يستقبل تلاميذ اليمن الذي يصل عددهم نحو 7 مليون طالب وطالبه العام الدراسي الجديد 2015 -2016م على غير العادة التي تعم فيها أجواء البهجة والسرور مع قدومه كل عام، وعلى عكس ما كان سابقاً أيضا ينظر الآباء والأمهات إلى أطفالهم بعيون مملؤة بالحسرة والألم وهم يرون الحرب تشيع أحلام أبنائهم ومستقبلهم لدفنها تحت ركام الدمار الذي تخلفه يومياً في معظم مناطق اليمن، رويات كثيرة وقصص متعددة تحكي هنا وهناك عن حجم مآساة التلاميذ في اليمن وتضرر التعليم من الحرب. بألم وحسرة روت أحدى الأمهات (أم ماجد) قصة عودتها من عدن إلى جميع الركاب في الباص (الدباب)، بعد أن جلست على أحد المقاعد، وهي تحمل بين يديها رزمة من الأوراق والشهادات المدرسية، متوجهه بها إلى إدارة التربية والتعليم بأمانة العاصمة لقبول أبنائها في المدارس، بعد عودتهم الإجبارية من عدن إلى أمانة العاصمة وترك منزلهم الخاص في عدن. لم تستطع حبس دموعها، وهي تتنهد وتشكو مآساتها وتركهم المنزل الذي شيده زوجها في عدن منتصف تسعينات القرن الماضي، بعد أن وضع فيه كل ما أدخرة من مال وشقاء سنوات الاغتراب في دول الخليج والعودة إلى اليمن ليستقر به الرحال في صنعاء ثم عدن وتركه لها ولأطفالها قبل مغادرته الحياة بنحو عشر سنوات.
فجأة يقاطعها أحد الركاب بفضول متسائلاً: إلى هذا الحد يفعل أبناء عدن وانتم لا يوجد معكم عائل؟! فأجابت معترضه وقالت: "لا إن أهالي عدن طيبون، لم نترك منزلنا وقت الحرب، لكن هناك أشخاص أخرون أجبرتنا أعمالهم ومضايقتهم لنا مؤخراً على الرحيل والعودة إلى صنعاء" . لم تتمالك أعصابها وهي تبكي واردفت قائله: "عندما بدا العام الدراسي ظهرت لنا مفاجات، لم نكن نتوقعها أو نحسب لها حساب إلا عندما رفضت أحدى بناتي الذهاب إلى المدرسة بسبب المضايقات التي تعرضت لها في اليوم السابق من بعض زميلاتها في المدرسة، وكيلهن لها الشتائم والإتهام بسبب الحرب"، لتختتم حكايتها لتقول "إن خوفي على أطفالي خاصة بناتي كي لا يحدث لهن أي مكروه دفعني للعودة إلى صنعاء، فالشرف والحياة لا يمكن للإنسان إن يستعيدهما.
هذه الحادثة المؤلمة التي تعرضت لها هذه الأسرة هي واحدة من مئات الوقائع عن مأسي اليمنيين التي تحكي عن واقع مرير يعيشه الإنسان اليمني وعن عجزه في مواجهة الوضع الذي انتجته الحرب، وتطال آثارها الأطفال وتؤثر بشكل مباشر على حياتهم وانخراطهم في التعليم.
أن الحرب في اليمن أصبحت تشكل عبئاً ثقيلاً على المجتمع خاصة الأسر التي تعيش في مناطق التي تدور فيها المعارك وتثبت الأحداث أن الأطفال هم الفئة الأكثر تضرراً منها نتيجة طبيعتهم الجسمانية والعقلية والنفسية، حيث أجبرت مئات من الأسر على الرحيل وهجر مناطقهم إلى مناطق أكثر أماناً ولكن للأسف في كثير من الحوادث لقوا حتفهم وهم في طريقهم للنزوح، وهناك من فقد والدة أو شقيقة في غارات الطيران وأصبح التلميذ امام مسؤولية الاهتمام ببقية أخوانه وترك المدرسة للقيام بهذه المهمة، وآخر من فقد زميلة في الحرب وآخرون أجبرتهم المليشيات على الإلتحاق بالحرب.
وبحسب تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، صدر مؤخراً فإن أعمار الأطفال الذين يشاركون في القتال قد لا تتجاوز ال13 سنة، وتثبت الصور التي يلتقطها الصحفيون أو رجال المقاومة لقتلى أو أسرى حوثيين، وجود صبية بينهم من ذوي الأعمار بين 14 و16 عاماً.ووفقاً لعديد من الدراسات الاجتماعية فإن انخراط الأطفال في الحروب أو معايشتهم لها، يترك آثاراً نفسية بالغة، قد تصاحبهم طيلة المراحل العمرية المختلفة. وتتسب انعكاساتها على تفريق الأسر وانفصال الطفل عن والدية أو اخوته أو هدم أسرة الطفل وتشتتها في مناطق مختلفة وكل هذا بالطبع له تأثيره على تعليم الأطفال مستقبلاً.
كما تؤكد تقارير أخرى صادرة عن الأممالمتحدة أن قطاع التعليم هو الأكثر تأثرا بهذه الأوضاع لان إنتظام التعليم يتطلب أولا الأمن ومن ثم المدرسة والمدّرس، وهو ما تفتقر إليه العديد من الدول العربية التي تشهد حروبا وصراعات، وعلى رأسها سوريا وليبيا والعراق واليمن. فقد أشار تقرير لصندوق الأممالمتحدة للطفولة (اليونيسيف) في سبتمبر الماضي حمل عنوان "التعليم في خط النار" إلى تأثير العنف على تلاميذ المدارس وأن هناك أكثر من 13 مليون طفل في الشرق الاوسط وشمالي افريقيا محرومون من حق التعليم في مدرسة، مما يعني نهاية آمالهم وطموحاتهم في مستقبل أفضل. وأوضح التقرير أن 2.9 مليون من أطفال اليمن محرومون من التعليم.
لقد أصبحنا في وطن ينهار وأمامنا جيلاً يدمر بفعل الدمار والحرب التي لا تفرق بين هذا وذاك وبين صغير وكبير ، ولا ينجو منها ومن آثارها أحداً في اليمن، ولعل الأطفال هم الفئة الأكثر تضرراً منها لتغتال مستقبلهم، وتقضي على أحلامهم ، ومع استمرار الحرب يتعاظم حجم المشكلة، ويتعمق الجراح ويشتد الألم، وحتى إذا توصلت الأطراف المتحاربة لحلول لإنهاء الحرب، لكن أن أثارها النفسية والجسدية والأسرية ستشكل معظلة أمام النهوض بالتعليم والمجتمع ، وهذا يضع منظمات الدولية التي تساعد اليمن مسؤولية امام تحدي للقيام بواجبها الأخلاقي للعمل بشتى الوسائل والامكانيات لمساعدة اليمن للتغلب على أثار الحرب والتخفيف من وطأة الصدمة التي طالت التلاميذ بسبب مشاهد الدمار والحرب التي تشيع أحلامهم، وإيلاء وضعهم ، أهتماماً خاصاً، لما لهذا من تبعات سلبية ستجر نفسها على الجوانب الحياتية والاقتصادية للمجتمع لسنوات طويلة.