كان آخر يوم من العام 2014 في اليمن كارثيا ومأساويا، إذ سقط العشرات بين قتيل وجريح في تفجير انتحاري استهدف احتفالا بمناسبة المولد النبوي الشريف نظمه الحوثيون في المركز الثقافي لمدينة إب التي كان يعيش سكانها على اختلاف مشاربهم العقائدية والمناطقية بأمن وسلام وتعايش، إلى أن بدد هدوءها ومدنيتها من يسمون أنفسهم "أنصار الله" الذين يسعون إلى فرض رؤيتهم المذهبية والسياسية على المجتمع ولكن ليس وفق الأدوات الديمقراطية، بل وفق منطق الرصاص والقوة. وفي المقابل يعادي هذه الجماعة ويتصدى لتوسعها العسكري جماعة أخرى تسمي نفسها "أنصار الشريعة" التي تقول إنها أخذت على عاتقها إعلان الجهاد ضد الجيش وقوى الأمن الموالية لأمريكا وضد الروافض المبتدعين الذين يحتفلون بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يرون في زوجه السيدة عائشة رضي الله عنها رمزا للطهر والعفاف، يدعي الطرفان أنهما يمثلان المقدس الذي يمنحهما حق مصادرة حياة كل من لا يرى في أيديولوجياتهم سبيل الرشاد. في العام 2014 تجرع اليمنيون مرارات تفكيك وبعثرة مؤسسات الدولة، واتساع دائرة العنف والقتل، حيث سقط في هذا العام أكثر من 7000 يمني مسلم تحت مبررات واهية وصراع عبثي وصيحات الله أكبر!، في ظل هذا الواقع الأليم تبرز تساؤلات حائرة: كيف يمكن وقف آلات القتل المجنونة؟ من المسؤول عن اتساع رقعة العنف وتمزيق النسيج الاجتماعي؟ كيف تمكن استعادة الدولة لدورها لتكون الضامن للأمن والحقوق والحريات وتطبيق سيادة القانون؟ وما هو مستقبل الحركة الحوثية إذا ما استمرت في تجاهل واقع الجغرافيا المذهبية والسكانية؟ وما هو مستقبل تنظيم القاعدة الذي يحاول أن يستغل ممارسات الحوثيين لخلق حواضن شعبية وقبلية تمكنه من لعب دور في الصراع المحتدم على المال والسلطة؟ وهل ستثمر الحركة الاحتجاجية الشبابية التي بدأت تتشكل تحت مسميات ثورية عدة في إعادة التوازن إلى الساحة التي يلعب فيها الحوثيون والقاعدة؟. اللاعبان الرئيسيان على الساحة اليمنية يعبران عن رؤيتهما لما سيكون عليه العام 2015، حيث تعهد عبد الملك الحوثي زعيم الحوثيين في كلمته بمناسبة ذكرى المولد النبوي بأن الفعل الثوري مستمر في مساراته الثلاثة: محاربة الفساد، وفرض الشراكة الوطنية، والتعاون مع الجيش والأمن من خلال اللجان الشعبية للدفاع عن الشعب وممتلكاته، لكنه حذر من فرض الأقاليم الفيدرالية الستة التي وافق عليها ممثلوه في مؤتمر الحوار الوطني الشامل وهدد سيد الحوثيين باجتياح محافظة مأرب النفطية التي اتهم قبائلها بالإجرام ودعم من وصفها بالقوى التكفيرية. أما تنظيم القاعدة أو جماعة "أنصار الشريعة" فقالت إنها أعدت للمعركة أكثر من 100 انتحاري سيستهدفون أي تجمع جماهيري للحوثيين وأنها ستواصل الحرب على ثكنات ومعسكرات الجيش في المحافظات الجنوبية الذي يقود الآن عمليات محدودة ضد وجود القاعدة في حضرموت. وفي مقابل الكشف عن خطة العمل لهاتين الجماعتين تبدو مؤسسة الرئاسة اليمنية حائرة في أي الطرق تسلك، هل تواصل سياسة تمكين الحوثيين على بقايا دولة أم تستخدم أوراقا أخرى ربما تلملم ما انفرط؟ أما القوى السياسية وعلى رأسها حزب التجمع اليمني للإصلاح، فتبدو مستسلمة للأمر الواقع الذي فرضه الحوثيون وحتى مبادراتها للحوار والتعايش أصبحت صيحة في واد ونفخة في رماد، رغم أن بعض الشخصيات الحزبية منفردة لا تزال تحارب اليأس وتسعى لإيجاد حل من نوع ما يعتمد على اتفاق السلم والشراكة الوطنية الذي دخل غرفة الإنعاش منذ اليوم الأول من توقيع جميع القوى السياسية عليه في 21 سبتمبر من العام الماضي. الولاياتالمتحدةالأمريكية وإيران تبدوان أنهما تعزفان مقطوعة واحدة في اليمن، إذ يشكل تنظيم القاعدة عدوا مشتركا، وخيار من يجب دعمه وتسهيل حركته وتمدده هو جماعة الحوثي الشيعية. وفي المقابل ترى أطراف إقليمية أخرى أن اتساع رقعة الحوثيين يشكل تهديدا لمصالحها ولذلك ربما تمارس تدخلا سلبيا يزيد الصورة قتامة من خلال دعم جماعات مسلحة جديدة تعيد التوازن المفقود، لكن ذلك سيسرع حتما من انهيار الدولة واتساع رقعة الحرب الأهلية، لكن ما يجري طبخه الآن محليا وبواسطة سلطنة عمان يتمثل في التمديد للرئيس هادي خمس سنوات مقابل عدم نص الدستور الجديد على فكرة الأقاليم الستة والاكتفاء بإقليمين شمالي وجنوبي، وفي حال اتساع دائرة الرفض الشعبي والسياسي لما تمكن تسميته بالصفقة الهادوية الحوثية، فإن الحوثيين سيلجأون إلى خيار مرحلي غير إستراتيجي، يتمثل في إعلان نجل الرئيس المخلوع رئيسا والاستفادة من قواته العسكرية التي لا تزال متماسكة ومن إمكانات حزب أبيه. أما واقع اليمن المعقد فيقول إنه ما لم يتم العمل على استكمال عملية الانتقال السياسي وتطبيق مخرجات الحوار التي أقرتها كل أطياف المجتمع وإجبار الحوثيين على القبول بخيار العمل السياسي وفق الأدوات السياسية الديمقراطية، فإن البلاد لن تشهد الاستقرار السياسي والأمني، بل ستظل رهينة رايات خضراء وأخرى سوداء وشعارات العداء لأمريكا وإسرائيل والضحايا يمنيون.