أصرّ «دكتاتور ترامب المفضّل» (على حد تعبير الرئيس الأمريكي في وصفه للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي) على مواجهة علنيّة ومفتوحة مع محمد علي، رغم نصائح كل «الأجهزة الأمنية» المصرية له بتجاهل المقاول والممثل الذي انبثق فجأة من غياهب الانترنت ليشكّل صداعا يوميّا ومشكلة شخصية للسيسي ونظامه. تطوّر خروج الشاب المطلع على الكثير من كواليس النظام والجيش والأمن بشكل عفويّ مع الحجم الهائل لردود الفعل العفوية المتعاطفة مع خطابه الشعبيّ والقادر على التأثير على قلوب الناس بسبب احتوائه على مجمل مواصفات البطل الشعبي التي يستحضرها المصريون والعرب عبر النماذج التي اشتهرت بسبب وقوفها ضد الظلم والسلطة المتجبرة كأدهم الشرقاوي، الذي يشبه محمد علي في تركه التعليم وحياة الثراء لمواجهة الظالمين، أو عرابي الذي تصدّى للخديوي والاحتلال، أو علي الزيبق الذي وقف بوجه قائد الشرطة صلاح الكلبي، وغيرهم من أبطال الضمير الجمعي للبسطاء الحالمين بتحقيق العدل ومواجهة جبروت الفراعنة والحكام. من لطيف الأمور في هذه المباراة التي افتتحها هذا الشاب أن اسمه يطابق أيضا اسم الملاكم الأمريكي الشهير الذي صنع بدوره حكايته التي جمعت بين كونه أسود وانتمائه للإسلام ورفضه الخدمة العسكرية في الجيش الأمريكي ضد الفيتناميين ووسامته وقدراته الجسدية والذهنية الفريدة التي حوّلته إلى أيقونة عالميّة. تجمع «حكاية» عبد الفتاح السيسي، في المقابل، الكثير من المثالب والعيوب التي توصل صاحبها إلى «قمّة» معاكسة، فهو وزير الدفاع الذي خان قسمه لرئيسه المنتخب محمد مرسي وانقلب عليه وأوصله للموت في قاعة المحكمة، وهو الشخصية الضعيفة والمتذللة أمام أقوياء العالم كترامب، أو أغنيائه كولي العهد السعودي محمد بن سلمان ونظيره الإماراتي محمد بن زايد، وهو نفسه المتجبر والمتغطرس على شعبه الذي يطالب هذا الشعب بالتبرع بجنيه للدولة، ويكرر كم أن مصر وشعبها فقيران، ثم يؤكد بملء الفم أنه يبني قصورا رئاسية (أكثرها حداثة أكبر من البيت الأبيض الأمريكي بعشر مرات) وسيظل يبنيها وأنه لا يخاف من إعلان ذلك. بقراره الإعلان، على رؤوس الأشهاد، عن دخوله صراعا مفتوحا مع محمد علي أعطى السيسي لغريمه الذي لا يملك غير ذكائه العفوي وبساطته وظرفه وإيمانه بالقدرة على تغيير الوضع في مصر قوّة هائلة لا يمكن السيطرة عليها ولا التحكم بردود الأفعال التي ستؤدي إليها. مثير جدا النظر في هذه المباراة، فالشاب الذي «يطير كالفراشة ويلسع كالنحلة»، كما كانت وسائل الإعلام تصف الملاكم الأمريكي الراحل، وجد نفسه فجأة يقارع نظاما كاسرا يعتبره تهديدا كبيرا، فقد أصدرت السلطات أوامرها فاتهم بالخيانة والتعاون مع الإخوان المسلمين، وانتشرت بسرعة صور وفيديوهات لعلاقاته النسائية، وتم إظهاره عاقا لوالديه أو سارقا لمال أخيه، وكلّف الذباب الالكتروني بالتصدّي لوسومه وهاشتاغاته على تويتر، ومثل آلة الأكورديون الموسيقية تتابعت موجات عمل أدوات النظام فتحرّك رجال الدين الرسميون للإفتاء في «الحفاظ على الوطن» و«الرد على الشائعات والأخبار الكاذبة، وأطلق المغنّي الكوميدي «شعبولا» ليهجوه بأغنية، وتم حشد الفنانين لإعلان تأييدهم ومبايعتهم للسيسي، ولم يكتف بكل ذلك فقد أعلن حالة الطوارئ في وزارة الداخلية ومنع إجازات الضباط، وقام بحملة اعتقالات لنشطاء، ومع كل هذا «الكرنفال» الأمني الكاريكاتوري الواسع قام أيضا ببث بعض الأنباء عن قرب انفراجة في المجال العام وإصلاحات سياسية! أغرب ما في هذه المباراة أن السيسي يساعد محمد علي في تسديد الضربات على نظامه وإظهار التفاهة الكبرى التي تمثلها رئاسته لهذا الشعب المصري العظيم.