يتداول رواد مواقع التواصل الإجتماعي هذه الأيام مقطعاً لمقابلة تلفزيونية قديمة أُجريت مع محافظ مأرب اللواء سلطان العرادة، وبالرجوع الى تاريخ المقابلة نجد أنها كانت تحديداً في 2015/02/13م. بالعودة الى ذلك التاريخ نجد أن اليمن حينها كانت في أوج محنتها السياسية وعلى مفترق طرق. المليشيا تسيطر على العاصمة وتُسقط المحافظات تِباعاً، رئيس الجمهورية محاصر داخل منزله ومسلوبة صلاحياته، رئيس وأعضاء الحكومة تحت الإقامة الجبرية، جميع المؤسسات مُختطفة، والبلد كلها تحت رحمة المليشيا التي تهدد بإجتياح باقي المحافظات وعلى راسها مأرب محافظة العرادة.
رغم ذلك تحدث المحافظ العرادة في المقابلة بمنطق رجل الدولة المؤمن بها حد الإفراط، تحدث عن النظام والقانون، وعن الشرعية الدستورية وضرورة التمسك بها، وعبر عن رفضه القاطع للمليشيا وضرورة التصدي لها، قال كل ذلك بثقة قل أن تجد مثلها.
في ذلك الوقت الذي تحدث فيه الرجل كان الكثير في حالة ذهول مما يجري، والبعض ربما في حالة يأس من إمكانية إستعادة الشرعية الى البلاد، لدرجة أن معظم القوى السياسية ذهبت للتشاور في الموفمبيك برعاية المبعوث الأممي لبحث صيغ جديدة لإيجاد شرعية بديلة تتجاوز تلك التي أفرزتها إنتخابات 2012م.
في المقابلة يقول العرادة بلسان الحال والمقال أن الإيمان بالدولة والتشبث لا يكون وفق القاعدة الرائجة عند اليمنيين "شور وقول" ولا يتحدد بأي حال من الأحوال بالظروف المحيطة ومدى ملاءمتها، فكل الخيارات البديلة هي خيارات عدمية ونتائجها كارثية وسيدفع من يقبل بها الثمن غالياً وهذا ما حصل وشهدناه واقعاً لاولئك الذي قبلوا بالمليشيا تحت مبررات "الأمر الواقع" وبدوافع أقل ما يُقال عنها إنها غير وطنية.
ولأن الرجل ظل متسقاً مع قناعاته تلك متمسكاً بالدولة ورافضاً كل ما دونها، فقد ظلت الدولة حاضرة في محافظته يراها كل اليمنيين وهي تعمل بوتيرتها المعتادة، تضبط الأمن، وتصرف مرتبات المدنيين بانتظام، وتنتج الكهرباء العمومية طوال اليوم، وتبيع المشتقات النفطية بأسعار ثابته، وتتوسع في مشاريع التعليم والطرقات وغيرها، وفي ذلك رسالة بالغة للجميع خلاصتها أن تمسكوا بالدولة وعضّوا عليها بالنواجذ كما تمسك بها العرادة في مقابلته رغم كل دواعي الإحباط واليأس من حوله حينها، ذلك أنها طوق النجاة للبلد من براثن الضياع والملشنة والتشرذم تحت هويات ما قبل الدولة.