لم تعد الدعابة التي تداولتها مع صديقاتي قبل زمن الحرب مضحكة: "من عاش أكل بلاش"، والتي سردتها علينا إحداهن على أنها تنبؤات عرافة تعيش في قريتها!! تنبؤات وتحذيرات لا تختلف عن نعيق بومة تعاني من اكتئاب مزمن وطرف لسانها لا يتوقف عن ترديد: "الحرب قادمة، الحرب قادمة!!"، يراودني الشك أن تشاؤمها المفرط هو من أرسل دعوة لحضور الحرب وصفق لاجابة تلك الدعوة ..
لم أكن أبالي بالحرب التي وُصفت فيها الدماء التي ستصل للركب، بقدر الاهتمام بالختام المطمئن للناجين: "ومن عاش أكل بلاش!! "، عرض مغري لسوبر ماركت مجاني يتبع مذبحة ستدوم بضعة سنوات!!.. تجاهلت شكي بامتلاك حظ يجود بإيصالي لنقطة النهاية، ويقيني بأني سأكون أول الضحايا، لا نتحدث هنا عن حرب حقيقية، بل جولة فاشلة لإحدى العاب البلاي ستيشن الذي اتقنت الهزيمة فيه !!
ليست تنبؤات العرافة ما أوصلنا لهذا الحال، أي عين خبيرة كانت لتتوقع مثل هذه الحرب، ربما تحديد الزمان والمكان هي المعضلة التي تواجه أي قاريء بسيط لما بين سطور البلد. لم تعد فكرة الطعام المجاني مغرية بالنسبة لي، تحولت الدعابة لضيق يكتنف صدري، وأنا أرى العرافة معلقة على كتفي تهز قدميها بلا مبالاه وقد نقلتني للساحة المقابلة لسجن الباستيل المزدحمة بآلاف الثائرين، الهاتفين خلفها بصوت توحش وفقد جزءً كبيراً من إنسانيته وبلغة فرنسية غاضبة: "من غاش اكغ بغاش !! "..
ليس اقتحام السجن ما يثير فزعي، بل التفكير بالمحاكم والمقاصل التي ستنصب بعده على كل ساحة، جنون يصر عقلي على استباقه وقد تذكرت عبارة أرسلت لي قبل أيام: "الفوضى كالقبور .. تضمن المساواة" !! .. قد أكون متشائمة لكن كتالوج الحروب لا يخلو من تسلسل منظم للأحداث فيه، ونحن نطبق ذلك التسلسل كطالب مجتهد، أحاول تجاهل ما يجري وما يحمله الغد، إلا أني بطبعي متشائمة أكثر من تلك العرافة.
من الجائر المطالبة بشيك على بياض للمسامحة والغفران من قلوب أكتوت بالنار،، ولا زالت، لكني أرجو الاكتفاء بالتخلص من حامية سجن الباستيل دون تلويث قلوبنا بإقامة المشانق على بقايا دماره !