كان من الممكن أن تمشي مع عمر دوكم مسافة 5 كيلومترات، وأنت تتناقش معه حول أفكار اليمين واليسار.. تجوبان شوارع تعز بمحبة، كما تطوفان في وعي العالم الحديث وتحولاته، لتكتشف حجم التسامح والجدل في الرجل النابه المتحرر من الجمود وطرائق الفكر البيروقراطية والمتكلسة.. كان صديقي متواضعاً وصاحب هموم رفيعة.. لم يتخذ من وجاهة الخطابة والكتابة طريقة للتكبر والحماقات والتحريضات.. بل كان من طينة مدهشة.. طينة الوسائل السلمية في التعبير عن الرأي ووضوح العقل وأهمية المراجعات.. وبالطبع يتسق عمر مع مكابداته الثقافية ليمثل جيلا جديداً في التيار الإسلامي.
كنا نتفق في نقاط كثيرة، وكان ينصت بشجن عجيب، ثم يلتفت نحو عينيك بطيبة قروية أليفة ويبتسم من القلب.. مرة قال لي أنا اشتراكي وانت إصلاحي، وضحكنا ثم تعانقنا وتوادعنا..عرفت عمر أيام صحيفة الثقافية وفي مقهى بسوق الصميل.. كانوا يسمونه شحرور الصغير. . كان عمر على اطلاع واسع بالفكر الإسلامي بشقيه السني والشيعي.. كما كان بمنزع نقدي ملفت..
وفيما كان عمر دوكم يناقش علانية وليس في الخفاء، كان يعتقد ان الثقة المتبادلة بين الأفراد على احترام الإختلاف هي القيمة الثقافية السامية.. والحال انه تعرض لظروف معيشية صعبة، لكنني لم أره متذمراً أبداً.. بل إنني كل ما كنت أزور تعز وألتقيه كان أكثر بساطة ويخفق بالتسامح ورؤى العيش المشترك بين الأضداد في الساحة.
إن إغتيال عمر دوكم يجعلنا ندرك مدى سيطرة الأوغاد على الساحة للأسف.. ذلك أنه من الأرواح النقية النادرة.. عرف عمر لذة السؤال وتقويض المسلمات في شؤون الفكر الإسلامي، ثم ثابر واعتز بنزاهته وتجاوز وقدم خطاباً جديداً متحرراً.. تحديداً كان دوكم يهتم بالإنسان بشكل عام، وبحلم اليمن غير المستعبدة من الإستبداد بشكل خاص.. وفي هذا السياق خاض معارك شرسة وكنت أخشى عليه دائماً، فهو يجادل في بيئة ملغمة بالعنف والإقصاء.
تطور عمر وصار صاحب طريقة ومنهاج في تعز.. التم حوله الكثير من الشباب. .الشباب "الطافش من الأيديولوجيا والأفكار المغلقة والمسبقة داخل التيار الإسلامي خصوصا"..والغريب والمدهش هو قدرته الإستثنائية على الصمود وإحترام التعدد والتنوع على أساس الحرية وطريق الدولة المدنية.
الآن بعد اغتياله الآثم ندرك تماماً وحشية أجهزة الاغتيالات والرجعية..كما ندرك التألم الشخصي الذي كان يكابده عمر دوكم..وقسوة الزمن التافه والمنحط والمحبط. * المقال خاص بالمصدر أونلاين