اغتيال الدكتور المتوكل ليس حدث استثنائي في الساحة السياسية اليمنية التي طالما شهدت عمليات اغتيال لسياسيين وقيادات عسكرية، هذه الاغتيالات إما تكون فردية أو موجة اغتيالات تستهدف فصيل سياسي ما أو مجرد عملية اغتيال لشخصية محددة وفردية. اكبر موجة اغتيالات شهدتها اليمن هي تلك التي طالت الحزب الإشتراكي اثناء الأزمة التي لحقت الوحدة عام 1990م وبدأت منذ عام 91 واستمرت حتى 93م وطالت اكثر من مئة كادر حزبي نشط معظمهم من محافظات شمالية، وكانت احد ابرز تجليات هذه الأزمة وسبب اساسي لانعدام الثقة بين طرفي الوحدة وانفجار الحرب الأهلية عام 94م.
ابرز عمليات الاغتيال الفردية كانت عملية اغتيال جار الله عمر الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي في ديسمبر 2002م ومهندس تحالف احزاب اللقاء المشترك التي كانت فكرته، وتمت العملية اثناء القائه خطبة في المؤتمر العام لحزب الإصلاح حيث تم انتقاء التوقيت والمكان بعناية لنسف فكرة احزاب اللقاء المشترك في مهدها.
فهل تقع عملية اغتيال الدكتور المتوكل كعملية فردية بحكم الطبيعة المعتدلة للرجل والتي تقربه من جميع اطياف الحياة السياسية اليمنية رغم خفوت نشاطه بعد حادثة الموتورسيكل الشهيرة التي اصابته في ديسمبر 2011م. أم عملية اغتيال ضمن موجة اغتيالات طالت الكوادر السياسية الزيدية المعتدلة بعد اغتيال الشخصية السياسية الزيدية الدكتور عبدالكريم جدبان في نوفمبر 2013م ثم الدكتور أحمد شرف الدين ممثل انصار الله في مؤتمر الحوار في يناير عام 2014م.
يجمع الثلاث عميات اغتيال المتوكل وقبله شرف الدين وجدبان إنهم شخصيات سياسية زيدية معتدلة لكن يختلف الدكتور المتوكل عنهما إنه لا يمكن وصفه كأحد مناصري أو اعضاء جماعة الحوثي، أو شخصية تمثل المذهب الزيدي. فالدكتور المتوكل يصعب تصنيفه سياسياً ويمكن تقريبياً ومن خلال التعريف العام للحزب الذي أسسه حزب اتحاد القوى الشعبية يمكن اعتباره شخصية تتبني قيم منفتحة وديمقراطية بمرجعية زيدية، حيث كان يحاول تفسير النصوص الدينية الاسلامية بشكل يتناسب مع قيم الديمقراطية وحقوق الانسان.
والأهم انه كان مقرب من جميع التيارات السياسية واشد ما يميزه حضوره الشخصي الودود والمتواضع، كان المتوكل في الأزمة الأخيرة مناصر للحوثي برر له الكثير من الأفعال وانتقد بعضها.
عملية اغتيال المتوكل تطرح السؤال البديهي الذي يلحق كل عملية اغتيال، من القاتل؟ في كل مرة تمر حوادث الاغتيال دون تحقيقات باليمن لكن بمرور الوقت يرجح فاعل سياسي ما له مصلحة وراء هذا الاغتيال. هذه المرة يبدو الوضع اكثر فوضوية واصعب بالجزم من صاحب المصلحة بهكذا عمليات تطال الشخصيات السياسية المعتدلة باليمن، فمن هو صاحب مصلحة تفريغ جماعة الحوثي من أي وجوه معتدلة ومن هو صاحب مصلحة إخلاء الساحة السياسية اليمنية من أي زيدي معتدل؟
عملية اغتيال المتوكل فرصة لفتح ملف حساس يتعلق بمشكلة المرجعية السياسية والدينية لحركة الإسلام السياسي الزيدي والتي تصدرها الحوثي مؤخراً وبرزت كما هو معروف كقوة مسلحة تحتكر كلياً تمثيل المذهب الزيدي فيما تفترضه من تعدي على المناطق الزيدية من خلال نشر السلفية فيها، حيث قام السلفيون ببعض الممارسات المستفزة في تلك المناطق للزيود مثل منعهم من رفع آذانهم بجملته التميزية "حي على خير العمل" أو زيارة قبور بعض الائمة الزيدية المعروفين، وانتشار المعاهد العلمية التي كان يشرف عليها الإخوان المسلمون.
كرد فعل بدأ الزيود في تأسيس ما يشبه مخيم صيفي يدعى منتدى الشباب المؤمن لتدريس اصول المذهب الزيدي بشكل مبسط هذا كان عام 1992، توسعت هذه المعاهد والمنتديات حتى وصلت ذروتها قبل حرب صعده عام 2004 واغلقت تلك المعاهد نهائياً. من اللافت إن الحوثي لم يعيد فتح تلك المعاهد في مدينة صعده بل وضيق على بعض تلامذتها وبعض المراجع الزيدية التقليدية.
كانت مناهج تلك المعاهد تصدر بترخيص من والد حسين وعبدالملك الحوثي العلامة الزيدي بدر الدين الحوثي ومن ثم تأسست الحركة الحوثية من خلال قيام ابنه حسين الحوثي – قتل عام 2004 في الحرب- بترديد شعار الصرخة المستلهم من شعارات الثورة الإيرانية "الموت لأمريكا.." وبسببها قامت حرب صعده، جدير بالذكر إنه شب خلاف حاد بين اسرة الحوثي واحد مؤسسي الحركة محمد سالم عزان الذي كان يمثل المنهج المعتدل ولم يكن ميال لشعار الصرخة أوتلك التأثيرات الدخيلة.
بسبب شعار الصرخة وسفر بعض الزيود للدراسة في إيران من ضمنهم مؤسسي المنتديات مثل حسين الحوثي ومحمد عزان، دأب خصوم الحركة في تصويرها حركة ليست زيدية بل اثنا عشرية في محاولة لتصويرها حركة غريبة ودخيلة على اليمنيين.
في الواقع الحوثية لا تؤمن بأبرز افكار الاثنا عشرية مثل الغيبة والعصمة والخ، لكنها استعارت من الاثناعشرية بعض المظاهر الاحتفالية الغريبة على اليمنيين مثل الضريح الفخم الذي تم تشييده لحسين الحوثي أو احياء كربلاء بلطم الخدود أو غيرها من أمور غير معروفة في المذهب الزيدي. في الواقع هذا له علاقة بطبيعة الجماعة التي نشأت كرد فعل ضد الوهابية التي فرضت نفسها كمحتكر للإسلام يرفض التنوع المذهبي وبالتالي جاءت عملية احياء المذهب الزيدي – كما يتصور- في محاولة لتأكيد طابعها الشيعي المتمايز.
جدير بالذكر إن الكثير من المرجعيات الزيدية التقليدية اثناء حروب صعده اتهمت الحوثية إنهم اثناعشرية وليسوا زيود، لكن سرعان ما تغير موقفهم بعد عام 2011م وسقوط صالح وأقروا بزيدية الحوثي. هذا موقف واضح إن له علاقة بمحاباة القوة، لكنه يعكس حقيقة مهمة وهي صعوبة تعريف الطبيعة الدينية لجماعة الحوثي.
فهل يمكن افتراض الحوثي جماعة زيدية إحيائية وامتداد لمنتدى الشباب المؤمن كما يفترض البعض. في الواقع تلاميذ المنتدى ليس لهم حضور قيادي بالحركة. وكونها حركة احيائية يفترض منهجية فكرية وفقهية للجماعة وهذا غير موجود حيث تعتمد الجماعة في تجنيد انصارها على ملازم خطب حسين الحوثي مؤسسها وهي خطب سياسية تستعير الجملة الدينية لكن بدون بعد فقهي أو فكري بل بطريقة عاطفية فيها قدر من السطحية معتمدة على افكار مثل معاداة أمريكا والغرب والسعودية وحب آل البيت والمظلومية، وهي ملازم اكثر سطحية وبساطة من رسائل التوحيد للإمام محمد عبدالوهاب الذي صار مرجعية الإسلام السلفي.
أي إن حركة الحوثي لا توجد لها كتب ومرجعيات فكرية ولا يمكن معرفة لأي تيار زيدي تنتمي مثل تيار الهادوية أو الجارودية أو الصالحية، لكن الأهم إن قائد حركة الحوثي ينقض ابسط مبادئ الزيدية في الإمامة. الزيدية تؤمن بفكرة الخروج على الحاكم الظالم والتمرد المسلح لكن بشرط وجود إمام تتوفر فيه شروط الإمامة وابرزها أن يكون عالم بأمور الدين، حسب المنطق الزيدي عبدالملك الحوثي لم يعلن نفسه إمام وهو ببساطة يفتقد جميع شروط الإمامة وابرزها العلم ويتضح هذا من خلال لغته العربية البسيطة والتي تكشف بساطة معارفه. أي إن ما تفعله جماعة الحوثي هو مخالفة صريحة للمذهب الزيدي.
الحركة الحوثية كمعظم حركات الإسلام السياسي العنيفة تتعامل مع الدين بإنتقائية وكمحاولة لشرعنة عنفها بقدر لا يخلو من تسطيح معتمدين على استدرار عواطف الناس وخلق حالة خوف من خصوم واعداء خطيرين مثل امريكا أو القاعدة في حالة الحوثي، لكنها تخلو كالعادة من أي مرجعية دينية تقليدية، وكذلك من أي مرجعية سياسية تحاول الإجابة عن تساؤلات عصرية متعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان كما كان الدكتور المتوكل. هذا يطرح تساؤل مشروع لأين تذهب هذه الحركة خاصة إن الشخصيات المعتدلة التي قد تشكل جسر بينها وبين الآخرين تتساقط واحد تلو الآخر وتخلو الساحة من كل الشخصيات التي كان بإمكانها فرملة جموح وعنف جماعة الحوثي.