بعد أسابيع من التعثر والمراوغات، تنطلق اليوم محادثات جنيف بشأن الأزمة اليمينة، ورغم أن جلساتها الأولى للتشاورعلى آليات حل الأزمة وفق القرارالأممي (2216)، وليست للتفاوض بشأنها، فإننا كلنا ثقة في أن تقارب الأشقاء اليمنيين وتجمعهم على طاولة واحدة لتدارس تداعيات ومخرجات الأزمة الدامية التي أدخلت البلاد في أتون حرب مدمرة سيسهم بشكل أو بآخر في تجسير الفجوات بين أطراف الأزمة، المتمثلين في الحكومة والرئيس الشرعي للبلاد من جهة، والمسلحين الحوثيين من جهة أخرى. لقد بذلت على مدى الأسابيع الماضية جهود مضنية وجرت مشاورات مكثفة "ليلا ونهارا وعلى مدار الساعة" مع الموفد الخاص للأمم المتحدة لليمن الموريتاني إسماعيل ولد شيخ أحمد، لتهيئة الأجواء للقاء أطراف الأزمة. واللافت أنه خلال تلك الفترة كانت صيحات (التعنت والرفض والالتفاف) تأتي من قبل المسلحين الحوثيين ومن يدعمونهم من القوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، مدفوعين بمصالح حزبية ضيقة ونظرات ومطامع طائفية مقيتة، بينما تحتم المسؤولية الوطنية والأخلاقية على هؤلاء التحلي بروح التعاون، ونبذ الخلافات للخروج بسفينة الوطن إلى بر الأمان. جميع أفئدة المحبين لليمن ولأهله تتطلع إلى جنيف اليوم، وكلها أمل في أن تغلب الروح الوطنية على اللقاء وتزدان قاعته بمشاعرالحب ونبذ الأحقاد؛ وليدرك الجميع أن اليمن لهم جميعا كما كان، وأن أي محاولات لتمزيقه تمثل إهانة لتاريخ هذا البلد العريق، واستهانة بمشاعر شعبه المناضل العظيم. إن حكمة الحل الوطني المشرف للأزمة تقتضي من الجميع أن يستمع كل طرف إلى هواجس ومخاوف الآخر، كأشقاء لا غرماء، بعيدا عن "فخاخ الطائفية" اللعينة، والتحررمن قيود وضغوط من يحركونها، سواء داخل الإقليم أو خارجه، فلا شك أن هؤلاء المحركين إنما يريدون حرق اليمن، وهو ما تنبه إلى مخاطره الأشقاء العرب، وفي مقدمتهم أسرة مجلس التعاون الخليجى، فبذلوا جهودًا مضنية منذ بداية الأزمة لتجنيب أهلنا في اليمن شرور الاقتتال والغرق في حمامات الدم، غير أن تلك الجهود للأسف قوبلت برفض المسلحين الحوثيين، وبدلا من الانفتاح على المبادرة الخليجية حملوا السلاح ونشروا الموت والخراب بصنعاء وبقية المحافظات، في تحدٍّ غريب للمجتمع الدولي ومجلس الأمن. ونحسب أن لقاء جنيف يُعدُّ اختبارا صعبا أمام القوى المشاركة، وفرصة أخيرة للحوثيين وحدهم لإثبات حسن نواياهم ووطنيتهم، وإصلاح ما ارتكبوه من "حماقات سياسية" كان لها أسوأ التداعيات على اليمن، وعليهم ألا يكسروا "طوق النجاة" الجديد لإنقاذ الوطن.