قرابة ثلاثة أسابيع ثقيلة مرت على اختفاء الشاب عبد الرحمن أحمد الصرمي، بعد أن اقتحم مسلحون حوثيون منزله في أعقاب اجتياح الجماعة المسلحة العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر الماضي، وبدأت بتصفية خصومها. ومنذ أيام قليلة فقط، ربّما يكون شقيق عبد الرحمن الأصغر "أيمن" قد اختفى هو الآخر، حيث لم يعد إلى منزله منذ ثلاثة أيام تقريباً.
عبد الرحمن الصرمي رجل أعمال شاب في نهاية عقده الرابع (38 عاماً) بدأ تجارته في سن مبكرة وامتلك شركات متنوعة في اليمن، إلا أن مشكلته الرئيسية مؤخراً ربّما لكونه امتلك شركة بث وإرسال يتعامل بها مع القنوات الفضائية المحلية. وبدأ عمله الأخير هذا بعد أيام من مذبحة جمعة الكرامة 18 مارس 2011، عقب مصادرة أجهزة البث التابعة لقناة الجزيرة.
كان عبد الرحمن أحد شباب ثورة 11 فبراير، لذلك فكّر بشراء وتوريد أجهزة بث لتعويض النقص الذي صاحب مصادرة أجهزة البث من السلطات اليمنية. ومن ساحة التغيير بدأ بتأجير أجهزته لقنوات الجزيرة وسهيل ويمن شباب وغيرها من القنوات التي كانت بحاجة ماسة لخدماته تلك. بعدها واصل – وحتى الأحداث الأخيرة - العمل بشكل خاص مع قناتي "سهيل" و"يمن شباب".
مؤخراً، ومنذ شهر يونيو الفائت، اشترى عبد الرحمن شقتين ضمن مشروع (أبراج الجزيرة) في شارع الخمسين، عصر - شملان، التابع لبنك سبأ.
وقع عقد الشراء في يونيو الماضي، سلم الدفعة المقدمة 30% من المبلغ، وبدأ بدفع الأربعة الأقساط للأشهر الأربعة التالية. وإلى جانبهما كانت هناك شقتان أيضاً في العمارة نفسها، يمتلكهما خال عبد الرحمن ودفعت قيمتهما بالكامل، وتقعان تحت تصرفه وأخيه المهندس "أيمن".
في 21 سبتمبر الماضي، اجتاحت مليشيا الحوثي العاصمة صنعاء وسيطرت عليها. بعدها بثلاثة أيام، في 24 سبتمبر، توجّه مسلحون حوثيون الساعة التاسعة مساءً إلى شقتي عبد الرحمن الصرمي وأخيه الأصغر "أيمن"، وهو مهندس ستالايت، امتلك هو الآخر شقة في العمارة ذاتها، اطلقوا الرصاص على باب العمارة بهدف فتحه، صعدوا إلى شقة عبد الرحمن مباشرة وبدأوا بطرق بابها بقوة، أفزعت زوجته وأطفاله الثلاثة. لم يكن رجل البيت موجوداً حينها، إذ كان في مهمة عمل في تعز. اقتحموا الشقة بالقوة وبدأوا التفتيش والعبث بمحتوياتها.
"حطموا الباب واقتحم المسلحون المنزل، ونهبوا الذهب والمجوهرات، والمقتنيات وعبثوا بكافة المحتويات"، يقول أحمد محمد الصرمي، والد عبد الرحمن وشقيقه أيمن ل"المصدر"، مضيفاً: "وهدد أحد المسلحين بتصفية عبد الرحمن جسدياً".
تلقى عبد الرحمن تهديداً واضحاً بالتصفية الجسدية؛ لذلك ظل فترة في تعز خائفاً من العودة إلى صنعاء. بعد الحادثة تركت الأسرة الشقة وانتقلت إلى مكان آخر، وإثر ذلك توقف الأولاد عن الدراسة.
لكن مليشيا الحوثي لم تترك الأمر على هذا النحو وتكتفي بما حصل، ففي 18 أكتوبر تقريباً أُبلغ عبد الرحمن أنهم عادوا مرّة أخرى واقتحموا العمارة مجددا وفرضوا سيطرتهم عليها وعمارة أخرى مجاورة لها.
يبلغ مجموع الشقق في العمارتين 60 شقة، جميعها باتت تحت سيطرة وتصرّف المسلحين الحوثيين بعد أن خرج جميع مُلاكها منها، ووضع المسلحون أقفالهم الخاصة عليهما ومنعوا البيع والشراء.
وبالخط الأحمر العريض كتبوا عليهما من الخارج: "يمنع البيع والشراء في الشقق في العمارتين.. محجوز من قبل أنصار الله"، قبل أن يستبدلوا – لاحقاً – هذه الأخيرة "أنصار الله" بعبارة "اللجان الشعبية"..؟! وظلوا متمترسين هناك حتى اليوم.
وبحسب والد عبد الرحمن، فاللجان الشعبية التابعة للحوثي "ألمحوا إليّ أنهم يريدون دفع بقية أقساط الشقق إليهم"، تحت مبرر أنهم يتهمون بنك سبأ "بالتلاعب.. وربّما تزوير عقود البيع والشراء"..!
ويسند هذا التوجّه وثيقة نُشرت مؤخراً، موجهة باسم "اللجنة الاقتصادية" التابعة لما يسمى "اللجان الثورية" التابعة لأنصار الله (الحوثيين)، إلى إدارة بنك سبأ، تطلب منها حجز وتحويل ممتلكات واسهم كلٍ من الشيخ حميد الأحمر واللواء علي محسن الأحمر إلى اللجان الشعبية..!!
غير أن السرعة التي تم فيها اقتحام شقق رجل الأعمال عبد الرحمن الصرمي والتركيز عليه بشكل خاص، مع التهديد بتصفيته جسدياً، توحي بأن الجماعة من المرجّح أنها حصلت على معلومات من الأجهزة الأمنية الإستخباراتية، التي كانت تلاحقه في السابق بسبب علاقته بأجهزة البث والإرسال التي اعتمدت عليها قناة "سُهيل" بشكل خاص؛ الأمر الذي يؤكد وجود علاقة قوية بين الأجهزة الاستخباراتية وما تقوم به المليشيات الحوثية من استهدافات محددة بدقة للمؤسسات والأشخاص المشتركين بخصومة مع الطرفين..!!
وخلال تلك الفترة، وحتى وقت قريب، ظل والد عبد الرحمن وشقيقه أيمن يراجعان قسم الشرطة القريب من المنطقة في عصر لدى العقيد نبيل ملقاط، كما تقدما ببلاغ رسمي إلى النائب العام مرفوع باسم رئيس "المركز اليمني لدراسة وتحليل الأزمات" الذي يعتبر عبد الرحمن عضو مجلس إدارته.
وفي أثناء ذلك أيضاً، ظلا يترددان بشكل شبه متكرر لدى "أبو يونس" المسؤول الأول عن مكتب أنصار الله (الحوثيين) الواقع في حي الآنسي بحي عصر. وكانا يحصلان على وعود متواصلة بحل المشكلة (قريباً)، لكن دون نتيجة.
"بعد فترة، وحين شعر عبد الرحمن أن الأمور هدأت قليلاً، عاد إلى صنعاء واستمر معنا يحاول استعادة المنهوبات والشقق لكن دون فائدة.."، يقول والده. مضيفاً بحسرة: "ومنذ فترة قليلة، ثلاثة أسابيع تقريباً، اختفى دون أثر، ولا ندري ما الذي جرى له".
ويراود الصرمي الأب خوفاً من أن يكون قد جرى لولده شيء لا يحمد عقباه "خاصة مع تهديدهم لعبد الرحمن بالتصفية الجسدية". يقول، وبعد ثوانٍ يستدرك بخوف: "نريد أن نعرف ما مصير ولدنا، هل هو حي أم ميت".
وأضاف: "نطالب السلطات الحكومية، وجماعة الحوثيين باعتبارهم المسيطرين على العاصمة أن يكشفوا عن مصيره ويطلقوا سراحه".
منذ مطلع الأسبوع الجاري و"المصدر" تتواصل مع والد عبد الرحمن وأقاربه للحصول على المزيد من المعلومات، لكن وقبل يومين اتصل الوالد أحمد محمد الصرمي بالصحيفة ليؤكد أن نجله الآخر "أيمن" ربّما يكون قد اختفى هو الآخر، فلم يعد يحضر إلى المنزل أو يتواصل مع أسرته..!".