حذّرت الأممالمتحدة عدّة مرّات هذا العام من أن اليمن على حافة مجاعة وعرضت وكالات الأنباء خلال الأيام الماضية صوراً مرعبة لأشخاص تحوّلوا إلى أشباح كما نشرت صحيفة «التايمز» البريطانية أمس تقريراً رئيسيا حول الموضوع تحدثت فيه عن ملايين يتضورون جوعا. قضية المجاعة اليمنية لا تحتاج تأكيداً على خطورتها وعلى تأثيرها المأساوي على أحد أقدم الشعوبوالحضارات في العالم، كما لا حاجة للتأكيد على ارتباطها العضوي بالحرب الكبرى الجارية فيها والتي تشارك فيها أطراف عالمية، كالولايات المتحدةالأمريكية، وإقليمية كإيران والسعودية ودول الخليج. تخوض قوات التحالف العربي منذ 26 آذار/مارس 2015 حرباً ضد جماعة «أنصار الله» (الحوثيين) وقوات حليفهم الرئيس السابق علي صالح وتسيطر منذ ذلك الحين على الأجواء اليمنية، وكان الباعث على هذه الحرب اتجاه الحوثيين وقوات صالح نحو عدن والمحافظات الجنوبية وطلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من حلفائه العرب إيقافهم. من نافل القول إن الفوضى الأمنية والعسكرية كانت تضرب في أنحاء اليمن قبل التدخل العسكري العربيّ فيه، وأن مصادر الدخل والغذاء قد تراجعت خلال فترة الثورة على نظام علي صالح وما تبع ذلك من لجوء الأخير إلى الحوثيين والاستعانة بهم لاستعادة سلطاته. من الطبيعي أن تتبادل الأطراف المشاركة في هذه الحرب الاتهامات بحيث يضع كل طرف مسؤولية الخسائر الإنسانية وتدمير البنى التحتية وتراجع مصادر الدخل والغذاء على الطرف الآخر، ولكنّ المتابع لوسائل الإعلام العالمية يلاحظ وجود ميل واضح لقبول السرديّة الحوثية الإيرانية للأحداث، فجريدة «التايمز» البريطانية ربطت في عنوان مقالها بين المجاعة والقصف السعودي «الذي يفتّت اليمن»، كما أن الأممالمتحدة سبق لها أن قامت بالانحياز إلى هذه السرديّة حين وضعت التحالف العربي ضمن القائمة السوداء ثم تراجعت عن ذلك. المجاعة التي تحصل في اليمن تقوم على الحرب أساساً، وهذه الحرب تشارك فيها أطراف عديدة كما ذكرنا، فالمجاعة في مدينة تعز سببها محاصرتها من قبل الحوثيين الذين صادروا قبل فترة قصيرة عشرات من شاحنات الإغاثة المتوجهة إليها، أما المجاعة في الحديدة، التي هي تحت سيطرة الحوثيين، فتعود إلى الدمار الذي لحق بمينائها الذي كانت نسبة كبرى من الصادرات الغذائية اليمنية تصل إليه. أهم أسباب المجاعة هو حال المراوحة العسكرية والأمنية، وبالتالي السياسية والاقتصادية، التي يعاني منها اليمن، وإذا كان جزء من المسؤولية يقع على أطراف التحالف العربي، فإن المسؤولية الأكبر تقع على الطرف الذي قاد الثورة المضادة في اليمن، وهو الرئيس اليمني السابق، الذي عاد راكبا على صهوة الحوثيين، المتحالفين مع إيران، ليقود حرباً مدمّرة للسيطرة مجدداً على اليمن، ولتهديد منطقة الخليج العربي من خلال وجود قاعدة إيرانية متقدمة فيه. يتجاهل الإعلام الغربي بالطبع الدور العسكري والسياسي الأمريكي المستمر في اليمن، كما يتجاهل الدور الإيراني في تأمين الذخائر والأسلحة والصواريخ وتدريب العناصر لتأجيج الحرب ويركّز، لأسباب تاريخية وآنية، على السعودية والخليج العربي، وهي مساهمة في الاستخدام السياسي للمجاعة، وتسيء لليمنيين من حيث تدّعي التعاطف مع مأساتهم.