احباط تهريب 213 شخصًا من اليمن ومداهمة أوكار المهربين.. ومفاجأة بشأن هوياتهم    بصعوبة إتحاد النويدرة يتغلب على نجوم القرن و يتأهل إلى نصف النهائي    دورة الانعاش القلبي الأساسي للطاقم الطبي والتمريضي بمديرية شبام تقيمها مؤسسة دار الشفاء الطبية    الدوري الايطالي ... سقوط كالياري امام فيورنتينا    الروس يذّكرون علي ناصر محمد بجرائم 13 يناير 1986م    الشراكة مع الشرعية هرولت بالإنتقالي لتحمل جزء من فاتورة الفساد!!    محاولات التركيع وافتعال حرب الخدمات "يجب أن تتوقف"    المهندس "حامد مجور"أبرز كفاءات الجنوب العربي تبحث عنه أرقى جامعات العالم    تصحيح التراث الشرعي (32) أين الأشهر الحرم!!؟    السعودية تقدم المزيد من الترضيات للحوثي    رونالدو يفاجئ جماهير النصر السعودي بخطوة غير مسبوقة والجميع ينتظر اللحظة التاريخية    إعلان سعودي رسمي للحجاج اليمنيين القادمين عبر منفذ الوديعة    المشروع السعودي "مسام": 84 مدرسة في تعزز تضررت من الألغام الحوثية    نجل القاضي قطران: والدي معتقل وارضنا تتعرض للاعتداء    احتجاز نجم نادي التلال العدني وثلاثة صيادين في معاشيق: نداء عاجل لإطلاق سراح أبناء صيرة المقاومين    هل لا زالت تصرفات فردية؟.. عبدالملك الحوثي يبرر اعتقال الناشطين وتكميم الأفواه ويحذر: مواقع التواصل عالم مفخخ وملغوم    الحوثيون يسرقون براءة الأطفال: من أيتام إلى مقاتلين    شاهد: "المشاط يزعم أن اليمن خالٍ من طبقة الأوزون والاحتباس الحراري ويثير سخرية واسعة    منارة أمل: إنجازات تضيء سماء الساحل الغربي بقيادة طارق صالح.    مأساة في عدن: فتاة تنهي حياتها قفزًا بعد تراجع معدلاتها الدراسية    "دموع العروس تروي حكاية ظلم": ضابط حوثي يقتل شاباً قبل زفافه!    ذئب مفترس يهجم على شبان سعوديين داخل استراحة.. وهكذا تمكنوا من هزيمته "فيديو"    العطس... فُرصة للتخلص من السموم... واحذروا كتمه!    بنك اليمن الدولي يرد على شائعات افلاسه ويبرر وقف السحب بالتنسيق مع المركزي .. مالذي يحصل في صنعاء..؟    بنك مركزي يوقف اكثر من 7شركات صرافة اقرا لماذا؟    الحكومة تطالب دول العالم أن تحذو حذو أستراليا بإدراج الحوثيين على قائمة الإرهاب    الهلال الأحمر اليمني يُساهم في توفير المياه الصالحة للشرب لمنطقة عبر لسلوم بتبن بدعم من اللجنة الدولية ICRC    - بالصور لقاء حماس وحزب الله وانصارالله في ايران كمحور مقاومة فمن يمثلهم وماذا دار؟    إقالة تشافي والتعاقد مع فليك.. كواليس غضب لابورتا من قائد برشلونة السابق    مصادر: مليشيات الحوثي تتلاعب بنتائج طلاب جامعة إب وتمنح الدرجات العالية للعناصر التابعة لها    "القسام" تواصل عملياتها برفح وجباليا وجيش الاحتلال يعترف بخسائر جديدة    بسبب مطالبته بدفع الأجرة.. قيادي حوثي يقتل سائق "باص" بدم بارد في ذمار    سنتكوم تعلن تدمير أربع مسيّرات في مناطق سيطرة الحوثيين مميز    نايف البكري يدشن صرف البطاقة الشخصية الذكية لموظفي وزارة الشباب والرياضة    المحكمة حسمت أمرها.. حكم بتنفيذ عقوبة ''القذف'' ضد فنانة مصرية شهيرة    ماذا قال السامعي و الكبوس والكميم ووزير الشباب    رسميا.. برشلونة يتواجد بالتصنيف الأول في قرعة دوري أبطال أوروبا    ليفاندوفسكي يفشل في إنعاش خزائن بايرن ميونيخ    وزير الأوقاف يحذر ميليشيا الحوثي الارهابية من تسييس الحج والسطو على أموال الحجاج    الحوثيون يقيلوا موظفي المنافذ ويجرونهم للسجون بعد رفضهم السماح بدخول المبيدات المحظورة    الهلال يُشارك جمهوره فرحة التتويج بلقب الدوري في احتفالية استثنائية!    سموم الحوثيين تقتل براءة الطفولة: 200 طفل ضحايا تشوه خلقي    شاب سعودي طلب من عامل يمني تقليد محمد عبده وكاظم.. وحينما سمع صوته وأداءه كانت الصدمة! (فيديو)    تغاريد حرة .. الفساد لا يمزح    للوحدويين.. صنعاء صارت كهنوتية    ورحل نجم آخر من أسرة شيخنا العمراني    مفاتيح الجنان: أسرار استجابة الدعاء من هدي النبي الكريم    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    إحصائية حكومية: 12 حالة وفاة ونحو 1000 إصابة بالكوليرا في تعز خلال أشهر    أين نصيب عدن من 48 مليار دولار قيمة انتاج الملح في العالم    وهم القوة وسراب البقاء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مواد كيميائية تفتك بعمال جامعة صنعاء
نشر في المصدر يوم 17 - 02 - 2015

لم يجنِ أحمد فضائل من عمله في "معمل المواد" بكلية الهندسة/ جامعة صنعاء سوى أكواماً من التقارير والملفات الطبية والأدوية وصور أشعة، تؤشر إلى اصابته بورم في البلعوم الأنفي بسبب تعامله لأكثر من خمس سنوات مع مادة الكبريت الخطرة.

بجسده النحيل، يتنقل الرجل الخمسيني وحيدا بين مستشفى وآخر. ينتظر ساعات عديدة لإجراء جلسات "الكيماوي" وصور الأشعة.

وفي منزله المتواضع بمنطقة مذبح بصنعاء، يمضي فضائل ما تبقى من حياته على سريره بعد أن ترك العمل منذ أربع سنوات بسبب العجز.

على غرار فضائل، يعاني عشرات الطلبة وقرابة 50 عاملا في ثمانية معامل كيميائية بجامعة صنعاء بسبب غياب أدوات السلامة المهنية وعدم توفير بدل مخاطر أو أي تعويض عن إصابات عمل وسط إهمال رئاسة الجامعة، التي تلقي اللوم على الإدارات السابقة وتتعذر بضعف الميزانية، بحسب عاملين التقتهم معدة التحقيق.

ولا يسلم حتى معيدي الكليات والطلاب من إصابات عمل داخل المعامل.

لا تمتلك جامعة صنعاء إحصاءات دقيقة عن عدد العمال المصابين ونوع المرض، بحسب مسؤولي إدارات في الجامعة. كما لا تتوافر لدى نقابة عمال جامعة صنعاء والإدارة العامة للخدمات الطبية أي احصاءات كذلك وفق مسؤولين في النقابة.

لكن من خلال جولات ميدانية على المعامل الثمانية، جمعت معدة التحقيق بيانات تقديرية من مسؤولين وعمال حول تصنيف الإصابات: يتعرض قرابة 90 % من العمال لحروق طفيفة بسبب الأحماض، و5 % لحروق عميقة. ويُصاب 60 % منهم بأمراض صدرية والتهابات وتحسسات، فيما يتعرض 60 % من العمال لاختناقات وإغماءات، فيما تصل نسبة من يتعرضون لأمراض سرطانية 5 %، حسبما يثبته المسح الميداني معززا بتقارير طبية حصلت عليها معدة التحقيق من العمال.

عدد الفنيين المعرضين لآثار الكيميائيات والأحماض في المختبرات (معامل)
نوع الإصابة
ثلاثة فنيين
سرطان في الجيوب الأنفية
45 فنيا
حروق طفيفة ناجمة عن الأحماض
30 فنيا
أمراض صدرية والتهابات تحسسات
30 فنيا
اختناقات وإغماءات

رغم ذلك، لم يلجأ أي من هؤلاء العمال للقضاء. ويقول العامل منذر: "أجور المحامي تفوق راتبه الشهري".
ولا يوجد نص صريح في قانون العمل يحدد عقوبات لمثل هذه الانتهاكات، إلا أن المادة رقم (121) من القرار الجمهوري بالقانون رقم (5) لسنة 1995م بشأن العمل تنص على: "يتحمل صاحب العمل ما لم يكن مؤمناً المسؤولية المادية طبقاً لهذا القانون وقانون التأمينات الإجتماعية لما يلحق بالعامل من أمراض مهنية أو اصابات أثناء تأدية العمل أو بسببه".

مأساة فضائل
التحق فضائل بمعمل المواد كلية الهندسة كفني عام 1994. وبعد ست سنوات، شعر بآلام في البلعوم والأنف. يقول: "كنت أنزف من فمي وأنفي كلما قمت بتجربة تخص حرق مادة الكبريت للكشف عن جودة عينات من (الصبة) ومدى قوة الحجر بعد ضغطها". ويضيف هذا الفني "مادة الكبريت في الفرن بدرجة حرارة عالية مع جهلي بخطورتها، لأني العامل الوحيد الذي يجري هذه التجربة".

ورغم تصاعد الغازات والأبخرة السميّة، لم يتلق فضائل أي إرشادات تتعلق بسبل الوقاية من المواد الخطرة. ولم تصرف له أدوات حماية من هذه المواد، في مخالفة لشروط قانون العمل وأنظمته، التي تفرض على صاحب العمل: "اتخاذ الاحتياطات الضرورية لوقاية العمال من الأضرار الناشئة عن الغاز أو الغبار أو الدخان أو أي نفايات أو عوادم للصناعة".

بمرور الوقت فقد حاسة الشم. ثم تلقى خبر إصابته بورم في البلعوم الأنفي في المستشفى الجمهوري الحكومي. تقدم بطلب تعويض من رئاسة الجامعة وتكاليف العلاج لكن إدارتها لم تقدم له سوى 90000 ريال (أقل من 450 دولار)، أي عشر تكاليف علاجه التي ناهزت المليون ريال (4650 دولار).

أخصائية العلاج بالأورام والأشعة في المركز الوطني للأورام بصنعاء د. نهلة عقلان، شخّصت حاله بورم سرطاني مرتد في البلعوم الأنفي، وأوصت بإخضاعه لجلسات علاج كيميائي.

يعيش فضائل اليوم على راتبه التقاعدي 24 ألف ريال (110 دولار)؛ "من أين لي بقيمة العلاج؟ ولا أستطيع تناول الطعام سوى السوائل".

الحقوقية نبيلة المفتي تؤكد أن قانون التأمين الصحي الصادر عام 2011، يتكفل بحقوق العاملين من حيث التعويض والعلاج. وصدر قرار جمهوري في أكتوبر2012 بإنشاء الهيئة العامة للتأمين الصحي الاجتماعي، لكن لم يتم العمل به. وترى المفتي أن "السبب ليس ماديا، وإنما تقاعس وإهمال من الجهات المسؤولة".

عدد الفنيين في المعامل كليات الجامعة بحسب (الإدارة العامة للتخطيط والإحصاء في الجامعة)
الكلية
عدد الفنيين (ذكور)
عدد الفنيين (إناث)
كلية الزراعة
7

كلية العلوم
21
9
كلية الطب البشري
9
2
كلية طب الأسنان
6
1
كلية الهندسة
14

كلية التربية (صنعاء)
1
2
كلية التربية (أرحب)
5
2
كلية التربية (خولان)
3
2


معمل عضوية.. اختناقات وروائح
لدى دخول معدِة التحقيق معمل (1) عضوية - أقدم المعامل بكلية العلوم - شعرت بالإختناق وبدأت بالسعال. رائحة المحاليل والأحماض تنتشر في أرجاء المعمل الذي لا تتوافر فيه حتى إضاءة كافية.

مساحة هذا المعمل - الذي أنشئ منتصف سبعينيات القرن الماضي مع كلية العلوم- تتوافق مع شروط إقامته (12×8 متر مربع). إلا أن حجم غرفة تحضير الأحماض فيه ضيقة، كما يحوي نافذة واحدة صغيرة ومروحة صغيرة تعجز عن شفط الغازات والأبخرة.

أحواض ومغاسل متسخة. حنفيات يكسوها الصدأ، عبوات وكراتين مختلفة الأحجام لمواد كيميائية متناثرة بشكل عشوائي أعلى دولاب مغطى بالأتربة.

في هذا المعمل يجلس فاروق العريقي؛ أقدم العمال، بشعره الأشيب وجسده النحيل.

العريقي، (43 سنة) أب لثلاثة أطفال، بدأ العمل في المختبر بعد تخرجه في جامعة صنعاء تخصص تاريخ. يتقاضى اليوم 67000 ريال (311 دولار) شهريا، ويعمل من الساعة الثامنة صباحًا وحتى السادسة مساءً. يقول العريقي: "نعمل هنا بحذر شديد وخصوصاً في ظل شح مواد السلامة والأمان. ومن أخطر المواد التي نتعامل معها سنوياً الكبريت وبنزويل كلوريد الشبيهة بالقنابل المسيلة للدموع".

حذر العريقي لم يحل دون تعرضه لإصابات طفيفة مثل الحروق والسعال. وحتى الآن لم يجر فحوصا. ولدى سؤاله عن دور الجامعة في الوقاية والعلاج يجيب: "هنا في الجامعة تعمل، وعندما تمرض، الله يفتح عليك".

في ذات المكان، كانت ميمونة علي أحمد (26 سنة) الأستاذ المساعد في المعمل تقوم بتجهيز الماء المغلي أو المقطر للبدء بتحضير تجارب. تقول ميمونة: "أتعرض لاختناقات دائما. وكنت أصاب بالإغماء منذ أن كنت طالبة، والآن أشعر باختناق عند تحضير أي مادة ذات رائحة قوية أو انبعاث غازات". ميمونة وجدت أنها تعاني من الربو بسبب تعاملها مع مواد خطيرة وبخاصة الكلورو بنزين.

تتعرض ميمونة، كما تقول، للإغماء بمعدل ثلاث مرات بالشهر. وتضيف: "في معملنا نفتقر حتى للإسعافات الأولية. فعند إصابتي بالإغماء يساعدني الطلاب بإمكانياتهم الشخصية".

نتائج فحوص مخبرية وأشعة مقطعية لميمونة في المستشفى اليمني-الألماني أظهرت أنها تعاني من الربو وصعوبة في التنفس نتيجة تعرضها لأبخرة مشبعة بمواد كيميائية. ونصحت المريضة بالابتعاد عن الأبخرة والمواد الكيمائية ومراجعة الطبيب الاختصاصي دورياً.

عمادة كلية العلوم اضطرت لإغلاق الكلية منتصف مارس/ آذار 2014 بسبب عدم جاهزية المعامل - التي تعد جزءاً رئيسياً من الكلية - وعدم توافر الإمكانيات المادية. لكنها فتحت أبوابها بعد أسبوع من توقف الدراسة. عقب تعهد الحكومة بدعم الكلية.

عميد كلية العلوم بجامعة صنعاء الدكتور محمد شكري يصف ما يحدث ب"وضع مزري" من شح المواد، عدم توافر الأدوات، المركبات، ووسائل حماية الطلاب التي لا تمكن الأساتذة من تطبيق الجانب العملي.

شكري يحمَل إدارة الجامعة مسؤولية التقصير في المعامل وعدم جاهزيتها، قائلاً: "إدارة الجامعة تتنصل من اعتماد الموازنة الكافية للمعامل ولا تعيرنا أي أهمية".

عميد كلية العلوم يؤكد أنه طالب إدارة الجامعة بتوفير الدعم لمعامل الدراسات الأولية في الكلية، إلا أن مجموع ما صُرف كان ثلاثة ملايين و600 ألف ريال (16750 دولار)، ولم يتم صرف بقية المبلغ المطلوب حتى الآن وهو مليون و75 ألف ريال (5000 دولار).

"إصابات عمال بحروق ومشاكل تنفسية وإغماء يتم رفعها إلى رئاسة الجامعة، لكن لا يوجد أي تفاعل لحقوق العمال المهضومة"، حسبما يضيف شكري.

دفاع الجامعة
رئيس جامعة صنعاء د. عبد الحكيم الشرجبي يرد: "الجامعة لا تحوي وسائل آمان من ثلاثين عاماً، ويزيد". ويردف قائلا: "جئت على بيت خراب، لكني أبذل جهوداً كبيرة جداً في جميع الكليات العلمية وأبحث عن موارد وأستقطع من الموارد الخاصة بطلاب النظام الموازي ومن موازنة الجامعة لتقديم بعض التسهيلات للمعامل".

د. الشرجبي، الذي تسلم منصبه أوآخر 2012، يعود ليؤكد أن الجامعة في طريقها لحل هذه المشاكل، مضيفاً أنه "تم تجهيز بعض المعامل المتوقفة منذ سنوات وبدأت الكليات تعتمد على نفسها في تشغيلها". ويأمل "من خلال المانحين أو القطاع الخاص توفير الدعم لتشغيل معامل وتفعيل إجراءات السلامة المهنية".

معدة التحقيق زارت أثناء الجولات الميدانية الثمانية معامل الكيميائية في جامعة صنعاء، إذ توقف التدريس في معامل أثناء العمل على التحقيق ولكنها استأنفت العمل بعد ذلك.

ولا توجد أي منشورات توعوية - وفق مشاهدات معدة التحقيق - تخص شروط السلامة في المعامل، باستثناء لوحات إرشادية بسيطة وضعها طلاب تحوي "نصائح حول كيفية استخدام القفازات والكمامات وتجنب مخاطر التعامل مع مواد كيميائية خطيرة".

ميزانية جامعة صنعاء بلغت 15 مليار ريال يمني (70 مليون دولار) 2014، بحسب حسابات السنة المالية، وتعتمد في التمويل على وزارة المالية، لكنها تتلقى منحا بسيطة من منظمات دولية.

يُخلي وكيل الإدارة العامة لتطوير المؤسسات التعليمية في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي د.علي قاسم اسماعيل مسؤولية الوزارة بخصوص المعامل وحماية العاملين فيها.

يقول إسماعيل: "جامعة صنعاء مستقلة مالياً وإدارياً وفقاً للقانون، ونحن كوزارة ليس لنا علاقة بأي جوانب مالية، ودورنا يتمثل بالإشراف وتنظيم اللوائح. وفي حال وصلتنا شكوى حول المعامل سواء من الطلاب أو أعضاء هيئة التدريس نقوم بإرسال لجنة إلى الجامعة تجتمع مع رئيسها والمختصين وتتخذ قرارات وتتابعها إذا وجد أي قصور".

ويتابع" لم تصل أي شكوى رسمية من العمال أو الطلاب، باستثناء تلك التي تتعلق بالأمور المالية".

كلية التربية.. معامل تحرق عمالها
محمد الصلوي، خريج كلية العلوم قسم الكيمياء، التحق بمعامل كلية العلوم بالجامعة عام 2003. ثم انتقل للعمل في معامل كلية التربية، وهي الأخطر، بسبب خطورة المواد الكيميائية فيها، حسب قوله.

ويشرح بأن غالبية تجارب معمل "التربية" تعمل على تصاعد غازات سميّة ورواسب لونية بسبب استخدامها مواد كيميائية عالية التركيز دون إضافة أي قطرة ماء.

الصلوي يؤكد أن عشرات الطلاب يتعرضون سنوياً لمخاطر أثناء المحاضرات في المعامل؛ منها حالات إغماء، حروق خارجية أو داخلية من خلال "شفط" الأسيد عن طريق الفم.

يستذكر الصلوي حادثة كان شاهداً عليها حين "شفط أحد الطلاب حمض الكبريتيك عن طريق انبوبة لعدم وجود شافطات، فإذا بالحمض يملأ فمه ويصيبه بحروق ونزيف دموي حاد في فمه".

ويعد حمض الكبريتيك من أخطر الأحماض، وتعتمد 70 % من التجارب على استخدامه في المعامل العضوية والعامة. وتخلو الكلية من مرافق للإسعافات الأولية كما أن المركز الصحي الخاص بها لا يوفر للطلبة سوى الأسبرين، بحسب الصلوي.

فيما يفترض أن يحتوي صندوق الاسعافات الأولية في المعامل على (أقراص مسكنة، معقم للتنظيف وتعقيم الجروح، مرهم للحروق، محلول بيكربونات صوديوم 10% لغسيل الحروق الناتجة عن أحماض مركزة).

يستخدم الطلاب والعاملون حمض الخليك المسبب للحروق بالإضافة إلى مادة الصوديوم التي يؤدي تفاعلها بالماء إلى الإنفجار، مع ذلك تتواجد اسطوانات الغاز داخل المعمل، حسبما لاحظت معدة التحقيق، حيث يفترض أن يخصص لها مكان خارجي ويتم توصيل الغاز للمعامل عبر (أنابيب).

يعمل في هذا المعمل ثلاثة فنيين ويدخله يومياً حوالي 50 طالبا.

في عام 2000 زوّدت شركة هولندية معامل كلية التربية بتقنيات وأجهزة ووضعت تصميما احترافيا للمعامل، حسبما يستذكر الصلوي. لكن تقاعس إدارة الكلية أدى إلى عدم تفعّل أي من الأجهزة التي قدمتها الشركة مثل المرش (جهاز لإنقاذ أي شخص يتعرض لحروق) –حسبما لاحظت معدة التحقيق.

كما أن باب الطوارئ معطل لأن الكلية رفضت تقديم المفتاح لمختصي المعامل بحجة الخشية من السرقة بالإضافة إلى تسرب الغاز من ألانابيب الممتدة داخل المعامل.

ويؤكد محمد عبد القوي العبسي، متحدث باسم نقابة العاملين بجامعة صنعاء، أن النقابة طالبت مرارا بإنصاف عمال المعامل وتزويدهم بأدوات السلامة المهنية، إلا أن الجامعة لم تتجاوب مع هذه المطالب. ويقول العبسي إن النقابة لا تستطع مساعدة العمال المصابين، سوى بمبالغ بسيطة لا تكفي فاتورة العلاج الباهظة.

معامل الهندسة؛ اختناقات وأدوات مهملة
معملين فقط في كلية الهندسة تستخدم فيهما مواد كيميائية؛ معمل "الصحية" لتحليل مياه الشرب والصرف الصحي وذلك المخصص لتجهيز المواد. وبحسب أحد العاملين في الأول، محمد الحميري (42 عاماً) فإن المعمل لا يوفر مراوح أو أجهزة شفط وأي وسائل حماية بسيطة. ورغم وجود نوافذ عديدة على طول المعمل إلا أنها لا تؤدي دورها في التهوية. ويصف الحميري حاله قائلاً: "أشعر بخمول وأحياناً صداع عند مكوثي في المعمل لساعات وخاصة عند تحضير حمض الكبريتيك".

في المعمل المخصص لتجهيز المواد، الذي أصيب فيه أحمد فضائل، يفيد م. نصر سيف الذبحاني (43 عاما) والذي يعمل فنياً بالمعمل منذ 20 عاماً، بأن العاملين طالبوا ببدل مخاطر إلا أن الجامعة، أقرت بدل مخاطر للطباعين فقط.

إهمال رغم الدعم في "الزراعة"
ورغم الامتيازات التي تتفرد بها هذه المعامل، إلا أن طلابا وعاملين هناك ينتقدون إدارة الكلية بسبب عدم قدرتها على استغلال تلك الإمكانيات بالصورة الصحيحة. فما تزال أدوات السلامة والإسعافات الأولية غير مفعّلة. كما أن طفايات الحريق منتهية الصلاحية، والشبابيك موصدة بالحديد من الخارج، مع أنها يفترض أن تستخدم كمخرج للطوارئ. كما تنعدم مواد لازمة للتعامل مع المواد الخطرة وتجنب ملامستها باليد مثل القفازات والكمامات وعربات نقل الأحماض.

خالد القدمي، معيد يعمل في الكلية منذ عشر سنوات، يقول إن مشكلتها الكبرى تتمثل في عدم توافر المواد لتطبيق التجارب. "ينصدم الطالب بتطبيق بعض التجارب شفهياً من غير أي مواد أو محاليل، لذلك قد لا نجد الكثير من الإصابات والمخاطر هنا لأن التطبيق نادر ما يتم. للأسف، حتى الحنفيات لا تتوفر فيها المياه"، يضيف القدمي.

إلى الآن "لم تقم الكلية بعمل أي تدريب حول وسائل السلامة والمخاطر ولم تقم بصرف أي وسائل سلامة وأمان"، حسبما يؤكد. "وفي أحيان كثيرة، نتعرض لمخاطر الحرق بالأحماض أو تماس كهربائي، تلف الملابس بشكل كامل بسبب الأحماض، ونضطر أيضاً للتعامل مع زجاجات مكسورة".

ويشتكي القدمي من تعطل أدوات وفرتها منحة أمريكية بسبب عدم قدرة إدارة الكلية على التعامل معها، مثل كبائن شفط الغازات الخطرة داخل المعمل، وتعطل حساسات تركيز الغاز وجهاز الإنذار في حال زيادة تركيز الغاز داخل المعمل عن الحد المسموح. كما تعطلت التهوية المركزية وتيار الماء الساخن.

عبد الرحمن أبو حسن، معيد في الكلية يعمل في معمل الكيمياء منذ عام 2010، يقول إنه تعرض ل"حروق عديدة في الأيدي والأرجل عند تحضير محلول تطوير اللون الخاص بالفسفور، بالإضافة إلى تعرضي للكحة والإختناق".

في إحدى التجارب استخدم أبو حسن أنبوبا لشفط حمض الكبريتيك "فدخلت قطرات من الحمض إلى فمي وشعرت بشيء لاذع وخروج دم من فمي"، حسبما يستذكر. ولم تتوفر المياه بالحنفية أو حتى مياه معدنية و"اضطررت للخروج إلى كافتيريا الكلية للاغتسال حتى يخف تركيز الحمض وبقيت أسناني تؤلمني لثلاث أيام وفقدت حاسة التذوق لفترة".

ويضاف حمض الكبريتيك إلى عينة من التربة لتحديد كميات العناصر فيها ومدى كفايتها للنباتات وفيما إذا كانت بحاجة إضافة أسمدة. وعند تسخين المادة تتصاعد الأبخرة والغازات السامة كغاز ثاني أكسيد الكبريتيك.

الطب.. مخازن مكدسة بالمواد السامة
في كلية الطب تقع ثلاث معامل كيميائية (كيمياء تحليلية، حيوية، عامة) ويضم كل معمل عاملين.

وليد الدبعي، أحد فنيي المعامل سابقاُ في الكلية يعمل أستاذ مساعد في قسم الكيمياء الحيوية يشرح بأسى الوضع في الكلية: "الوضع متدهور رغم الدعم الكبير الذي تتلقاه الكلية.. المعامل غير مجهزة بالشكل الصحيح بحيث تجنب العاملين والطلاب مخاطر التجارب في المعامل".

ويشرح الدبعي: "نتعرض لنوبات ربو حادة بسبب استنشاقنا مواد وغازات خطيرة مثل الأمونيا، حمض الخليك، بخار حمض الهيدروكلوريك، نترات الفضة (عند ملامستها للجلد تقوم بقتل الخلايا)، حمض الكبريتيك. كما نتعرض لخطر الحرق بسبب القطارات (التي تسخن الماء للتقطير بالتبخير)".

لأكثر من عشر سنوات، تحمّل مرتضى عبد الوارث الحمادي (36 عاماً) خطورة العمل في مخازن حفظ مواد كليتي العلوم والطب بالجامعة. وفي نهاية العام 2013 قرر الانتقال لعمل إداري في الجامعة لتجنب مخاطر تلك المخازن. لكن الحمادي الذي يعمل براتب 58 ألف ريال (تقريباً 270 دولار) تأخر بقرار نقله، فهو يعاني الآن من آلام في أنفه.

معدة التحقيق رافقت الحمادي لأحدى المستشفيات لإجراء فحوصات مختبرية وأشعة وتبين من خلال التقرير الصادر عن د. الخضر القاهرة، استشاري أمراض الباطنية والجهاز الهضمي في المستشفى اليمني-الألماني، بأن المريض يعاني من التهاب الشعب الهوائية والجيوب الأنفية. ونصح الحمادي بعدم التعرض للأبخرة والغبار والمواد الكيميائية المتطايرة.

وخضع العامل لعملية كلفته 200000 الف ريال (930 دولار)، ولم تسدد إدارة الجامعة سوى 40.000 ريال فقط (أقل من 200 دولار)"، حسبما يقول.

في مخزن معامل الطب لا يوجد تهوية أو شفط مركزي لإخراج الغازات من العبوات بشكل مستمر، وفق الحمادي.

حمزة الذبحاني، طالب في كلية العلوم، استذكر إصابته بحروق حين تطايرت على يديه قطرات من عنصر كيميائي. يقول الذبحاني: "للأسف المعمل لا يوفر لنا أي قفازات للحماية حتى البالطوهات نشتريها بأنفسنا".

معامل مصممة لصالة طعام
بعد أن جال برفقة معدة التحقيق في معامل جامعة صنعاء، يشخّص خبير المعامل الكيميائية منذر عبدالله نعمان أخطاء عديدة في تصاميم الإنشاء. بعض المعامل لم تصمم لهذه الغاية، وإنما استحدثت في ذلك الوقت لاستكمال قاعات دراسية وصالات الطعام. فمثلا المواصفات تشترط في المعامل وجود مدخل رئيسي ومخرج طوارئ، إلا أن التصميم الهندسي لم يعتمد هذه المواصفات في معامل كلية العلوم أما بقية المعامل المصممة بشكل صحيح تقوم الكلية بإغلاق أحد الابواب لأسباب مختلفة كالأمان وغيرها.

ووجد نعمان أن الأجهزة والمواد تعود إلى الثمانينيات والتسعينيات، وبدأت بالخروج من الخدمة لعدم الصيانة أو نتيجة إنتهاء عمرها الافتراضي.

ويؤكد نعمان أن المواد الكيميائية المستخدمة (حمض الهيدروكلوريك، حمض النتريك، حمض الكبريتيك، الاسيتون، الامونيا...) خطيرة على صحة العاملين لأنها تطلق غازات وأبخرة.

ويتم التخلص من هذه المواد "بوضعها في المجاري ما يؤدي إلى تلوث البيئة ومن أمثلة هذه المواد الزئبق والرصاص والكروم والمذيبات العضوية"، حسبما يوضح.

كما أن خزائن التخزين ذات أبواب خشبية قابلة للاشتعال. أما بالنسبة لتمديدات الغاز، فتم تمديد بعضها داخل فتحات تصريف المياه، ما قد تسبب بتآكل الأنابيب النحاسية وتسرب الغاز.

عشرات العمال ومئات الطلبة يواجهون الإصابة بأمراض بسبب إهمال إدارة الجامعة وغياب الحماية اللازمة لهم. وأمام تنصل مختلف الجهات لمسؤولياتها تجاه هذه الشريحة، يبقى الوضع على ما هو عليه في انتظار المزيد من التقارير الطبية الشاهدة على آلامهم. – أطار-
الشروط والمواصفات العالمية للمعامل الكيميائية (المصدر: جامعة أم القرى)
موقع المختبر
يفضل أن يكون الموقع في الأدوار الأرضية وبعيدا عن أماكن الكثافة الطلابية والمكاتب الإدارية قدر الإمكان، ويجب أن تكون بالقرب من مصادر المياه وخطوط الصرف الصحي والطاقة
مساحة المختبر وارتفاعه
مساحة المختبر المقترحة هي 96 متر مربع بطول 12 مترا وبعرض 8 أمتار على أن لا يقل الارتفاع عن 3.5 أمتار وذلك حتى يقلل من تركيز الروائح والغازات قدر الامكان
مواصفات سقف وجدران الأرضية
يراعى أن تكون جدران وأسقف مختبر الكيمياء من مادة خاملة وأن لا تتواجد فيها بطانة من الخشب أو أية مادة قابلة للاشتعال، أما أرضية المختبر فيجب أن تكون خشنة وغير قابلة للانزلاق أثناء العمل المخبري
الأبواب ومخارج الطوارئ
من المهم وجود باب للدخول والخروج ذو حيز ملائم يسهل فتحه والخروج منه، وكذلك وجود باب للطوارئ يقع عادة في نهاية المختبر وأن يزود بمصباح يكون أعلى منه يضاء عند حالات الضرورة وعند انقطاع الكهرباء
التهوية
يجب أن يحتوي المختبر على عدد كاف من الشبابيك على أن لا يقل ارتفاعها عن مستوى أرضية المختبر عن 1.5 متر، وكذلك يجب أن يحتوي المختبر على عدد كاف من شفاطات الهواء ذات النوعية الجيدة والمصممة خصيصا للمعامل
الإضاءة
يجب أن تكون الإضاءة في المختبر كافية سواء كانت طبيعية أو صناعية، ويجب أن توزع بالتساوي في جميع أنحاء المختبر، كذلك يجب توفر مصابيح تضاء تلقائيا عند حالات انقطاع الكهرباء.
غرفة المحضر والتحضير
يجب أن يلحق المختبر بغرفة خاصة لمحضر المختبر مزودة بخزانات (دواليب) وطاولة للعمل المخبري وثلاجة لحفظ المواد الكيميائية وورشة صغيرة لصيانة الأجهزة البسيطة.


أنجز هذا التحقيق بدعم من شبكة أريج (إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية) www.arij.net


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.