يُتهم باراك أوباما في أوساط الجمهوريين اليمينيين، وعلى رأسهم السيناتور جون ماكين، بأنه «رئيس ضعيف ليس في مستوى القوة الأميركية»، ويقومون بتشبيهه بجيمي كارتر (1977 - 1981) وهو من الحزب الديموقراطي أيضاً الذي أصيبت أميركا في عهده بنكسات وتراجعات أمام المد السوفياتي في إثيوبيا 1977 وأفغانستان1978 - 1979 ونيكاراغوا 1979، كما أن واشنطن في عهده فقدت طهران 11 شباط (فبراير) 1979 لمصلحة حكم إسلامي مضاد للأميركيين. بعد خسارة كارتر في انتخابات الرئاسة الأميركية أمام رونالد ريغان كتبت مجلة «الإيكونوميست» البريطانية الكلمات الآتية: «مع الشعور بالإثم تجاه ووترغيت والعالم الثالث... كان هناك حاجة في أواسط السبعينات لرئيس يحقق شفاء أميركا من شعورها بالإثم... لقد كان كارتر هو القائد - الخطأ لأنه كان يجمع مركب الشعور بالإثم الممزوج بغريزة ليبرالي من مدن الساحل الشرقي، والذي أصبح فجأة مليونيراً ريفياً... ولو أن السيد كارتر المثير للشفقة أعيد انتخابه ثانية لأن السيد ريغان بدا غير مناسب للرئاسة، فإن حصول انهيار معنويات أميركا والسيد كارتر في فترة رئاسته الثانية (كما حصل لجونسون ونيكسون) كان سيكون رهيب الأثر» («الإيكونوميست»، 27 كانون الأول - ديسمبر 1980، ص 28). يتناسى الجمهوريون عمداً أن فضيحة ووترغيت والهزيمة الفيتنامية حصلتا في عهدي نيكسون وفورد الجمهوريين وبأن الديموقراطي كارتر كان وريث ذلك، فيما يركزون على انتصار الجمهوري ريغان على السوفيات في الثمانينات، كما يتناسون أن أوباما هو وريث الفشل الأميركي في أفغانستان والعراق زمن الجمهوري جورج دبليو بوش ووريث السياسات الليبرالية الجديدة التي بدأت في الاقتصاد مع ريغان، بنصائح الأكاديمي ميلتون فريدمان، ثم انفجرت في نيويورك في شكل أزمة مالية - اقتصادية في النصف الثاني من أيلول (سبتمبر) 2008.
لا تدل ستة سنوات ونصف السنة تقريباً منذ دخول أوباما إلى المكتب البيضوي في 20 كانون الثاني (يناير) 2009، على أن باراك أوباما مثل جيمي كارتر الذي تقول عنه «الإيكونوميست» أيضاً أنه يحمل «أفكاراً جميلة حول الفرق بين الخطأ والصواب، ولكن من دون تصورات وافية حول البراهين والقضايا المتداخلة بينهما، والتي تصادف المرء أثناء الانتقال من أحدهما إلى الآخر» (ص 28). خلال عهد أوباما كانت هناك استراتيجيات واضحة، لا انفعال بالأحداث لا يسمح للبيت الأبيض، بأن يفعل شيئاً، كما حصل مع كارتر خلال عام كامل من الثورة الإيرانية ضد الشاه: عند أوباما هناك استراتيجية خروج من الشرق الأوسط واستراتيجية انزياح نحو الشرق الأقصى لاحتواء العملاق الصيني ومحاصرة نموّه، تترجم هذه الاستراتيجية منذ عام 2009 بإنهاء الوجود العسكري الأميركي المباشر في العراق وأفغانستان وفي إنهاء عملية الرئيس بوش «لإعادة صياغة الشرق الأوسط من جديد» عبر البوابة البغدادية، لأن هذا كان يعني انخراطاً أميركياً مباشراً في الشؤون المحلية لبلدان معينة وانغماساً في قضايا إقليمية تتعلق بتحجيم دور دول إقليمية واستخدام دول أخرى ضد الأولى (مثلاً: تركيا ضد الصعود الإقليمي لإيران عامي2007 و2008).
كان سبب هذا عدم إيمان أوباما بعقيدة المحافظين الجدد حول (إعادة هندسة الأمم)، واعتقاده بأن الشرق الأوسط ليس بهذه الأهمية التي بدأ يحتلها الشرق الأقصى في الاقتصاد العالمي عندما بدأت مؤشرات في القرن الحادي والعشرين بأن الثقل الاقتصادي العالمي بدأ بالانزياح عن الغرب الأوروبي - الأميركي باتجاه الشرق الأقصى. لم يعد الشرق الأوسط بهذه الأهمية فقط بسبب انخفاض أهمية نفطه، وإنما لأن هناك صعوداً لأهمية منطقة أخرى تهدد وضعية خمسة قرون من القيادة الغربية العالمية، ولأن هناك عملاقاً صينياً ينمو، كما في ألمانيا ما بعد وحدة 1871، لا يريد أوباما تركه يتعملق مرتاحاً كما فعلت لندن مع الألمان لتحجيم فرنساوروسيا قبل أن تضطر للتحالف معهما ضد برلين في الحربين العالميتين.
من أجل خروج أميركي آمن ومنظم من المنطقة مع حفظ مصالح واشنطن يقوم أوباما بالتفاهم مع روسيا وإعطائها الأولوية في سورية ويفعل الشيء نفسه مع إيران في العراق وضد (داعش)، وأخيراً تتحدث أوساط مطلعة بأنه طلب تعاوناً روسياً - إيرانياً مع واشنطن في ما يخص اليمن، ومن الواضح أن هناك خلافاً أميركياً - سعودياً مضمراً حول اليمن يلمس في محطات عدة في مرحلة ما بعد 26 آذار (مارس) 2015. يرى الرئيس الأميركي أن إعطاء مكافآت لموسكووطهران والقيام بالتعاون معهما في حل الأزمات المشتعلة يساهمان في ضبط المنطقة ضمن إيقاع محدد بعد الخروج الأميركي، كما أنه مع احتواء إيران في مرحلة ما بعد (اتفاق 5 + 1 مع طهران) يمكن إبعاد الأخيرة عن موسكو باتجاه مظلة أميركية «ما»، كما كان الأمر زمن الشاه وباتجاه استبدال الغاز الإيراني بالروسي لأوروبا الذي شكل سلاحاً قضّ مضاجع الغرب استخدمه بوتين ولوَّح به في السنوات الأخيرة. من أجل تحقيق هذا مع موسكووطهران يستخدم أوباما الجزرة، عبر عرض التعاون والمكافآت الإقليمية، ويستخدم العصا ليس عبر الدبابات، وإنما الاقتصاد وهو أكثر ما يوجع كلاً من بوتين وخامنئي على ما يبدو.
من ضمن مؤشرات انخفاض أهمية منطقة الشرق الأوسط أميركياً كانت طريقة تعامل أوباما مع «الربيع العربي»، كان هناك تعامل تجريبي على عجل ظهر أكثر ما ظهر في مصر ما بعد 25 كانون الثاني 2011، عندما برزت ثلاثة مواقف متعارضة خلال ثمانية عشر يوماً: وقوف مع الرئيس المصري، ثم الضغط لأن يكون البديل هو اللواء عمر سليمان، ثم الجيش كخيار يوم 11 شباط. بين (المجلس العسكري) و (الإخوان المسلمين) وقفت واشنطن مع صعود الإسلاميين ابتداء من خريف2011. في مرحلة ما بعد مقتل السفير الأميركي بليبيا في بنغازي 11 أيلول 2012، بدأت واشنطن تغيّر موقفها من الإسلاميين وكانت مترددة بين البنتاغون المؤيد والخارجية الأميركية المتحفظة يوم عزل الرئيس مرسي في 3 تموز (يوليو) 2013 قبل أن يتم الانسياق الأميركي بالتعامل مع سلطة الفريق السيسي وتأييدها. لم يكن هذا التغير في السياسات الأميركية أكثر من ركوب للموجات ولم يكن تردداً يقود إلى سياسة صفرية كما فعل كارتر أمام الثورة ضد شاه إيران. في سورية لا يريد أوباما تكرار السيناريو الليبي الذي اتبعه (الناتو) ضد القذافي، على رغم رغبة أردوغان في أن يكون سورياً في وضعية ساركوزي في ليبيا 2011، بل يريد تطبيق بيان «جنيف - 1» الخاص بالأزمة السورية بالتفاهم بين واشنطنوموسكووطهرانوالرياضوأنقرة وربما القاهرة أيضاً، وهو استطاع إدارة الأزمة السورية ضمن ذلك ومنع أنقرة من تجاوز المحددات الأميركية. لا يوحي الاتفاق النووي مع إيران في (5 + 1)، وله ترجمات حتمية في القضايا الإقليمية، بأن الولاياتالمتحدة تريد أن يكون هذا على حساب حلفائها في الرياضوأنقرة، بل تحاول الموازنة بينهم وبين احتواء طهران ومترتبات الاتفاق معها وجعل هذا لا يتعارض مع ذاك.
هنا، نرى مرونة أميركية في الشرق الأوسط، وانسيابية، فيما هناك عند أوباما صلابة بالشرق الأقصى باتجاه تزنير الصين بقواعد عسكرية أميركية وفي استعداء دول الجوار الصيني ضد بكين، وفي منحى إنشاء سوق اقتصادية موحدة على طرفي المحيط الباسفيكي من دون الصينيين. باتجاه الأوروبيين هناك سياسة عند أوباما أنهت توترات مع واشنطن وجعلت «الاتحاد الأوروبي» في حالة متناغمة تحت قيادة واشنطن تجاه الأزمات في الشرق الأوسط وفي أوكرانيا. على الصعيد الداخلي، قاد أوباما الاقتصاد الأميركي للتعافي من الأزمة المالية - الاقتصادية وكان أسرع تعافياً من الأوروبيين.
كمجمل، ليس أوباما ضعيفاً مثل كارتر، ولم يكن مثل نيفيل تشمبرلين، رئيس الوزراء البريطاني عام 1938 في مؤتمر ميونخ مع هتلر، أضعف من القوة التي بيديه أو لا يعرف كيف يستعملها. ربما، يبدو ضعيفاً أو متردداً في الشكل، إلا أنه مع الصين، وفي ملفات إيران وفي الموضوع الأوكراني مع الروس، كان يعرف كيف يضغط بقسوة على بكين، وكيف يستخدم سلاح الاقتصاد ضد طهرانوموسكو من دون نسيان الجزرة بجانب عصا الاقتصاد التي أثبتت مدى قوتها ضد الإيرانيين في مفاوضات (5 = 1) وضد الروس عقب الأزمة الأوكرانية. ليس رئيساً «حربجياً» مثل فرانكلين روزفلت وليندون جونسون، بل هو أقرب إلى جون كينيدي في تفادي الحروب، فيما تورط خلفه جونسون في الحرب الفيتنامية، لكنه يعرف كيف يصل إلى التهديد بالنووي ويجبر موسكو على التراجع كما فعل عام 1962 في الأزمة الكوبية مع نيكيتا خروتشوف.