أجل وأعظم واشجع حركة مدنية حقوقية حقيقية تناضل في ظل أسوأ سلطة فاشية عرفتها اليمن في تاريخها الحديث هي حركة نسائية بسيطة ومحدودة وبعيدة كثيراً عن الأضواء تتمثل في رابطة أسر المختطفين في سجون سلطة الأمر الواقع في صنعاء. كثيرون سمعوا عنها ولم يلتفتوا لنشاطها بقدر من الإهتمام والتقدير وربما أن الاكثر لم يسمعوا بها.. لكن ثمة أسئلة لمن سمع ومن لم يسمع.. هل سمعتم عن وقفة احتجاجية.. عن اعتصام.. عن تظاهرة.. عن فعالية مدنية ميدانية عن بيان شديد اللهجة يُقرأ فيُسمع مباشرة من الفم إلى الأذن.. عن كيان يعارض سلطة صنعاء ويواجهها باحتجاج سلمي مستمر في عقر دارها منذ عامين..؟! هل سمعتم عن فعل مدني يذكر بما كنا نتحدث وننظر عنها من حقوق سياسية ومدنية وحرية تعبير وتجمع وتظاهر واعتصام غير عظيمات تلك الأسر ومن يتضامن معهن أو ينضم إليهن وهن ذاتهن لم يسلمن من يد القمع التي لم تراع قانوناً ولا تقليداً ولا عرفاً ولا خلقاً.. ؟! من سمع صوتاً قوياً وشجاعاً يعلو أصوات أولئك النسوة في زمن عز فيه ذكور المناضلين على هذه الشاكلة؟! حينما أستحضر تجربة عظيمة كأصحاب الخوذ البيضاء في سوريا أعصف ذهني بحثاً عن نموذج موازٍ في اليمن بأكمله، بما فيها المناطق الخاضعة لسيطرة سلطة هادي، فلا أجد نموذجاً بتلك الهالة المدنية والمكانة الإنسانية سوى تلك الرابطة وإن اختلفت أدوات النضال والتضحية والهدف.. هي حركة تذكرنا بذات أحلام كانت حاضرة في وعي أغلب الناس أيام ثورة الكرامة، مهما بدى للبعض أنهن مجرد نسوة يتضامن مع أنفسهن، مع أقاربهن المظلومين المسجونين بمزاج ما قبل الدولة.. لكنهن فعلاً بقية حلم ونواة أمل يزهر مستقبلاً جميلاً راقياً بحجم نضالهن الفريد..
فريد وعظيم إذ كشف كثيراً عجز المدنيين الأبطال رموز الحقوق المدافعين عن الانسان بشروط أقلها سلطة رحيمة وكاميرات في الواجهة، هذا إن حسنت النوايا.. مناضلات جسورات بعبايات سوداء محافظة أغلبهن، بقيم مدنية راقية بعيدة كل البعد عن حسابات المدنية الشكلية، لديهن قضية إنسانية عادلة يناضلن من أجلها بجلد وصبر ونزاهة، لكنهن يفتقدن كثيراً التقدير والاهتمام الذي يستحقينه، ربما بالقدر الذي يفتقدن فيه سلطة شبه محترمة تسمع نداءهن وتتعامل مع مطالبهن حتى بدافع النخوة والقبيلة إن عدمت قيم الدولة والعدالة والإنسانية. إنهن نساء اليمن .. عظيمات وإن لم يتسنّ للعالم أن يدرك ذلك.