سقطت صنعاء.. لم املك حينها ما يمنع ذلك السقوط، او إماطة الأذى عن شوارعها. لم تكن الوحيدة التي سقطت ذلك النهار حزينة متألمة، فقد سقطنا معها صرعى من هول الوجع .. كابوس أحاط بالجميع!!.. لم يكن الجميع!، فالبعض كانت النشوة تسري في دمائهم وهم يعيثون فساداً لابتلاع ما يعتقدون بأحقيتهم له منذ الأزل.. حاولت التمساك .. وبحثت بين أوراق التاريخ الذي تجاهلته الكتب المدرسية، لماذا تحول الجار والصديق الى عدو فجأة!! لماذا استبدل وجه الصداقة البريء، لوجه يحمل هذا الحقد الدفين علينا، ونظرة شماتة ساخرة لصنعاء الملقاة تحت قدميه.. ذهلت مما كنت مغيبة عنه، لم تكن سقطة صنعاء الاولى، لقد تعثرت كثيراً على مدى التاريخ بنفس الطريقة، وعلى يد وجوه لا تختلف كثيراً عما نراه اليوم .. تنقلت عبر صور الماضي الرمادية اللون، بين أجداد احنى الوجع والبؤس ظهورهم، ولم تظهر منهم سوى ملامح جافة مضغها الزمن سريعاً، قابعون في قاع تسلسل وهمي يعاد ترميمه ما أن يتشقق، وبين أخرين تطفح قلوبهم بما أراه حولي اليوم، النظرة المتعالية، والتشفي المر بحال اليمني، والانتقام الغير مبرر لكونه يمني فقط، لا يحمل اسم سلاله ولا يتفاخر بهجرة أجداده من وراء البحار.. وقد بدأت ملامح تلك الصور تظهر في الوجوه بهرولة سريعة لملاحقة الماضي، عاد ظهر اليمني مرة أخرى للانحناء العاجز العاجف ، أمام فجور سلاح صديق الامس، والجار القريب.. تلفتوا حولكم لتجدوا صور الامس في وجوهنا.. ربما هرولوا بنا للفوز بمقعد الامس، متكئين على فصل من فصول التاريخ لم يقرأوا غيره.. وتجاهلوا أن التاريخ قد يعيد نفسه، لكنه لا يتخذ نفس المدار. لتفهم التاريخ لا تعمل على تجزئته، لا تتحايل عليه بقراءة فصل صغير من فصوله، فالتاريخ يؤخذ جرعة واحدة، ليظهر الوجه الحقيقي لليمني الذي ساعد الجهل، ووهم الدين المزيف وتكالب الأعداء في اخفاءه.. ذلك الصامت النحيل الجسد الذي يقف في الطابور ليتلقى الفتات الذي يرمى له، لن يبقَ صامتاً طوال الوقت، يفاجئك بانتفاضة مارد عملاق لا يقف شيء امامه، لعل الحزن الذي غلف قلوبنا اعمى أعيننا نحن أيضاً عن ذلك المارد.. لكني أقرؤه في كتب التاريخ، تصلني رسائله المطمئنة عبر الاوراق القديمة، أكاد أسمع نبضات ثائرة على وشك الانفجار.. كل ما ارجو أن يتعقل ذلك الثائر ولا ينقاد لوجعنا، لا يساوي ثورته بمقدار القسوة التي اصابتنا.. فإن حاول الأخذ بثأرنا لن يبقي على أحد منهم ولن يذر..