أكثر ما يدهشني في الرجال هو قدرتهم العجيبة على الانصات، وقلة أحاديثهم، ربما هذه هي الميزة التي أستطيع أن أقف أمامها بتجلي فريد وأصفق للرجُل بكفيّ عقلي وجسدي. مرات عديدة كنت أبوح عن رغبتي في الجلوس مع الرجال لا لشيء فقط لأنهم يتحدثون قليلاً ويتركون لك مجال للبقاء وحدك على هاتفك، أو على مقاعد ذاكرتك، إنه خشوع النبوة الذي لا تعرف لذته النساء ، تأملٌ روحاني ميز الله به هذا المخلوق الخشن. ما يعيب النساء هو ثرثرتهن الجماعية، ففي جلسات النساء ينطلق أكثر من فم، وأكثر من حنجرة الأمر يشبه تماما استديو إذاعي على جدرانه أكثر من تلفاز جميعهم مشغلين على قنوات مختلفة، لا يمكن للنساء أن يصمتن أبدًا أو يصعنَّ لأي حوار على المستوى السياسي أو الثقافي أو الفني أو أي شيء آخر، ومن المستحيل أن تدير الحديث امرأة ويصمت لها البقية أو يدعنها تتحدث دون مقاطعة، فلو وجدت مجلس للنساء تدير فيه الحديث امرأة حول نقاش ما واستطعن البقية الاصغاء لأكثر من ثلاثين ثانية فاعرف أن معجزة قد حدثت، أو قل أن هناك امرأة جديدة بينهن تثير فضولهن مما يجعلهن يصمتن، أو أن محتوى الحديث يتضمن قصص السحر وجلب الحبيب والعيون التي تصيب جمالهن الذي لا يُرى، والجن الذين يعشقون أجسادهن ويتركون أجساد جميلات العالم، يتركون النسق الهندسي لجسد هيفاء وهبي والشامات الفنية التي وزعها الله كنجومٍ على بطنِ مريام فارس. لقد كنتُ دائما أندهش لمجالس الرجال، ويثير فضولي معرفة التركيب الذهني لهم، إنني أنبهر لهذا السحر لهذه الدقة التي يستطيع الرجال بها التركيز نحو حنجرة واحدة ودون أن يصيبهم قلقًا، لقد كنتُ دائما أقف بتعجب وأنا أرصد مجلسنا في القرية من خلف الحاجز، فعندما كان أبي يأتي من السفر يحدث غالباً أن يأتي أكثر من ثلاثين رجلٍ إلى مجلسنا، و يبدأ الرجال بالحديث، و نادرا ما تسمع حديثًا جماعيًا، غالباً يدير النقاش رجلٌ واحدٌ، ويبقى الجميع في صمت يستمر هذا من فترة بعد الظهر إلى بعد صلاة العصر بقليل، أما بعد الرابعة عصراً فمن النادر أن تسمع أي صوت، لدرجة أنني كنت أحيانا أشك بوجود كائنات حية خلف حاجز مجلسنا ولولا الأحذية المرتصة عند الباب لدخلت عليهم وأنا على يقين أن المجلس فاضي تماما.
