون.. ورضي بأداء دور شرطي المرور الشهير في صنعاء؛ عندما يحدث صدام بين سيارتين فيهرع إلى موقع الحادث ليحكم بينهم بوصفه رجلا محايدا! بين هذا وذاك يمكن ملاحظة كيف أطاح بالقادة العسكريين المحسوبين على ثورة الشباب بحجج التقصير في مواجهة القاعدة أو على هامش أحداث عمران.. واستبدلهم بمن هو الأكثر فشلا وخيانة للأمانة ممن أضاعوا البلاد كلها وسلموا جيشها وأمنها لقمة سائغة! العقل.. الإستراتيجي!
-الأستاذ/ محمد غالب عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي وصف يوما الرئيس هادي – ورأيته وهو يتكلم في التلفاز وإن كنت لا أذكر المناسبة – بأنه أكبر.. عقل إستراتيجي (لا أتذكر.. هل قال في اليمن أو الجزيرة العربية أو العالم..!).. ولأن الإستراتيجية شيء مهيب وخطير وأكبر مما جرى حتى الآن في اليمن؛ فلا نملك إلا أن نقول: اللهم أجرنا من هيك إستراتيجية وعقل إستراتيجي، واجعلهما حوالينا لا علينا!
-كلما رأيت محمود عباس ومواقفه تجاه ما يحدث لشعبه تذكرت هادي.. والعكس كذلك! ما كو.. أوامر!
- من حق الجيش والأمن أن يقاتل القاعدة ويرفض التعاون معها، وفي المقابل يتعاون مع الحوثيين.. فالحوثيون ؛باعتراف ناطقهم الرسمي؛ يحصلون على هذا الشرف الرفيع بالتنسيق مع الجهات العليا والأدنى في الدولة.. والقاعدة يكرضوا دون تنسيق ولا أوامر ولو من وزير الدفاع، وحتى لو رفض فحاججوه أو ذكروه بأنه محايد!.. هل يعجزون مثلا عن تقديم طلب له بهذا الشأن فيرد عليهم:
[ الأخوة المحافظين وقادة الألوية والمعسكرات والأجهزة الأمنية: حياكم الله.. لا مانع من معاملة القاعدة مثل الحوثيين وعدم التعرض لهم والسماح لهم بدخول ما تيسر لهم من المدن والمعسكرات وأخذ ما فيها أسوة بالآخرين وحسب النظام والقانون!]..
ملاحظة إعلامية!
- حماس وسائل إعلام الرئيس السابق يكشف حقيقة تحالفهم مع الحوثيين.. ولاحظوا فقط متى يستخدمون بعض المصطلحات: فمثلا إن انتصر الحوثيين قالوا: اللجان الشعبية تسيطر.. وإن انهزموا قالوا: مواجهات بين الحوثيين والإصلاحيين!