إن الخروج من الطريق المسدود الذي أوصلنا إليه الصراع على الدولة لن يكون إلا بالانتقال من النقاش الديني في شكل الدولة وطريقة بناءها حيث لاتوجد وصفة دينية ملزمة للدولة فعبر تجربتنا التاريخية السياسية نجد أن نظام الحكم يتغير بمرور الزمن حيث بدأ بخلافة يكون دولاب الحكم فيها على أساس الشورى وإن كانت بدائية ، ثم بعد قليل تحولت إلى خلافة وراثية تكيف معها العقل الجمعي للفقهاء بشرعنة إمارة الاستيلاء وسلطنة التغلب حفظا للوحدة ودرءا للانقسام. بعد أن تم إعلان الفصل بين السلطنة والخلافة ثم إعلان إلغاء الخلافة وانقراضها وبروز الفكر التغريبي والاستنساخ السياسي شهد العالم ميلاد الحركات الإسلامية التي أعلت شأو نظام الخلافة وتضخيم دورها فلا يمكن استعادة الإسلام ومكانته العالمية إلا من خلال استعادة الخلافة. فلم تفارق ظلال الخلافة تصورات مفهوم الدولة الإسلامية حيث ظلّ لاهوت الخلافة كامنا فيها ومؤطرا لخلفيتها. لايزال العالم العربي - في عمومه - عالما بدائيا لم يستطع أن يتصالح مع نفسه ، تاريخه فضلا عن مناوئيه ومخالفيه . الحروب والفوضى التي تسيطر على الفضاء العام في المنطقة العربية ليس لها شعارا واضحا إلا أن المبدأ الحاكم في هذا الصراع "البقاء للأقوى" ، ولايتم فيه الحصول على احتياجات البقاء إلا من خلال الصراع المتناحر، والفائز هو الأجدر بالبقاء لأنه الأقوى. إن أردنا مستقبلا مشرقا فيلزمنا تحقيق توافقٍ فكري وسياسي وطني على مضمون الدولة المدنية، وعلى تحييد الدين في صراعات المصالح الاجتماعية والسياسية حمايةً للدين والدولة والوحدة الوطنية.