أفاقت هنود ذات التسع سنوات في إحدى غرف مستشفى مأرب بعد إخراج عدد من شظايا ذلك اللغم من بطنها بعملية جراحية خلفت عشر ندبات, وجروح كثيرة متفرقة في أنحاء جسدها الصغير، لتقول لشقيقها (صالح 17 عام) إنها شاهدت أمّها في الجنة وقد أصبحت فتاة شابة, ورأت أيضاً شقيقها (منيف 24 عام) وقد أصبح رجلاً متزوجاً. لم يكن صالح يرغب في إخبارها ان أمّها وشقيقها منيف وشقيقتها الأصغر الطفلة (زهور), قد ماتوا جميعاً, وأنها الناجي الوحيد من تلك الغرفة الملغومة. فحاول الكذب عليها قائلاً إن والدتهم سافرت البلاد (القرية) وستعود قريباً، لترد عليه هنود بصوتٍ منخفض وملامح حزينة وبكل يأس، «أنا داريه إن أمي ماتت. قد ابسرت (رأيت) كل شيء بعد الانفجار، ابسرت أمي بغير ايدي, وسمعت منيف وهو يقول اشهد ان لا إله إلا الله, وابسرت زهور والدم يخرج خيرات من راسها, وبعدها لقيتهم كلهم في الجنة وامي قد رجعت بنت ومنيف قدو مزوّج وكنت أحاكي امي بس ما كانتش ترد عليا" وانهمرت دموع هنود بغزارة.
"هنود" طالبة في الصف الثالث الابتدائي. من أسرة بسيطة تمتلك منزلاً شعبياً بُني بالطين وسط مزرعتهم الصغيرة في منطقة "المنين" جنوب مركز محافظة مأرب، وبسبب اجتياح الحوثيين للمحافظة, اضطرت الأسرة منتصف العام الحالي 2015م لترك المنزل والمزرعة, والنزوح إلى أطراف وادي عبيدة جوار شركة صافر, للعيش في خيمة جهزها لهم احد اقربائهم.
ولهنود شقيقتين إحداهن زهور الطفلة، والأخرى (زمزم 18 عاماً) التي كانت في المطبخ ساعة وقوع الانفجار، وثلاثة أشقاء أصغرهم صالح يليه منيف ثم (نائف 26 عاماً) الذي انضم هو ومنيف إلى المقاومة الشعبية ضد الحوثيين بعد نزوحهم.
وبعد نزوح دام حوالي 5 أشهر، انتصرت المقاومة وطردت الحوثيين من المحافظة، وبرغم التحذيرات التي تؤكد زرع الحوثيون للألغام في كل المناطق التي كانوا فيها إلا أن الأسرة قررت العودة إلى المنزل. ويقول العم (صالح مصلح القطيش) رب الأسرة الذي كان حينها في مسقط رأسه مديرية أرحب محافظة صنعاء يقول "اتصلوا بي وقالوا إنهم سيعودون فقلت لهم لا تعودوا الآن, انتظروا حتى يتم مسح المنطقة من الألغام. لكنهم ضاقوا في النزوح".
عادت الأسرة إلى البيت لتجده شبه مدمر ومخلفات الميليشيا التي اتخذت منه مسكناً تنتشر في كل مكان, والمزرعة أصبحت يابسة وبعض أجزائها محروقة، وفي ذلك اليوم المشؤوم (الجمعة 9- اكتوبر - 2015م) كانت الأم تُنظف احدى الغرف من مخلفات الميليشيا, وكان يجلس في نفس الغرفة ابنها منيف وشقيقتاه زهور وهنود.
وتقول هنود إن انفجاراً قوياً حدث فور رفع والدتها فراش الغرفة, لتحدث المأساة. يقول العم صالح مستغرباً "هم داريين انه ما حد عيدخل البيت الا النسوان والجهال، ما عتدخلش المقاومة البيت" وفي الحقيقة لا أحد يدري ما الذي كان يفكر فيه الذي زرع اللغم في ذلك المسكن العائلي. لا يوجد أي تفسير لذلك سوى أنه كان يريد لما حدث أن يحدث.
موت زهور ومنيف وأمهما وإصابة هنود كل هذا لن يفيد الحوثيين في شيء ولن يعيدهم إلى المحافظة ولن يشكل أي نصر لهم, وهم يعلمون هذا جيداً, لكن يبدو أنهم يقاتلون ليقتلوا فقط, أما الانتصار فهذا أمراً مستحيلاً.