من ذا الذي لا يقلق وهو يرى كل هذا الاستهداف لبلد عربي عزيز كاليمن؟ من يستطيع الصمت وهو يعرف أن استهداف اليمن يعني النيل من كل الأمة تاريخاً وجغرافية وثقافة ومستقبل واعد؟ اليمن يعيش في أزمة متعددة الوجوه والأسباب وهذا يعرفه الجميع ولا تنكره السلطة والحزب الحاكم، لكن ما يعيشه اليمن ليس كله قدر لا راد له أو نتيجة أخطاء وفساد، بل هناك عوامل يستطيع البلد وحكماؤه التصدي لها سواء كانت داخلية أو خارجية. وقبل أن نسترسل في البحث الدقيق عن خفايا الصورة اليمنية لابد من القول لكل الدول المحيطة بالخليج وللدول العربية بما فيها البعيدة عن حدود اليمن أن أي مس بوضع اليمن يؤدي لجروح كبيرة في جسده سيعني نزيفاً دامياً للجميع وخسارة فادحة من الصعب تجاوزها أو التعويض عنها وليس أهمها الموقع الاستراتيجي لليمن.
الحراك الجنوبي ومطالبه العادلة تفهمتها السلطة وعملت على تلبيتها، وبرغم عدم اكتمال هذا الحل وحالة الريبة بين رموزه والسلطة إلا أن حالة التعايش والتفهم كانت تبقي الأمور في مستوى السيطرة ويتم غض النظر عن كافة الإشارات الخارجية ليد خفية غربية بالتحديد لصب الزيت على نار الفتنة، وقد شاهدنا كثيراً من التحركات المريبة في بريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية وهما المعنيتان بالسيطرة على مدخل البحر الأحمر لخدمة إسرائيل بشكل واضح ومحدد.
الحوثيون يصعدون في صعدة ومناطق متاخمة للعاصمة ويعملون بنشاط على نشر مذهبهم ولو بالقوة ويتلقون ضربات الحكومة لكنهم يتماسكون ويعيدون فتح المعركة بين وقت وآخر مما يدفع للتساؤل من أين يأتي السلاح لهؤلاء؟ وحتى لا يجيبنا أحدهم بأن هناك دول في الجوار والمقصود هنا إيران وقطر تدعم هؤلاء لابد أن ندقق في كيفية وصول مثل هذا الدعم ومن أي حدود، كما لابد أن يجري البحث عمن يؤمن لهؤلاء وصول الإمدادات ولماذا لا نفكر بيد يمنية في الداخل يهمها بقاء الحالة على ما هي عليه وإشغال الحكومة والرئاسة بقضية تتعلق بأمن البلد وسيطرة المركز كما في أي بلد آخر؟
السلطة والحزب الحاكم اتفقا مع المعارضة على التهدئة وتأجيل انتخابات توتر الأجواء وتضع اليمن على كف عفريت وحصل كلاهما على فرصة للتفكير في كيفية الخروج من الأزمة فكان طبيعياً لمن لا يحب الاستقرار لليمن أن ينفخ في نار القضايا العالقة كمشكلة الجنوب والصراع مع الحوثيين، ومع ذلك لم نسمع عن مبادرة شجاعة للشراكة بين الطرفين لمواجهة الخطر الذي أطل برأسه نتيجة هذا الاتفاق.
الرئيس على عبد الله صالح يستعرض قواته للمرة الأولى منذ عشر سنوات لمناسبة العيد التاسع عشر للوحدة مستشعراً الخطر ومقدماً الثقة والطمأنينة للشعب اليمني بأنه يملك مقومات الردع لأي مخطط يستهدف وحدة اليمن أو شأنه الداخلي وهو في ذلك محق وخطوته مدروسة ومفهومة.
الحديث يكثر عن تدخل خارجي ومؤامرة تستهدف اليمن في وحدته وموقعه ودوره .... الخ ونقوم بتوتير علاقاتنا مع من نعتقد أنهم وراء ما يجري، ومع ذلك لا نقوم بما يتوجب علينا فعله بالخصوص وهو واضح ولا يحتاج لاجتهادات من هنا أو هناك.
وللتوضيح وما دام هناك تصور عن تدخل إيراني فلم لا نجمع الأدلة والقرائن ونناقشها مع الإخوة في إيران ولو اكتشفنا أنهم حقاً يسلحون التمرد الحوثي فعلينا أن نقدم شكوى لمجلس الأمن بعد أن نعرض الأمر على جامعة الدول العربية، غير أني أتذكر اتهاماً بهذا الخصوص من سنوات ردت عليه إيران وأبدت استعدادها للتعاون بالخصوص وشددت على أهمية وحدة اليمن وعدم المس بوحدته الداخلية ولا زلنا نسمع لغة مماثلة من إيران وهو ما ينطبق على قطر وعلى ليبيا التي أشار لها البعض بأصابع الاتهام في فترة سابقة. إذن نحن معنيون بوضع الشعب اليمني في صورة المسألة من مختلف الجوانب والقول بوضوح من أين يأتي التدخل الخارجي إن كان موجوداً حقاً لأن التدخل الأمريكي والغربي عموماً موجود ولا لبس في ذلك، وربما تدشين القاعدة الفرنسية في الإمارات أتت لتؤكد الاحساس بالخطر من جانب دولة جارة لليمن وفي ضوء توتر إقليمي لا يقتصر على مشاكل اليمن بل يتعداه لامكانية حرب إقليمية واسعة النطاق تدل عليها تصريحات المسؤولين الصهاينة في تل أبيب.
الأشقاء الخليجيون مستعدون لتقديم الدعم ، والجميع متضرر من وجود بقايا القاعدة ويرفض قبول المتعاونين معها ويلاحق عناصرها التي تستغل بعض الاشكالات الطارئة في اليمن لتطل برأسها والأغرب ما نسمعه عن تعاون بين الانفصاليين الجنوبيين وهؤلاء وهو ما لا يمكن تصديقه لاسباب عديدة، غير أن الاشارة لهكذا علاقة حتى وهي غير موجودة يوضح إلى أي مدى خطورة البقاء خلف شعارات الانفصال وفي المقابل سلوك التهميش والاستخفاف بالحقوق وغض الطرف عن الفساد، فهذه كلها عوامل هدم وليس العكس.
بكل المعطيات التي يمكن طرحها للتدقيق في مستقبل العمل السياسي في اليمن بدءً من الأزمة الاقتصادية العالمية التي تلقي بظلالها على الجميع بما فيهم اليمن ومروراً بالحوثيين والحراك الجنوبي وباقي مشاكل المعارضة والتنمية وغيرها من أوجه الحياة اليمنية هل يمكن أن يكون الانفصال والعودة عن الوحدة حلاً لها أو مساعداً على حلها؟
الجواب القاطع والمنطقي يقول أن ذلك لا يقدم أي مساعدة بل يفاقم ويدمر ويعطي الذرائع ويمهد لتدخلات خارجية غير محسوبة ومن الصعب مجابهتها، ولذلك وعلى ضوء رؤية المشروع الانفصالي بمختلف جوانبه نرجح أن يفشل هذا النموذج برغم كل ما سمعناه في الداخل والخارج ذلك أنه يفتقد لكل مقومات النجاح برغم عدالة مطالب بعض رموزه المعروفين والذين بات عليهم إن هم حقاً حريصون على حرية بلدهم ومنعته أن يتقدموا للمشاركة في السلطة على أساس اليمن الواحد وسيجدوا كل الترحيب من الجميع وعلى رأسهم السيد الرئيس على صالح لأن العمل في الخارج ومنه لا يخدم سوى أجندة الخارج وهو ما عرفه اليمنيون على امتداد تاريخهم العريق.
اليمن سيبقى موحداً لأن ذلك ما يريده الشعب اليمني، وعليه فإن واجب الذين يتشبثون بخيار الوحدة وعلى رأسهم الرئيس والحزب الحاكم أن يقدموا كل المرونة للطرف الآخر وكل التسامح الذي تحدث عنه الرئيس في خطابه قبل أيام للم الشمل وعودة النشاط والحيوية للبلد وللتصدي الناجح للمتمردين الذين يجب أن يعودوا للالتزام بالدستور وبالقانون أو يتم استئصالهم كلياً.
يقولون أن الضربة التي لا تميت تجعل صاحبها أشد قوة ومراساً وهذا ما ينطبق على اليمن الشقيق الذي يتطلع له الاشقاء في كل مكان داعين له بالنجاح في وأد الفتنة وبالتقدم والرفاه ومتمنين لتجربة الوحدة التي صفقوا لها جميعاً وقدمت لهم الأمل في نهاية سايكس بيكو الاستقرار والنجاح. ---------------------------------------- - منقول عن موقع: وطن - الأربعاء 3 يونيو 2009 [email protected]*