مثلت تجربة اللقاء المشترك إضافة سياسية مهمة للتجربة اليمنية في مجال التعددية والقبول بالآخر، وأسهمت إلى حد كبير في تقارب التيارات السياسية والفكرية الرئيسية في البلد، وأنجزت ملفات مهمة وأخفقت في أخرى. وكانت ثورة 11 فبراير 2011 محطة مهمة في مسيرة عمل اللقاء المشترك، رغم أنه التحق بها، ولم يكن السبّاق في التنظيم وتبني مظاهرات 15 يناير وحتى 11 فبراير وما تلاها، وكان شباب المشترك هم غالبية شباب 11 فبراير، تمردوا على أحزابهم وسبقوا قياداتها بخطوات جريئة في الثورة على نظام علي عبدالله صالح.
استطاع اللقاء المشترك في 2011 أن يقدم نفسه كواجهة سياسية لثورة فبراير، وكانت بعض أطروحاته متماسكة ومقنعة لنسبة كبيرة من شباب فبراير، والنتيجة "مبادرة خليجية منحت الحصانة للرئيس السابق، ومرحلة انتقالية وحكومة وفاق"!
كان المشترك في القلب من تلك المعادلة، إلا أن الحسابات المتباينة لأحزابه أفضت إلى فشل كبير اشترك الجميع في صناعته، وكأن المشترك لم يصنع شيئا في الثلاث السنوات الماضية سوى تمهيد الأرض وتسويتها لمجاميع الحوثي المسلحة!
عندما قدمت المبادرة الخليجية غطاء الحصانة القانونية للرئيس صالح، كان المشترك يحاجج بأن هذا هو المتاح الوحيد للخروج من المأزق، فماذا يمكن أن يقول المشترك اليوم وهو يسعي لتقديم غطاء الشرعية لجماعة الحوثي التي قلبت الطاولة في وجه الجميع!
وجاءت جهود المشترك في اليومين الأخيرين للتواصل مع جماعة الحوثي في توقيت يمثل محرقة سياسية لكيان وطني كبير، خاصة إن استمر في مهمة غريبة ظاهرها الحفاظ على كيان الدولة، وجوهرها منح الحوثي الشرعية لاستكمال ابتلاع الدولة.
ومالم تتدارك أحزاب المشترك موقفها الأخير بالانحياز إلى مبادئها السياسية أولا، والاقتراب من توجهات قواعدها الشعبية، فإن مصداقية قيادتها ستهتز، ولن يكون بالإمكان ترميمها لأن عامل الوقت ليس في صالحها.
في مواجهة جماعة مسلحة تسعى بوضوح لابتلاع الدولة ضمن تحالفات وصفقات إقليمية ودولية، لا يمكن للقوى الوطنية التعويل فقط على الحوار كسلاح وحيد للحفاظ على الدولة، وإنما لا بد من الاستفادة من دروس السنوات الثلاث الماضية، وابتكار صيغة مركبة لمقاومة تغول الجماعات المسلحة، هذه الصيغة لا تستبعد الحوار، لكنها تجعله خيارا واحدا ضمن خيارات متعددة.
عندما نزلت قيادات المشترك إلى ساحة التغيير في 2011 كان الترحيب هو الغالب لدى شباب فبراير، إدراكا منهم للدور الوطني المبكر للمشترك في عملية التغيير، أما اليوم فإن الصورة بالتأكيد ستختلف، وربما لن يكون بمقدور "كهول المشترك" حتى الالتحاق بانتفاضة الشباب التي بدأت ملامحها في كل مكان.