لا يبدو لي مطلقاً أن صالح كان في حالة جيدة حين قرر أن يضع ذلك المنشور على صفحته في الفيسبوك. أنا على يقين تام أن أمر هذا المنشور لا يتعلّق برسائل ضمنية يود توجيهها لأطراف معينة، كما يذهب المتحذلقون في التحليلات. فقد وصل الصراع بين صالح وبين خصومه إلى الحدّ الذي لا يمكن معه إرسال ماسجات بهذه الطريقة الرمزية البالغة. صدقوني.. الأمر مرتبط بشكل مباشر بالحالة السايكلوجية التي تسيطر على تفكير صالح وسلوكه. حالة من الغرور الطافح تواجه عجزاً مريراً في التعاطي مع المتغيرات الهائلة التي حدثت على الأرض طيلة 9 أشهر، تدمرت خلالها قوّة صالح العسكرية. صاحبه انكشاف سياسي من الجوار الذي ملّ فهلوة صالح، ومن البعيد الذي لم يعد بحاجة إلى حليفٍ كُلفة التحالف معه صارت باهظة، ومخاطرها أكثر. هذا من خصومه، فماذا صنع أصدقاؤه الطيبون؟! لقد تركوه وذهبوا إلى هناك، حيث كان هو قبل سنوات قليلة، ومن هناك خلعوه من رئاسة الحزب الذي كان دائماً ما يشير بسبابته اليسرى إلى صدره ويقول عنه، وعن الحرس الجمهوري، بلكنة قبائل الهضبة الصرفة: "حقي". ثم أحالوه بقرار من اللجنة العامة إلى الهيئات الرقابية للحزب، للتحقيق معه في الجرائم التي ارتكبها في حق البلاد.
كل هذا كان كثير جداً جداً على صالح، الذي كان يعتقد أن الجميع كما قال لمذيع تلفزيون الميادين: " عند جزمة علي عبد الله صالح". لا شك أنه سيصاب بصدمة عاطفية حادة يتخلّى معها فوراً عن استخدام التلفون وربّما اشترى مجموعة من الدباديب الحمراء، ورصهم أمامه في مشهد تراجيدي، وراح يوبخهم واحداً تلو الآخر، غير مدرك أن اللجنة العامة قد صارت هناك، حيث كان هو قبل سنوات قليلة.
الزعيم الذي يقول "تمكّنا من إنجاز الكثير" ثم يبدأ بسرد بعض العادات اليومية التي تخلى عن ممارستها، في الوقت الذي تخلى ملايين اليمنيين عن ممارستها، نتيجة الحصار والحرب التي يقف صالح طرفاً فيها. الزعيم الذي يتحدث عن الإنجازات الكبيرة بهذا المستوى في هذا الظرف، لا شك أنه يعاني وحدة قاتلة وعظمة منتهية الصلاحية، ضاق بها قبوٌ صغير، فطفحت إلى الخارج على شكل منشور يقول لأنصاره قبل خصومه أنا هنا، مازلت حاضراً !