تفاصيل الهجوم الإرهابي بمودية وقواتنا الجنوبية تهاجم معاقل الارهاب    من عدن إلى أبوظبي.. منحة إماراتية تفتح آفاق المستقبل لطلاب الجنوب المتفوقين    #الضالع_ليست_الانتقالي!    احباط محاولة إنشاء أول مصنع لإنتاج المخدرات في محافظة المهرة    ضمن استراتيجية بناء جيل متسلح بالعلم.. 100 طالب وطالبة يبتعثهم المجلس الانتقالي للدراسة في الخارج بدعم من دولة الإمارات    المَنَحُ الإماراتية ومحاولات إثارة الفتنة    الوحدة التنفيذية تدعو إلى توفير مأوى للنازحين بمأرب    تأهل الأوروغواي وكولومبيا والباراغواي إلى نهائيات كأس العالم 2026    تعز : الافراج عن 219 سجينًا تنفيذًا لتوجيهات قائد الثورة    ميسي يعلن غيابه عن مباراة الإكوادور    تقنية الفيديو "VAR" تظهر لأول مرة في نصف نهائي كأس الخليج للشباب    أمسية للجانب العسكري بمحافظة إب بذكرى المولد النبوي الشريف    وزارة الاقتصاد تطلق مبادرة خيرية لمرضى المستشفيات بمناسبة المولد النبوي    10 علامات تحذيرية تدل على انسداد الشرايين وتهدد صحتك    مقتل واصابة 15جنديا مرتزقا بانفجارطقم في ابين    الربيزي: سينهزم القابعين في الزوايا المظلمة ولن تنطفئ فرحة الجنوب    حادث مروري مروع في أبين يخلف وفاة وسبعة جرحى من أفراد اللواء الثالث دعم وإسناد    صحفي.. وزراء ومسئولين يمولون حملات إساءة للضالع والجنوب    إلى علي ناصر والزمرة.. أعمالكم الاجرامية مسجلة في صفحات التاريخ السوداء    مجتمع حضرموت يحمّل بن حبريش مسئولية قطع الكهرباء    لقاء تنسيقي بعدن يضع ضوابط صارمة على حركة الغاز للحد من عمليات التهريب    الشيخ: وصول طلاب الجنوب للإمارات رحلة أمل جديدة    ترقب يمني لعودة الأمطار في هذه المحافظات    للمعاندين: هل احتفل الصحابة بالمولد بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام    توقعات الحرب خلال الشهرين المقبلين:    بوتين يهدد باستهداف أي قوات أجنبية ينشرها الحلفاء في أوكرانيا    الصمود والمواجهة: إرادة تصنع النصر    تصعيد عسكري وتوتر سياسي في لبنان مع مناقشة حصرية السلام    وفاة طفلين يتيمين في ظروف غامضة بمحافظة إب    بجزائية هالاند.. النرويج تكسب فنلندا تجريبيّا    الرأس الأخضر تقترب من المونديال.. وليبيا تتمسك بالأمل    الشجن قتل العجوز.. الوزير الوصابي: تصريح أم كلام نسوان    مجنون أمريكا يوقع اليوم أمرا بتغيير اسم وزارة الدفاع إلى "وزارة الحرب"    البِيض: الأوطان لا تُبنى بالصراخ أو التهم و شيطنة الآخرين    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي إبراهيم الحائر في وفاة والده    البيت الهادئ يدعو للقلق .. قراءة في تجربة طه الجند    القيصر    الشرق الأوسط بين مؤامرة "الكيان الصهيوني الكبير" وصمود محور المقاومة    العلامة مفتاح يهنئ قائد الثورة والمجلس السياسي الأعلى بذكرى المولد النبوي    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يطلع على جهود مكتب التجارة والصناعة في لحج    حلي ذهبية مسروقة من متحف عدن تعرض في مزادات عالمية    الصقر والرشيد ...قمة مبكرة تشعل ربع نهائي بطولة بيسان    لماذا قال ابن خلدون العرب إذا جاعوا سرقوا وإذا شبعوا أفسدوا    حلاوة المولد والافتراء على الله    مدينة الحب والسلام (تعز)    المنتخب الوطني للشباب يتأهل لنصف نهائي كأس الخليج    رغم رفض 100 مليون يورو.. ليفاندوفسكي يوارب باب الدوري السعودي    بدء صرف معاش شهر إبريل 2021 للمتقاعدين المدنيين    كهرباء عدن ترفع عدد ساعات الانطفاء والمواطن ينتظر    العثور على برج قتالي قديم يعود إلى العصور الوسطى في جبال إنغوشيتيا الروسية    تراجع طفيف في الاسعار بعدن رغم تحسن قيمة العملة الوطنية    حل طبيعي .. شاي أعشاب يثبت فعاليته في السيطرة على سكر الدم    بلقيس تعلن عودتها الوشيكة الى عدن    التكدس في عدن وإهمال الريف.. معادلة الخلل التنموي    انهض ايها الجبل    تحذيرات من تزايد وفيات الحصبة والكوليرا بتعز    اكتشاف يعيد فهم ممارسات طب الأسنان القديم    تطوير سماعة ذكية تكشف أمراض القلب في 15 ثانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عينٌ جرت من قلبِ التسليم (2-3)
نشر في المشهد اليمني يوم 14 - 09 - 2016

الحجُّ أداءاتٌ تعبديَّةٌ جماعِيَّةٌ لِشعائرَ ومناسكَ، هي علاماتٌ ترمزُ بصورةٍ مركَّزةٍ ومُكَثَّفَةٍ إلى وقائِعَ ومواقِفَ ولحظاتٍ فاصلةٍ من تاريخِ الوَحْدَانِيِّةِ. كما تشيرُ للأدوارِ التأسيسيةِ الأولى، التي اضطلع بها أبوالأنبياءِ إبراهيمُ وابْنُه إسماعيلُ وأمُّنا هاجرُ عليهمُ السلامُ، في إرساءِ دعائمِ العقيدةِ وإعادة تسكينِ الدعوةِ وِفْقًا لمُرَادِ الله في المكانِ الذي أوْدَع فيهِ سِرَّهُ في أول بيتٍ بُنِيَ للنَّاسِ بمكةَ. حيثُ أسْنَدَ لإبراهيمَ وإسماعيلَ وهاجرَ عليهم السلامْ. مهمةَ سُكْناهُ وعِمَارَتِهِ وتأهيلِهِ ليكونَ مثابة للناس وأمنا، مركزَ الثقل الروحي للأمةِ الإسلاميةِ حتى يرثَ الله الأرضَ ومَنْ عليها، ضِمْنَ مُخططٍ إلهيٍ ومخاضاتٍ صعبةٍ وقاسيةٍ انتصرَ فيها الإيمان بالخالق وحده، وبلغَ المُكلَّفُونَ ذروةَ التسليمِ، فإذا المكانُ يُفْصِحُ عن خَباياهُ وعطاياهُ، متجاوبًا مع حركةِ الروحِ الهاديةِ بتناغمٍ وتوافقٍ مُعْجِزْ..

من قلبِ الصَّفا الصَّلْدِ انْبَجَسَ نبعٌ حَنُونٌ على وقَعِ خُطى الأُمِّ اللهيفَةِ، وتحت قدميْ طِفْلِها إسماعيلْ، الفادِي العظيمِ، وريثِ النبوة، المنذورِ للقيامِ بأعظمِ المهامِ المرتبطةِ بميلادِ البشرية.

وما بين الصفا والمروةِ. تأخذك روحٌ آسرةٌ عذبةٌ. تشعرُ بنداوةٍ مفعمةٍ بشذى الجنان، تُبَلِّلُ القلبَ والجسد.. هي روحُ أمِّنا العظيمةِ هاجَرَ. تسكن المكان الحبيب.. هي ذي وهي تهرول لحظةَ الانقطاعِ والفقدانِ والظمأِ إلى الكَنَفِ والزوجِ. وكلِّ ضروراتِ الحياةِ.. هي ذي تروي عطشَنَا للمعنَى الحقِّ. في كلِّ رشفةِ ماءٍ من العينِ الإلهيةِ الثَّرةِ المُنْبَجِسَةِ من قلبِ الأسرارِ الربانية.

خُطاكِ أيتها الأمُّ الجليلةُ. هرولةٌ أبديةٌ نحوَ الله.. بحثٌ دائمٌ عن الارتواء.. بحثٌ عن النَّبعِ الذي يسكُن أعماقَنا.. أشعُرُ بخطاكِ داخِلَ الروحِ تهمسُ في الجداولِ النائمة.. تهتفُ بالنَّداوةِ المطمُورةِ تحت ركامٍ يُثقِلُ الصدرَ ويحجُبُ الضوء.. أشعُرُ بخطاكِ تُقلّبُ عمرًا من اليباسِ والجفافِ والتصحُّر. بحثًا عن النّدى الدَّفين والدَّفْقِ الحبيس.. بحثًا عن زمزمَ الثاوِيةِ خلفَ الضُّلوع..

زمزمُ.. آيةٌ دافقةٌ انبثقتْ من يقينٍ متظافرٍ برحمةِ الله وعنايتِهِ وحفظِهِ.. عينٌ جرتْ من قلبِ التسليم. تروي عطشِ الحِقَبِ والعُصورِ بماءِ اليقين..

هاجَرُ حاضنةُ النورِ. فرادةُ الشخصيةِ وعظمةُ الموقِفِ واليقينُ الكبير. ولحظةُ تسليمٍ استثنائيةٍ، وقد استحالتْ من شعائرِ الله مستوجبةً التعظيمْ..

هاجَرُ مكانةٌ عاليةٌ، وحضورٌ محوريٌ متقدمٌ، ودور مركزيٌ رائد للمرأة في تاريخنا الديني والروحي، يتجاوزُ الفهومَ المجدِبَةَ، والتصوُّراتِ المتخلفة، يتجاوز الشعارات الجوفاء، يصيرُ شعيرةً ورُكنًا من أركانِ الحَجّ، "إنّ الصفا والمروةَ من شعائر الله فمن حجَّ البيتَ أو اعتمرَ فلا جُناحَ عليهِ أنْ يَطَّوَّفَ بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكرٌ عليم".. هي هاجَرُ الأمُّ التي منحت من روحها أم القرى، كي تتضافرَ الأمومةُ الواهبةُ، أمومةُ الإنسانِ والمكان.

ومعَ بعثةِ محمَّدٍ عليه الصلاةُ والسلام، تعلنُ دعوةُ إبراهيمَ وإسماعيلَ عن امتدادها الخاتَمِ: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.. تختتمُ رحلتَها النبوةُ. وتعلِنُ الرسالةُ عن الاكتمال.. تواصلُ مكةَ دورَها الحاضنَ للعقيدة.. يتابِعُ وِجْهَتَهُ النهرُ، مُواصِلًا التدفُّقَ والجريانَ باندفاعٍ ويقينٍ جارفٍ مكتسحٍ، ذاهبًا في كل اتجاهٍ، ناشرًا الحياة..

هو ذا الحبيبُ المصطفى يلتحفُ بُرْدَتَهُ وأشجانَ الغُربةِ..هو ذا يخوضُ امتحانَ البداياتِ الصعبةِ في مواجهةِ قُرونٍ من الارتدادِ والانحرافِ والجاهليةِ. قرونٍ من الوثنيةِ والكفرِ والشركِ والضلالاتِ المؤلهة. كانت مكةُ تغرَقُ في الظلامِ الدّامسِ. وكانَتِ الكعبةُ تغصُّ بالأوهامِ وتختنقُ بالأصنامِ..

هو ذا في ظِل الكعبةِ. مستندًا إلى السماء ومواريثِ أبيهِ إبراهيمَ، يستصرِخُهُ خَبَّابٌ. لكن عن أي عذابٍ يحكي خَبَّاب؟

ما كان جواب المختارِ. إلا قطعًا بالمنشار.. كانت لحظةً فاصلةً. وكان المنشارُ إجابةً قاطعةً تفصلُ بين زمنين: تفصِلُ بين الشكّ واليقين. بين العُتمةِ والنُّور.. بين خيارين: بين أن تكونَ أولا تكونُ.. بين أن تتحمَّلَ كُلْفَةَ الحريةَ كاملةً. أو تبقَى أسيرَ عبودِيَّتِك..

لاحَ الوصفُ الصادِمُ لمثالِ التضحيةِ المستَحَقَّةِ جزءًا من الدرسِ.. قطعًا للضعفِ والوهَنِ.. إعلاءً من شأن الروح وتهوينا من جراحاتِ البَدَن.. درسُ النبُوَّةِ من قديمٍ: خوضُ الامتحان حتى منتهاه. الانقذافُ في قلبِ النارِ. على بردٍ راسخٍ من يقينِ النجاة.

كانوا قلةً من مهمَّشي مكةَ، مدينةَ السطوةِ والجبروت.. أراد بهمُ الله كسرِ النَّسَقِ المهيمنِ في تصوّرِ القوَّةِ والمَنَعَةِ، ونسفِ كلِّ المُواضَعَاتِ القديمةِ المحدِّدَةِ للكينونةِ والمكانة..خبابُ. وصهيبٌ الروميُّ. وبلالٌ. وياسرُ القادمُ من اليمن وزوجه سُميَّةُ، امرأةٌ من موالي بني مخزومٍ. وعمَّارُ الابنُ..

تتكررُ صورةُ الأسرةِ الإبراهيميةِ في آلِ ياسر.. تبرزُ هاجَرُ بوضوحٍ في شخصيةِ سميةَ، الشهيدةِ الأم، أولى الفاديات في طريق الفجر الوليد.. أيُّ امرأةٍ أنتِ أيتها الأم الحبيبة!!. أتشبَّثُ بإهابِكِ كلما ارتَجَفَ القلبُ. وسَرَتْ فِيهِ رِعدَةُ جُبن..أرنُو إلى هامَتِكِ العالية. فينبُتُ لي ألفُ جَناحٍ وجناح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.