فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يطلع على جهود مكتب التجارة والصناعة في لحج    بوتين يعلن إعفاء الصينيين من تأشيرات الدخول إلى روسيا    ذمار تشهد أضخم احتفاليات في تاريخها بمناسبة المولد النبوي    المحاصصة المناطقية فعل مدمّر    كانت بطريقها للحوثي.. نيابة عدن تعلن إتلاف 657 كيلو كوكايين    الصقر والرشيد ...قمة مبكرة تشعل ربع نهائي بطولة بيسان    الميناء يتفوق على التلال ويتأهلان معاً إلى نهائيات السلة بالمكلا    المجلس الطبي يكرم رئيس جامعة عدن وعمداء كلياتها الطبية    لماذا قال ابن خلدون العرب إذا جاعوا سرقوا وإذا شبعوا أفسدوا    حلي ذهبية مسروقة من متحف عدن تعرض في مزادات عالمية    الرئيس يهني قادة الدول العربية والإسلامية بمناسبة المولد النبوي    (نص + فيديو) خطاب السيد القائد بمناسبة ذكرى المولد النبوي 1447ه    النخبة الحضرمية في مواجهة التمرد: الوجه الحقيقي لقيادة الهضبة على المكشوف    الدولار يتراجع مع تزايد التوقعات بخفض الفائدة الأمريكية    أمبري تعلن عن تعرض سفينة لحادث غامض في البحر الأحمر    حلاوة المولد والافتراء على الله    فيفا: الأندية أنفقت 9.76 مليارات دولار لاستقطاب لاعبين في سوق الانتقالات الصيفية    محافظ عدن يوجه بإغلاق محلات القات في الأحياء السكنية (وثيقة)    اللجنة الوطنية للتحقيق تطلق تقريرها الدوري الثالث عشر حول انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن    مدينة الحب والسلام (تعز)    محافظ شبوة يثمن دور منظمات المجتمع المدني بمسار التنمية    المنتخب الوطني للشباب يتأهل لنصف نهائي كأس الخليج    الكثيري يطَّلع على سير عمل المؤسسة العامة للطرق والجسور بالعاصمة عدن    الرئيس الزُبيدي يودّع طلاب المنحة الدراسية إلى أبوظبي ويحثهم على التميز العلمي    وفاة وإصابة 13 شخصا بصواعق رعدية في محافظتي عمران وحجة    مساعدات إماراتية جديدة لمتضرري السيول بالساحل الغربي    كهرباء عدن ترفع عدد ساعات الانطفاء والمواطن ينتظر    تراجع طفيف في الاسعار بعدن رغم تحسن قيمة العملة الوطنية    إيطاليا.. عمال موانئ يتوعدون بإغلاقها إذا اعترضت "إسرائيل" "أسطول الصمود"    اتساع نطاق العمليات البحرية اليمنية في البحر الأحمر    رغم رفض 100 مليون يورو.. ليفاندوفسكي يوارب باب الدوري السعودي    نائب وزير الشباب يبارك تأهل منتخب الشباب إلى نصف نهائي بطولة الخليج    العثور على برج قتالي قديم يعود إلى العصور الوسطى في جبال إنغوشيتيا الروسية    السنباني يبتهج بتاهل الشباب ويبحث عن دعم رجال الاعمال    رسميا .. الاعلان عن اغلاق اسواق القات في العاصمة عدن    بدء صرف معاش شهر إبريل 2021 للمتقاعدين المدنيين    فعالية لجامعة العلوم الرقمية بصنعاء بذكرى المولد النبوي الشريف    حل طبيعي .. شاي أعشاب يثبت فعاليته في السيطرة على سكر الدم    لايف تختتم تنفيذ مشروع العودة إلى المدارس تختتم تنفيذ مشروع العودة إلى المدارس    بلقيس تعلن عودتها الوشيكة الى عدن    التكدس في عدن وإهمال الريف.. معادلة الخلل التنموي    الحديدة والساحل الغربي: بين التحرير والمناورات الإقليمية    علي ناصر محمد: من حوض دماء 13 يناير إلى أحضان الحوثيين    انهض ايها الجبل    لم تعجب الطلاب لأنك شيبة ..!    وكالة: فرنسا تسعى لاعتقال الأسد و6 مسؤولين كبار سابقين    ذمار.. القبض على امرأة سرقت أقراط طالبات صغيرات    الأمم المتحدة تكشف عن اعتقال موظفين جدد وصنعاء تشدد على الالتزام بمبادئ العمل الإنساني    مقتل مواطن برصاص مجهولين في إب    تحذيرات من تزايد وفيات الحصبة والكوليرا بتعز    بدعم سعودي.. افتتاح محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي في مأرب    بلا حدود تسجل آلاف الإصابات بالإسهال المائي في إب والحديدة وتحذر من تفشي المرض    الشاعر الدكتور محمد الشميري: الوصول لا يحتاج إلى قدمين    رسول للعالمين    البرقية التي لم يعلن عنها    اكتشاف يعيد فهم ممارسات طب الأسنان القديم    تطوير سماعة ذكية تكشف أمراض القلب في 15 ثانية    بشرى النبوة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا قال ابن خلدون العرب إذا جاعوا سرقوا وإذا شبعوا أفسدوا
نشر في شبوه برس يوم 04 - 09 - 2025


بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة:
تُعد مقولة العلامة عبد الرحمن بن خلدون (1332 – 1406م) في مقدمته الشهيرة، والتي ينسب فيها إلى "العرب" أنهم "إذا جاعوا سرقوا، وإذا شبعوا أفسدوا"، من أكثر المقولات إثارة للجدل والاختلاف في التفسير. لا يمكن فهم هذه المقولة بمعزل عن سياقها التاريخي والمنهجي الذي وردت فيه، وإلاّ أدّى ذلك إلى فهم قاصر ومشوّه لمراد ابن خلدون، الذي يُعتبر أحد أعمدة الفكر الاجتماعي والإنساني.

أولاً: السياق التاريخي والحضاري للمقولة
ليس حكماً على كل العرب في كل العصور: من الأهمية بمكان التأكيد على أن ابن خلدون لم يقصد "العرب" كقومية أو عرق شامل، بل كان يتحدث عن فئة محددة جداً في سياقه التاريخي. المقصود ب "العرب" هنا هم بدو البادية والقبائل الرحل في زمانه (القرن الرابع عشر الميلادي)، وخصوصاً أولئك الذين يفتقرون إلى سلطة دولة راسخة وأعراف حضرية. كان ابن خلدون يشهد حالة من الفوضى والانهيار الحضاري في المغرب والأندلس، حيث كانت القبائل تلعب أدواراً مدمرة أحياناً.

وصف لواقع ملاحظ، وليس تعميماً أبدياً: هو يصف نمطاً اجتماعياً وسلوكياً شاهدَه وتحلّله بعين العالم الاجتماعي، وليس إصدار حكم قيمي أو عنصري على شعب بأكمله. لقد كان ابن خلدون نفسه عربياً مسلماً، وكان فخوراً بانتمائه.

ثانياً: التفسير العلمي والتحليلي للمقولة
يفسر ابن خلدون هذه الظاهرة من خلال مفهومه المركزي "العصبية" و"أطوار العمران":

"إذا جاعوا سرقوا":
الضرورة والحاجة: يرى أن حياة البداوة القاسية في الصحراء، حيث شح الموارد وعدم الاستقرار، تدفع بالإنسان إلى فعل أي شيء للبقاء على قيد الحياة. السرقة هنا هي رد فعل للجوع والفقر المدقع، وليست سجية أخلاقية متأصلة.

غياب السلطة المركزية: في غياب دولة قوية تطبق القانون وتحافظ على الأمن، يصبح "قانون البقاء للأقوى" هو السائد، وتكون الغزوات والسطو على القوافل والمستوطنات وسيلة للعيش.

"وإذا شبعوا أفسدوا":
الانتقال من البداوة إلى الحضارة: هنا يكمن جوهر تحليل ابن خلدون. عندما تنتصر القبيلة (ذات العصبية القوية) وتستولي على الحكم في مدينة ما (مثل دولة الموحدين أو المرابطين التي شهدها)، تدخل فجأة في حالة من "الشبع" والرفاهية لم تعهدها من قبل.

فجوة القيم والسلطة: المشكلة ليست في الشبع نفسه، بل في عدم امتلاك الآليات الثقافية والحضارية لإدارة هذا الغنى والسلطة. يفسر ابن خلدون "الإفساد" على أنه:
الاستبداد بالسلطة: بسبب اعتيادهم على القوة الغاشمة، يحكمون بقبضة من حديد دون حكمة.

التبذير والإسراف: إنفاق الثروة على الملذات والترف بدلاً من تعمير الدولة وخدمة الرعية.

الانقسام والتناحر: عندما تزول الحاجة (الجوع) التي كانت توحدهم للغزو، تبدأ الصراعات الداخلية على الغنائم والسلطة، مما يؤدي إلى انهيار دولتهم من الداخل.

دورة التاريخ: يرى ابن خلدون أن هذه الدورة (صعود البدوي بقوته وعصبيته، ثم إفساده بعد الشبع، ثم سقوطه) هي قانون تاريخي لحضارات سابقة أيضاً، وليس حكراً على العرب.

ثالثاً: دفاع ابن خلدون وتوضيحه
ابن خلدون نفسه توقع أن تُفهم مقولته بشكل خاطئ، فبعد أن سرد هذه الصفات نجد يقول: "ولا تظنن أن ذلك عيب في العرب، فإن طبيعة البداوة هي السبب في ذلك... وسابق الأمم من العجم وغيرهم من أهل البدو لهم هذه الطبيعة". فهو يوضح أن:

هذه صفة مرتبطة ب نمط الحياة البدوي (البداوة) وغياب الحضارة (العمران)، وليست صفة عرقية.

أن كل الأمم التي مرت بمرحلة البداوة (بما فيهم الفرس والروم وغيرهم) كانت لها هذه الخصال.

رابعاً: النقد والخلاف حول المقولة
إغفال الجوانب الإيجابية: يُنتقد ابن خلدون لتعميمه على كل بدو العرب وإغفاله للأخلاق الفاضلة كالكرم والشجاعة والشهامة التي تميزت بها القبائل العربية، وكذلك دورهم في نشر الإسلام وبناء الحضارة الإسلامية.

الاستغلال السياسي: تم استخدام هذه المقولة خارج سياقها بشكل متعمد من قبل بعض المستشرقين والأنظمة لوصم العرب والمسلمين بالتخلف والهمجية.

المنهجية العلمية: بينما كان منهج ابن خلدون علمياً بالنسبة لعصره، إلا أن تعميم صفات على مجموعة كبيرة بناء على نمط عيشها قد لا يكون مقبولاً وفق المناهج الاجتماعية الحديثة التي تراعي الفروق الفردية والتعقيد المجتمعي.

ختاما
مقولة ابن خلدون هي تحليل اجتماعي تاريخي وليس حكماً عنصرياً. هي جزء من نظرية أشمل حول صعود وسقوط الدول والحضارات. فهمها يتطلب وضعها في إطارها الصحيح:

السياق: حديث عن بدو البادية في عصر انهيار الدول.

السببية: ربط السلوك بظروف المعيشة (البداوة) وليس بالدم أو العرق.

العمومية: اعتبارها سمة للمجتمعات البدوية بشكل عام وليس العرب بشكل خاص.

، يمكن القول إن ابن خلدون لم يكن يهجو العرب، بل كان يحذر من مخاطر الانتقال من البداوة إلى الحضارة دون اكتساب قيم الحكم الرشيد وإدارة الثروة، وهي ظاهرة شهدها في مجتمعه واعتبرها قانوناً تاريخياً يتكرر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.