هام جدا.. البنك المركزي يكشف عن الممارسات الحوثية التدميرية للقطاع المصرفي في اليمن    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    "ظننا إن مرحلة التصعيد الرابعة ستكون هناك.. ولكن الصدمة انها صارت ضدنا"...احمد سيف حاشد يندد بأفعال الحوثيين في مناطق سيطرتهم    الحكومة تدين محاولة اغتيال الأمين العام لنقابة الصحفيين اليمنيين بصنعاء    قيادات حوثية تتصدر قائمة التجار الوحيدين لاستيرات مبيدات ممنوعة    فرقاطة إيطالية تصد هجوماً للحوثيين وتسقط طائرة مسيرة في خليج عدن مميز    الاتحاد الأوروبي يخصص 125 مليون يورو لمواجهة الاحتياجات الإنسانية في اليمن مميز    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34789 شهيدا و78204 جرحى    العين يوفر طائرتين لمشجعيه لدعمه امام يوكوهاما    في صالة الرواد بأهلي صنعاء ... أشتداد الصراع في تصفيات ابطال المحافظات للعبة كرة اليد    تياغو سيلفا يعود الى الدوري البرازيلي    ريال مدريد الإسباني يستضيف بايرن ميونيخ الألماني غدا في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    أبو زرعه المحرّمي يلتقي قيادة وزارة الشؤون الإجتماعية والعمل    مركز الملك سلمان للإغاثة يدشن توزيع المساعدات الإيوائية للمتضررين من السيول في مديرية بيحان بمحافظة شبوة    ارتفاع اسعار النفط لليوم الثاني على التوالي    عدن.. موظفو المنطقة الحرة يواصلون احتجاجاتهم للمطالبة بصرف مرتباتهم المتوقفة    تنديد حكومي بجرائم المليشيا بحق أهالي "الدقاونة" بالحديدة وتقاعس بعثة الأمم المتحدة    باصالح والحسني.. والتفوق الدولي!!    مجلس النواب ينظر في استبدال محافظ الحديدة بدلا عن وزير المالية في رئاسة مجلس إدارة صندوق دعم الحديدة    الأمم المتحدة: أكثر من 4.5 مليون طفل في اليمن خارج المدرسة مميز    هل السلام ضرورة سعودية أم إسرائيلية؟    الأمم المتحدة: مخزون المساعدات بغزة لا يكفي لأكثر من يوم واحد    وصول باخرة وقود لكهرباء عدن مساء الغد الأربعاء    طلاب تعز.. والامتحان الصعب    العثور على جثة ''الحجوري'' مرمية على قارعة الطريق في أبين!!    صاعقة كهربائية تخطف روح شاب وسط اليمن في غمضة عين    كوريا الجنوبية المحطة الجديدة لسلسلة بطولات أرامكو للفرق المقدمة من صندوق الاستثمارات العامة    الهلال يهزم الأهلي ويقترب من التتويج بطلا للدوري السعودي    مليشيا الحوثي توقف مستحقات 80 عاملا بصندوق النظافة بإب بهدف السطو عليها    انهيار جنوني متسارع للريال اليمني .. والعملات الأجنبية تصل إلى مستوى قياسي (أسعار الصرف)    الرئيس الزُبيدي يبحث مع مسئول هندي التعاون العسكري والأمني    تهامة.. والطائفيون القتلة!    دار الأوبرا القطرية تستضيف حفلة ''نغم يمني في الدوحة'' (فيديو)    أول تعليق أمريكي على الهجوم الإسرائيلي في مدينة رفح "فيديو"    صفات أهل الله وخاصته.. تعرف عليها عسى أن تكون منهم    وتستمر الفضايح.. 4 قيادات حوثية تجني شهريا 19 مليون دولار من مؤسسة الاتصالات!    صراخ من الحديدة: الحوثيون يسرقون الأرض ويعتقلون الأحرار تحت حصار الموت    العثور على مؤذن الجامع الكبير مقتولا داخل غرفة مهجورة في حبيل الريدة بالحج (صور)    بأمر من رئيس مجلس القيادة الرئاسي ...الاعدام بحق قاتل في محافظة شبوة    قيادي حوثي يفتتح مشروعًا جديدًا في عمران: ذبح أغنام المواطنين!    حقيقة فرض رسوم على القبور في صنعاء    شاهد: قهوة البصل تجتاح مواقع التواصل.. والكشف عن طريقة تحضيرها    أبطال أوروبا: باريس سان جيرمان يستضيف بوروسيا دورتموند والريال يواجه بايرن في إياب الدور قبل النهائي    السياسي الوحيد الذي حزن لموته الجميع ولم يشمت بوفاته شامت    ضجة بعد نشر فيديو لفنانة عربية شهيرة مع جنرال بارز في الجيش .. شاهد    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    البدعة و الترفيه    حقيقة وفاة محافظ لحج التركي    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المولد النبوي في اليمن.. أهلا بك في جمهورية الأخ الأكبر
نشر في المشهد اليمني يوم 27 - 10 - 2021

بهرجة الاحتفال بالمولد النبوي في صنعاء ومناطق سيطرة الحوثي لا تتناسب إطلاقاً مع حقيقة أن اليمن بلدٌ يعيش مجاعة، وأي ذكرٍ لهذه الكلفة المالية الضخمة لاحتفالٍ نبويٍّ مبالغٍ فيه تتلقى عليه ردّا سريعا، وهو ردٌّ ديني، حتى يقطع أي مجال للجدل والنقاش، من دون نسيان اتهام المتسائل بالنفاق.
لم تعد المسألة قاصرةً على مولد نبوي أغرق صنعاء وغيرها باللوحات والإضاءات والحفلات، بل صارت تمتدّ إلى مناسباتٍ دينيةٍ وسياسيةٍ، لا حصر لها على مدار السنة. يبرّر الحوثي كل هذا السفه المادي في بلدٍ جائعٍ بشتّى المبرّرات الدينية والوطنية الجامدة، والمتعالية على معاناة الناس، والمشكّكة بسهولة في نيات الآخرين.
تسعى هذه الاحتفالات والمناسبات إلى هدف دعائي جوهري ومهم للحوثيين الذين صدمهم الرفض المجتمعي لأفكارهم ومعتقداتهم، ودفعهم إلى الاستعجال وتشغيل آلتهم الدعائية بأقصى قوتها لإقامة مجتمع يشبههم، كما أنها فرصةٌ يستعرض فيها الحوثي قاعدته الشعبية، حتى لو استخدم الإكراه في جمع جزءٍ كبير من الحشود، فالحوثي ربط شرعيته بقدرته على التحشيد، بعد أن عطّل كل أدوات السياسة، واستبدلها بهذه الوسيلة الشعبوية، متبنّياً أعلى مستوى من مستويات الخطاب الشعبوي، والذي يحمل، في طياته، كل أشكال الترهيب للمختلف. وهكذا صار من الممكن أن تجد شبابا فتحوا أعينهم في أثناء طفولتهم على شعارات الحوثي وخطبهم في أثناء حرب إقليمية وأهلية، يتحدّثون عن لحظة اجتياح الحوثيين صنعاء فتحا وليس فقط ثورة، هكذا صارت الجملة الدينية للحوثيين تمتدّ إلى شريحةٍ أوسع، وتشمل شبابا صاعدا. وليس هذا الإسقاط لعهد النبوة اعتباطيا، فاللوحات في صنعاء والزوامل (أناشيد شعبية) الحوثية تتحدّث عن اليمنيين بصفتهم أنصار النبي، وقائد الحوثيين امتدادا للنبي، وكأننا في مقتبل مرحلة الدعوة التي تعني، بالضرورة، أن المجتمع كافر، وتتم حالياً دعوتهم وهدايتهم إلى الإسلام، وليس من باب العجب وصف المعارضين منافقين.
هذا هو حال بلدٍ كان قبل عشرة أعوام فقط يعجّ بالأحزاب والحديث عن الانتخابات والديمقراطية، ويعدّ صاحب تجربة سياسية حديثة ومتطورة نسبياً قياساً بجيرانه، واكتسب خبرة تتجاوز العقدين، إثر انفتاح هامش العمل السياسي والمدني بعد الوحدة في عام 1990.
ومن الممكن تفسير هذه الانتكاسة الهائلة بعدة أسباب، لكن الحرب وسياسة التجويع التي مارستها جميع الأطراف تبقيان سببين رئيسيين.
يكرّر بعضهم مخاوفه بشأن حقيقة أن الحوثي يستعيد حكما ثيوقراطيا بائسا، وهو الإمامة، ويتجاهل المتغير الأهم في هذه الحقيقة القاسية، أن الحوثي يمتلك قدراتٍ لم يكن يحلم بها أي إمام أو حاكم في العصور الوسطى، أو أسير العصور الوسطى خشية الانفتاح مثل ما كان حال الإمامة في القرن العشرين، وهذا المتغير هو القدرات الاستثنائية للدولة الحديثة في التحكّم بالمجتمع. لم يكن الحاكم قديماً يمتلك كل تلك الوسائل الجماهيرية التي لا حصر لها من مؤسساتٍ تعليميةٍ رسميةٍ وغير رسمية، ولا القدرات التكنولوجية في التنصّت والتحكّم بحياة الناس، ويستغلها الحوثي جميعاً، فها هي المنظومة التعليمية يُعاد تأسيسها، وتُطبع مناهج جديدة تنشر أفكار الحوثي، إضافة إلى الدورات الصيفية التي تحشو عقول الأطفال بكل أفكارهم التي تلغم مستقبل البلد لجيل قادم على الأقل.
وهكذا تطبق القاعدة الذهبية لأي سلطة شمولية، "أفضل سلاح للقامعين هو رؤوس المقموعين". بالتالي، يكرّر الحوثي رسالته إلى الجمهور عبر الإعلام والتعليم والاحتفالات، ليرسخ مفاهيم مثل الجهاد وآل البيت والولاية الربّانية، لكي يؤسّس جيلا جديدا مؤمنا بأفكاره، وهو جيل أهم وأسهل من تغيير قناعات الجيل الذي عاصر زمن ما قبل الحوثي.
ليس هذا فقط، فالسلطات الحوثية نشطة جداً في التجسّس على مواطنيها بمختلف الوسائل، سواء بمراقبة الهواتف، أو تكليف عقال الحارات (أشخاصٌ يختارهم أبناء الحي) لإمدادهم بمعلوماتٍ عن كل صغيرة وكبيرة في الحي. هذا غير استغلال حاجة الناس بتوزيع المساعدات، بل وأيضا غاز الطبخ حسب ولائهم، والذي يتم اختباره بعدة أمور، أهمها إرسال أحد أبنائهم إلى جبهة القتال.
تنتشر صور عبدالملك الحوثي في كل ركن في صنعاء، لتذكر كل مواطنٍ بالأخ الأكبر الذي يلقنه مفاهيم الدين والوطنية، ويذكّره بواجب الطاعة والولاء المطلق، بل إن صورته ومسلحيه المنتشرين في كل الشوارع تذكّر اليمني، في كل لحظة، بأنه مراقب ومسيطر عليه كلياً. يجمع الحوثي بين أفكار شديدة التخلف والانغلاق وأكثر الأسلحة وأجهزة الاتصال تقنية وتطوراً، وهذه تركيبة مفزعة، فهو لا يمتلك لليمن أي مشروع سوى الحرب. سبق وأن صرّح زعيمهم، في خطاب له، إنهم "سيحاربون إلى يوم القيامة"، والرجل الذي أخذته الجلالة النبوية لا يكفّ، هو وجماعته، عن الحديث عن أحلامهم وتوسّعاتهم المستقبلية إلى خارج اليمن نحو مكّة والقدس.
اليمن بالنسبة لعبد الملك الحوثي ليس سوى خزّان بشري من الجنود لمعاركه المقدّسة، اليمن ليس هدفا، هو مجرّد وقود للمعركة لتحقيق الغرض الأسمى نحو الوصول إلى الأراضي المقدّسة. والحرب لا تشكل عبئا على جماعةٍ تشكل وعي أفرادها منذ مراهقتهم على الحروب، فأكبر شخص عمراً في الجماعة في منتصف الأربعينيات، وهم في حالة اقتتال مستمر منذ بداية حروب صعدة منذ 17 عاماً.
وقد أعطت السنوات السبع الأخيرة للحوثيين دروساً مهمة، عسكرة المجتمع وإدخاله في دائرة الخطر المستمرّة جراء الحروب، وكذلك إشغال الناس بالجري وراء قوت يومهم اليومي، بكل ما يعنيه هذا من تجريفٍ للطبقة الوسطى، والقضاء الكلي على المساحات البسيطة من الفكر المستقل التي كان يتيحها التعليم سابقاً بدون أيديولوجية مكثفة. والأهم، يظل الترويع أداة مهمة بالحكم، مثل ما حدث أخيرا من إعدامات في وسط ميدان عام. كلها أثبتت نجاعةً في استمرار السلطة، ولا يهم بأي كلفة بشرية ومستقبلية.
هكذا أصبح اليمنيون يعيشون في جمهورية الأخ الأكبر، الأخ المتسلّط والمراقب، والذي يقلب معاني الأمور، فوزارة السلام هي المعنية بالحرب، حسب منطق الأخ الأكبر. المغالطة وقلب المفاهيم ضروريان للبقاء، هكذا تصبح سرقة الناس وجبايتهم بحجّة المولد النبوي، فيما هو مجرّد احتفال ديني عظيم، اختبارا لإيمان الناس. ويتحجّج الحوثي بأن مولد نبي وصاحب رسالة سماوية أمر جدير بالاحتفال، لكنهم، في واقع الأمر، وحسب تصرفاتهم وأقوالهم، إنما يحتفلون بمؤسّس السلالة المقدّسة التي يستمد منها عبد الملك الحوثي شرعيته، وليس بنبي ورسول.
تبدو الأمور قاتمةً وشديدة السواد. ولكن هل هناك ما يمكن فعله؟ بهذا الواقع المتردّي، تتضاعف مسؤولية المثقفين في التوعية وإدراك خطورة ما يجري، والأهم الوعي بحقيقة أن كل أسلحة الحوثي يمكن أن تنقلب ضده، لو استخدمت جيداً، فالتكنولوجيا يمكن أن تستخدم لدعاية مضادّة، فالإعلام لم يعد قاصرا على اليمن. كما أن التجهيل قد يسهّل التحكّم بكثيرين في أي اتجاه. أما التجويع والحرب فهما سببان كافيان ليظل الحوثي ذكرى مشؤومة لمجتمعٍ لو امتلك بدائل وقيادةً قادرٌ على التحرّك والغضب من وضعٍ كهذا، فلطالما تحرّك اليمنيون، وثاروا ضد ما هو أقل سوءاً. ولم يكن اليمن يوماً معزولا عن كل المتغيرات الإقليمية والدولية، مثل التحوّل نحو الجمهورية والكفاح ضد الاستعمار والانفتاح الديمقراطي في الموجة الثالثة بداية التسعينيات، إضافة إلى انتفاضات الربيع العربي وغيرها كثير. هذا كله يقول إن هناك مجتمعا ديناميكيا تواقا للتغيير، وقادرا على التضحية والمجازفة لأجل أحلامه التي قد تنطفئ، لكنها لا تذوي تماماً.
-العربي الجديد-


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.