تعز ليست مجرد مدينة على خارطة اليمن، بل هي روح نابضة بالحياة، تختزل في تضاريسها وتاريخها وساكنيها معنى الوطن الحقيقي. إنها المدينة التي لا تُعرّف بجدرانها ولا بشوارعها، بل بأخلاق أهلها، وبالقلوب التي تسكنها، وبالكرامة التي تتنفسها في كل زاوية منها. من القاهرة إلى الأشرفية، ومن باب موسى إلى الباب الكبير، ومن حوض الأشراف إلى الشماسي، والجحملية، وصالة، ومن جبل صبر الشامخ إلى حي الروضة، وكلابة، والحوبان، والخصب، وبير باشا، والدحي، ومدينة النور، تمتد تعز كقصيدة حب لا تنتهي. تتنوع أحياؤها، وتتمايز تضاريسها، لكنها تتوحد في جوهرها: الإنسانية. سكان تعز هم نسيج يمني متكامل، جاءوا من كل المحافظات والعزل والقرى؛ من حضرموت، وعدن، وصنعاء، وإب، والمهرة، وصعدة، والحديدة. فاختلطت اللهجات، وتنوعت العادات، وتآلفت الأرواح في بوتقة واحدة لا تعرف التفرقة، ولا تسأل عن الأصل، بل تحتفي بالخلق الكريم. في تعز، لا يُسأل الإنسان من أين جاء، بل كيف جاء، وكيف يتعامل، وكيف يحترم الآخرين. هذه المدينة لا تعرف العنصرية، ولا تسمح للطائفية أن تلوث نقاءها. أهلها يفتحون أبوابهم قبل أن تُطرق، ويقاسمونك ما لديهم ولو كان قليلاً، ويبتسمون لك قبل أن تسألهم. الاحترام فيها لا يُطلب، بل يُمنح، والكرامة لا تُشترى، بل تُصان. تعز تحتضن الجميع، وتمنحهم شعورًا بالانتماء، وكأنهم ولدوا فيها، مهما كانت مسقط رؤوسهم. جمال تعز لا يقتصر على جبالها التي تعانق السماء، ولا على أوديتها التي تنساب كالحكايات، بل يكمن في طيبة ناسها، في نقاء سريرتهم، في بساطة عيشهم، وفي عمق ثقافتهم. هي مدينة المثقفين، والمبدعين، مدينة الكلمة الحرة، والضمير الحي، والوجدان الذي لا ينام. في تعز، تجد نفسك بين إخوة لا تجمعك بهم رابطة دم، بل رابطة إنسانية أعمق. تجد من يفرح لفرحك، ويحزن لحزنك، ويقف إلى جانبك في الشدة قبل الرخاء. هي مدينة لا تميز بين غني وفقير، ولا بين وافد ومقيم، بل تحتضن الجميع بحب لا يُشترط له مقابل. تعز علمتني أن الانتماء الحقيقي ليس للأرض فقط، بل للقيم التي تسكن أهلها. علمتني أن الإنسان يُقاس بأخلاقه، لا بأصله، ولا بمذهبه، ولا بماله. علمتني أن التعايش ليس شعارًا، بل ممارسة يومية، وأن الاحترام لا يُفرض، بل يُزرع في النفوس. فلكِ يا تعز، يا مدينة الحب والسلام، كل الحب والتقدير. ولكل من يسكنك، من يعرفك زقاقًا زقاقًا، وتبة تبة، وحارة حارة، أقول: أنتم النور الذي لا يخبو، والكرم الذي لا ينضب، والإنسانية التي نفتخر بها.