على طريقة الطالب البليد الذي استنتج أن الضفدعة تفقد حاسة السمع حين تقطع أطرافها، يخرج بعض أصحابنا الغيورين على تعز بفكرة الحراك البرغلي، في الوقت الذي يستجمع البلد قواه لإزاحة المشروع الطارئ وبناء المشروع الوطني الجامع الذي تقف أمامه الكثير من العوائق، ومنها العائق المناطقي الذي كرسه صالح ونجح في تحويله إلى مشكلة، يأتي هؤلاء في وقت نحن في أمس الحاجة فيه إلى إيجاد الحلول، ويضيفون مشروع مشكلة جديدة. طيلة حكم صالح، كان جليًا سعيه لتحويل تعز إلى قرية، وكسر مكانتها وروح أبنائها التي تحلق فوق الأسوار، وبشغله هذا ساهم صالح، من حيث لا يشعر، في انتشار الإنسان التعزي إلى باقي مناطق البلاد ليكسب العيش ويكسب أهلها النور، حتى لا تجد مدينة يمنية، صغيرة كانت أو كبيرة إلا وأبناء تعز في نسيجها لا ينكرونها ولا تنكرهم، رغم استمرار الضخ المناطقي للحاكم وشبكة مصالحه.
وحين انقدحت شرارة فبراير العظيمة، خرج صالح كالممسوس ينادي قبائل المحيط كي يتنادوا لاجتثاث البراغلة من صنعاء، قبل أن بسيطروا على الحكم. قال له مشائخ المحيط "شمال الشمال" حسنًا، نحن مع هؤلاء الذين تسميهم براغلة، وقال له ضباط شمال الشمال: أما نحن فسنحميهم بما نقدر عليه، وخاض مشائخ وضباط شمال الشمال حربًا ضروسًا حالت بينه وبين أن يتدفق سلاحه الضارب من الصمع ويدهس الطلبة البراغلة في مدخل جامعة صنعاء، وبالتوازي مع ذلك يأتي أبناء قبائل شمال الشمال إلى عضو لجنة النظام الأعزل فيجردهم من سلاحهم الأبيض بطيب خاطر، وهو الذي لا ينزل من جيد القبيلي إلا إلى القبر. كان أبناء القبائل يهتفون بالسلاح الساكن في بيوتهم لمواجهة صالح، وكانت الطالبة البرغلية تهتف: سلمية سلمية، فيهتفون وراءها، وتنهال عليهم رصاص الأمن المركزي وتدفع الثورة أول الأثمان: الشهيد الأول من عيال سريح، من شمال الشمال. خرج صالح مؤخرًا يسخر ممن ينادي بفك الحصار عن تعز، وينعتهم بالمناطقية، كي يستفز الخزان البشري لشمال الشمال، بعد أن مرت سياراته تشحذ المقاتلين بمكبرات الصوت، وراح يبحث عن طلبة المدارس ليغذي حروبه المريضة، يبحث عن الف وسيلة ليحدث هدفًا واحدًا، أن يتفاعل الناس مع تحريضه المناطقي، فتختلط الأوراق ويعاد تشكل خارطة الصراع، ليكون في منجى. لم يدر بخلد صالح حينها أن الثوار المقاومين، سيمدون إليه حبل النجاة المناطقي، حين يصل مقاومو شمال الشمال إلى نهم وبني حشيش والبقع وحجة، قريبًا من أسوار المنزل الذي يسكن أرضه السابعة!
تعز كانت ولا زالت، وستظل حاملة للمشروع العروبي الذي يواجه اليوم أسوأ لحظات ضعفه، وهي كبيرة بما يكفي لتحصينها من هاشتاق مناطقي صغير.
هي أم عبدالرقيب وأحمد سيف والنعمان ومحمد علي عثمان، وألف بطل وبطل. عاصمة اليمنيين القديمة والتي تقدم كل شيء من أجل الوطن الذي تلاه الفضول قصائد وجدٍ، وغناه أيوب ألحان خلود.
تعاني تعز من حصار المكان، ويريد هؤلاء أن يحاصروها، أيضًا، حصار المكانة.