يتأرجح المؤتمر الشعبي العام تحت رحمة الحملات الحوثية..ولقد سيطرت الحوثية على حزب الشخص على نحو شبه متكامل في المناطق التي تسيطر عليها.. إجراءات قاسية تصمم الحوثية خوضها ضد المؤتمر، لكن المؤتمر أفرغ نفسه بنفسه حين اقترن بالشخص وحزب السلطة.. لم يكن هذا الحزب متجانسا مع هموم وتطلعات اليمنيين بل كان مظلة فساد وممارسات تمجد الشخص. سيحاول مؤتمر الخارج المشتتة قيادته مقاومة هذا التجريف بالبيانات المجوفة فيما الواقع يخلق انطباعا انفصاميا حادا لأن المؤتمر في حالة تشظ وفقدان مقاومة. ذلك أن القيود الحوثية وخرائط البطش الإمامية والقيم المجتمعية في شمال الشمال تصب في صالح الحوثية لا المؤتمر. وتجنبا لذلك يحتاج المؤتمر إلى تنظيم عمليات اندماج بين نفسه ونفسه أولاً. ثم يحتاج للتضحية الحقيقية والتخلي عن فكرة حزب الشخص والسلطة.. فمثلما دفعت أحزاب يمنية كبرى ضريبة صراعات السلطة كالاشتراكي والإصلاح ينبغي على المؤتمريين معرفة أن رؤية الحاضر تتوقف على فهمهم للماضي.. ومن هنا سيتذوق المؤتمر ما أذاقه للآخرين.
على أنها تجربة تاريخية فريدة للبحث عن معنى أوسع من حزب الشخص واحتكار السلطة. والشاهد أن تاريخ المؤتمر في صراعات السلطة منذ تأسيسه خير مثال على همجية مساهمته في انهيار الدولة. وحتى يمكن إعادة تركيب كيانية المؤتمر ينبغي له إستيعاب مرحلة مابعد صالح وفي سياق الوعي بالشرعية ورفض الإنقلاب الذي غذاه ثم قام بمحقه.
على أن ماحدث للمؤتمر نتاج طبيعي لسياسات زعيمه القتيل ببنادق الحوثية. وما يوده الحوثي في هذه المرحلة إحتكار تمثيل المؤتمر على الأقل شمالاً.. أما الآن فالمؤتمر بوضع الرهينة. فهل سيدخل مرحلة الانحدار النهائي إلى جوف الحوثية. فالواضح أن المؤتمر كان يعيش منذ أكثر من عقدين جنون الرأي الفردي لصالح.. وبذلك تم إفراغه كمؤسسة من أجل تحقيق رغبات الشخص.
أما وقد استطاع الحوثة قتل صالح فهؤلاء يصرون على إرضاخ المؤتمر. ولعل الحوثية أكثر من تعرف جراء واقع التحالف والملامسة أن المؤتمر يفتقد لحالة التمرد والتوجه الوطني. بمعنى آخر اتضحت للجميع سيكولوجية المؤتمر المصلحية وفقدانه لحالة الإلهام والحدس وهو الأمر الذي خدم الحوثية كثيراً ومكنها من رأس قائد المؤتمر وأهم رجالاته. ولقد كان من المفترض بزوغ قيادات وطنية مؤتمرية ناضجة في الداخل تنتقد اندفاعات وأنانيات صالح لكن هذا لم يتحقق.
والثابت ان المؤتمر يفتقد لقيادات وازنة ذات إجماع داخلي.. أما قيادات الخارج المشتتة فهي تتشعب في قضايا جانبية وتمارس البهتان السياسي كما ليس لها تأثيراً حقيقياً على أعضاء المؤتمر في الداخل.
وفي خضم كل هذه التعقيدات والتأثيرات تفيد المؤشرات والوقائع اليوم بأن المؤتمر الذي صار بين يوم وليلة يعيش في مأزق وجودي لا يتكرر هو تركة صالح التي ستتوفق الحوثية في نيلها كما نالت رأسه وهناك مايغري شهية الحوثية من أصول ودوافع مختلفة مالم يلعب المؤتمريين دوراً نضالياً هاماً واستثنائياً في المجتمع ومن أجل حقوق وأحلام اليمنيين بدولة يمنية مدنية ديمقراطية حرة يسودها القانون وتحتكر السلاح. لكن النضال ليس مفردة فقط.. وإنما قيمة لم يعرفها مؤتمر الشخص منذ تأسيسه على الإطلاق! ويالسخرية القدر. . * مقال خاص بالمصدر أونلاين