سلطان العرادة يزف بشرى سارة لأهالي عدن (فيديو)    غوتيريش يدعو إلى إعادة فتح معبر رفح "فورا"    زلزال كروي: مبابي يعتزم الانتقال للدوري السعودي!    عاجل: انفجارات عنيفة تهز محافظة يمنية وإعلان حوثي بشأنها    الارياني: استنساخ مليشيا الحوثي "الصرخة الخمينية" يؤكد تبعيتها الكاملة لإيران    صحيفة تفجر مفاجأة: تشكيل حكومة جديدة بين الشرعية والحوثيين ودفع رواتب وأموال ضخمة وخارطة طريق معدلة    الرئيس الزُبيدي يثمن الموقف البريطاني الأمريكي من القرصنة الحوثية    غندوزي يصدم لاتسيو الايطالي    مانشستر يونايتد الإنجليزي يعلن رحيل لاعبه الفرنسي رافاييل فاران    الروح الرياضية تهزم الخلافات: الملاكمة المصرية ندى فهيم تعتذر للسعودية هتان السيف    ارتفاع طفيف لمعدل البطالة في بريطانيا خلال الربع الأول من العام الجاري    رئيس انتقالي لحج "الحالمي" يعزي في وفاة الشخصية الوطنية والقيادية محسن هائل السلامي    الحوثيون يواصلون لعبتهم الخطيرة وامريكا تحذر    في الذكرى ال 76 للنكبة.. اتحاد نضال العمال الفلسطيني يجدد دعوته للوحدة الوطنية وانهاء الانقسام مميز    المنامة تحتضن قمة عربية    كريستيانو رونالدو يسعى لتمديد عقده مع النصر السعودي    اليابان تطالب بتعزيز الآليات القائمة لمنع عمليات النقل غير المشروع للأسلحة للحوثيين مميز    أمين عام الإصلاح يبحث مع سفير الصين جهود إحلال السلام ودعم الحكومة    وفاة امرأة وطفلها غرقًا في أحد البرك المائية في تعز    الذهب يرتفع قبل بيانات التضخم الأمريكية    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    نقل منصات إطلاق الصواريخ الحوثية استعدادًا للحرب واندلاع مواجهات شرسة مع الأهالي ومقتل قيادي من القوة الصاروخية    مجازر دموية لا تتوقف وحصيلة شهداء قطاع غزة تتجاوز ال35 ألفا    اليمن تسعى للاكتفاء الذاتي من الألبان    طعن مواطن حتى الموت على أيدي مدمن مخدرات جنوب غربي اليمن.. وأسرة الجاني تتخذ إجراء عاجل بشأنه    الحوثيون يواصلون افتعال أزمة الغاز بمحافظتي إب والضالع تمهيد لرفع الأسعار إلى 9 آلاف ريال    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    الدولة العميقة ومن يدعمها هدفهم إضعاف الإنتقالي والمكاسب الجنوبية    اعضاء مجلس السابع من ابريل لا خوف عليهم ويعيشون في مأمن من تقلبات الدهر    تحميل لملس والوليدي إنهيار خدمة كهرباء عدن مغالطة مفضوحة    بيان عاجل لإدارة أمن عدن بشأن الاحتجاجات الغاضبة والمدرعات تطارد المحتجين (فيديو)    برشلونة يرقص على أنغام سوسيداد ويستعيد وصافة الليغا!    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    ليفربول يسقط في فخ التعادل امام استون فيلا    استعدادات حوثية للاستيلاء على 4 مليار دولار من ودائع المواطنين في البنوك بصنعاء    "نكل بالحوثيين وادخل الرعب في قلوبهم"..الوية العمالقة تشيد ببطل يمني قتل 20 حوثيا لوحده    إنجاز يمني تاريخي لطفلة يمنية    لاعب منتخب الشباب السابق الدبعي يؤكد تكريم نجوم الرياضة وأجب وأستحقاق وليس هبه !    ما معنى الانفصال:    جريمة قتل تهز عدن: قوات الأمن تحاصر منزل المتهم    سيف العدالة يرتفع: قصاص القاتل يزلزل حضرموت    البوم    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    فريق مركز الملك سلمان للإغاثة يتفقد سير العمل في بناء 50 وحدة سكنية بمديرية المسيلة    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    دموع ''صنعاء القديمة''    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    وزير المياه والبيئة يزور محمية خور عميرة بمحافظة لحج مميز    أفضل دعاء يغفر الذنوب ولو كانت كالجبال.. ردده الآن يقضى حوائجك ويرزقك    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    هناك في العرب هشام بن عمرو !    قارورة البيرة اولاً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تدحرج العربية السعيدة الى الجحيم: صفقات هادي صالح السرية
نشر في المصدر يوم 22 - 10 - 2015

بمرور عام على سيطرة الحوثيين على السلطة في صنعاء، ودخول اليمن في واحدة من أكثر الحقبات ظلاماً في تاريخها، حديثه وقديمه، فالأكيد أن جوانب من هذا المآل نتجت عن الصراع المباشر بين علي عبد الله صالح وعبد ربه منصور هادي، والصفقات السرية التي عُقدت بين الرجلين وشهد عليها عدد محدود من المقربين منهما. وقد عمل كلاهما ما بوسعه لامتطاء الشعارات خلال السنوات الثلاث الماضية، واستجلبا العنف الداخلي والخارجي حينما لزم الأمر، تنافساً على مساحة رسماها سوياً في إحدى ليالي2011.
هنا الجزء الاول من القصة. في الجزء الثاني، الذي ينشر الأسبوع المقبل، سقوط صنعاء بيد الحوثيين في صفقة ثانية بينهم وبين صالح، وكيفية هرب هادي منها، الذي تلاه هربٌ ثان من عدن إلى عُمان برعاية الطائرات من دون طيار.
في 2011 ، انطلقت ثورة شعبية سلمية في اليمن حملت في طياتها مطالب شعبية واسعة. كان علي عبد الله صالح قبل ذلك بسنوات، ومنذ مطلع الألفية الثالثة، قد بدأ بإعداد نجله الأكبر أحمد، قائد الحرس الجمهوري، أقوى وحدات الجيش اليمني وأكثرها تدريباً وتسليحاً، لتسليمه السلطة من بعده. وحينما باغتته الأحداث في 2011، بدأ صالح جدياً بالتفكير بتسليم السلطة.. لابنه أحمد. ومع إدراك الرجل الواقعي والذكي أنه بإزاء موجة ثورية، وأنه لن يكون قادراً على توريث ابنه أو على الصمود في مكانه كما اعتاد أن يفعل مع كل شيء قرر تزوير تسليم السلطة بدلا من تسليمها فعلاً.
بحث صالح بين رجالاته عمن يمكنه أن يعقد معه صفقة في غاية الأهمية والخطورة، تقتضي أن يكون جسر العبور للسلطة بينه وبين نجله، ليستلم منه السلطة ضمن المبادرة الخليجية التي صاغ بنودها الأولى بنفسه وبخط يده لمرحلة انتقالية تدوم عامين، على أن يعيد تسليم السلطة لأحمد. في بادئ الأمر، وقع اختياره على رئيس الوزراء حينها، الدكتور علي محمد مجور، وهو رجل دولة عريق واقتصادي ينحدر من محافظة شبوة الجنوبية، وكان يشغل أيضاً منصب الأمين العام المساعد للمؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم حينها). لكن مجور رفض العرض ونأى بنفسه. ثم إن مجموعة عوامل محلية وخارجية كانت تميل جميعها نحو اختيار عبد ربه منصور هادي.
تبادل الرجلان القسَم والأيمان المغلَّظة على الوفاء وعدم الخيانة. كان الاتفاق ينص على أن لهادي أن يحكم سنتين يعمل فيهما ما يشاء. كان صالح يراهن على إخلاص هادي له طيلة 17 عاماً كان خلالها نائبه ولم يتجاوز أثناءها دوره المحدد، وكذلك على عدم امتلاكه السند القبلي القوي الذي قد يتيح له التفكير في نكث عهده.
بعد انتخاب هادي، التقى الرجلان في القصر الجمهوري بصنعاء ضمن احتفالية خصصها صالح لما وصفه بتسليمه السلطة "سلمياً"، ودعا إليها كل الديبلوماسيين ووسائل الإعلام العربية والعالمية. ألقى صالح خطاباً مقتضباً قال فيه إنه وجد أخيراً "الأيادي الأمينة" لتسليمها السلطة، وأنه ينتظر أن يحضر بعد عامين (مع انتهاء زمن المرحلة الانتقالية) احتفالية تسليم العلم لرئيس آخر. وأمام الكاميرات، ظهر الرجلان في تلك الصباحية قبيل الاحتفال، وكل منهما يصر على إجلاس الآخر على كرسي الرئيس المعتاد، في سلاسة تبدو غريبة.
هكذا نُفِّذت تفاصيل الاتفاق الأوّلي بسهولة. وحتى حينما زل لسان قائد قوات الأمن المركزي، يحيى صالح (إبن شقيق الرئيس) في العام 2012، قائلا إن أسرته بانتظار العودة إلى السلطة في 2014، قُرِّع عائلياً لتلميحه غير المسؤول وإنْ غير المباشِر.
النكث
في شباط/ فبراير 2012، خرج أكثر من سبعة ملايين ناخب يمني إلى صناديق الاقتراع، في دلالة شديدة التعبير على تطلعهم القوي لطي صفحة صالح. ومن أميركا التي كان يُعالَج فيها من آثار محاولة الاغتيال التي تعرض لها بتفجير مسجد الرئاسة، دعا صالح أنصاره إلى انتخاب هادي في تلك الانتخابات (البيعة).
مع استشعاره الدعم الدولي الكبير والرفض الشعبي الواسع لنظام صالح، اتخذ الرئيس هادي خطوة جريئة: لن يفي بالاتفاق! أبلغ صالح عبر وسطاء بعد الانتخابات بأن الصفقة بينهما لاغية.
ومع جمالية الفكرة من حيث المبدأ، باعتبار "خيانة الخيانة وفاء"، إلا أن الرئيس هادي لم يكن يحسب وقتها إلاّ للفرصة الشخصية التي لاحت أمامه. توقفت فجأة العلاقة بين الرجلين، واللقاءات والرسائل بين أبنائهما الذين ظلوا أصدقاء حميمين حتى بعد صعود هادي للسلطة، يتبادلون النصائح والخبرات في السياسة والتجارة.
كان علي عبد الله صالح يمنح كل مشاريعه الشخصية صفات وتسميات "وحدوية"، بينما يعمل في الواقع على هدم كل ما له علاقة بوحدة اليمن.. وعلى خطاه مشى عبد ربه منصور هادي، إذ هدم الثورة الشبابية وكل آمالها في أقل من ثلاث سنوات (بالطبع بمساعدة الأحزاب والأشخاص الذين ساعدوا صالح أحياناً كثيرة قبله، أو نسخ جديدة منهم، أكثر رداءة)، مطلِقاً على مشاريعه أسماء وعناوين وطنية واسعة، ك "الحوار الوطني" و "القضية الجنوبية"، مهندساً إياها وفق أجندته الشخصية. فهادي قرأ بتمعن ومثابرة دليل صالح إلى السلطة، وحاول السير على خطاه.. في زمن غير زمن صالح.
ومع بداية وصوله، غرس هادي أقاربه (كابن أخيه) في شركة صافر النفطية للسيطرة على مواردها. وبدلاً من الإعداد الحقيقي للحوار الوطني ومقاربة حل القضية الجنوبية جدياً، رفض (بمساعدة ومباركة المبعوث الأممي) تنفيذ النقاط العشرين لحلها... لأن تحقيق الهدف كان سيُضعف مركزه الذي قام شعبياً وأمام القوى النافذة على كونه جنوبي. هذا على الرغم من أنه كان شخصياً متورطاً في الخراب الذي لحق بالجنوب، فهو الذي قاد حرب 1994 عليه حين كان أحد القادة العسكريين في الجيش.
وبعد انطلاقة مؤتمر الحوار الوطني في آذار/مارس 2013، أصدر الرئيس هادي قراراً بعزل اللواء المتنفذ علي محسن الأحمر من قيادة الفرقة الأولى مدرع وقيادة المنطقة العسكرية الشمالية الغربية، والعميد أحمد علي عبد الله صالح من قيادة الحرس الجمهوري، وإلغاء المسمييّن من تشكيلة الجيش اليمني، وتعيين الأخير سفيراً لدى أبو ظبي.
كان ذلك أول تدشين للصراع بين الرجلين. بُعَيد القرار، قامت لجنة وساطة أرسلها صالح بزيارة هادي لتعبر له عن التزام أحمد بتسليم الحرس الجمهوري، وفي المقابل طلبت باسم الرئيس السابق إعفاء نجله من منصب سفير في الإمارات. فقد أراد أحمد البقاء في اليمن. ولكن هادي رفض التماس اللجنة، وكانت تلك القرارات تتزامن مع الفترة التي كانت تجري فيها محاكمات علاء وجمال مبارك في مصر، فأجابهم قائلا "قولوا له يحمد ألله، أولاد مبارك بالسجن"، ليرد عليه أحد أعضاء اللجنة: "فخامة الرئيس، ولكن نائب مبارك في القبر"، في إشارة الى عمر سليمان الذي توفي ولم يصعد رئيساً كهادي.
استطاع هادي حينها تمرير قرار عزل نجل صالح والأحمر، كون القرارين وافقا مطالب شعبية واسعة، ولم يكن أي منهما باستطاعته على الأقل حينها الرفض المعلن أو المباشر.
وجهة الجهد
عمل الرئيس هادي بنجاح في عامه الأول على تفكيك منظومة قيادات صالح وعزلها تدريجياً من الجيش ومن أماكن هامة في مفاصل الدولة. لكن عملية هيكلة الجيش توقفت في قمة الهرم، من دون أن يُرسي بدلاً منها منظومة مصالح مرتبطة بالدولة، ومن دون خلق مساحة قيادية شخصية وعامة يمكنه عبرها استيعاب كل هذه القوى التي فككها. وقد سهّل ذلك لصالح لاحقاً إعادة استقطاب الكثير من الخاسرين الجدد الذين أقصاهم هادي، الذي لم يبذل الكثير من الجهد لاحتواء أو حتى لتحييد قوى هامة في اليمن. فعلى سبيل المثال، وخلال عام كامل، لم يزد عدد لقاءاته مع قيادات حزبه (المؤتمر الشعبي العام) عن أصابع اليدين، برغم شغله منصب أمينه العام، فسيطر صالح (رئيسه) عليه وحافظ على نفوذه فيه من دون أي جهد يُذكر عدا توظيف أخطاء هادي.
وفي صراعه مع صالح، وإدارته البلاد بشكل عام، ركن هادي كثيراً إلى المجتمع الدولي ممثَلا بسفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية، إذ لم يأبه هو وطاقمه لأي شيء آخر أكثر مما يريده "الرجل الأبيض"، متكلا على المبعوث الأممي إلى صنعاء تحديداً. ويمتلك الرئيس هادي على سبيل المثال صوراً للقاءاته مع سفراء الدول العشر يتجاوز عددها بكثير لقاءاته مع أي طرف يمني خلال سنوات حكمه الثلاث، بل يتجاوز عددها لقاءاته مع أي من وزراء حكومته.
في شباط/فبراير 2013، اندلعت تظاهرات عنيفة في عدن، وحاول مستشارو الرئيس إقناعه بالتوجه الى المدينة، عبثاً. كان هادي الذي صعد الى السلطة منذ عام، قد زار بريطانيا وأميركا ولم يزر عدن أو أي محافظة أخرى. واضطر مساعدوه للجوء إلى جمال بن عمر لإقناعه بزيارتها، فهاتفه.. فزارها في الحال وفي منتصف الليل.
ويقول أكثر من نصف أعضاء لجنة الأقاليم، في لقاءات منفصلة، إن هادي سلم لهم مسودة تقسيم الأقاليم الستة طالباً توقيعها والموافقة عليها خلال ليلة واحدة من دون أي نقاش حقيقي او دراسة اقتصادية أو تنموية أو جغرافية أو اجتماعية. وهي المسودة التي لغمت اليمن من أقصاه إلى أقصاه بعوامل الصراع القائم حالياً، ممهدة الطريق للحوثيين إلى صنعاء. فقد كانت مطالبتهم بتعديل التقسيم أبرز دوافعهم للتحرك المسلح صوب المركز، وبغض النظر عن الذرائع الأخرى.
هندسة السلطة
لم يكن تفصيل الأقاليم على هذه الشاكلة هو كل أخطاء هادي، فقد انصبَّ اهتمامه في مؤتمر الحوار الوطني على تحقيق هدفين شخصيين مباشرين، لهما علاقة بنجاحه في تطويق صالح في تلك الصفقة السرية. فاستهلك وأهلك الجهود والملايين والدعم والوقت والطاقات التي كانت كلها تتوهم أنها تشارك في حوار وطني يمني لأهداف عامة.
كان هدفه الأول من المؤتمر هو الإبقاء على النظام السياسي رئاسياً وليس برلمانيا، كونه ينوي التمديد لنفسه. وأما الثاني فتمرير مادة تمنع قادة الجيش من خوض الانتخابات قبل مرور عشر سنوات على مغادرتهم الحياة العسكرية. كانت تلك المادة تحديداً تهدف إلى تطويق أحمد علي صالح.
لتحقيق الخطوة الأولى، فرض الرئيس هادي ابن قريته، "مارم" رئيساً للجنة بناء الدولة المختصة. لم يكن رئيس هذه اللجنة، وهي الأهم، يمتلك أي مقومات تذكر للمنصب، لكنه كان ابن قرية الرئيس الوفي الذي سيحرص على تحقيق ما يريده منه. وخلال عشرة أشهر، عمل "مارم" على تعطيل أي نقاش حقيقي داخل اللجنة، إرضاءً للرئيس، واصطدمت محاولة أكثر من عضو لتغييره أو لإصلاح سياق عمل اللجنة بنفوذ هادي المباشر على الأمانة العامة لمؤتمر الحوار الوطني.
حقق هادي هدفه الثاني، عبر ذراعه الطويلة والمطيعة، الأمانة العامة لمؤتمر الحوار، باستصدار مادة تحقق فعلياً عدم صعود أحمد علي صالح إلى السلطة. ولاعتماد ذلك، أوفد هادي منتصف شباط/فبراير 2014 أمين عام الحوار الوطني حينها، بن مبارك، إلى نيويورك للحصول على قرار أممي يدعم مخرجات الحوار، وكان القصد تكريس هذين البندين. انتقم صالح لاحقاً من بن مبارك بالإيعاز للحوثيين في أيلول/سبتمبر 2014 برفض ترشيحه لرئاسة الوزراء، وقد أجبر على الاعتذار عن تشكيل الحكومة حينها.
وفي تموز/يوليو 2014، قرر الرئيس هادي رفع الدعم عن المشتقات النفطية في البلاد، فارتفعت أسعار الوقود بناء عليه وخرجت تظاهرات كبيرة في عموم البلاد، وكان البعض منها رداً من صالح على تصرفات هادي، الذي قال عن القرار الذي اتخذه خلافاً لرغبة حكومته الانتقالية، انه لا مفر منه لرفد الموازنة العامة للدولة. لكن ذلك لم يكن صحيحاً على اية حال . تشير إحدى وثائق ويكيليكس السعودية إلى أن السفير السعودي في صنعاء كان قد بعث بمذكرة للرياض يقول فيها إن المساعدات النفطية التي قدمتها المملكة لليمن لم تُورَّد الى خزينة الدولة.
لم يفوِّت هادي وصالح هذه الفرصة بطبيعة الحال للانقضاض كلٌ على الآخر. تحول صالح إلى الهجوم هذه المرة، فقد كانت تلك فرصته لتأليب الناس على هادي. أما هذا الأخير فتلك كانت فرصته لتوجيه أصابع الاتهام الى "النظام السابق". لعب هادي على ذلك لثلاثة اعوام، معلقاً عليها كل فشله، إلى درجة تجعل المرء يعتقد أن هادي كان منذ العام 1994 احد معارضي صالح القابعين في السجن، وليس نائباً له في أسوأ سنين حكمه. ليس ذلك فحسب، بل استغل السخط الشعبي لتمرير قرارات جمهورية جديدة كمكافآت لمن طبخوا له العملية الانتقالية والحوار الوطني على هواه بدلاً من الاستجابة للمطالب المحقة التي قامت بوجه قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية. كما استغل السخط الشعبي للسيطرة على قناة "اليمن اليوم" التابعة لصالح، فأمر قوات الحراسة الرئاسية بمهاجمتها والسيطرة عليها.
عمران وما أدراك..
كل ذلك لم يمنع هادي من محاولة مغازلة صالح في تموز/ يوليو 2014، عندما اندلعت المعارك في محافظة عمران بين الحوثيين وقوات اللواء 310 الموالية قيادته لعلي محسن الأحمر وحزب الإصلاح (الإخوان المسلمون)، خصمي صالح اللدودين منذ 2011. كان ثأر صالح من الإخوان المسلمين في اليمن عموماً، لانشقاقهم عنه في 2011، أكثر من ثأره من أي طرف آخر. وكان الرئيس هادي يرغب في تقليم أظافر الإخوان والتخلص من صعودهم الذي ترافق مع حراك 2011، وكان في ذلك تحقيق لرغبات إقليمية أيضاً. وهو فعل في قفزة كبيرة فوق معطيات الواقع، وقبل أن يجهز إطار حماية له بديلا عنهم، ومن دون أن يُخرج صالح إلى مربع محايد على الأقل.
وجد هادي في معارك عمران فرصة لهدنة ولو وهمية مع صالح، فسمح بسقوط المحافظة بيد الحوثيين ومقتل اللواء القشيبي، غير مدرك بأنه يلعب بالنار وسط منطقة مشتعلة للغاية. سُرَّ علي صالح بذلك كثيراً، وبنى عليه لاحقاً لينسِّق مع الحوثيين لإسقاط صنعاء.
بعد سقوط عمران في رمضان 2014 بيد الحوثيين، بدأت السعودية باستشعار تعاظم خطر خصومها الحوثيين بشكل مباشر. فطلبت من علي عبد الله صالح وعبد ربه منصور هادي نسيان خلافاتهما والعمل سوياً لمواجهة الحوثي. من حيث المبدأ، وافق الرجلان، وظهرا معاً برفقة اللواء الأحمر في صلاة عيد الفطر بجامع الصالح، وهو الجامع نفسه الذي كانت قوات هادي قد سيطرت عليه لأيام قبل ذلك فنشبت توترات أمنية.. ضمن محاولة هادي تشتيت الرأي العام وإلهائه عن أزمة المشتقات النفطية.
ظلت تلبية رغبات المملكة شكلية، لأن هادي لم يستطع مصارحة السعودية بحقيقة مشكلته مع صالح الناتجة عن الصفقة الملعونة تلك، كما لم يستطع صالح ذلك أيضاً. وكان علي محسن الأحمر يدرك أنه هدف لهما معاً، كما أنهما هدفان له أيضا. ففشلت الرياض في جمع هذا الشتات المتعادي، وكان ذلك في مصلحة الحوثيين وحدهم.
استمر تمدد الحوثيين نحو صنعاء، واستمر صالح وهادي في الترصد لبعضهما وتحويل أي معركة إلى وقود لصراعهما الخاص والمباشر. في آب/ اغسطس من العام نفسه، اجتمع الرئيس هادي بكبار قادة جيشه في منزله بالعاصمة صنعاء وأسمعهم تسجيلاً صوتياً لأحد قادة المعسكرات المحيطة بمطار صنعاء والتابع للحرس الجمهوري، وهو يقول إنه سيهاجم مطار صنعاء إذا لم يفعل الحوثيون.

كان علي عبد الله صالح قد بدأ فعلياً في العمل على تيسير دخول الحوثيين إلى صنعاء، وقد تقاطع ذلك أيضا مع أجندة إقليمية وغربية تمثل بعضها بالرغبة في تقليم أظافر قطر في المنطقة، ومعها كل حلفائها، بما في ذلك الإخوان المسلمون في اليمن. كان علي عبد الله صالح قد وقع في ليل 21 أيلول/ سبتمبر اتفاقية سرية مع عبد الملك الحوثي تنص على حياد القوات الموالية له تجاه الحوثيين. وكان الرئيس هادي حالما حين اعتقد أن دعم المجتمع الدولي النظري اللامحدود له كاف لإبقائه في السلطة، كما باعتقاده أن سماحه للحوثيين بالسيطرة على عمران، ولاحقا بالوصول إلى بعد كيلومتر واحد من منزله (مقر الفرقة الأولى مدرع) وإسقاطهم للفرقة، سينحصر فقط بالتخلص من حلفائه الثقيلين (الإخوان المسلمون) من دون أن يكون للحوثيين أو لصالح أجندتهم المباشرة لإطاحته.
في خضم ذلك، حصلت دول إقليمية منها الإمارات العربية المتحدة على وعود من أطراف ضمنها صالح، بأن الحوثيين سيصلون إلى صنعاء للسيطرة فحسب على الفرقة الأولى مدرع وجامعة الإيمان التابعة لعبد المجيد الزنداني والإخوان المسلمين، وسيخرجون بعد ذلك. أي كانت الخطة تقضي بتمكين الحوثيين ضداً من الإخوان المسلمين. وفي ليلة 21 أيلول/ سبتمبر 2014، بدأت القوات المتبقية في العاصمة صنعاء بالانهيار أمام الحوثيين، بينما استمر موقف الرئيس هادي محايداً تماماً من الحرب ومن إسقاط عاصمته، ما شكل عاملا حاسما في السقوط الهادئ لصنعاء في أيدي الحوثيين..
ومع اقتراب الحوثيين من مناطق الفرقة الأولى مدرع، تلقى الرئيس هادي مكالمة مباشرة من الملك عبد الله تلزمه بتوفير إجلاء آمن للجنرال علي محسن الأحمر. لم يخالف الرئيس هادي الأمر الملكي.
في محاولة متأخرة للانتقام من صالح، وضع مجلس الأمن الدولي، ابنه، أحمد صالح (بطلب رسمي من هادي) في قائمة العقوبات التابعة له، ضمن المعرقلين للعملية الانتقالية في اليمن. وردا على ذلك، اتخذ صالح قراراً بفصل عبد ربه منصور هادي من منصبه كأمين عام للمؤتمر الشعبي العام. وفي منتصف كانون الثاني/ يناير 2015، وضع الحوثيون وصالح خطتهم النهائية لاستكمال انقلاب 21 أيلول/ سبتمبر. واندلعت المعارك بين ما تبقى للرئيس هادي من قوات الحماية الرئاسية والحوثيين الذين، بمعية صالح، كانوا يمتلكون زمام الأمور العسكرية في العاصمة.
مع اشتداد المعارك والهجوم على منزله، استقال هادي عشية 21 كانون الثاني/ يناير، بعد مقتل 11 من أقاربه على يد الحوثيين، الذين كانوا قد حاولوا إجباره على تعيين نائب له من قبلهم.
الهرب من صنعاء
قدم الرئيس هادي استقالته بعد ساعات من استقالة الحكومة. وهو علم عبر جهاز استخباراتي خارجي بنية الحوثيين تقديمه لمحاكمة عسكرية صورية بعد تعيين نائب له. فبدأ ابنه الأكبر ناصر (ظهر مؤخرا ضمن المستقبلين القليلين لوالده في مطار عدن حيث سبقه إليها من الرياض للإعداد لعودته السريعة) بهندسة واحدة من أعقد عمليات الفرار من العاصمة صنعاء: في وسط النهار، ومن قبضة الحوثيين القوية على العاصمة.

كان ناصر هو مسؤول الحماية الامنية لوالده والشخصية العسكرية الغامضة والقوية في الوقت نفسه. وعبر سماسرة مختلفين وعمليات تطلبت مبالغ مالية باهظة، هَرَّب ناصر إلى عدن جميع أفراد العائلة بمن فيهم والده، قبل أن يتنبه الحوثيون لذلك.
ليس واضحا تماما بعد دور صالح في عملية هروب هادي. لكن الواضح هو أن صالح ساعد هادي – بمستوى محدود – على الهروب ضمن صفقة جديدة عقدها الرجلان بعد اعلان الحوثيين تشكيل اللجنة الثورية، وبعد ان بدأ صالح الإعداد لخوض مواجهات نهائية مع الحوثيين لاعتقاده بانتهاء هادي سياسيا، خارجيا وشعبيا.
خلال فترة وضعه تحت الاقامة الجبرية، كان الرئيس هادي قد طلب وساطة المبعوث الاممي جمال بنعمر في الحصول على موافقة الحوثيين بالسماح له بمغادرة اليمن هو وأسرته في منفى اختياري هو عُمان ، ورفض الحوثيون الوساطة.استغل صالح لاحقا ذلك وعقد صفقة مع هادي مفادها تسهيل خروج هادي الى عدن مقابل مغادرته الحياة السياسية تماما، ومغادرة البلد الى عُمان من عدن في وقت لاحق.
لم تكن المملكة العربية السعودية على علم مسبق بخطة فرار هادي الى مسقط، ولكنها بنت عليها لاحقا وطلبت منه بعد وصوله الى عُمان القدوم الى الرياض وتغيير خططه المتعلقة بالتقاعد الاختياري.
وكانت السعودية قد طورت خطة "عاصفة الحزم" على عجل وبتكتم شديد، ولم يكن حتى هادي نفسه يعلم بها

. في الواقع وبالرغم من أن أجهزة الستلايت الغربية رصدت حركة نقل كثيفة للمعدات والجنود من الجهة السعودية نحو الحدود اليمنية قيبل انطلاق "عاصفة الحزم"، الا انه ووفقا لمصادر غربية مختلفة، فان السعودية لم تُعْلِم حلفائها الغربيين بموعد أول ضربة جوية على صنعاء، إلا قبل ساعات قليلة جدا من حدوثها.
تسبب هروب هادي على أية حال بإرباك كبير للحوثي الذي اعتقد انه كان قد تخلص من هادي أخيراً، أو على الأقل أنه في طور التخلص منه. وكانت تفاهمات صالح الحوثي قد تعدّت المرحلة الاولى لتصبح تفاهمات إقليمية بين إيران وهامش تواصل روسي.

وأهم من ذلك، كان صالح وإيران قد بدآ التواصل والتنسيق مباشرة، وكانا قد وصلا الى صيغة يسيطر فيها صالح على الجيش وتكون للحوثيين المرجعية السياسية في شؤون البلاد. يفسر ذلك جزئيا غضب السعودية الجم على صالح، إلى درجة تتجاوز عداوتها للحوثيين أنفسهم. في حزيران/ يونيو المنصرم، قال الناطق الرسمي لقوات التحالف في مقابلة بالرياض إن المملكة على استعداد للتوصل إلى تفاهم مع الحوثيين، لكن شريطة تخليهم عن صالح.
كانت موسكو أيضاً، قبل فرار هادي من صنعاء (ولأسباب وحسابات إقليمية وخارجية غير مرتبطة باليمن)، قد أوعزت للحوثيين بنقض اتفاقهم مع صالح عشية استقالة هادي. اذ كان الطرفان قد اتفقا على قبول مجلس النواب لاستقالة هادي وتعيين الحوثيين رئيسا مؤقتا يوافق عليه مؤتمر صالح. وبعد إيعاز روسيا ذاك، شكل الحوثيون "اللجنة الثورية" التي لم يعترف بها حتى صالح نفسه.
لاحقاً، حاول صالح والحوثيون قتل هادي في عدن بقصف طائرات حربية موالية لهما لمقره هناك. فهما كانا يخشيان جديا أن يعلن هادي كما حدث فعلا تراجعه عن الاستقالة.
الهرب في الصحراء برعاية "درونز"
عند اقتحام الحوثيين لعدن، فر الرئيس هادي إلى عُمان عبر شبوة. ومع بدء رحلته في الصحراء، كان حتى حلفائه الأقرب الامريكان الذين كانوا قد بدءوا بغسل أيديهم من قدرته على الصمود في مكانه او الاستمرار كرئيس للبلاد، لجأ حينها إلى أصدقائه الأقدم، البريطانيين، طالباً تدخلهم لحمايته المباشرة حتى يغادر الاراضي اليمنية. وبعد استنجاده، أرسل الأميركيون (بطلب من بريطانيا) طائرة بلا طيار لترافق موكب هادي في الجبال والصحاري. لم تكن الطائرة تحاول حماية الرجل من هجمة برية أو جوية حوثية فحسب، بل لعل المفارقة الأعحب أنها أيضا كانت تحميه من الطائرات بلا طيار الأخرى المنتشرة في سماء اليمن بتصريح وطلب منه.

ففي أماكن معينة من اليمن (كبعض المناطق في شبوة وأبين)، تستخدم واشنطن سياسة قتل مباشر شهيرة تعرف ب "السلوك المشبوه"، هي عبارة عن ضربات جوية تنفذها "درونز" أميركية تقصف لتقتل على الأرض من دون حصولها على معلومات مخابراتية، ولكن بناء على معايير مسبقة مبرمجة ومعينة، منها ان يكون الهدف تجمعا من الأشخاص، وأن يكون مسلحاً، وان يكون أفراده في سن ما بين ال15 وال65. وقد قتلت عمليات كهذه مدنيين كثراً، كحين استهدفت موكب عرس في كانون الاول/ ديسمبر 2013 في البيضاء لانطباق "الشروط" عليه. وموكب هادي كانت أيضا تنطبق عليه هذه "الشروط"! وهو كان في خطر شديد من قبل آلة أميركية رحّب بها ودعمها سراً وعلناً. كانت تلك الحادثة تلخيصاً مكثفاً لتغذية هادي لكل هذا العنف قبل أن يرتد عليه...
هكذا، دخلت بلاد "العربية السعيدة" فصلاً من فصول الجحيم العراقي والسوري.. وينعكس هذا مباشرة على يوميات الحرب الحالية. في النصف الاول من العام الجاري، منع الرئيس هادي طائرة للصليب الاحمر من الهبوط في صنعاء بينما هي تحمل أدوية للحروق، في محاولة منه للانتقام المباشر من الحوثيين وصالح.. ليدفع اليمنيون الأبرياء كما العادة ثمن الصراعات والحروب العبثية. ورغم أهمية هذا الصراع الشرس بين رجلين على مصالح مباشرة، فهو لم يكن وحده من ساعد الحوثيين على الوصول إلى السلطة، ومن قاد اليمن إلى الجحيم. لقد توازى هذا الصراع المباشر بين الطرفين مع مصالح إقليمية ودولية مختلفة. وبين مصالح هذين الرجلين، يغرق واحد من أجمل بلدان العالم ومن أكثر الشعوب طيبة في جحيم خلقه وعزز أسبابه قادته بمساعدة الإقليم والعالم.

نشرت السفير العربي هذا التحليل في حلقتين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.