يتذبذب سعر اسطوانة الغاز المنزلي (20لتر) في صنعاء بين 3500 و 6000 ريال، وحدث أن ارتفع في أيام عيد الأضحى الماضي إلى 14000ريال (70$). وكما هو معلوم، أن العيش في المدينة يصبح مستحيلاً بدون الغاز المنزلي. انقطع التيّار الكهربائي تماماً عن جميع أحياء العاصمة منذ خمسة أشهر، ومَن منعتهم الظروف المادية مِن شراء ألواح شمسية لتوفير الكهرباء - وهم كثير - فإنهم يعيشون حياة بدائية بكل تفاصيلها وسط عاصمة في القرن 21.
يمر مسلّحون بلباس مدني في شوارع العاصمة وبأيديهم سندات تحصيل، يجمعون الأموال من أصحاب المحلات التجارية، مرة باسم المجهود الحربي، ومرة باسم الاحتفال بالمولد النبوي ومرة لتسيير قافة غذائية لرجال الله المرابطين في الحدود. وتتكرر العملية بصورة دورية، حتى تأخذ شكل الابتزاز، وجباية الأموال تحت التهديد الضمني بقوة السلاح.
تنشط في العاصمة عصابات السرقة والنهب، بشكل لافت. في الشهر الماضي اختطفت عصابة مسلحة مديراً مالياً في إحدى الشركات المعروفة، وقالوا له بصريح العبارة: "أنت مطلوب لأنك داعشي". بعد ساعات ألقوه في أحد الشوارع بعد أن ترك لهم، تحت تحديد السلاح، سيارته وتلفوناته وجهاز المحمول ومتعلقات أخرى.
عدد غير قليل من الشركات والمؤسسات صفت أعمالها في العاصمة وسرّحت موظفيها، وما بقي من استثمارات لا يتوقع أصحابها أن تستمر إذا بقي الحال كما هو عليه. يقول مالك مطعم شهير في العاصمة: تراجع استهلاكنا للحم في وجبة الغداء فقط لليوم الواحد، من 500 إلى 150 كجم، والإيرادات بالكاد توفي النفقات.
في شارع القصر، وسط العاصمة، يقف شباب في كتلات صغيرة متفرقة، بأيديهم رُزم نقدية من فئة 1000 ريال يلوحون للمارة: "كم معك" "250" "248". أنت الآن في السوق السوداء للعُملة! أما السوق السوداء للمشتقات النفطية والغاز المنزلي فلا يكاد يخلو منها شارع من شوارع العاصمة.
لا أعتقد أن ثمة شخص لن يتفق معي على المشاهد أعلاه، التي تعبر عن الحياة اليومية في العاصمة صنعاء، المحكومة بسلطة الميليشيا منذ 21 سبتمبر 2014. ومع ذلك لن يكون بوسعي توضيحها لمن يعتقد أن الناس وسط هذه المشاهد البائسة، سيقفون بكل حزم وثبات للقتال دفاعاً عن الميليشيا، التي أغرقت سكان العاصمة في دوامة من المجهول، بمبرر الدفاع عن صنعاء والشرف والعرض.. إلى آخر الموال.
كيف يمكن أن يفهم من يحمل هذه القناعة، أن العاصمة لم يعد فيها ما يمكن الدفاع عنه؟ كيف سيفهم، ألا وجود للإنسان أصلاً، وسط هذه المشاهد القاتمة، حتى نتحدث عن كرامة الإنسان وشرفه وعرضه؟
هل يمكن أن يفهم ذلك، لو تذكر ماذا فعل طلاب مدرسة الكويت بأعلى رأس في سلطة الميليشيا، التي تراهن على "الحاضنة الشعبية" في مدينة كل ما فيها يلفظ وجود الميليشيا بصورة أو بأخرى، فضلاً عن الدفاع عنها ؟!