* يوم الثلاثاء الماضي كان متظاهرون قرب جامعة صنعاء بالعاصمة يهتفون بشعارات مستفزة مثل: ارحل وارحلوا وغيرهما، ويعنون بذلك رئيس الجمهورية والحزب الحاكم، وبالمقابل كانت هناك مظاهرة مضادة انخرط فيها اشخاص وهتفوا بعبارة أكثر استفزازا.. يرحل (البراغلة) من صنعاء.. وهذا ما أثار حفيظة رئيس الجمهورية واعضاء في البرلمان واصدر المؤتمر الشعبي بيانا بهذا الخصوص أدان فيه مثل هذه المقولة الكريهة.. إذ أن كلمة (البراغلة) ومثلها (اللغالغة) تطلقان من قبل أفراد في محافظات الشمال على مواطني محافظات الوسط وخاصة تعز من باب الازدراء والتمييز المناطقي وولدت على ما يبدو في فترات الصراع السياسي والطائفي السابقة. وقد سألت نفسي لأول مرة ما أصل هاتين الكلمتين (براغلة ولغالغة)؟ فرجعت إلى معاجم اللغة العربية الأساسية مثل (لسان العرب.. وتاج العروس.. والمحيط.. والوسيط.. ومحيط المحيط) ابحث عن مادتي (برغل) و(لغلغ).. واشرك القارئ في معرفة ما عرفته من تلك المعاجم اللغوية. * (اللغلغة) هي العجمة، أي عدم الافصاح في الكلام.. يقال: في كلامه لغلغة، أي عجمة، بمعنى انك لا تفهم كلامه لعدم فصاحته.. ومعنى هذا أن سكان محافظات الشمال سموا الآخرين (لغالغة) لأنهم لا يفهمون كلامهم.. فاعتبروه من الكلام غير الفصيح.. وهو غير فصيح لجهة العربية الفصحى كما في أي مكان في اليمن لكنه يفهم في أي مكان. كذلك كلمة (البراغلة) فقد ورد في معاجم اللغة العربية (برغل) الرجل، أي سكن (البراغيل)، والبراغيل هي القرى أو الأراضي القريبة من الماء أو البلاد التي تقع بين الريف والبر و(شاطئ البحر). وكذلك (البرغيل) قال ابو حنيفة: (البرغيل) الأرض القريبة من الماء، وقال ياقوت الحموي: هي (أمواه) تقرب من البحر، أو هي المناطق الواقعة بين الريف والبر مثل الأنبار والقادسية في العراق. ومعنى هذا- حسب فهمي- ان كلمة (البراغلة) أطلقت على سكان المناطق القريبة من البحر التي تكثر فيها السهول والمياه. * وإذا كانت الكلمتان عربيتين فصيحتين ويمكن أن تطلقا على أحوال مشابهة خارج اليمن.. فلماذا تحولتا إلى (سبة)؟. أو لماذا حملتا معاني الازدراء والتمييز المناطقي؟. فنانون يمنيون يسمون ضمن (اللغالغة) هم الذين أشهروا الفن الصنعاني في الخارج، وليس محمد حمود الحارثي على جلالة قدره وعبقريته الفنية وجمال صوته، وهذا على سبيل المثال. لقد حملت كلمتا (براغلة، ولغالغة) معاني كريهة من قبل مثقلين بإحساسات مجهدة وحملة موروث سياسي قذر يفترض أنه قد ترك وراء الظهور منذ زمن بعيد.. وعلى أي حال.. بقاء مثل هذه الإحساسات المريضة والموروث القذر ليطل علينا من وقت إلى آخر دليل على أن مجتمعنا لايزال بعيداً عن الاندماج الاجتماعي ولم تتغلغل فيه مفاهيم المواطنة والانتماء الوطني بعد، وانه لايزال في مرحلة (الشعوب والقبائل والمناطق والمذاهب التي لم تتعارف).. وهذا بفضل السلطة والأحزاب والمثقفين والمشايخ الذين يعيقون مسعى الاندماج الاجتماعي ويحيون الموروثات الميتة على بصيرة!.