*حين قرر الهجرة والاغتراب سكبت الأم حر دموعها ودعت له من كل قلبها بالتوفيق والفلاح والنجاح ، كانت تتلهف لرؤيته، وتتمنى أن تسمع صوته ، لكنه بعد أن هاجر نسيها تماما وكأنه لا يعرفها رغم أنه حقق نجاحا في غربته وتمكن من أن يجعل أولاده يرفلون في النعيم، كان الأخ الأكبر لهذا العاق يذكره بأمه ويخبره أنها ليست في حاجة لماله وأنه متكفل بها وبمصاريفها، بل وأعرب له عن خشيته من تصيبه دعوة منها، لكنه كان أذن من طين وأذن من عجين، بل بلغت الوقاحة به أن رد على أخيه ساخرا من دعوة أمه وقال له دعها تدعي لك فلست محتاجا لدعوتها وعندي خير وفير. *وبعد عشرين عاما قضاها في أمريكا وكان تواصله الوحيد خلال تلك الأعوام مع زوجته ووالدها وأولاده، ضاربا بعرض الحائط بكل خطابات أخيه عاد إلى أرض الوطن طريدا ومرحلا ، وعندما وصل إلى منزله كان كالريش المتتف، لذلك رفض أولاده استقباله في منزله، وأجبروه على المبيت في المسجد ، لكن أخيه الذي لطالما نصحه لم يقف موقف المتفرج فقد هدد أولاد أخيه بمقاضاتهم وإخراجهم من البيت مما جعل الأولاد ينصاعون ويسمحون لأبيهم العودة إلى المنزل للمبيت فيه. *عودته للمنزل لم تكن مظفرة، وبقائه في المنزل لم يكن يعني أنه رب البيت، بل كان بلا حول ولا قوة، حتى حين يشعر بالجوع ويطلب الطعام تهدده الزوجة والأولاد بالطرد ويسخرون منه بالمقولة اليمنية ( فتحنا لها الباب تتفرج قالت تشتي ترقص )، لذلك يضطر لشراء شيء من البقالة ليسد جوعه ، فالزوجة والأولاد هم المسيطرون وهو كالغريب لا مال ولا قوة. *وأخيرا قرر ترك المنزل وهو الأن عامل في أحد المدن اليمنية يكد ليلا ونهار لكي يعيل نفسه، وفي اعتقادي إن الجزاء من جنس العمل، فهاهو يدفع ثمن عقوقه، فلا زوجة ولا أولاد ولا منزل ولا شيء، ولعل أعظم شيء تفعله تقربا إلى المولى سبحانه وتعالى هو أن تدخل السرور في قلب أخيك المسلم ، وقد كان بإمكانه إدخال السرور في قلب أمه بكلمة طيبة أو ببضع دولارات يرسلها حتى في شهر رمضان لكنه أبى ورفض إلا أن يكون عاقا ، نحن لا نشمت ، لكن ما لم يكن فيك خير لأمك فلمن سيكون خيرك.. والله سبحانه يعجل بعقوبة عقوق الوالدين .....ودمتم بخير __________________ صحفي يمني مقيم في الرياض [email protected]