الجميع سعيد من أجل عدن.. على الحوثي ايضاً سؤال نفسه، ما الذي يجعله غير مرغوب إلى هذا الحد؟ دفعت عدن ثمناً هائلاً، لتعيش بادرة نصر ستفضي إلى تحريرها الكامل.. مع ذلك أظن أن التحالف الهمجي الحوفاشي، برغم كل الإيحاء النفسي المهزوم لخطابهم، سيجدد الهجوم، بصرف النظر عن النتائج المتوقعة. سيعززون بكتائب وأعداد هائلة كأضحية لمشروعهم، لكن هذه المرة، يبدو للجميع أن العد التنازلي المتوقع بدأ الآن. لأن جماعة تراهن على الدعم الإلهي، والخرافات، لا بد أنها ستخسر بأي حال، لكن ثمن ما سيدفعه الآخرون جراء تلك الحماقة، هو الكارثة.
أنا أشعر بفرح، مع بعض الحيطة، بحيث تفضي عدن إلى مشروع دولة مدنية حقيقية، أقصد ما إن كنا سنستفيد من أخطائنا سواء في شكل الدولة، أو في مفهوم الدولة.
كانت جماعة الهيمنة في صنعاء، قادرة أيضاً، على التنازل عن بعض الصلف، من أجل دفع العملية السياسية في بناء دولة جديدة، ديمقراطية وفيدرالية، وبقليل من الذكاء، تستطيع أيضاً الحفاظ على معظم مصالحها، دون اللجوء إلى منطق الغلبة، الذي تغير مضمونه، لسبب وحيد، أن الغرور والدافع الذاتي للغطرسة جعلها تهمل جوانب جوهرية في معادلة سياسية يطرحها الواقع الإقليمي، ومصالحه على الواقع الداخلي في اليمن، بل غالت وهي تتجاهل الانقسام الوطني العميق، الذي كان مؤشر على عدم أهليتها السياسية.
غير أن تلك القوة طغى موقفها الفاشستي، الذي يثير مفهوم الحكم كحق، جغرافي في حالة صالح وعائلته، وهو منطق حلفائه القدماء، محسن وآل الأحمر، أو كحق ديني في حالة الحوثي.
تلك الخرافة، كانت أيضاً موثقة بوقائع القوة على الأرض. أين يصب ميزان القوة، وهو ما أظهرته الأيام الأولى لتغلغل الحوثي بتواطؤ صالح. لكن أيضاً سنكتشف دولة قائمة على هذا البعد.
ثم إن الحقين المتصارعين، خلال العقود الماضية، يعثران على صيغة تحالف أو تواطؤ نسف موروثاً وطنياً، حد نجد اليمن اليوم تقف في منطقة سبخة ومتداعية. مثقلة بإرث كبير من الأحقاد والعداوات. وهي الصيغة نفسها سنجدها في حالة صالح- محسن وتحالفهما المتضاد. هما يتصارعان على حقين أوجدا ذاتهما عبر عادة الهيمنة واحتكار السلطة خلال ما يزيد عن ثلاثة عقود. وهما نفسهما سيتحالفان في وضع عائق لوجود دولة يمنية جديدة.
ما حدث في عدن، ويحدث في تعز، هو إعادة مستوى الحق السياسي إلى مفهوم متساوي، ثم قد يجد اليمنيون أنفسهم ضمن صيغة مشتركة او متفاهمة على أسس جديدة ومتوازنة. مع أني أشك أن اليمنيين سيبلغون هذا المستوى المتقدم من التفكير، نظراً للأعباء الموروثة، أو لطبقة الوعي الزائف الذي يهيمن على حقيقة المصالح الطبيعية للمواطنة، لكنها أيضاً خطوة أولى تنسف هذا الخلل في مركز الحكم بما أنتجه من وحشية وغرور باعدت مستوى التقاسم على طبيعة الدولة، وبصورة أكبر، على مستوى التشريعات والحقوق.
كل ما أراه الآن يمن محتضر يحتاج إلى معجزة. فما سنسميه نصراً، هو اليوم مهم، لتكون أول خطوة نتجاوز بها عائقاً حقيقياً لأي مشروع تقدم. ولا يعني هذا أن يأتي البديل من نفس الأرضية المختلة للحكم؛ أي بنزوع جغرافي أو حق ديني. ولا يعني أننا سنعثر على طريق جاهز لهذا البلد المتخيل، او حتى في تكويناته الإنفصالية، والمشروخة، إذ أن لدى اليمني نزوعاً كارثياً لمراكمة الأحقاد، والضغائن.
غير أنه مخاض لا بد منه.. شيء يشبه أسطورة الخلق البابلي، أو السومري. حين يقوم مردوخ بقتل إلهة العماء تياميت. من صفحة الكاتب على الفيس بوك