ما حدث في اليمن ومازال يحدث حتى اليوم كان نتيجة طبيعية ومتوقعة بالنظر الى سلسلة الاخطاء والخطايا التي وقعت فيها القوى والمكونات السياسية والاجتماعية اليمنية بكل مسمياتها وتشكيلاتها والتي وان برعت في الهروب من مواجهة حقائق تخلفها وفشلها وإخفاقها في تغيير مسيرة 50 عاما من الصراع والاحتراب والإقصاء وبناء دولة عصرية تستند الى مرجعية وطنية عادلة تجمع الموارد وتعزز فرص النهوض لصالح جميع اليمنيين فإنها من نجحت في تحويل اليمن بعد كل هذا التاريخ الطويل الى حصان طروادة يمتطيه كل من يحلم بزعزعة الاستقرار او يحلم بالانتقام او يتطلع بإعادة عجلة الزمن الى الوراء عن طريق (لبننة الدولة) وتقسيم البلد الى فرق وشيع وقبائل وطوائف متناحرة يسهل استقطابها وجعلها بنادق للإيجار في ايدي الطامعين والمتآمرين على اليمن والعروبة والإسلام. كلنا نعلم انه بعمد او بدون عمد وصلت الحالة اليمنية الى طريق مسدود رغم بساطة الشعب اليمني الذي ظل وحده من يدفع الثمن بعد كل دورة من دورات الصراع والحروب والفتن المتنقلة التي طالما اكتوى بها وتجرع مرارتها مرة تلو الاخرى من دون ان يكون له يد فيها وآخر فصول هذه الملهاة هي من رسمتها الاحداث والتطورات التي شهدتها اليمن على اثر احتجاجات (الربيع العربي) والتي اعتقد البعض من انها ستكون منطلقا للانتقال الى زمن الدولة المدنية الحديثة والمواطنة المتساوية قبل ان يفيقوا من ذلك الحلم الجميل على ركام من الاخطاء الجديدة التي ساهم الجميع في اقترافها بنسب متفاوتة فالسلطة التي تولت مسؤولية ادارة المرحلة الانتقالية اخطأت خطاً كبيراً حينما لجأت للاستماع لنصائح بعض الابواق الانتهازية التي اوهمتها ان في اعتماد سياسة (فرق تسد) هو السبيل الى اطالة امد بقائها واستمرارها في السلطة لفترة تفوق بسنوات ما حدد لها في اتفاق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وأخطأت هذه السلطة اكثر عندما عمدت الى ترحيل القضايا المرتبطة بعملية الانتقال الى الوضع المستقر لتظهر وكأنها من قطعت علاقتها بالزمن الامر الذي اختلت معه موازين المعايير الناظمة للعملية الانتقالية وسمح بالانقلاب على مسارات التسوية السياسية ومخرجات الحوار الوطني الذي اشرفت عليه الاممالمتحدة. والثابت والأكيد ايضا ان السلطة لم تكن وحدها من يقع عليها اللوم في ما احاق باليمن من فشل سياسي وسقوط تاريخي بل ان اسوأ من اخطاء السلطة هي تلك الاخطاء التي ارتبطت بشكل صريح بالعديد من التيارات والمكونات التي تماهت مع ضوضاء المشهد وملابسات التطورات الكبيرة على الارض وذلك عبر الصمت المطبق على كل المظاهر والانحرافات التي ادت الى انهيار الدولة والانفلات الامني واستشراء عوامل الفوضى التي فتحت الباب على مصراعيه امام الاندفاعة الحوثية التي خرجت من ست حروب كانت موجعة لها لتتقدم في اتجاه السيطرة على عمران قبل ان تطبق على العاصمة صنعاء التي سقطت سقوطا حرا ومن ثم الى مدن الغرب والوسط نزولا الى تعز والمحافظات الجنوبية وفي القلب منها مدينة عدن كبرى مدن الجنوب بعد ان كان الحوثيون وقبل تمكنهم من الانقلاب على السلطة الانتقالية حالة محصورة في صعده تفاوضها حكومة ممسكة بكل اليمن. بديهي انه ما كان بإمكان التيار الحوثي ان يتمدد في كل هذه المسافات بمعزل عن تلك الاخطاء التي وجد فيها الكثير من الثغرات لتعويم مشروعه ومنهجه العقائدي والجهادي إلا ان ما لم تدركه الجماعات الحوثية انه ومهما توفر لها من مقومات القوة العسكرية فلن تستطيع التفرد بحكم اليمن وفرض شروطها عن طريق الشرعية الثورية التي سعت الى تكريسها كأمر واقع ولعل الطريق الذي سلكته بالإعلان الدستوري قد كشف عن ان الوصول الى تلك الغاية صعب وباهظ الثمن وقد برزت ملامح ذلك في رفض المؤتمر الشعبي العام اكبر الاحزاب اليمنية وقوى اخرى لذلك الاعلان الدستوري بما يشكل ذلك من اعتراف الجميع من ان اليمن لا يمكن ان يطير بجناح واحد ولا يمكن ان يحتكر ارادته أي طرف من الاطراف وان اليمن يجب ان يظل لكل اليمنيين وبعيدا عن كل محاولات الاستحواذ والهيمنة او الحسابات المبيتة او المشروعات الاحادية التي يمثل الاصرار عليها اصرارا على دخول اليمن الى المجهول. في كل الحالات فما لم يستفد ابناء اليمن من دروس اللحظة ويتقدموا خطوة الى الامام فلن يغدو اليمن سوى نسخة اخرى من الصومال او سورية او العراق او ليبيا.