في المجال السياسي تتحقق واحدية العالم المفروضة تحت مبررات المصلحة العامة، سلما كانت أو حربا، بتوحيد الأهداف والوسائل وتوحيد الخطاب والممارسات وتوحيد المواقف والجهود أي أن واحدية المعركة تقتضي واحدية الصف والحركة والاتجاه. وقبل الخوض في تفاصيل هذا القول يتوجب علي ابتداء توضيح ما اقصده بالواحدية وما أرجوه من توحيد فهذه الواحدية التي اتحدث عنها هنا هي التكامل المؤسس على التنوع والإختلاف والمتآلف على المشترك العام وبعبارة أخرى فإن التعددية السياسية والأنواع الثقافي والمجتمعي في الوطن الواحد تأتلف تحت مرجعية الشراكة وأطر المشاركة لتكون كما شاءت لها الجغرافيا والتاريخ سياقا اجتماعيا واحد وموحدا. وتأسيسا على هذا الإطار النظري العام وانطلاقا من مرتكزات التطور الحضاري للبشرية التي جعلت حق الإختلاف مكفولا بالحرية قيمة والديمقراطية وسيلة نقول إن التنوع في الوطن الواحد ميزة مكتسبة بالجغرافيا والتاريخ وان التعدد السياسي ميزة متحققة بالنضال الوطني وحركته نحو المستقبل وهو مايفرض حتمية الصراع ويوجب أن يكون هذا الصراع لخير الجميع ومصالح الكل. وبهذا وعليه ننتقل إلى المأساة اليمنية الراهنة لنقول فيها وعنها ما تمليه المسؤولية الشخصية من رأي نحسب أنه محكوم بمنهاج العلم ومنطق العقل لنقول إن المعركة التي فرضها على شعبنا اليمني السطو الحوثي المسلح على الدولة والمجتمع توجب واحدية المعركة تحت مبررات المصلحة العامة المتحققة باستعادة الدولة الوطنية والإنتصار لما أنجزته حركة النضال الوطني من مكتسبات جامعة لكل فئات الشعب اليمني على كامل الجغرافيا السياسية والوطنية. إن العناوين التي توحد المعركة الوطنية والسياسية في مواجهة الحوثي هي العناوين الجامعة للشعب اليمني بمرجعية نضاله التاريخي ومكتسباته المعاصرة وهذه العناوين محددة وواضحة في الدولة والوحدة، الجمهورية والديمقراطية وهي أيضا العناوين التي لاتخص حيزا جغرافيا ولا فئة سكانية وإنما تشمل اليمن كل اليمن بما هو في السياق التاريخي جمهورية يمنية قائمة على الهوية ومكتسبة بالنضال. هذه هي واحدية المعركة أو المعركة الواحدة التي فرضت عصابة الحوثي الطائفية على شعبنا خوضها بالعنف والسلاح وأوجبت على قواه السياسية وأحزابها خوضها بوحدة الوسائل والأهداف ووحدة المنطلقات والغايات حتى يتمكن شعبنا من استعادة دولته الوطنية وإعادة بنائها على ذات الأسس التي قامت عليها وتحققت عبر المسيرة النضالية منذ ثورة26 سبتمبر 1962م و14 أكتوبر 1963م وحتى وحدة الشطرين في 22مايو 1990م. وهنا لن أتحدث عن شروط ومتطلبات الوحدة في معركة استعادة الدولة اليمنية بهويتها الوطنية ومكتسباتها التاريخية ولكني سأتحدث عن اتجاه يتعمد الهاء الشعب وقواه عن معركته واشغال الوعي الجمعي عن واجبات المعركة الواحدة. والإنزلاق بجبهات المواجهة إلى متاهات المعارك الهامشية والجدال العقيم خدمة لأهواء جماعة معينة ذات مصالح محدودة بها وبارتباطاتها الإقليمية والدولية. يبدأ الإلهاء من تغييب الوطنية اليمنية عن معارك المواجهة مع العصابة الحوثية والسقوط بهذه المعارك إلى ويلات الطائفية والمناطقية والتجاذبات الخارجية التي لا تجعل المعركة معركة الكل الوطني في مواجهة السلالية الحوثية وذلك من خلال تصوير المعركة الوطنية بأنها معركة ضد المجوس والروافض ومعركة السنة ضد الشيعة ومعركة الأقيال ضد الفرس أو معركة الساحل ضد الهضبة أو الجنوب ضد الشمال. لا تتوقف جماعة الإلهاء القاتل عند هذا الحد بل تنحدر بنا إلى معارك تمزيق الصف الواحد وتذهب بنا بعيدا عن واحدية المعركة ضد العنصرية الحوثية فهي في تعز اقتتال بين الإخوان والسلفيين والشهيد عدنان الحمادي وهي في الساحل الغربي ضد طارق عفاش وهي في الجنوب ضد المجلس الإنتقالي وهي في كل الجبهات ضد الاشتراكي والناصري المتهمين بالولاء للحوثي حينا والعمالة للإمارات في كل الأحيان. هل أريد أن أقول هنا إن جماعة الإلهاءالقاتل وحدها على الباطل وأن خصومها وحدهم على حق؟ كلا وحاشا موضوعية القول هنا أن تكون خارجة عن معيار العدل والإنصاف، ما أريد قوله يتلخص فيما معناه إن عقلية الاستحواذ تدفع بجماعة الإلهاء القاتل إلى افتعال المعارك وتشتيت الجهود من خلال الحرص على تغييب الاستراتيجية الواضحة في تحديد المشروع الوطني وآفاقه السياسية والعسكرية على أساس الإيمان بحق الإختلاف وإدارته بوعي سياسي وآليات ديمقراطية. تظهر عقلية الاستحواذ هذه في بناء تشكيلات عسكرية باسم الشرعية تمثل ميليشيا حزبية مماثلة للحوثية ومضادة للجيش الوطني ومشجعة على توالد نظيراتها في جغرافيا متناثرة سياسيا واجتماعيا وهو ما تحرص جماعة الإلهاء القاتل على صرف الأنظار عنه والذهاب بعيدا عن ويلاته بمعارك هامشية ولكنها مدمرة للصف الوطني ومساهمة في تعزيز قوة العصابة الحوثية. ومما يضاعف من هذه الويلات أن جماعة الإلهاء القاتل تمتلك ترسانة إعلامية وجيوشا إلكترونية ماهرة في التضليل وقادرة على الإلهاء ومتفننة في اختلاق الأكاذيب وافتعال المعارك وفوق كل هذا تسيطر على شرعية قائمة وتنخرها بالفساد. وعليه فإن أي خطاب يتجه بنا بعيدا عن جبهات المواجهة مع السلالية الحوثية المسلحة إلى ماليس معتبرا في الوطنية اليمنية ومنجزات نضالها التاريخي هو إلهاء عن جوهر المعركة وحقيقة الوحدة الوطنية ولا يخدم في محصلته النهائية سوى الواقع الذي أرادته عصابة الحوثي وتحرص على تكريسه في الحياة اليومية للشعب اليمني.